هاتف بشبوش
الحوار المتمدن-العدد: 5147 - 2016 / 4 / 29 - 10:31
المحور:
الادب والفن
في يوم عيد ميلاد( مايكل) وفي إحتفال المدرسة والطلاب بهذه المناسبة ، يغادر مايكل الإحتفال ويذهب سريعا الى حبيبته ، لكنها كانت في حالٍ حزين ، تناكفوا مع بعضهم ، تصفعه هي ، يتألم فيقول لها , أنا جئتكِ وتركت أصدقائي المحتفلين بيوم ميلادي، فبدلا من ذلك تقومين بصفعي ومناكفتي ، لماذا أنا الذي ينفذ دائما ، لماذا أنا الذي يسمع دائما صاغراً ومطيعاً ، فتقول له مثل لهجة الأم الآمرة الناهية ، هو كذلك الحال يجب أن تستمر عليه . بعد هنيهة تعد له الحمّام ، وتخلع ملابسه ، تغسله من مفرق رأسه وصدره ومرورا بعضوه بالصابون والشامبو وبقطعة قماش خشنة بكفها ، حتى أصبح ذهبيا ناصعا ، كما طفولتنا الناصعة أيام زمان ونحن خارجون من طشت الغسيل الذي تعدهُ لنا إمهاتنا . بينما تجففُ له جسده بالمنشفة كانت في أقصى غايات الحزن وكأن شيئاً ما سوف يحصل في علاقتهما. تضاجعه هذه المرة بطريقة أخرى، يتعريان ، تقوم بالجلوس على خرطومه الصبياني ، يخترقها بقوة عظيمة ، حتى تبكي ولانعرف لماذا تبكي ، من النشوة العارمة ، من السعادة حين تفوق العقل ، من عضوه الذي دخل فيها كالأسفين ، من رائحة الطفولة التي فوقها تهتز بضاضة ونعومة ، فتبين فيما بعد ، إن هذه المضاجعة هي الأخيرة ، إن هذا اللقاء ، هو اللقاء الأخير والى الأبد ، إن هذه اللحظات الضاحكة الباسمة الملتهبة جمرا ونارا من اللذةِ والتأوه سوف تستحيل الى رماد القهر ، الى ذكريات تعذب الطرفين ، الى قصة حبٍ فريدة لايمكن لها أن تنسى على مر تأريخهما ، بل إنها سوف تؤرّخ ويتناولها الأجيال جيلاً بعد جيل ، وبالفعل ها نحنُ في القرن الواحد والعشرين نشهد على هذه القصة الحزينة والمفجعة بكل تفاصيلها ، هذه اللحظات الجنسية والحب الصارخ سوف تجعل من هذا الطفل في يوم ما إنسانا كاملاً يحملُ من الإنسانية الفياضة التي لايمتلكها فتىَ شجاعا مثله . ينتهي الحب والشوط الجنسي ويسحب خرطومه من جوفها الذي لايزال دافئاً ، ويظل فوقها قليلاً بينما هي في غاية الأسئ ورأسها الى السقف ، وكأنها تناغي شيئاً مبهما لانعرفه . بينما هو فوقها تطلبُ منه أن يغتسل مرة أخرى ويذهب الى أصدقائه وحفل ميلاده .
يذهب وفي الشارع تدور الكاميرة حيث الطفل نشيطا قوياً سعيدأ وكأنه فرّغ كل سموم أطفال هذا الكون من خصيتيه ، وكأنه خلع كل أحزان أطفال العالم البائسين ، أنه خارج من بيتٍ كله عطف أمومي و حب وجنس لايوصف، بل الجنس اللذيذ بشكله الآخر الذي نراه مبهراً ساحرا . ينطلق في الشارع ويشق الأسفلت بساقيه سريعا حتى يصل الى حفل ميلاده ويرمي نفسه في حوض السباحةِ مع الأصدقاء النزقين .
