أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - إرهاب في بروكسل















المزيد.....

إرهاب في بروكسل


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 5112 - 2016 / 3 / 24 - 10:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إرهاب في بروكسل
ما جرى في بروكسل يوم الثلاثاء المنصرم هو عمل إرهابي مدان من غير تحفظ، وبدون لكن، وإنما، وعليه.. فلا دِين للارهاب، وقتل الأبرياء جريمة منكرة تنافي جميع الأعراف الإنسانية والأخلاقية والشرعية.
بعد تفجيرات بروكسل قرأنا وسمعنا عشرات الخبراء والمتخابرين، والمحللين والمتحللين، والساسة والمسوسين، والناصحين والمنصَّحين، المغرضين والصيادين في بحور الدم، وكل واحد منهم أفتى وشرح، حذر ونصح، وعد وتوعد، لكن معظمهم أدلوا بدلائهم وهم في الحقيقة عراة وبعضهم جناة، فمنهم من فعلها ليغطي على موبقات يرتكبها بعيدًا تحت أجنحة العهر والتمادي، ومنهم، من أجل تبرير سياسة يرتق أثوابها الفاضحة في غياهب ملطخة، لا يعرف عنها رعاياهم، لأنها تحاك فيما وراء بحر من الظلمات، وآخرون أدانوا وهم يسعون في تنفيذ مخطط طبخوه، كسادة لهذا العصر الأرعن، في مراجل جشعهم وسطوتهم الخنزيرية القاتلة.
ما قيل في دم الضحايا الأبرياء قليل، وكثيره مسقيّ بدموع من رياء وكذب، وملفوف، للتمويه، في لفافات مومياوات هامدة؛ فما نراه أمامنا ووراءنا وفي أحضاننا هو نتاج نظام عالمي جديد لم تعد قواميسنا المتهتكة تنفع لسبر كنهه وفهم مضامينه، فغرب هذا العصر هو ليس ذاك الغرب، والشرق لم يعد شرقًا، لأننا في قرية كبرى، تعيش ونعيش فيها على الماكرو والميكرو والنانو، وتحكمها العقول والشاشات، والأسلاك، والطائرات التي تسير وحدها بمخ ومخيخ وإشعاعات. واقع قريتنا/ قريتكم/ قريتهم وهمٌ وشظايا وسرابها واقع ومرايا، هي غابة كلها ملاعب وظلال، وتعجّ بأسواق للنهود والعهود التي تبرم بين المتآلفة جيوبهم، وبيوتها بواخر ومصاف، لياليها عقود وأرباح وهزائم، والهم فيها أرصدة في البنوك والعامة تحيا فيها بلا عزائم.
قرية اليوم، كبيرة صغيرة، بعيدة قريبة، كقرى الجن في حكايات الشعراء والمجانين، تسكنها سباع ليست كالسباع، وبعض قرودها "خاوت" ضباعها، وثعالبها سادت كأنها ديم الروح هابطة من عند السماء، فصالت وتجبرت. والناس فيها " كانوا كالصخرة الصلدة تنبو عن صفحتها المعاول، ثم زحمها الدهر بمنكبه، فصدعها صدع الزجاجة ما لها من جابر فاصبحوا شذر مذر".

ما جرى في بروكسل موجع، ومحزن ومستفز. إنه إرهاب يستدعي عشرات الأسئلة، وكل الحيرة وخلاصة العجز. فباسم ماذا ومن أجل من يسفك ذلك الدم الحرام؟
كثر أجزموا أن الدين من تلك الجرائم براء، والبعض أكد أن الفَعَلة جاؤوا إلى هذا العالم من رحم نص ديني رائج، وتربوا على فكر فائر، وكبروا في تربة عقيمة وفضاءات بقيت بالنسبة لهم لا أكثر من ملاجئ باردة وصماء.

