كاظم الموسوي - كاتب صحفي وباحث سياسي - في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: اليسار الديمقراطي .. والمهمات الراهنة في الوطن العربي


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 5157 - 2016 / 5 / 9 - 00:20
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -180- سيكون مع الأستاذ د. كاظم الموسوي - كاتب صحفي وباحث سياسي - حول: اليسار الديمقراطي .. والمهمات الراهنة في الوطن العربي.


1- يواجه اليسار الديمقراطي تحديات جمة بعد كل ما حصل في الوطن العربي خصوصا، منذ اندلاع الحريق في تونس وامتداده لاشعال هشيم انظمة مستبدة ومرتهنة واطلاق شرارات التحرك الشعبي الواسع، الذي تجاوزت الشعوب به حواجز الخوف والخروج الى الشوارع والمطالبة بالحرية والكرامة والخبز والعدالة والديمقراطية والمشاركة السياسية والاستقلال، تلك القيم والمبادئ والثوابت التي يعتمدها كل ذي ضمير، ومن بينهم اليساربون الديمقراطيون في الوطن العربي. وللوقوف عند دوره ومواقفه لابد من التساؤل عن التحديات التي يواجهها اليسار الديمقراطي اولا ومن ثم البحث معه في مواجهة المهمات والمشاركة في تحقيقها والعمل عليها ثانيا.

2- هل هناك ضرورة بعد لتعريف اليسار الديمقراطي، ولماذا اضافة الديمقراطي لليسار، حيث يتطلب له ذلك، في ظل ما حدث عالميا واقليميا من تطورات لم تصب اغلبيتها في خدمته او في مصلحته؟. فمن ما اتفق عليه في التعبير عن المعنى المباشر لليسار، اتجاها وبرنامجا، يكون الاهتمام بما تطور تاريخيا واصبح مؤشرا واضحا له يميزه عن غيره في الميادين الكفاحية، السياسية والاجتماعية والفكرية وحواملها الطبقية وتطلعاتها الطبيعية في العدالة والحرية والكرامة والوحدة والتحرر والاستقلال. اليسار تاريخيا موقف وبرنامح ومنهج عمل شكل وقام بمهمة المدافع الحقيقي عن الشغيلة والكادحين وطليعتهم العمال والفلاحون وحلفاؤهم من المثقفين الثوريين والجنود، ومن النساء والرجال ومن كل الفئات العمرية. واضافة الديمقراطي له الان تعكس اصراره على الممارسة الفعلية للمفهوم والقيمة، وتجدد في المرجعية التي يستند اليها والتطور والتحديث في البناء والعمل الجاد لمستقبل افضل، مستفيدا فيه من الدروس والعبر التي مرت عليه في تجربته النضالية عمليا وواقعيا. ووضوح في الصراع الدائر اليوم بين الراسمالية العالمية والعولمة المتوحشة والطبقات الاجتماعية وتياراتها المختلفة التي تتعرض لحملاتها وتقاومها بما تستطيع من اجل اهداف انسانية وعدالة اجتماعية وتنمية مستدامة وحقوق انسان وديمقراطية حقيقية واحترام للخيارات والارادات الوطنية والقومية وكل ما يخدم الانسان ويوفر له حياة كريمة، عبر كل الاشكال والاساليب النضالية.

3- امام اليسار الديمقراطي اليوم تحديات عديدة، لعل ابرزها: المراجعة النقدية، اعلاء مبدأ النقد الذاتي كمحرك دينامي للاستمرارية، وكضرورة للتقدم بعد كل ما حصل للتجربة عموما وفي الوطن خصوصا. ومن ثم اعادة قراءة المرجعيات الايديولوجية والسياسية وتامين القناعة بالتحولات ومسارها العملي والنظري، والوقوف بجدية امام المهمات المطلوبة من انطلاق اليسار الديمقراطي وتجديده واستيعاب التحولات السريعة والمتوقعة القادمة، وتعزيز فعاليته في الحركات النقابية والاجتماعية المدنية والثقافية المختصة، والتوسع في العمل النضالي بين اجيال الشباب وتمكين المرأة، وتحديد سبل مواجهة ما سيقابله من حملات مضادة، سواء من مقربين منه او حلفاء او معادين اساسا له ويعملون لخنقه واقصائه على مختلف الصعد.