في اليوم التالي جاء الى شقتها بسعادةٍ غامرةٍ للقائها المعتاد ، وبشبق بادٍ على محياه وهو يطوي الدرب فرحا غامراً ، وبإنتعاظٍ منتظرٍ بعد حينٍ من الوقت ، يدخل شقتها فلم يرَ غير الذكرى السابحة في هواء شقتها وغير التأوه الجنسي الذي تركته هنا وهناك وذابت كالثلج ، غير الزوايا التي عرف بها الحب والجنس سيان ،غير يديها الحانيتين وهي تغسل له جسده الأبيض الجميل ، غير الحزن الأبدي الذي سيبقى في وصاله مادام حياً ، لقد رحلتْ والى الأبد . حزمت أمتعتها وخرجت من البيت ، فتبين فيما بعد إنها متهمة في قضيةِ قتلٍ لليهود أيام الحرب العالمية الثانية 1943، حيث كانت تعمل حارسة في أحد سجون النازية ( سجن شفيتز) .
يفترقان لفترة طويلةٍ ، ثم تنقلنا الكاميرا حيث هو في كلية القانون 1956 وقد نبت عوده وشاب وأصبح مدخناً شرهاً، وفي الحلقات التدريسية لممارسة مهنة المحاماة ، يأخذوهم الى أحد المحاكمات الخاصة ، فتبين أن هذه المحاكمة لستةِ نساءٍ ألمانيات كنّ حارسات في عام 1943 في (سجن شفيتز)وتسببن في قتل 300 إمرأة يهودية حرقاً ، وأثناء مناداة القاضي باسمائهن يسمع بإسم ( هانا شميت) فكانت هي إحدى المتهمات في هذه القضية ، فعرف حينها لماذا تركته وغادرت ذلك اليوم الأخير وأوصته أن يعتني بنفسه ، وكانت هذه آخر كلماتها اليه بعد المضاجعة الأخيرة الممتعة التي لاتفارقه أبدا , والتي لايزال طعمها في الروح والجسد وفي قوة الإنتصاب .
بعد أكثر من عشرين عام الدولة الألمانية تريد أن تحاكم نساء على جريمة إرتكبت في ذلك الوقت ، وقد إكتشفت هذه القضية عن طريق إمرأة كاتبة يهودية كانت محتجزة في 1943 مع امها حينما كانت طفلة ونجت هي وامها بأعجوبة . وفي المحكمة تتعرف الكاتبة على النساء الست الحارسات في سجن ( شفيتز) ، ومن ضمنهن ( هانا شميت) . القضية هذه يدور محورها حول الحارسات الستةِ حيث كانت كل واحدة منهن تقوم بإختيار عشرة نساء كيف ما إتفق وإرسالهن من السجن الفرعي الى السجن الرئيسي ( شفيتز) لغرض إعدامهن ، ولغرض تخفيف الزخم الحاصل من كثرة المساجين في السجن الفرعي هذا ، ويتم إرسالهن على هيئة طوابير تسمى طوابير الموت ، وهكذا بين فترة واخرى يتم إرسال النساء اليهوديات الى الإعدام عن طريق الحارسات .
يتم الحكم عليها( هانا شميدت) بالمؤبد ، بينما بقية الحارسات باربعة سنين ، وذلك لخجلها أن تقول أنني أميةُّ ، حينما وجه لها القاضي تهمة كتابة التقرير بخصوص النساء اليهوديات والحريق الناشب في السجن والذي ماتت فيه السجينات دون إخراجهنّ منه وهو يحترق ، مما أدى الى قتل ثلاثمئة سجينة يهودية عدا أم وطفلتها التي كبرت وكتبت هذه الرواية المروّعة ، تحملت الموضوع برمته على كاهلها ، أنه الكبرياء أحيانا الذي يؤدي بالمرء الى هذه التهلكة .
