أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - فلسفة العلوم















المزيد.....

فلسفة العلوم


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 5161 - 2016 / 5 / 13 - 17:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتعدد الأسئلة ضمن فلسفة العلوم منها السؤال الأساسي ألا و هو : هل النظريات العلمية صادقة؟ و تنقسم فلسفة العلوم إلى مذهبيْن هما المذهب الواقعي و المذهب اللاواقعي. لكن من الممكن طرح فلسفة جديدة كفلسفة السوبر حداثة للإجابة على الأسئلة الفلسفية التي من ضمنها السؤال السابق.

إنقسم الفلاسفة و العلماء حول قضايا فلسفة العلوم فمنهم مَن إتبع المذهب الواقعي و دافع عنه و آخرون قبلوا بالمذهب اللاواقعي ( ليس بالمعنى السلبي ). فمثلا ً , عالِم الفيزياء روجر بنروز و الفيلسوف ريتشارد بويد يدافعان عن الاتجاه الواقعي في العلوم و يؤكدان على أن النظريات العلمية المعاصرة صادقة لكونها ناجحة في تفسير الكون و وصفه. بالنسبة إلى الفيلسوف ريتشارد بويد , التفسير الوحيد و الأفضل لحقيقة أن النظريات العلمية المعاصرة ناجحة في وصف و تفسير الكون و ظواهره هو أن هذه النظريات صادقة بمعنى أنها تطابق الواقع. فإن لم تكن صادقة فمن المستغرب كيف تنجح في وصف و تفسير الكون و ظواهره الطبيعية رغم عدم صدقها.

(Editors: Richard Boyd, Philip Gasper, and J. D. Trout: The Philosophy of Science. 1991. The MIT Press)

من المنطلق نفسه , يقول الفيزيائي روجر بنروز إن على النظريات العلمية أن تطابق الواقع و من الخطأ اعتبار النظريات العلمية مجرد أدوات لتفسير الكون و وصفه. فالعلم من منظوره يتخذ علميته من جراء تطابقه مع الواقع. و بذلك أية نظرية لا تطابق الواقع ليست علمية و لا بد من رفضها. من هنا , يرفض بنروز نظرية ميكانيكا الكم و يصر على أنه لا بد للعلماء أن يبحثوا عن نظرية علمية جديدة تتخطى نظرية ميكانيكا الكم و تطابق الواقع. هذا لأن نظرية ميكانيكا الكم من المستحيل أن تطابق الواقع لكونها تقول إن الجُسيم نفسه كالإلكترون هو جُسيم و ليس جُسيما ً بل موجة في آن , و تعبّر عن ذلك بقولها أيضا ً إن قطة شرودنغر حية و ميتة في الوقت ذاته. و من المستحيل أن تطابق هذه النظرية الواقع و إلا أمسى الواقع متناقضا ً.

(Stephen Hawking and Roger Penrose: The Nature of Space and Time.
(1996. Princeton University Press

هذا يرينا أن المذاهب الفلسفية تؤثر تأثيرا ً قويا ً في تشكيل المواقف العلمية. فمذهب بنروز الواقعي في فلسفة العلوم أدى به إلى رفض نظرية ميكانيكا الكم على نقيض من موقف الفيزيائي ستيفن هوكنغ اللاواقعي في فلسفة العلوم و الذي أدى به إلى قبول نظرية ميكانيكا الكم و اعتبارها نظرية علمية. على هذا الأساس , الفلسفة و العلوم تشكّل حقلا ً معرفيا ً واحدا ً لا يتجزأ. لذلك اتجاهنا الفلسفي يشارك بقوة في صياغة العلم و لذا العلماء هم أيضا ً فلاسفة تماما ً كبنروز و هوكنغ اللذين إشتغلا في الفلسفة لإكمال أبحاثهما العلمية و تحديد مساراتها.

