أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي ياس - رواية فرانكشتاين-كيف يصطنعُ الواقع خرافة؟















المزيد.....

رواية فرانكشتاين-كيف يصطنعُ الواقع خرافة؟


خالد علي ياس

الحوار المتمدن-العدد: 5113 - 2016 / 3 / 25 - 03:51
المحور: الادب والفن
    


(رواية فرانكشتاين)
كيفَ يصطنعُ الواقعُ خرافة؟
خالد علي ياس

ليس جديدا أنْ تصطنع الدّراما خيالها من قلب الواقع المعيش,ولاسيما بتأثير فكر ما بعد الحداثة,حيث العملُ على كسر اليقينيات والثوابت،ولعل الفلم السّينمي الذي أنتجته هوليود مؤخرا بعنوان(Ruby Sparks) كتابة زوي كازان وإخراج جوناثان دايتون وفاليري فارس,ينطلق من هذا الافتراض الذي أصبح راسخا في ثقافة التّوهم الأدبي لدى المبدعين الغرب بسبب قدمه ورسوخه,إذ تتحول فيه الشّخصية المصطنعة من خيال صانعها/المؤلف إلى حقيقة على غرار خرافات الحكايات القديمة(القلم السحري) لتدرك هذا التحول وتتلقى تأثيراته,وهو أمر يتناغم فعليا مع فلسفة المجتمع ما بعد الصناعي,الذي أكد المفكر جون ر.سيريل وهو بصدد محاورة المقولات المعرفية لهذا المجتمع,أنّه يحقق وجود واقع موضوعي خاص بمكونات العالم المادي من غير الإنسان،إذ يتألف هذا الواقع من جسيمات مادية داخل مجالات مترابطة واعية على شاكلة العالم البشري,وقد أسهم ذلك في إمكانية التفكير الفني بتحويل المخيلة التي تنتجها الظاهرة الذهنية ومنها الخرافة إلى حقيقة.
ولعل رواية(فرانكشتاين في بغداد-2014)لأحمد السعداوي واحدة من الأعمال الفنية العربيّة المعاصرة التي اتخذت من أسلوب الاصطناع منطلقا لها,فالشّخصية فيها تُصْطَنَعُ من الخيال أيضا ولكن ليس من خيال كاتبها داخل الرّواية بل من وهم يفرضه الواقع العنيف ممثلا بأشلاء ضحايا التفجيرات في بغداد,والرّواية نسخة مغايرة تناصيا ومعرفيا لنص روائي كلاسيكي هو(فرانكشتاين) لماري شيللي,ولكي تجعل من اصطناع هذا الأنموذج الخرافي مغايرا لــ(النّسخة الأصل) ذات الطابع الخيالي العلمي المرتبط بتطور المجتمع الرأسمالي في عصر الصناعة،عمدتْ إلى تصنيع خرافتها ممثلة بالشخصية المسخ (الشسمة) من واقع حقيقي تمظهر نتيجة ظرف تأريخي ثابت هو الحرب والاجتياح العسكري لبغداد وما ولده ذلك من عنف,فكانتْ نتيجة حتمية لتجميع هذه الأشلاء وضمها في جسد واحد مبتكر,وهذا يتحدد بكون النّص الرّوائي ما بعد الحديث يتبنى نزعة مضادة للواقعية المباشرة تتبنين على هيأة اعتناق للحكاية ما وراء الخرافة وتأسيس قوانينها على غرار القانون الواقعي,ثم صوغها بذاكرة أدبية تصطنع الأشياء أكثر من استرجاعها,فهي تبتكر أوصاف عالمها الفعلي؛لإنتاج واقع مستقل عن منظومة مفاهيمنا التي تناظر في ذاكرة المبدع الوجود المفترض فنتازياً,حيث التشكيكُ بالعالم الذي تنتمي إليه الحكاية للوصول إلى الاحتمالات والآفاق جميعا بغية إعطاء معادل فني لما يحدث في قوانين العالم الحقيقي,وإذا كانتْ النسخة الأصلية(فرانكشتاين)قد تبنتْ سرديا النّمط الرّسائلي منذ البدء,بمدخل وسمتْهُ بــ(LETTER)((To Mrs.Saville,England…)),فإنّ النّسخة المصطنعة (فرانكشتاين في بغداد) تمظهرتْ ببناء نمط ما وراء السّرد المتجسد بكتابة رواية داخل الرواية عن الكائن المسخ الشسمة/فرانكشتاين معتمدة بذلك تقريرا سلطويا للمؤسسة الحكومية:(تقرير نهائي)- سري للغاية((تم العثور مع((المؤلف)) على نص لقصة كتبها بالاستفادة من المعلومات المتضمنة في بعض وثائق دائرة المتابعة والتعقيب)),فإنتاج الحكاية بنسختها العراقية تمحورتْ حول واقع إنتاجها الذي رفضته باللجوء إلى حتمية إنشاء خرافة من قوانينه الطاغية,إذ تُنتَج الأجساد وتتناسل من أديم أجساد سابقة ممزقة بفعل العنف,وأنّ صانعها-هادي العتاك- شخصية بوهيمية جاهلة تُصنِّعُ الافتراء وتختلق كذب الحكايات,وتعمل على تجميع الأجزاء البشرية لا لسبب علمي بل وجودي متعلق بطبيعة الحياة وواقعها المرير؛لتظهر مصادفة نتيجة هذا التجميع نسخة(الشسمة)أو(فرانكشتاين) بسماتها المُغايرة بحثا عن الانتقام الرمزي من صانعي الموت,إذ يصف ذلك السّارد العليم الذي شغل جزءا واسعا من الرّواية بقوله:((كانت المساحة مشغولة بجثة عظيمة.جثة رجل عارٍ تنز من بعض أجزاء جسده المجرح سوائل لزجة فاتحة اللون...عليه أنْ يخيط الأنف حتى يثبت في مكانه ولا يقع)).