مايكل يذرف دموع القهر أثناء إصدار الحكم وهو العارف بأنها لاتقرأ ولاتكتب ، كلمة منه بحقها لأنقذها من ذلك. فلم محير يجعلنا نقف مع الجلاد مثلما حصل في رواية مجنون سونيا لديستويفسكي والشاب الذي قتل العجوز في سبيل المال . ولذلك كنت أنا صاحب المقال أتعاطف مع ( كيت ) وأريد أن يطلق صراحها رغم ماحصل من جرم بحقها ، لأن الذنب هو نتيجة الجهل الحاصل عندها ولذلك الراواية جعلت بطلة القصة لاتقرأ ولاتكتب ، إشارة إلى أن الجهل هو الذي أدى بهذه المرأة أن ترتكب هذه الجرائم . تنتهي هي في السجن بينما مايكل يتزوج ويرزق بطفلة جميلة ثم ينفصل عن زوجته لعدم حصول التوافق العاطفي بينهما ، والمرض النفسي الذي أصابه ، وحبه الكبير الى ( هانا شميت) الذي لايستطيع نسيانه حتى مماته ( ماالحب الاّ للحبيب الأولِ) . وهي في السجن يقوم بأرسال كاسيتات لها مسجلة بقرائته لأجمل الروايات العالمية ، وهناك في السجن تتعلم القراءة والكتابة عن طريق هذه الكاسيتات والروايات التي يبعثها اليها ، وتتعلم كيف ترسل له الرسائل . حتى أكملت العشرين عام وصدر أمر إطلاق صراحها . مأمور السجن يبعث اليه بكونه الوحيد الذي تعرفه ، يأتي اليها قبل يوم من إطلاق سراحها ، فتراه بعد كل هذه الفرقة القسرية الطويلة ، وتقول له بحزن عميق ، لقد كبرت يافتى ، هو يبدو على محياه يحملُ كل أحزان العالم ، تسأله وهي في هذا العمر الذي تجاوز الستين : ألم أعد أنفع أن تقرأ لي ونتبادل الحب والجنس كما أيامنا الخوالي ؟ يهز رأسه حزناً بدموع حسيرة ، لكنه يقول لها ، لقد جهزتُ لك منزلا بسيطا تستطيعين أن تكملي بقية حياتك فيه . يغادرها على أمل اللقاء بها غدا وهي مطلق سراحها . في الليلة ماقبل إطلاق سراحها ، وضعت الكتب التي كانت تقرؤها تحت أرجلها ووضعت حبل المشنقة على رقبتها ، وكأن هذه الكتب والأشرطة لم تعد تنفعها بشئ ، هي الوسيط بين موتها وحياتها ، وتركل الكتب بأرجلها لتبقى معلقة في الحبل . صباحا جاء لزيارتها ليجد غرفتها في السجن خالية من حبيبة العمر الجميلة الناصعة والأم الحنون ، يبكي بحرقة الأطفال ولايدري أن يبكي على أم حنون أم على حبيبة ، أم على جنسٍ لذيذٍ لم يذقه طيلة حياته حتى مع زوجته التي طلّقها فيما بعد وظلّ وحيداً هيّاما بذكرى (هانا شميت) . لم يبق منها شئ سوى وصيتها له ، وهي علبة معدنية صغيرة ، كانت تجمع فيها مالها طيلة هذه السنوات ، توصيه فيها أن يعطيها الى السجينة الناجية الوحيدة مع الأعتذار منها . يذهب الى اليهودية الناجية الوحيدة هذه ويخبرها بالموضوع ، ترفض أن تأخذ المال ، بل أخذت العلبة المعدنية منه كذكرى ، ويطلب منها الأذن في إقامة جمعية خيرية يهودية لمحو الأمية ، بهذا المال ، وبأسم ( هانا شميت ) وتوافق على ذلك . في نهاية الفلم يظهر هو وإبنته أمام شاهدة قبرها ليخبرها بحقيقة هذه المرأة الحنونة العظيمة ، حبه الأول والأخير ومعلمته في كيفية إختيار الأوضاع الجنسية التي ظلّت تسري في بدنه حتى مشواره الأخير ، لكنّ مخالب القدر جعلها ضحية النازية ومجرميها .
هــاتف بشبوش/عراق/دنمارك
#هاتف_بشبوش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