أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبدالله تركماني - محددات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في تونس















المزيد.....

محددات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في تونس


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 5178 - 2016 / 5 / 30 - 00:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


محددات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في تونس (*)
تعيش تونس على وقع الحديث عن مصالحة شاملة متعددة المستويات لتحقيق الوئام الوطني والانطلاق منه لكسب الاستحقاقات والرهانات الكبرى. وباتت هذه القضية من أكثر الملفات التي تثير الجدل بين النخب. وظهر من تجربة السنوات الخمس الماضية أن تأخر فتح هذا الملف قد جر على البلاد متاعب وكوارث، تبدأ من تعطّل عجلة النمو وصولاً إلى انتشار الإرهاب والتعدّي على الشعب والدولة.
وتذكر سير التاريخ الكثيرة أنّ البلدان التي توخت المصالحة بعد الثورات فازت بالأمن والعدالة والعمران، أما التي انزلقت في طريق مخالفة فقد دفعت أثماناً باهظة وظلت مغلولة بالخوف والإرهاب والتخلف. ولكن المصالحة ارتبطت - منذ البداية - على غرار ما هو متعارف عليه في الأنظمة المقارنة بالعدالة الإنتقالية. إذ إنَّ إعادة بناء المجتمعات بعد حكم عصابات المختلسين أمر يتطلب الالتزام الكامل بحكم القانون وسيادته، سواء كان ذلك يتعلق بمكافحة الفساد أو بالعمل ضد انتهاكات حقوق الإنسان.
إنّ المصالحة الوطنية، في جوهرها، قيمة أصلية، ومبدأ إنساني عريق. لكنّ الزج بالمصطلح والفكرة في المجال السياسي التونسي، وفي سياقه التاريخي ما بعد الثورة، يجعل منه محل خلاف واختلاف ومساءلة، بدلاً من الاتفاق والمواءمة.
وفي الواقع لم يكن تتويج تونس بجائزة نوبل للسلام أمراً اعتباطياً، بل كان فعلاً رمزياً، دالّاً على قدرة التونسيين على تجاوز خلافاتهم، وحل أزماتهم، بالاحتكام إلى منطق الحوار، لا إلى منطق القوة وفوهات البنادق. لقد مثّل الحوار الوطني علامة فارقة في المسار الانتقالي التونسي.
ويمكن القول إنّ ملامح مشروع وطني قد بدأت بالتشكل من خلال الممارسة، وليس التنظير، خصوصاً من خلال جملة التوافقات حول دستور 2014 والتجارب الانتخابية المتتالية منذ الثورة، الأمر الذي سيجعل منها تقليداً ديمقراطياً تحرص عليه الأجيال المقبلة، بعيداً عن الهوس الذي يسكن بعض عجائز الحياة الحزبية التونسية، ممن تربوا على ذهنية الاستبداد.
ولا شك أنّ وفاقاً تاريخياً مجدياً يتطلب القطع مع المنهجية القديمة المبنية على الانغلاق والتعصب ورفض الآخر، فلا بد من البحث عن نقاط الالتقاء لبناء جبهة المجتمع المدني سداً منيعاً ضد الاستبداد في الداخل والتبعية للخارج.