من جهة أخرى , يعتبر المذهب اللاواقعي في فلسفة العلوم أن النظريات العلمية ليست صادقة و لا كاذبة بل هي فقط مقبولة لكونها أدوات ناجحة في وصف الكون و تفسيره. و الفيزيائي ستيفن هوكنغ و الفيلسوف توماس كون يقبلان المذهب اللاواقعي و يدافعان عنه. بالنسبة إلى الفيلسوف توماس كون , النظريات العلمية تستبدَل دوما ً بنظريات علمية جديدة. و بذلك من الخطأ اعتبار أن النظريات العلمية صادقة و إلا ما كان ليحدث استبدالها المستمر. مثلا ً , تم استبدال نظرية النسبية لأينشتاين بنظرية نيوتن. فبينما الزمن نسبي في نظرية أينشتاين لكونه يتسارع أو يتباطأ مع تسارع أو تباطؤ الأجسام , الزمن مطلق و ليس نسبيا ً من منظور نظرية نيوتن. لكن العلماء اليوم يعتقدون بنسبية الزمن كما وردت في النظرية النسبية لأينشتاين على نقيض مما تقول نظرية نيوتن العلمية. و بذلك حدث استبدال نظرية أينشتاين بنظرية نيوتن و حلت الأولى مكان الأخيرة و تم قبول نظرية أينشتاين بدلا ً من نظرية نيوتن رغم أن النظريتيْن ناجحتان في تفسير الكون. هكذا يستنتج توماس كون أن نجاح النظرية العلمية لا يدل على صدقها, و بما أن النظريات العلمية تستبدَل بأخرى إذا ً من الخطأ القول بصدقها.

(Thomas Kuhn: The Structure of Scientific Revolutions. 1970. The University of Chicago Press)

يضيف توماس كون قائلا ً إن النظرية العلمية تحدِّد ما هو صادق و كاذب لأنها تقدِّم المعايير التي على ضوئها نحكم على صدق أو كذب القضايا المعرفية. لذلك من الصعب إن لم يكن من المستحيل تكذيب أو تصديق أية نظرية علمية و إلا وقعنا في المصادرة على المطلوب ألا و هي التسليم مُسبَقا ً بما نريد أن نبرهن عليه. و هذا مرفوض منطقيا ً. لذا يستنتج توماس كون أن النظريات العلمية ليست صادقة و لا كاذبة على نقيض من المذهب الواقعي. فلا نستطيع أن نحكم على نظرية علمية معينة سوى من خلال نظرية علمية أخرى ما يجعلنا غير قادرين علميا ً على البرهنة على كذب أو صدق أية نظرية لكوننا حينها نكون قد سلّمنا مُسبَقا ً بصدق نظرية علمية معينة دون سواها ( المرجع السابق ).
على ضوء المنطلقات الفلسفية نفسها , يعتبر الفيزيائي ستيفن هوكنغ أن النظريات العلمية ليست صادقة و لا كاذبة بل هي فقط أدوات ناجحة في تفسير الظواهر الطبيعية و التنبؤ بها. و لذلك يقبل هوكنغ نظرية ميكانيكا الكم و يعتبرها علمية و إن كانت لا تطابق الواقع. بالنسبة إليه , يكفي على النظرية العلمية أن تنجح في وصف و تفسير الكون و لا تحتاج إلى أن تكون صادقة بمعنى أنها لا تحتاج إلى أن تطابق الواقع. لذا نظرية ميكانيكا الكم القائلة بأن الجُسيم كالإلكترون هو جُسيم و ليس جُسيما ً في آن و إن قطة شرودنغر حية و ميتة في الوقت نفسه هي نظرية علمية رغم أنه من المستحيل أن تطابق الواقع و إلا أصبح الواقع متناقضا ً .

(Stephen Hawking and Roger Penrose: The Nature of Space and Time. 1996. Princeton University Press)

هكذا موقف هوكنغ الفلسفي ضمن فلسفة العلوم أدى به إلى قبول نظرية ميكانيكا الكم على نقيض من موقف بنروز الذي دفعه إلى رفضها. من هنا , تلعب فلسفة العلوم دورا ً أساسيا ً في تشكيل العقل العلمي و رفض أو قبول النظريات العلمية ما يؤكد على وحدة الفلسفة و العلوم. و هذا متوقع لأن وظائف الفلسفة و العلوم متطابقة. فمثلا ً , الفلسفة و العلوم تهدف إلى تحليل المفاهيم و تفسير الظواهر و حل الإشكاليات المعرفية ما يحتم تطابق العديد من أسئلة و أجوبة العلوم و الفلسفة. مجتمع بلا علوم مجتمع بلا فلسفة. و مجتمع بلا فلسفة مجتمع بلا حضارة فأي مبدع في النثر أو الشِعر أو في الفنون الجميلة أو في أي حقل إبداعي آخر هو في الحقيقة فيلسوف يبدع على ضوء فلسفته. هكذا تتوحد كل الحقول الإبداعية و الفنية و المعرفية في حقل وجودي واحد لا يتجزأ. لذا نشهد أن الشعوب المتطورة في العلوم و الفلسفة متطورة أيضا ً في الفنون و العكس صحيح أيضا ً.

