أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد السلام جليط - الفلسفة بصيغة المؤنث















المزيد.....

الفلسفة بصيغة المؤنث


عبد السلام جليط

الحوار المتمدن-العدد: 5117 - 2016 / 3 / 29 - 03:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



في البداية علينا أن نوضح ماذا نقصد بهذا العنوان "الفلسفة بصيغة المؤنث" فهو عنوان يفتحنا على واجهتين إن شئتم، فمن جهة نقصد به المرأة كمنتجة للفكر الفلسفي، أي المرأة كفيلسوفة، ومن جهة أخرى الإنتاج الفلسفي النسوي وخصوصيات هذا الإنتاج والمرأة كموضوع للإنتاجات الفلسفية، وهو ما يفتحنا على هذه التساؤلات التي نراها مركزية من أجل معالجة هذه الإشكالية؛ والتي يمكن بسطها على الشكل الآتي:
أولاّ: هل يمكن الحديث عن فلسفة مؤنثة أو نسوية" ؟
ثانيا: هل من خصوصية للفلسفة التي أنتجتها "المرأة/النساء/ الأنثى" ؟
إنّ التهميش الذي تعرضت له المرأة عبر التاريخ في أغلب الثقافات الإنسانية، سيحصرها داخل مجالها الخاص /البيت/الحريم، وبالتالي ظلت في الغالب بعيدة عن الفضاء العام والعمومي (بكل امتيازاته) وأحيانا أخرى همشت إنتاجاتها عن قصد لأنّ التاريخ كتب بلغة ذكورية كما تقول مجموعة من الرائدات في العمل النسوي، لذلك نادت كثيرات بإعادة كتابة التاريخ "بصيغة المؤنث/لغة مؤنثة"، وبالتالي فإن الحديث عن المرأة كفيلسوفة ومنتجة للخطاب الفلسفي، هو حديث معاصر بطبيعة الحال وسليل النضالات التي خاضتها الحركات النسائية والنسوية، عبر العالم، هذا الوضع التاريخي سيكون له بصمته على "الانتاج الفلسفي النسوي/المؤنث"، وهذا لا يعني غياب "مفكرات أو فيلسوفات عبر التاريخ" بل على العكس من ذلك تماما، فقد وجدت كثيرات من الرائدات، ولكن لأن طبيعة المجتمع كانت ذكورية متسلطة فقد تم تهميش النساء وتم تهميش فكرهن وإنتاجهن في الفلسفة، الطب، الرياضيات وغيرها من مجالات الحياة، ولكن بطبيعة الحال ظلت حالات محدودة جدا لكون المرأة عموما بقيت محرومة من كل مؤشرات ما يسمى اليوم ب"التنمية البشرية"، من صحة، تعليم، المشاركة في الحياة العامة...
وبعد موجة الحركة النسوية في القرن العشرين وانتشار الوعي بين المثقفين والمثقفات بأنّ تهميش "المرأة" هو في الحقيقة تهميش وتعطيل لنصف قدرات المجتمع، انطلقت موجة "التحرر" ومشروع الدفاع عن ضرورة مجابهة العقلية الذكورية المحتكرة للحياة العامة، ولكن المجتمعات المعاصرة بما فيها المجتمعات الغربية التي تقدمت بشكل كبير في مجال الحقوق الفردية والحريات-هذه المجتمعات- لم تكن على استعداد للقطع بشكل نهائي مع موروث استمر لقرون..
وهكذا فكل الفيلسوفات (إنطلاقا من الرائدة سيمون ديبوفوار)، انطلقن من فكرة مركزية ونجدها حاضرة في المشاريع الفلسفية لرائدات الفكر النسوي عموما (ديبوفوار/كريستيفا/ حناّ أرندت، فاطمة المرنيسي نوال السعداوي، يمنى طريف الخولي...) وهي فكرة "المواجهة/التمرّد"؛ التمرد على الوضع الدوني الذي وجدت المرأة نفسها فيه؛ بمعنى أنّ المرأة/ الفيلسوفة دائما ما وجدت نفسها أو وضعت نفسها في "مواجهةٍ تلعب فيها دور الضحية والدفاع"، لذلك ستطبع الفلسفة النسوية بهذه الخصوصية، فالمتن الفلسفي لأغلب الفيلسوفات اتخذ في أغلب الأحيان "شكل مرافعة للدفاع، فالمرأة/الفيلسوفة، ستجعل من نفسها "محامي/ة" تدافع عن نفسها أولا، وعن نساء جيلها من أجل "الإعتراف" أساسا، فالنضال هو نضال من أجل نيل "الإعتراف" بأنها إنسان "كامل" وليس مجرد "رجل ناقص" كما قال عنها الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس، أو حتى الفلسفة القديمة عموما وجميع الخطاب الذكوري حولها، وهكذا وجدت المرأة نفسها في "مواجهة الرجل أساسا" وعندما نتحدث عن الرجل لا نتحدث عن "شخص الرجل في حد ذاته أو عن رجل بعينة" بل نتحدث عن بنية ثقافية/فكرية/دينية/ قيمية....