إذن هناك سياسة ما بعد حداثية للنص في تمثيل السّرد,وتحديدا في فضائها الزّمني ووعي الحكاية,فهي تحقق تزامنا بين زمن السّرد والزمن الكولينيالي المُمَثَل بدخول القوات الأجنبية لبغدادَ وشيوع الفُوْضى والقتل المجاني نتيجة لذلك,فوعي الرّاوي(كاتب القصة)وذاكرته الذاتية في تأليف سرد الأحداث يجمعان بين(وجود تأريخي)و(تمثيل خرافي متخيل),إذ أنّ التأريخ/الحرب/الاجتياح حاضرٌ مُشاهدٌ خالٍ من إحالات الماضي؛لأنّ الماضي قد اختفى بعد أنْ رَسّختْ الذّاكرةُ الأدبيةُ بدلا منه الخرافة في النّص,فبدا تمثيل الخرافة المفترضة إلى جنب الحقيقة الواقعة نسقا نصيّا في اصطناع سردية مغايرة ليقينيات الحرب المعهودة في الأدب الرّوائي,أما وعي الحكاية فيتمثل بما يمكن تسميته بـتقنية المزج(pastiche)التي يؤكد فردريك جيمسون أنّها من أهم سمات إبداع ما بعد الحداثي,لكونها معارضة أدبية تعمل على تكوين محاكاة ساخرة لنماذج مستقرة في ذاكرة التأريخ الأدبي,أي المعارضة الخرافية التي وسمتْ الرّواية بكوميديا سوداء تمثلتْ بعلاقة(النّص اللاحق)بــ (النّص السّابق) وأضافتْ قطعة جديدة لهذه الأحجية المصطنعة خياليا لما فوق الواقع بموت شخصية(الفرد البرجوازي)الذي أنتجتْه المدينة وأبدلته بخرافة المسخ المُنْتَقِم أو المُنْقِذ,والحقيقة أنّها تمثل المعرفة الأدبية المُنْتَجة بفعل كولينيالي,كونها تبلور الثقافة الغربية المترسخة بتأثير الآلة الحربية بشكل خطاب تلتحم فيه القوتان السّياسية والتأريخية مع الخيال الذي يفترض واقعة خرافية كونتْها ذاكرةُ الحرب والعنف الطائفي؛لذلك يتأكد أنّ زمن أحداثها الواقعية ينتمي إلى(الكولينيالية) بينما وعيها الفني وسماتها المعرفيّة تنتمي إلى (ما بعد الكولينيالية)،إذ كيّفتْ لغتها ونمطية الكتابة فيها لحساسية جديدة معنية باصطناع الخيال بدلا من تخيل الواقع,بانزياح ساخر نحو الخرافة والمكان وقضية الهويّة والتعددية الدينية بحثا عن تعرية صريحة للخطاب الاستعماري وثقافته المموهة,إنّها ميتا خرافة تأريخية وتأريخ في سرد خرافي مع انعطافة ساخرة في توجيه المكونات السّردية,فالسّرد الموضوعي الممثل بسيطرة السّارد العليم ينحسر كلما بدأ هادي العتاك ـ مصطنع الخرافة ـ بسرد أكاذيبه الحقيقية,بينما تتحول هذه الأكاذيب إلى أفعال مُنتجة بفعل واقعي عندما ينتقل السّرد إلى ما وراء حكاية الخرافة عن طريق كتابة رواية داخل رواية باللجوء إلى تسجيل حكاية المخلوق,وهو بمثابة سرد ذاتي ثانٍ يوازي سرد العتاك وافتراءاته (الفصل التاسع),حينما يتجسد افتراض ما فوق الواقع بصناعة جسد قاتل من أجزاء ضحايا العنف,وتغدو الأحداث بديلا عن الحدث الأصلي(الحرب,الصراع الطائفي,الاحتلال).
وبهذا يفقد المتلقي حس التمييز وإدراك الاختلاف بين الحقيقة والافتراض بسبب الوهم الذي كوّن نسخة مغايرة للأحداث,فسوسيولوجية تلقي هذا النمط المعاصر تمكنه من التخلي عن وعيه الذاتي المحفز للبحث عن الفرق بين الخرافة والحقيقة؛ليجد نفسه مجبرا على الاعتراف بأنّ الواقع لم يَعُد كما كان,فيطغى نمط من لا مبالاة انتقالية خارقة لموثوقية السّرد يتمُّ بها العبور من اليقيني إلى المفترض بهيئة من اللاحدث(non-event),بما أنّ المتلقي فقد وسائل التّمييز بين الحقيقي ونظائره المتخيلة,فغدتْ الرّواية تواصلا لذاكرة تكنولوجية سينمية مُستبطِنة للافتراض ولكن بوسائل كتابية بديلة,تعلو الواقع لكنّها تقع تحت قبضة رغبة تغريبية للخطاب المعبر عن الاصطناع,حيث(الحربُ)مجرد كلمة ذات دلالة عائمة كونها مخففة من حمولات الأيديولوجية والزّخم الإجرائي المتواشج مع العالم الحقيقي: ((ربما انتهي ويذوب جسدي وأنا أسير ليلا في الأزقة والشوارع حتى من دون أنْ أنهي مهمتي التي كلفت بها...أنا مخلص ومنتَظَر ومرغوب به ومأمول بصورة ما..سأقتص من كل المجرمين سأنجز العدالة على الأرض أخيرا)).

