|
عندما يكون الموج اكثر امناً من السفينة نفسها
رياض بدر
كاتب وباحث مستقل
(Riyad Badr)
الحوار المتمدن-العدد: 5211 - 2016 / 7 / 2 - 04:51
المحور:
الادارة و الاقتصاد
في عام 2012 كنت قد نشرت مقالة بعنوان " لم ينتهي التاريخ ايها الغبي " وذكرت فيها ان الاتحاد الاوربي سائر الى انهيار وتفكك مُدعِّماً رايي هذا بقول وراي للفيلسوف الفرنسي اندرية گلوكمان في محاضرة له انذاك تنبأ فيها وفق مايجري من احداث ونتائج مستقبلية بانهيار وتفكك الاتحاد الاوربي. الان وبعد اتضاح الرؤية اكثر بسبب خروج بريطانيا المنطقي من الاتحاد الاوربي والتي كانت غير متوقعة للمحللين المالين والصحفين الذين توقعوها من الاغريق فجائت من الانگليز وغالبية العامة ايضا ظنوا كذلك بل راح حتى المهاجرين في بريطانيا خصوصا من الجيل الثالث ولاسباب مضحكة يصوتون ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي كما يفعل ايضا المهاجرون القدامى والجدد في الولايات المتحدة الامريكية عند الانتخابات الرئاسية الامريكية فيعتقدون انهم بالاماني والعواطف والنظرات الضيقة ان كانت هناك اصلا نظرات ان يفصّلوا قميصا على قياسهم وذوقهم فقط بدون اخذ تاريخ هذه الدول التي لجؤا اليها او القيم الاقتصادية او المعنوية او حتى المستقبلية بعين الاعتبار والحسبان. فكرة الاتحاد الاوربي نشأت عام 1953 في بروكسل وكان الغرض الاساس منها والوحيد هو توحيد الزعامات في اوربا وخلق سببا للجلوس سوية دائما بعد ان وقعت حربين عالميتين بين الدول الاوربية بسبب الخلافات المذهبية والعرقية بين شعوب اوربا وقادتها اودت بحياة الملايين من البشر حول العالم وسببت دمار شبه كامل لاوربا وخاصة المانيا فكانت الفكرة بانشاء هذا الاتحاد لتجنب حرب اخرى فقط وكان المفكرين الذين توصلوا لهذه الفكرة يدركون جيدا ان شعوبهم لا تَودُ بعضُها البعض اطلاقا فعسى اذا ما جَمَعوا قادة هذه الشعوب على طاولة واحدة ابدية تحت سقف اتحاد واحد عسى ان لاتقع حرب اخرى في المستقبل. ثم صار الوضع الى تعزيز هذا الاتحاد باصدار العملة الموحدة لتقوية الاتحاد وليس لتقوية اقتصاد الاتحاد كما زعم من عمل على هذه الفكرة ووضعوا الخطط الاقتصادية والاجتماعية التي ظنوا انها تضمن ذلك وكانت النتائج كما نرى منذ تطبيق توحيد العملة عام 2000 وفرض المخلوق الجديد اليورو ولحد الان كيف ان الاقتصاد الاوربي ليس على مايرام بل يترنح بين الفينة والاخرى بازمات خانقة رغم ان الاتحاد حقق بعض النجاحات في جوانب معينة لاسيما العلمية منها لكن الزمن اثبت انها نجاحات لاتضمن استمرار الاتحاد على الاطلاق فهي نجاحات لجانب معين ومحدد فقط . ثم اظافوا اتفاقية شنگن التي وقعت في بدايتها بين بلجيكا وهولندا وفرنسا والمانيا ولوكسمبورگ على متن السفينة ماري استريد Marie- Astrid على نهر موسلي Moselle قبالة قرية شنگن النائية الواقعة ضمن دوقية لوكسمبورگ الى الجنوب الشرقي من مملكة بلجيكا صاحبة فكرة إنشاء الاتحاد الاوربي ويفخر اهلها بارقى انواع النبيذ لما تتميز به