وهي جميعها تدخل فيما عرف ب "العقلية الذكورية/ البطريريكية"، لأنّ الرجل هو الذي بناها وطورها بحيث تكون المرأة كجنس آخر/ثاني في التراتب الإجتماعي من حيث الجنس، وبالتالي هذه الفروقات على مستوى الجنس ستكون كمبرر للتمايزات الإجتماعية والثقافية على مستوى أدوار الرجال وأدوار النساء داخل الهرم الإجتماعي...من أجل هذه المهمة نذرت رائدة العمل النسوي سيمون ديبوفوار مشروعها الفلسفي، فقد بنت مشروعها أساسا لهدم هذه البناءات الثقافية، التي اتخذت من الاختلافات البيولوجية والثقافية أساسا للتميز الاجتماعي والثقافي بين الرجال والنساء، لكي يبدو هذا التباين/الاختلاف في الأدوار طبيعيا أيضا ومن صميم التركيبة البيولوجية لكل من الرجل والمرأة.
إذن هكذا ستنطلق ديبوفوار من الفلسفية/الوجودية، وكلنّا نعرف طبيعة علاقتها برائد الوجودية "جون بول سارتر" ومدى تأثرها به، ولذلك تشبعث هي الأخرى بمبادئ الفلسفة الوجودية، والمبدأ الأساسي في المدرسة الوجودية هو "الوجود سابق عن الماهية" وهو في العمق ضرب لكل قول "بوجود طبيعة فطرية ومحددة بشكل سلفي ونهائي" فالإنسان يوجد وبعد ذلك يصنع ما يريد، وهو مشروع مفتوح على المستقبل ، وهكذا انطلقت من هذا المبدأ لكي تقول "ليست هناك طبيعة خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء"،" بل المجتمع هو الذي يجعلنا نساء أو يجعلنا رجالا"وهي المقولة الشهيرة لديبوفوار "نحن لا نولد نساء بل نصبح كذلك"، ومن هنا انطلقت لتفكيك مقولات اجتماعية وواقعية سائدة في المجتمع الفرنسي والمجتمعات الإنسانية بصفة عامة آنذاك، والتي كانت تعتقد –ومازالت في الحقيقة بعض الثقافات تعتقد وتؤمن بذلك- أنّ للإناث طبيعة مختلفة عن الذكور، وهذا ما حاولت في مشروعها الفكري أن تفككه وتهدمه وخصوصا كتابها الرائد "الجنس الآخر L’AUTRE SEX" الذي كتبته سنة 1949.
والسؤال الطبيعي هنا هو المقصود بالعنوان- لأنه عنوان بارز في الحقيقة ويختصر الكتاب بشكل عبقري- فالجنس الآخر أو الجنس الثاني هو النساء، هو المرأة، هو الأنثى، التي وضعتها الثقافة في الموقع الثاني بعد الرجال، وهذا ما سيجعل مصيرها مرتبط بالرجل، وهو ما سينفي عنها مسؤولية أفعالها من جهة وينفي معها أيضا ضرورة محاسبتها من جهة أخرى، فمن غير المعقول أن تكون المرأة غير حرة/ غير مسؤولة عن أفعالها وحياتها ويحاسبها أحد فيما بعد عمّا تقوم به، وهذه كلها تصورات من صميم الفلسفة الوجودية،فالمسؤولية والالتزام L’ENGAGEMENT مبدأ مركزي أيضا في الوجودية...فقد كانت سيمون ديبفوار وجودية في فكرها، آمنت ب"الشخص/الإنسان" واعتبرت مادون ذلك متغيرات ألحقها المجتمع كي يميز بين الناس، سواء على أساس الجنس،اللون، العرق...وغيرها...فحرية المرأة مرتبطة بمدى قدرتها على التحرر من الصورة النمطية التي بناها الرجل حولها، وهدم المقولات الثقافية التي حاولت المجتمعات تسويقها وتبرير من خلالها الفوارق الاجتماعية بين النساء والرجال.