فصناعة الخرافة على وفق قوانين الواقع المعهود تتحدى الصلة المنطقية للنص بظروف إنتاجه الثقافية؛لأنّ قارئ هذه الرواية غير قادر على معرفة إنْ كانتْ شخصية(الشسمة) حية فعلا وقد ماتت أو هي رميم فعلا وقد أحيت بفعل تمثيل زائف لكرنفال وثني سحري يعيد القدرة على استنساخ الأجزاء المستعادة قسرا من ماضي التفجيرات وذكرياتها الأليمة ويبث فيها الروح,من منطلق واعٍ يتناسب مع نمطية الميتا خرافة في سرديات ما بعد الحداثة؛لذلك فإنّ السّرد لم يقدم بطلا ذا صفات إنسانية واضحة بل اصطنع بطلا مضادا(ANTHERO) خاليا من الصفات الجسدية أو المعنوية المتفوقة التي تزرقها الرّواية عادة في أجساد أبطالها, فعمد به إلى مخالفة ما أنتجته الرّواية الأوربية تحت مؤثرات النّزق الرومانسي مثل مدام بوفاري لفلوبير,ودون كيخوتة لسرفانتس,أو مؤثرات النّزق الوجودي وسأم الحياة والانفصال عن الواقع مثل غريب كامو ومحكمة كافكا وغودو بيكيت,أو حتى مؤثرات النّزق الصّناعي والعلمي كما فعلتْ شيللي في فرانكشتاين,فالشسمة مضاد لهذه الأنماط جميعا وهو مضاد لهيأة البطل الملحمي والمسرحي الكلاسيكي أيضا؛لأنه مجرد تجربة فاشلة اصطنعها الواقع اللا(علمي,إنساني,اجتماعي,معقول) فغدا خرافة أنتجها مجتمعنا المعطوب ثقافيا ومعرفيا,كونه علامة سيميائية دالة على نكوص المجتمع وابتعاده عن العلم بتخليق الخرافات والأساطير وذوبانه فيها؛مما فرض على الرّواية جوا متخيلا من نمطية هذه الخرافات,كما في افتراض جهاز سلطة حكومي باسم(دائرة المتابعة والتعقيب),واختراع(شراب فاتح اللسان)لغرض معرفة الحقيقة,وتكوين(فريق المنجمين) لكي يتتبعوا المخلوق ويحددوا مكانه تنبئيا,وحقيقة الأمر أنّ فكرة تجميع الأجزاء البشرية وصناعة جسد قاتل متمرد على واقع معين تعود إلى أبعد من مجرد التناص المباشر مع نص سابق كونها تعتمد إنتاج الوهم(Fancy)داخل المنظومة الأدبية,مما يعيد إلى الأذهان الأساطير اليونانية وحديث هوميروس عن مخلوق وهمي يسمى(الكيميرا)مُصَنع من أجزاء عضوية لحيوانات مختلفة لتأدية وظيفة خيالية روحية لترسيخ فكرة احتمالية عن واقع افتراضي متخيل,وهو أسلوب جعل من هذه الرّواية ذات طبيعة مضادة(ANTI-ROMAN) كونها تعارض أنماطا وأساليب راسخة عن طريق الافتراض والتخيل والوهم ومحاولة دمجه بالواقع,وهذا اتجاه يسمح بتقديم أنماط شخصيات ووجوه جديدة للتعبير عن الواقع باللجوء إلى الوهم,عن طريق السماح بقابلية التجدد المستمر بين الموت والحياة معا, وهو ما تمظهر على هيأة اصطناع ذاكرة الواقع المفترض في رواية(فرانكشتاين في بغداد)بالمقارنة مع الواقع العلمي في رواية(فرانكشتاين).



#خالد_علي_ياس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صنعة الشعر


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي ياس - رواية فرانكشتاين-كيف يصطنعُ الواقع خرافة؟