مزارع العنب الموجودة فيها تلك القرية التي لايتجاوز تعداد سكانها الفي نسمة انذاك عند توقيعها عام 1985 ولم تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ إلا في عام 1995 ثم انضمت اليها باقي دول الاتحاد الاوربي تباعا عدا بريطانيا وايرلندا حيث لم يكن عدد اعضاء الاتحاد الاوربي كما هو الحال الان بل ايضا لم يكن كل اعضاء الاتحاد الاوربي قد وقعواعلى اتفاقية شنگن كما هو الحال مع اتفاقية العملة الموحدة اليورو فكانت هذه اولى بوادرالانشقاقات وكان يقود هذه الانشقاقات دائما هي الامبراطورية التي صارت الشمس تغيب عنها في السنة لاكثر من 9 اشهر لكنها لازالت تدعي العكس لكن ايضا تعمل على ان تبقى فعلا لاتغيب عنها الشمس وهي ترى ان شمسها بدأت فعلا بالافول والذوبان بالاتحاد الاوربي الذي انضمت اليه عام 1973. المتمعن بالتاريخ البريطاني وكيفية تفكير العقلية البريطانية كان سيعرف ان المملكة المتحدة سوف لن تبقى في هذا الاتحاد فالانگليز لايودون ابدا ان يكونوا في موضوع غير موضع قيادة وهذا لن يتحقق اطلاقا وهم داخل الاتحاد لاسيما انهم يوالون بل يشكلون عنصرا مهما في السياسة الامريكية والتي بدورها غير مرحب بها بالتمام والكمال داخل الاتحاد الاوربي وظهر هذا جليا في عدة احداث خطيرة اخرها واكبرها على الاطلاق غزو العراق من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وسط معارضة كل دول الاتحاد الاوربي ومجلس الامن والامم المتحدة ايضا خصوصا بعد خدعة الحرب على الارهاب التي فرقع دخانها الولايات المتحدة الامريكية ثم اتضح فيما بعد الكثير من ملفاتها المريب وظهور اجندات سرية فكانت علامات الساعة قد بدأت بالاتقاد الى حد تفجر الازمة المالية التي تسببت بها الولايات المتحدة الامريكية تعمداً كما اتضح من سياق التحقيقات الصورية التي شكلتها لجنة مستقلة من الكونغرس الامريكي والتي كشفت علنا كيف ان كبريات البنوك الامريكية وهي ايضا اكبر بنوك العالم قد تلاعبت وضللت الراي العام والمستثمرين بل والقانون وخرقت كل محظور لتكديس اكبر كمية ممكنة من الاموال في خزائنها فكانت بالضبط عملية سحب البساط من تحت القدم اودت الى شبه انهيار اقتصادي للاتحاد الاوربي الذي لازال يرزح تحت هذه الضغوط بل بالفعل انهارت بنوك اوربية كبيرة وقديمة لم ينقذها إلا الاندماج مع بعضها ناهيك عن افلاس مشاريع وشركات كبيرة. سارعت اسكتلندا الى اعلان عزمها على البقاء ضمن الاتحاد الاوربي مما يعتبر دلالة على نيتها الانفصال فعلا عن المملكة المتحدة الامر الذي فشل سابقا لكن هاهي الان تعلن صراحة الى امكانية اعادة الاستفتاء حول الانفصال عن المملكة المتحدة وهو الامر الذي سرع عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي كي تحافظ هي على اتحادها بالرجوع الى اقتصادها وافكارها الكبيرة القديمة فبريطانيا لم تكن عظمى بفضل الاتحاد الاوربي بل بفضل تاريخها فهي ولدت عظمى ولو بقي الاتحاد الاوربي سوف تكون جزءاً عادياً ضمن القطيع وهذا يتنافى مع الفكرة العظمى للانگليز