فكرة التمرد والمواجهة في الفكر النسوي، نجدها أيضا بدورها مركزية في فكر جوليا كريستيفا (وهي محللة نفسية وناقدة وفيلسوفة بلغارية/فرنسية)، فأطروحتها حول "الغريب l’etranger" هي أطروحة مركزية بدورها في المتن الفلسفي لكريستيفا، والغريب بالنسبة لها هو المختلف فكريا وثقافيا عن الذات سواء كان جماعيا أو فرديا، والمختلف يدخل في صميمه بالنسبة لكريستيفا حتى "الإختلاف الجنسي/البيولوجي"، بحيث نجدها تقول عن كتابها "الغريب"في الكثير من حواراتها؛ "كتابي يتحدث عن الغرباء، وتاريخ العلاقات مع الغرباء، والغريب الأول في تاريخ الغرب والإنسان هنّ النساء"، إذن فحسب كريستيفا، فالنساء غرباء عن الرجال وعن المجتمع لأنهم مختلفات عنهم، لذلك فالأطروحة المركزية التي تنافح عنها كريستيفا هنا هو "الإعتراف بالإختلاف، ومواجهة الغرابة فينا، والعيش معها، وليس مواجهة الغريب والتحارب معه، يتعلق الأمر بالعيش ككيانين مستقلين مع الإحترام للآخر الغريب..."لأن الغريب يسكننا على نحو غريب، فهو ليس خارج عنّا بل من صميمنا وينبغي القبول به والتعايش معه..
أمّا الرائدة الأبرز على المستوى العربي فهي فاطمة المرنيسي عالمة الإجتماع ورائدة الحركة النسوية المغربية أو شهرزاد المغربية، فاطمة المرنيسي، ، ترجمت أعمالها إلى أغلب اللغات العالمية، وأهم هذه الأعمال هي شهرزاد ليست مغربية، شهرزاد ترحل إلى الغرب، هل أنتم محصنون ضد الحريم، سلطانات منسيات، وعشرات المؤلفات والمقالات...
بالنسبة لها فأهم خطوة والعلامة الأنطولوجية الأبرز نحو الانعتاق من شرنقة الوجود الإجتماعي "كجنس آخر"، هي الكتابة؛ هي "الحكي"، أن تتكلم المرأة، أن تحكي، أن تحكي كما فعلت شهرزاد؛ وأن لا تتوقف عن الحكي والإطلاع على القصص والروايات، هذا ما فعلته بالضبط شهرزاد؛ شهرزاد التي حررت نساء جيلها من سطوة التسلّط وسيادة الرجل، من خلال القراءة والمعرفة، فالمعرفة سلاح استراتيجي، يمكن من خلاله أن نتحرر ونحرر الآخرين بدعوتهم إلى القراءة والكتابة، وهذا البوح/ الحكي/ هو الذي سيجعل من المرنيسي توظف "شخصية مفهومية في جلّ كتاباتها وأبحاثها النسوية"وهي شخصية "شهرزاد" بكل دلالاتها التاريخية والرمزية؛ فشهرزاد في حكايات ألف ليلة وليلة ليست مجرد "امرأة"، بل هي المرأة التي ستُنقذ نساء جيلها من جبروت السلطان/الملك، شهريار، يعني أنها رمز للحرية والنضال بالنسبة للنساء، فكيف فعلت ذلك؟ (الحق في الحياة والوجود هنا فقط...) عبر القراءة والمعرفة، والقدرة على الحكي، والتخلص من العالم المحدود للنساء داخل "الحريم" والتخلص من القوالب المسكوكة التي بنتها الثقافات والعادات حول ما ينبغي أن تقوم به النساء/وإظهاره وكأنه مرتبط بطبيعتها "كأنثى"...فالطبيعة لا تؤهلنا بالضرورة لما يعتقده المجتمع، والدليل هو المقارنة بين ما تقوم به المرأة في المجتمعات بشكل مختلف، أو وضع النساء في التاريخ ووضعيتهن الحالية...
لذلك نعتقد أنّ المدخل الأساسي للحديث عن المرأة فلسفيا، هو التحرر من الأحكام الثقافية المطرزة بالتاريخ والأعراف والعادات، وإعطاء الكلمة لها لتتكلم عن نفسها وعن معاناتها، ماذا تعاني وماذا تريد....ولكن المشكلة هي الآتي: هي أنّ المرأة لم تكن دائما مؤهلة للحديث عن نفسها ولذلك فأغلب المدافعين عن تحرر المرأة هم مثقفين/رجال/ذكور في مفارقة طافحة بالدلالات !!
وفي النهاية ربما يكون ضروريا أن نطرح هذا التساؤل النقدي لاستشراف رؤى أخرى حول الموضوع؛ ألا يمكن اعتبار الحديث عن إقصاء المرأة وتهميشها سوى قضية هامشية لقضية أهم وهي "إقصاء وتهميش الإنسان ؟



#عبد_السلام_جليط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة بين سؤال التغيير وسؤال الموت !
- الحياة؛ لغز للعقلاء...
- المرأة القروية؛ بين خطاب التنمية الطوباوي والواقع المعطوب.!


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد السلام جليط - الفلسفة بصيغة المؤنث