4- ماذا تعني المراجعة النقدية.. ولماذا؟.. يعترف كل الناشطين كافراد او تنظيمات بجسامة الاخطاء والخيبات في التجربة العملية عبر محطات تاريخية متواصلة زمنيا منذ التأسيس او انتشار الوعي اليساري الديمقراطي بمفاهيمه الكلاسيكية او الجديدة. وهذا الاعتراف هو بداية مطلوبة للنقد الذاتي والتشخيص لما حدث وللاسباب التي ادت اليه وكيفية المعالجة والتمكن من ابعاد السلب والبالي او ما شكل كابحا معرقلا لسيره وتطوره، ومنه طبعا الادارة السياسية والعلاقات الاجتماعية والطبقية والتدخلات والتفاعلات معه. فلا يشك احد بما حصل من تراجع او انحسار ومن تهميش وتضيق واقصاء، بالقوة او بدوافع اخرى، وصولا الى الاقتناع بمسؤولية عوامل موضوعية وذاتية، ترابطا فيما انتهى اليه الواقع، وللانطلاق من جديد او الاستمرار المتجدد لابد من تلك المراجعة النقدية والتحليل العلمي الموضوعي للواقع الملموس والبناء على التغيير والحوار المفتوح في كل ما حدث وما سبب كل ما جرى وما سوف ياتي. آخذين بنظر الاعتبار تحولات المجتمع والبلاد، وما شملته من تغيرات او اعاقته من مخلفات واعراض لما تزل باقية كالتخلف والجهل والامية الابجدية والثقافية وشيوع البطالة والبحث عن العمل والفساد وسوء الادارة وهدر الثروات والطاقات واستمرار قوى الاحتلال او المتخادمة معها في تكريسها او ديمومتها وعدم التشجيع على التخلص منها والعمل على تجاوزها وصنع البدائل المثمرة لها، وهو ما يتوجب ان يكون في اطار فعالية اليسار الديمقراطي ومهماته.

5- كما هو التحدي الذي يكمن في تحديد موقع اليسار الديمقراطي في ساحة او ميدان الكفاح الوطني والقومي، اذ لم يعد ظرف او مكان الفصيل او الشخص متشابها او متطابقا مع غيره بكل ما هو عليه. فتغير الظروف وخصوصية التطورات والتحولات تنعكس بشكل او باخر حتى على طبيعة اليسار الديمقراطي ومساحة حركته وقدرات تاثيره. وهو دور عليه ان يتميز به في كل مكان وميدان، ويتعمق الوعي فيه، وهذا ما يوضح ضرورته وعملية التحديث والتطوير والتغيير في الواقع والراهن والمستقبل في الوطن العربي خصوصا. حيث لا يمكن ان يغفل عن اهمية ودور اليسار في كل التفاعلات والمتغيرات الحاصلة فعليا على الارض والتي تترك اثارها وتداعياتها على مصير ومسؤولية قوى التغيير والديمقراطية العاملة بين شعوب الامة وبلدان الوطن العربي.

6- والتحدي الاخر في الجواب على سؤال: هل اليسار الديمقراطي عنوان واسع لحركة تضم كل القوى والشخصيات المؤمنة بالمرجعيات الكلاسيكية لها وتطويرها بتوسيعها حسب منطلقات ومتغيرات الواقع والميدان؟. هذا يعني عمليا بان المصادر الاساسية للماركسية ومدارسها ليست وحدها بل لابد من اضافة التراث الاشتراكي العالمي، والاهم تراث الشعوب العربية التقدمي وحضارتها العربية الاسلامية وقدراتها التي تنعكس على مسار العملية السياسية والفكرية في كل بلد او مجتمع. وهنا تصبح المرجعيات الايديولوجية والعملية منوعة ومثمرة في الربط بينها وبين التطورات والتحولات وفي المد الثقافي ودوره في التغيير والتعبير الواقعي والفعلي عن توجهات وبرامج العمل اليومية لليسار الديمقراطي في بلدان الوطن العربي. وهو ما يميز اليسار الديمقراطي عن غيره كحركة او تيار صاعد ومتطور ويعمل من اجل اوسع الجماهير، الشغيلة بمختلف اشكال عملهم وانتاجهم، اليدوية والعقلية، العملية والثقافية، والتواصل مع كل التطورات في الثورات التقنية العالمية ومواكبتها عمليا في عمليات التغيير والتحديث المستمرة في الحركة اليومية والكفاح الوطني والقومي. حتى يكون اليسار الديمقراطي قادرا على الريادة والعمل المشترك في عمليات التحديث والتغيير وعاملا مؤثرا وفاعلا، لا تقدر اية جهة او سلطة تجاوزه او ابعاده، وبدونه لا يتم ما ينشد او يتصور للراهن والمستقبل الوطني والقومي. كما ان مشاركته العملية كواجب كفاحي له يدفع عنه تهم العزلة او الانحسار ويضفي طابعا اخر للحراك الشعبي والنضال الوطني والقومي التقدمي، لاسيما في وطننا العربي، المتعدد والمتنوع والثري بكل مصادره وكنوزه الطبيعية والثقافية والاجتماعية والتاريخية.