بالإضافة إلى ذلك , من الممكن دائما ً الخروج من المذهبيْن الواقعي و اللاواقعي و قبول فلسفة أخرى ألا و هي فلسفة السوبر حداثة. بالنسبة إلى السوبر حداثة , من غير المُحدَّد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة. و لذا النظريات العلمية المختلفة و المتصارعة كلها ناجحة في تفسير الكون و وصفه رغم أنها تعارض و تناقض بعضها البعض. هكذا تكتسب السوبر حداثة قدرتها التفسيرية فمقبوليتها. فلو كان من المُحدَّد أية نظرية علمية هي الصادقة أي المطابقة للواقع لوجدت نظرية علمية واحدة ناجحة في وصف و تفسير الظواهر الطبيعية. لكن كل النظريات العلمية ناجحة رغم تعارضها. لذلك من غير المُحدَّد أية نظرية علمية هي الصادقة. فمثلا ً , كل من النظرية النسبية لأينشتاين و نظرية ميكانيكا الكم ناجحة في وصف ظواهر الكون و تفسيرها لكنهما تعارضان بعضهما. فنظرية ميكانيكا الكم تصر على أن قوانين الطبيعة غير حتمية بل احتمالية بينما النظرية النسبية لأينشتاين تؤكد على أن قوانين الطبيعة حتمية.
هذا التعارض و الاختلاف بين النظريات العلمية رغم نجاحها يشير بقوة إلى لا محددية صدق أية نظرية علمية ما يتضمن لا محددية الكون في ذاته. فالكون غير مُحدَّد و لذا من الممكن أن ننجح في وصفه و تفسيره من خلال نظريات متعارضة. هكذا يحررنا الكون بفضل لا محدديته فيسمح لنا في إنتاج نظريات عديدة و مختلفة قادرة على إيصالنا إلى المعرفة رغم تعارضها. كون مُحدَّد فيما هو سجن للفكر و التفكير. و عِلم مُحدَّد في صدقه قتل للعقول.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعنافوبيا
- المعنالوجيا
- فلسفة الحداثة في مواجهة ما بعد الحداثة
- الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات
- غزل فلسفي : كولونيا
- الفلسفة الاسلامية و دورها الاجتماعي و السياسي
- فلسفة الدين بين الحداثة و ما بعد الحداثة
- فلسفة الحياة و العقل و اللغة
- البحث عن لغات فكرية جديدة
- فلسفة الزمن و الكون و الوهم
- فلسفة العلم و الديمقراطية
- سوبر تفكيك الأصولية و الإرهاب
- الديمقراطية نظام تواصلي و معلوماتي
- فلسفة الكون المعلوماتي
- الكون نظام تواصلي
- العلم إعجاز لغوي
- العلم عملية تصحيح لغوية
- السوبر تخلف : ما بعد الديمقراطية و الديكتاتورية
- فلسفة العلم في مواجهة فلسفة الجهل
- المعرفة بين السوبر حداثة و السوبر تخلف


المزيد.....




- بحشود -ضخمة-.. احتجاجات إسرائيلية تدعو نتانياهو للموافقة على ...
- -كارثة مناخية-.. 70 ألف شخص تركوا منازلهم بسبب الفيضانات في ...
- على متنها وزير.. أميركا تختبر مقاتلة تعمل بالذكاء الاصطناعي ...
- حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- هل تحظى السعودية بصفقتها الدفاعية دون تطبيع إسرائيلي؟ مسؤول ...
- قد يحضره 1.5 مليون شخص.. حفل مجاني لماداونا يحظى باهتمام واس ...
- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - فلسفة العلوم