أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد القادر زين الدين - قراءة في نص مسرحي لسعد الله ونوس من مسرحية - ملحمة السراب -















المزيد.....

قراءة في نص مسرحي لسعد الله ونوس من مسرحية - ملحمة السراب -


عبد القادر زين الدين

الحوار المتمدن-العدد: 5185 - 2016 / 6 / 6 - 19:31
المحور: الادب والفن
    


لقد ارتبطت نشأة المسرح العربي بالتحولات الاجتماعية والفكرية التي عرفتها المنطقة خلال أواسط القرن التاسع عشر، حيث ترسخت في أذهان مفكري ومبدعي عصر النهضة ضرورة بناء الهوية القومية على أسس جديدة تمكن من الخروج من واقع التخلف والاستبداد والتبعية الاستعمارية، ومن ذلك الاستفادة من المنتوج الثقافي والإبداعي الغربي، وفي هذا الإطار عمل عدد من المسرحيين الرواد مثل مارون النقاش وأبي خليل القباني على وضع اللبنات الأولى للمسرح العربي، مما شكل أرضية لاستنبات تجارب فنية متميزة خلال القرن العشرين، يمكن أن نستحضر منها تجارب كل من توفيق الحكيم وغسان كنفاني وعبد الكريم برشيد إضافة إلى تجربة الكاتب سعد الله ونوس، وهو فنان سوري، عاش بين سنتي 1941 و 1997، ألف عددا مهما من المسرحيات من بينها "سهرة مع أبي خليل القباني، ورحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة وأحلام شقية ومسرحية " ملحمة السراب " التي صدرت له سنة 1996 و هي المسرحية التي اقتطف منها النص الذي ندرسه.
إن الملاحظة الأولية للنص تبين أنه نص يتأسس على الحوار والإرشادات المسرحية، كما تمكننا قراءة بدايته ونهايته من افتراض أن أحداثه تتمحور حول جدل أخوين بحضور أمهما العجوز بخصوص إمكانية بيع أرض مشتركة. وبناء على ذلك فإننا نتساءل عن موضوع الحوار وتفاصيل الحدث المسرحي الذي يعبر عنه، وعن خصائص النص الفنية والأسلوبية.
نستطيع من خلال قراءة النص المتأنية تتبع أحداثه التي يمكن أن نصنفها إلى ثلاثة مشاهد:
ـ المشهد الأول: اجتماع أفراد الأسرة في بيتهم الريفي، وتصريح مروان العائد من العاصمة بحاجته الماسة إلى المال، الأمر الذي أثار استغراب أخيه أمين.
المشهد الثاني: اقتراح مروان بيع الأرض التي تشترك الأسرة في ملكيتها ليدبر كل واحد أموره بالنصيب الذي سيحصل عليه.
المشهد الثالث: تأزم العلاقة بين الأخوين بسبب رفض أمين المطلق لفكرة بيع الأرض، وإصرار مروان على أخذ نصيبه.
هكذا يتضح أن الحدث المسرحي يتمحور حول اختلاف الأخوين مروان وأمين حول قيمة الأرض؛ فمروان ينظر إليها باعتبار قيمتها المادية وما ستعود به عليه من تحسين أوضاعه الاجتماعية، أما أمين فهو يعتقد أن الأرض لا يمكن أن تقدر بثمن مهما ارتفع، ولعل ذلك راجع إلى المقومات الشخصية للأخوين، فمروان يمثل شخصية الموظف المتأثر بالحياة المدينية، والذي يعاني من ضغوطها المادية، بينما يمثل أمين شخصية الفلاح المزارع المحافظ على أصالته، القنوع بما تيسر من الرزق.