7- ما هي المهمات الراهنة لليسار الديمقراطي؟، لابد هنا من وضوح في برنامج ومنهج عمله، لاسيما بعد الاجابة على التحديات ووضعها في دائرة الاهتمام والعمل.. تاتي العودة الى استكماله في تدقيق موقفه ودوره ومدى تطبيقه العملي في:


- المسألة الطبقية والتطورات الاجتماعية. (او تطوير وتعميق الوعي وتمكينه من التفهم الصحيح للمتغيرات والتحولات والمطالب والاهداف والتاكيد على الثوابت الاساسية في البناء الوطني والطبقي لليسار الديمقراطي).
- المسألة الوطنية والقومية. ( او قضايا التحرر الوطني والقومي والمساهمة الفاعلة فيها وعدم الاتكاء على ما كان سلبيا فيها، والركون اليه، سواء صدر من اشخاص او قيادات او احزاب معينة لم تحسن الادارة والقيادة في تجربتها العملية، وتعزيز تقدير الهويات الرئيسية والنضال المشترك، وادراك خطورة الامبريالية ومشاريعها وخططها العدوانية في تدمير الوطن العربي وتخريبه وتجزئته وتشويه الوعي الجمعي وغسل الادمغة وحرف البوصلة..)
- مسألة الدين والسياسة. (او ضرورة التمييز بين الدين/ العقيدة، والقوى السياسية التي تزعم بمرجعيته لها من خلال التجربة الميدانية والحوار والمواقف السياسية وبرامجها وسياساتها ورهاناتها، وعدم الاكتفاء بما تتحدث هذه القوى او الاحزاب عنه او تعبر به عن رغباتها وتوجهاتها السياسية المؤدلجة، وتقدير الدور المقاوم والممانع لخطط الاستعمار ونهب الثروات وغزو واحتلال البلدان والتخادم مع قوى الراسمالية والعولمة المتوحشة..)
- مسألة الديمقراطية، او الحوار وبناء الوحدة التنظيمية او التنسيق فيها كمرحلة اولى. (لاسيما اوليا بين من يرفع الشعارات والبرامج المتقاربة او المشتركة ويسعى فعليا لتطبيقها ويؤمن بالتقدم والتغيير الثوري الفعلي. او اختبار الممارسة العملية للديمقراطية وآلياتها والبناء عليها واعتماد زمام المبادرة والقدرة على الرؤية البناءة والمصالح المشتركة والاعتذار والتسامح ونبذ سياسات الانقسام والانشطار والانشقاق العبثي والفردي والاناني.)
- مسألة التحالفات الوطنية او الكتلة التاريخية. ( او استخلاص دروس التاريخ وعبره في التفاهم والتنسيق بين القوى المختلفة الانتماءات الايديولوجية والطبقية والمتقاربة في الاهداف والكفاح المشترك، والعمل على المواجهة المشتركة للاخطار والخطط الامبريالية والرجعية، والدكتاتورية والاستبداد والاحتراب الداخلي، وكذلك على الصعد الايديولوجية والصراع الفكري والبرامج السياسية، وادامة السبل الجامعة والحرص على كل القدرات والطاقات المتوفرة والقادرة على بناء الكتلة التاريخية ..)
- المهمات المستقبلية في استمرار عمليات التجديد على مختلف الصعد، التنظيمية والفكرية واساليب النضال والتغيير الثوري، والتقدم في مختلف المجالات وتطوير الامكانات العملية وفق وعي التغييرات والتحولات الثورية، محليا وعالميا، وعلى صعيد التطورات السريعة والثورية في التقنية والاتصالات والاعلام.. ( ومن بينها مواجهة الحملات الضارية ضد اليسار عموما والديمقراطي خصوصا ومحاولات كبحه واقصائه والغائه ايضا، لاسيما من التيارات القريبة منه، كالليبرالية مثلا، او قوى تزعم او تنشط تحت واجهته او باسمه ولكنها ترتبط بجهات او تراهن على قوى معادية بالكامل حتى لاسم اليسار، والديمقراطية، فضلا عن القوى والاحزاب والسلطات اليمينية الرجعية والامبريالية والقوى المتخادمة معها.....)