فذاكرة الدم، ذلك الذي لا يسيل من سرتك، خرفة، ضعيفة ومتأنفة، ورائحته، تلك التي تنتعف من شرايين الغريبة والغريب، لا تعنيك أكثر من تحرش فم أبخر قرأت عنه في كتب الأمالي وفي حكايات الظرفاء والثقلاء، فمن سيتذكر أين تطاير اللحم في البدايات على مرأى من طيور السماء الساخرة من تكبّر البشر وحكمتهم الهزيلة في الإعراض وفي اللوذ إلى الصمت، حكمة الغفلة والسكارى، التي تشبه حكمة الأكباش قبل النحر؟

قبل بروكسل وقبل اسطنبول سقط الأبرياء في ساحات المدن المهمشة، التي عاشت لياليها على صفيح محترق وأعمدة من دخان آدمي. وكانت صناديق العجب فيها ملقاة في أزقة الحارات المدمنة على رائحة الطحالب حيث تسكن الفئران وتجاور أصدقاءها الذين من لحم وعظم، الوافدين من عوالم بقرَ القهرُ والخوف أحشاء مجتمعاتها وضخ قمعُ حكامها البرصَ في أدمغة شبابها، فنشأوا أجيال لم تتنسم عطر الحرية ولم تطرب على وشيش الكرامة، فبقوا أجنة تنمو في داخل مشيمة التاريخ المنسي، ولم يتكشفوا يومًا على معنى الأمل، ولم يهتدوا كيف وأين يكون الأمان وتصحو هدأة البال .
كانت صناديق العبث مغروزة كالرماح المسمومة ومنثورة بين أرجل سكان لندن وباريس وبروكسل وأخواتها، والناس فيها عن ذلك غافلون وماضون في دروب سعادتهم، صوب غربهم حيث تطلع منه شمسهم كل يوم، وتغيب في شرق المساكين المتمزق وتدفن، في حين يستجمع حكّامهم، ورثة سايكس وبيكو، أطراف القدر ويصرونه في بقج يعيدون خياطتها بمخارز لا تعرف الكلل ولا الرحمة، ويرسمونها أشباح دول عليلة تعيش كقطعان فيلة هزيلة أهلكها العطش في صحاري الشرق الجرداء.
معظم الدول وقادة العالم أدانوا العملية الارهابية التي حصدت أرواح أكثر من ثلاثين ضحية، وقد يكون الأبرز منها والأغرب، برأيي، بيان وزارة الخارجية السورية الذي صرح أن: الجمهورية العربية السورية تدين بشدة الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العاصمة البلجيكية بروكسل وتعرب عن مواساتها وتعاطفها مع عائلات الضحايا الثكلى"
ومثله جاء بيان حزب الله اللبناني الذي : "دان فيه التفجيرات الإرهابية التي استهدفت العاصمة البلجيكية بروكسل، والتي زرعت الموت والدمار والخوف بين المدنيين الآمنين، وأدت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا، ويعرب عن تضامنه الكامل مع الأبرياء عامةً، ومع بلجيكا وشعبها في هذه المحنة القاسية".
إنه زمن الصناديق العجيبة، والعالم المقلوب، فالكل يرفع يديه إلى السماء ضارعًا، والمصيبة أنك لن تعرف من يستدعي لك بالسلامة أو يستخير ربه ليهديه إلى فرصة للقضاء عليك..إنه زمن ستكتب أيامه بحبر المصافي الأسود، أو بالأحمر الذي تؤثره الحرية شقيقة الفجر .
لن تكون جريمة بروكسل آخر الجرائم التي ستحصد أرواح ضحايا أبرياء، فنحن نعيش في زمن القتل والنار والبارود، زمن تجري فيه عمليات استئصال دول كاملة وتفتيت أكباد أخرى بالليزر والحوامض والكبريت. ونحن نشهد صراعات أنظمة حكم وحكّام يدافعون عن مصائرهم وكراسيهم بكل ما تيّسر لأصحابها من مال وثروات وطنية وبطش وعتاد ومن خلال استعداد هؤلاء الحكام للتحالف مع الشياطين، وهؤلاء الشياطين يتهافتون على الأرض من كل جهاتها، أفلم تروا كيف دان الغرب والشرق، المدان والديّان، الدائن والمدين، القاتل والبريء، جريمة مسرحها الغرب وفَعَلتها "مستغربون"، ولدوا في الغرب شرقيين، ونشأوا في غرب كله شرق .