وإذا كانت هذه المشاهد المسرحية قد جرت في فضاء مكاني هو بيت الأسرة الريفي، فإن هذا المكان يشكل فضاء مناسبا لصراع القيم بين الأخوين، ففي هذا البيت تربيا وترعرعا قبل أن تفرق بينهما السبل والمواقف. كما ساهمت المشيرات الدالة على الزمن في التعبير عن هذا الصراع؛ فالزمن بالنسبة لمروان حاضر مليء بالمتغيرات والتحولات التي تفرض تغييرا في السلوك والمواقف لمجابهة تحديات المستقبل ( في أيامنا هذه..، لقد تغيرت الدنيا، سيكون بوسع كل منا أن يسوي وضعه، وأن يبدأ مع الحياة بداية جديدة..)، أما بالنسبة لأمين فالحاضر مرتبط بالماضي الذي يؤصل به موقفه ( لا تنس يا أخي المتعلم أن هذه الأرض هي التي ربتك، وأنفقت عليك حتى تعلمت وتوظفت وأدرت لها ظهرك ).
وقد ساهم الحوار في تمكين الشخصيات من التعبير عن مواقفها بشكل ساهم في تطوير الصراع الدرامي وتعميقه، وهو صراع يعكس تفاوت وجهات النظر بين الفئات الاجتماعية المتأثرة بالتغييرات الاقتصادية والفئات المحافظة المتعلقة بأصولها وبأرضها، وقد انعكس هذا الصراع على لغة النص التي اكتست طابعا حجاجيا، إذ استدل كل طرف على سداد موقفه باستعمال أساليب حجاجية ولغوية ، فأمين استعمل عدة أساليب منها: التعريف (الأرض هي بالنسبة لي رفيقة وعشيرة ورزق وحياة في الأبناء بعد الممات )، و التحذير (إياك أن تزدري الأرض أمام فلاح )، أما مروان فقد وظف أسلوب المقارنة " إن بسطة صغيرة على رصيف شارع يمكن أن تدر أضعاف ما يكسبه المزارع من محصوله)، وأسلوب السخرية ( في أيامنا هذه لم تعد للأرض قيمة إلا في الأشعار والأغاني).
وإذا نظرنا إلى مكون الإرشادات التي تتخلل الحوار المسرحي، وهي من السمات المميزة لهذا النمط الإبداعي، فإننا نجد أنها ترد في النص لتقديم معلومات عن الفضاء الذي يدور فيه الحوار، والشخصيات المتحاورة وصفات بعضها والعلاقات القائمة بينها (بيت ريفي، أمين التبان وأخوه مروان ومعهما أمهما العجوز مريم الزرقاء)، كما نجدها تقدم معلومة عن أسلوب تلفظ الشخصية بخطابها الحواري ( بسخرية )، ولا يخفى ما لهذه الإرشادات من أدوار متعددة تساهم في تخييل المشهد لدى القارئ، وتيسير إخراجه وتحويله من نص مكتوب إلى عرض مسرحي على الخشبة.
نستخلص مما سبق أن هذه المشاهد المسرحية المقتطفة من مسرحية " ملحمة السراب " لسعد الله ونوس قد عكست، بأسلوب فني، قضية من القضايا الاجتماعية المتمثلة في وصول رياح التغيير والعولمة إلى البادية بعد اكتساحها لعالم الحاضرة، و ما نتج عن ذلك من صراع قيمي بين الأفراد والجماعات؛ بين متشبث بالأصالة والأرض، ومنفتح على قيم العصر وضغوط الرأسمال المادي ... وقد ظهر ذلك جليا في الحوار الذي دار بين مروان المتمدن وأمين الريفي، والذي أدى إلى ظهور ملامح الخلاف الحاد بين أفراد الأسرة الواحدة.
وعموما يمكن القول إن الكاتب المسرحي سعد الله ونوس قد توفق إلى حد بعيد في استثمار ما يوفره الفن المسرحي من مكونات وخصائص تعبيرية وفنية لتناول قضية اجتماعية وفكرية من قضايا عالمنا الحديث.