العدالة الانتقالية
في التجارب الانتقالية الديمقراطية عبر العالم لا تصالح بدون عدالة انتقالية، ولا انتقال ديمقراطياً بدون عدالة انتقالية. ومنظومة العدالة الانتقالية في قانون ديسمبر 2013 احترمت المبادئ الدولية المعمول بها في كل دول العالم وهي المساءلة والمحاسبة ثم المصالحة، وبالتالي فإنّ المصالحة هي تتويج لمسار متكامل.
فلا يمكن الفصل بين تحقيق المساءلة عن أعمال الفساد التي تم ارتكابها في ظل ديكتاتورية نظام بن علي، وبين تحقيق العدالة بشأن الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان من قبل ذلك النظام. وما لم يتم الكشف عن هذا الارتباط العضوي وكسره، فمن شأنه أن يؤدي إلى معاضدة كل منهما للآخر وتعزيزهما المتبادل للإفلات من العقاب.
إنّ تحديات كثيرة ستواجه تونس في المرحلة القادمة، ومنها " العدالة الانتقالية "، التي تعترضها - بداية - تحديات تتمثل بكيفية محاسبة رجالات السلطة المندثرة، خاصة أولئك الذين أفسدوا بالمال العام، وكذلك ردُّ الحقوق إلى أصحابها. وأكثر ما يهدد هذه العدالة هو العمى الأيديولوجي لدى البعض والتعصب الفئوي لدى البعض الآخر، اللذان ينذران بنشوء بؤر متفجرة للنزاعات السياسية، ما يفسح في المجال أمام تصاعد العنف وإسقاط مشروع الانتقال الديمقراطي برمته في أتون الفوضى والصراع.
وفي سياق هذه المرحلة ستشغلنا أسئلة كثيرة وحاسمة، من أهمها: ما نوعية الجرائم والانتهاكات التي يجب المساءلة عليها ؟ ثم ما مستويات المسؤولية ؟ وما نوعية المسؤولية، هل هي جنائية أم مدنية ؟ وما الفترات الزمنية التي تحتاجها عملية المساءلة والمحاسبة ؟
إنّ هدف ومنهجية مؤسسات العدالة الانتقالية هو السعي إلى بلوغ العدالة، ومعالجة إرث انتهاكات حقوق الإنسان. وذلك من خلال توخّي القضاء هدفاً مزدوجاً: المحاسبة على جرائم الماضي، ومنع الجرائم الجديدة من الوقوع، وفق استراتيجية تعتمد إعادة بناء وطن للمستقبل يتسع لجميع المكوّنات الفكرية والسياسية للشعب التونسي، قوامه احترام حقوق الإنسان والمواطن والآليات الديمقراطية وسيادة القانون.
وفي الوقت الذي كثر فيه الحديث عن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية المقترح من قبل رئاسة الجمهورية، بهدف طي صفحة الماضي وإجراء المصالحة مع من تخلدت بذمتهم قضايا فساد مالي وإداري، مقابل ضخ أموال لتدور العجلة الاقتصادية للبلاد وخروجها من الأزمة الخانقة، فإنّ لجنة التحكيم والمصالحة صلب هيئة الحقيقة والكرامة للعدالة الانتقالية تواصل أعمالها لتكون الثمرة إبرام اتفاق تحكيم ومصالحة مع بعض الفاسدين السابقين.
المصالحة الوطنية
إنّ أهم ما يواجه تونس هو ضرورة إجراء حوار وطني شامل حول كيفية التعامل مع الماضي في إطار العدالة الانتقالية، بما يؤدي إلى رفع الوعي القانوني وتعزيز الثقافة الحقوقية بأهمية التعامل - إنسانياً وقانونياً - مع الماضي بطريقة تجنّب المجتمع التونسي ردود الفعل بالانتقام أو الثأر أو الكيدية أو تغذّي عوامل الكراهية والحقد والضغينة.
إنّ المصالحة الوطنية لا تعني النسيان وإنما إلغاء الثأر والانتقام عبر اللجوء إلى القضاء، وذلك يعني أنه لا بد من أن يقبل كل التونسيين، من يشعر أنه كان ضحية للنظام المندثر ومن يخاف أن يكون أحد ضحايا التغيير، بأنّ الدولة قادرة على حمايتهم جميعاً وأن تؤمن لهم مستقبلاً أفضل. وهنا لا بد من التشديد على مبدأ ربح الجميع، مما يتطلب من الضحايا أن يدركوا أنّ مستقبل تونس يتعلق بمدى قدرتهم على تجاوز الماضي من أجل الشراكة في الوطن.
إنّ الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تعيشه البلاد لم يعد يحتمل انكماش رجال الأعمال وتخوفهم من المحاسبة ومنعهم من السفر، ولكنّ مشروع قانون المصالحة الوطنية الذي طرحه رئيس الجمهورية تمت صياغته من دون استشارة هيئة الحقيقة والكرامة ذات العلاقة بالموضوع. ولعل مشروع المصالحة الوطنية الشاملة الذي طرحه الشيخ راشد الغنوشي، إنما هو استعادة لقانون المصالحة الاقتصادية، مضافا إليه، هذه المرة، رد الاعتبار واسترداد الحقوق المدنية والسياسية والتعويض وجبر الضرر لمن شملهم مرسوم العفو التشريعي العام، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة التسريع في مسار العدالة الانتقالية.
وهكذا، فإنّ تحصين الثورة يبدأ ليس بإقصاء طرف سياسي، لأنّ هذا الإقصاء جزء من عملية التطهير الستالينية الشمولية، بل يجب اعتماد ضريبة للنمو، تُفرَض استثنائياً على الشركات والمداخيل الخاصة، إضافة إلى ضرورة تطــــبيق قانون العدالة الجبائية على فئة كل رجال الأعمال مع مفعول رجعي على أرباح مؤسســــاتهم، وتوظيف هذه الأموال في استــــثمارات منتجة تخدم مشاريع التنمية في الولايات الفقيرة والمهمشة.
إنّ طي صفحة الماضي لا يعني إلغاءها من ذاكرة الشعب التونسي نهائياً وكأن شيئاً لم يكن، فيصبح فيها أبطال القمع وانتهاك حقوق الإنسان وكأنهم كانوا أبطال البناء، ومرتكبو الجرائم قضاة العدل، وناشرو الفساد مصلحي البلاد والعباد. إنّ طي صفحة الماضي لا بدّ أن يقوم على الاعتراف بكل ما ورد فيها، وتقويم كل ذلك على أساس القيم التي يراد البناء عليها للمستقبل.
وهكذا، ثمة احتمالان ينضجان في واقعنا التونسي الراهن: احتمال أن نذهب إلى مصالحة تاريخية بين كل الحساسيات الفكرية والسياسة، نقبله جميعاً لأنه من اختيارنا، واحتمال نقيض يعني تحققه ذهابنا إلى حال مفتوح على الفوضى. وكما قال الرئيس السابق الدكتور منصف المرزوقي " إنّ الشعب التونسي يريد القطع مع النظام القديم وليس قطع رقاب الأشخاص .. لكن لا يمكن أن تتفاوض على طبيعة النظام الذي أدى إلى ما صارت إليه .. ".
ومن المؤكد أنّ الثورة التونسية لن تقف عند حدود تغيير بنية الدولة الأمنية، وإنما ستمتد وظيفتها للحديث عن توحيد المجتمع التونسي في إطار دولة المواطنة الحقة، فكل النشطاء ومن كل المكونات الوطنية والشرائح المجتمعية يلتفون حول هدف واحد هو الحفاظ والارتقاء بمكانة الدولة وتطويرها بمحض إرادتهم وبقناعة أنّ مصلحة تفعيل المواطنية إنما هي مصلحة خاصة قبل أن تكون عامة.
وفي هذا السياق ينبغي لغالبية المشاريع السياسية التونسية، متى أرادت النجاح، أن تستعيد روح الحركة الإصلاحية التونسية التي سعت الى تأسيس دولة الحقوق والحريات، بعيداً عن الأدلجة المفرطة، أو الشعارات المبالغ فيها.