بانهم هم مَنْ يمنحون الحرية والقانون للباقين ويعطون القوة مع ضمان بقائهم الاقوى وهذه فلسفة انگليزية بحته يجب علينا ادراكها كي نفهم كيف يفكر الانگليز ثم نعي تصرفاتهم عندها نستطيع ان نعرف ماسيقدمون عليه. عودا على موضوع استكتلندا نرى تصريحات قادتها الرسمية بالتفاني للبقاء في الاتحاد الاوربي مما له دلالة عن النأي بمجاديفهم عن شراع الانگليز الامر الذي سيؤكد كما اسلفت حتمية طرح استفتاء ثانٍ للانفصال عن المملكة المتحدة الامر الذي إن حدث ستكون عواقبه كبيرة سواء السياسية او الاقتصادية على المملكة المتحدة ومن جانبٍ اخر فان إنفصال اسكتلندا عن الملكة المتحدة قد يفتح شهيتها للانفصال بعد ذلك عن الاتحاد الاوربي حيث تَعلَمُ اسكتنلدا كباقي دول الاتحاد بان الاتحاد ليس اكثر من سفينة تغرق والعبرة ليست بالقفز منها فقط إنما بالقفز المبكر منها حين يكون الموج العاتي أأمنُ من السفينة نفسها وهذا مافعله الانگليز الذين كانوا الثقل الاكبر للاتحاد الاوربي لاسيما في السياسة الخارجية والدولية ذلك الاتحاد الذي لايوده الساسة في الولايات المتحدة الامريكية لما عرف عنهم من حساسيتهم لاي فكرة اتحاد تكون اقوى منهم لما في ذلك اضعاف لسطوتهم على مناطق عديدة في العالم حينما يتعلق الامر في طلب المساعدة من دول اوربية معينة وليس الاتحاد كله كما اسلفت في موضوع غزو العراق فقد ذكرت محطة CNBC عشية التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي وبالقلم العريض " ماذا قدمت بريطانيا للاتحاد الاوربي كي تبقى فيه " !
#رياض_بدر (هاشتاغ)
Riyad_Badr#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفكير البسطية
-
اينشتاين و ( الله )
-
الاخوات السبعة
-
الحقيقة في اصل ومذهب ال - خوميني - وعلاقته بوليام ريتشارد ول
...
-
النسورهُنا هذه الكَرّة
-
رجلٌ ضجِرّ
-
الساعة تُشير إلى موعد إنتصافُ العدل
-
قصة غرام
-
من سهلَ مهمة ظهور تنظيم الدولة الاسلامية !
-
ريحة العنبر
-
سفينة بِلا أقدار
-
آيات يزيديات
-
قراءة رجعية لصحيفة نسائية
-
وعلى الوطن السلام
-
نداء استغاثة من طين
-
خطاب آه إلى بغداد
-
في حضرة إمرأة بوهيمية
-
اُمنيات على خارطة الوطن
-
إلى سورية مع حُزني
-
مع هطول النسيان
المزيد.....
-
جروندبرج يشدد على ضرورة معالجة الأزمة الاقتصادية في اليمن
-
انخفاض أسعار الذهب في العراق.. أسباب خفية وفرص جديدة للمستثم
...
-
أردوغان يؤكد على قطع بلاده للتجارة والعلاقات مع إسرائيل
-
تكللت بمنصب وزاري.. مغامرة إيلون ماسك تثبت النفوذ الهائل لأس
...
-
-انظر.. الكرة الذهبية بين يدي- رودري يكسب الرهان مع موراتا
-
بعد فوز ترامب.. بتكوين تقفز إلى مستوى تاريخي
-
عاجل|تراجع مفاجئ في أسعار الذهب الان.. الدهب بكام!
-
زاخاروفا: لن يتعافى اقتصاد الاتحاد الأوروبي دون إعادة النظر
...
-
مصر تسعى لزيادة دخلها من مناجم الذهب 6 أضعاف
-
تحذير من تداعيات خطط ترامب الجمركية على اقتصاد ألمانيا
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|