عبد القادر زين الدين ـ العرائش 2 ـ 6ـ 2016




قيمة الأرض ـ سعد الله ونوس
(بيت ريفي، أمين التبان وأخوه مروان التبان، ومعهما أمهما العجوز مريم الزرقاء)
مروان: لماذا لا تقولين شيئا يا أمي ؟
الزرقاء: أفضل أن أسمع.
مروان: أنتم أهلي، ولا يجوز أن أخفي عنكم أني في ضيق، إني في حاجة ماسة إلى مبلغ أرتب أموري به.
أمين: إذا أنت شكوت، لا يبقى لمثلي ما يقوله. موظف كبير ويقبض في الشهر المبلغ المرقوم، ومع هذا يأتي بعد طول غياب ليخبرنا أنه في ضيق، وأنه في حاجة إلى المال ماسة، أكنت تعلمين يا أمي أن أخي يعيش في فاقة وأن حاجته إلى المال ماسة؟
مروان: أتحسب أني أبالغ! فعلا أنا موظف ولدي معاش، ولكن هل تعلم يا أخي ... ماذا تعني الحياة في العاصمة؟ لدي راتب ... نعم يا أخي، لدي راتب ... ولكن لدي أيضا التزامات ثقيلة، لا يغطي الراتب إلا جزءا يسيرا منها، أتعرف حجم القروض والديون التي ينوء بها ظهر أخيك؟ صدقني لولا إلحاح الحاجة لما خطر هذا الموضوع في ذهني، وحتى لو لم يكن المرء محتاجا، فإن السعر الذي يدفعه ابن الغاوي، يعد فرصة ذهبية لا يفوتها إلا المجنون
أمين: أتسمعين يا أمي ! أخي المتعلم يقول ... سنكون مجانين إذا لم نبع أرضنا.
مروان: أتتخيل المبلغ الذي سنحصل عليه؟ سيكون بوسع كل منا أن يسوي وضعه وأن يبدأ مع الحياة بداية جديدة.
أمين: أنت يا أخي عندك وظيفة وبيت في المدينة، وأخمن أن الضيعة التي ولدت فيها، وتربيت صارت لا تعني لك شيئا، أما أنا فهنا مكاني، والأرض هي عملي الذي أفنيت عمري فيه، أتتصور كيف تكون حياة مزارع لم تبق لديه أرض؟ ماذا سأفعل، وكيف نعيش؟
مروان: (بسخرية) في أيامنا هذه، لم تبق للأرض قيمة إلا في الأشعار والأغاني، قل لي ماذا تدر هذه الأرض التي تكدح وتشقى فيها طول السنة، إن بسطة صغيرة على رصيف شارع يمكن أن تدر أضعاف ما يكسبه المزارع من محصوله، لقد تغيرت الدنيا يا أمين، وبالمال الذي ستحصل عليه .. يمكن أن تهيء مشروعا ربحه أكبر وتعبه أقل.
أمين: سأقدم لك يا أخي نصيحة لوجه الله، إياك أن تزدري الأرض أمام فلاح أعطاها أفضل قواه، وأعطته أفضل خيراتها، هذه الأرض التي لا تعني بالنسبة لك إلا مبلغا من المال، هي بالنسبة لي رفيقة وعشيرة ورزق وحياة في الأبناء بعد الممات. ولا تنس يا أخي المتعلم أن هذه الأرض هي التي ربتك، وأنفقت عليك حتى تعلمت، وتوظفت، وأدرت ظهرك لنا.

سعد الله ونوس " ملحمة السراب" الأعمال الكاملة ـ المجلد الثاني (656 ـ 658)ـ بيروت 2004



#عبد_القادر_زين_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألوان الغربة في الشعر العربي الحديث
- بيان المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم بالعرائش
- في ذكرى رحيل الشيخ إمام دروس الحب و الثورة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد القادر زين الدين - قراءة في نص مسرحي لسعد الله ونوس من مسرحية - ملحمة السراب -