تونس في 26/5/2016 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية
(*) – قُدمت بالنيابة في " جمعية منتدى الثقافة والحوار " – 28/5/2016.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأساس الثقافي للمحنة السورية الراهنة
- مرتكزات المبادئ فوق الدستورية
- الطائفية السياسية وسيرورة الدولة السورية
- جدل التنمية والديمقراطية ومؤشرات التعثّر المغاربي (2 - 2)
- جدل التنمية والديمقراطية ومؤشرات التعثّر المغاربي (1 - 2)
- فرص وتحديات اندماج اللاجئين المغاربيين في أوروبا
- فرص وتحديات اندماج اللاجئين المغاربيين في أوروبا (2 - 3)
- فرص وتحديات اندماج اللاجئين المغاربيين في أوروبا (1 - 3)
- كي لا تكون الفيدرالية مقدمة لتقسيم سورية
- مخاطر صك الانتداب الروسي على سورية
- مقاربة للثورة السورية في ذكراها الخامسة
- الحضور المميز للنساء في الثورة السورية
- مآلات الدولة والمجتمع في سورية
- التداخلات الإقليمية والدولية وآفاق حل المسألة السورية
- محاولة استشراف مستقبل النظام الدولي
- بيان إلى الرأي العام السوري حول جينيف 3
- عقدة الأسد في خطة طريق فيينا
- بيان إلى الرأي العام السوري حول تطورات الوضع الداخلي لحزب ال ...
- معطيات المشهد السوري وتداعياته (3 - 3)
- معطيات المشهد السوري وتداعياته (2 - 3 )


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبدالله تركماني - محددات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في تونس