في الواقع إننا نشاهد دم الأبرياء في الغرب والشرق يسفك قرابين على مذابح حكام يرقدون على نواصي الريح الأربعة، وأرواح الضحايا تستثمر في بنوك أصحاب المصالح والجهلة في كل أرجاء المعمورة؛ إنه وقت الجريمة الناجزة، فعندما تخدر العقول بجرعات مصهورة من نصوص سماوية يصبها شيوخ السم والقتل مخمّرةً في مفاقس تلك الأزقة المطحلبة وعلى مسافة منها تجري أنهر عز ينداح يوميًا أمام من لا يعرفون معنى للأمل تُبرص عقول البشر وتصير أجسادهم مجرد مخازن يأس لحمية للديناميت والإيمان الأهوس بوعود خرقاء تدفعهم ليتشظوا على أرصفة الحضارة ويتفجروا في عمليات لا يصح أن تسمى إلا عمليات إرهابية عاقرة، فكل من يقتل نفسًا مصيره إلى هباء وعدم، ولا فرق إن كان مشرح الجريمة في الشرق أم في الغرب .
ما لبلجيكا لبلجيكا وما للجليل يبقى للمثلث والنقب وللأبناء، فعندنا خفتت أغلب أصوات الرعاة والدعاة والمتبرجين، بينما دان محمد بركة ، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، المجزرة الإرهابية، مشدّدا على أن الإرهاب لا دين له، وبعد التأكيد على موقفه الواضح أضاف بركة قائلًا: "من الصعب أن لا نذكر أن حكومات الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة دعت وعملت من أجل ما أسموه الفوضى الخلاقة .. وأنتجت تنظيمات إرهابية لا دين لها سوى تعزيز العدوانية الغربية ضد هذه الشعوب، والآن يقوم المسخ على خالقه ليقدم خدمة كبيرة للغرب ويجعل شعار المرحلة محاربة الإرهاب وليس حرية الشعوب وخلاصها من الهيمنة والاحتلال المباشر وغير المباشر".
مايهمني كيف نحافظ على مجتمعنا هنا في المثلث والنقب والجليل معافى وبعيدًا عن هذه النار ونحن قاب قوس وأدنى من مراجلها؟ فلقد قال بركة إنها مسوخ تقدم الخدمة الكبيرة للغرب، وأرجعني إلى ما جرى في الغرب، في بروكسل، فلقد كان موجعًا، ومحزنًا ومستفزًا. لأنه إرهاب يستدعي عشرات الأسئلة، وكل الحيرة وخلاصات العجز. فباسم ماذا ومن أجل من يسفك ذلك الدم الحرام؟ نحن بحاجة إلى قواميس عصرية جديدة أفلا يسفك هذا الدم باسم سماء الشرق والدعاء لها: " طوفي وانشري شمسك في كل سما" أولم يؤذن الفجر على أيامنا فصار " كل قيد حوله من دمنا جذوة تدعو قلوب الشهدا" .
نعم هو شرقنا : مساكب هذا اللحم المتفجر، ومناجم العبث المتناثر .







#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتركوا مانديلا من فضلكم
- شكرًا مرسيل على هذا الوفاء
- من يعيد لحياتنا الهيبة؟
- وهل الدين إلا الرأي الحسن؟
- قطعن الخليليات مرج بن عامر
- عندما تصير الحقيقة جثمانا
- الكذب الحلال
- ونحن نربي الأمل
- عن إلغاء الانتخابات التمهيدية في الليكود
- جريمة أم بطولة
- محامون في قلب الحوت
- شاباك في الشِّباك
- وتبقى الحرية خالدة
- نعم لأيمن عوده في أمريكا
- حول زيارة البابا تواضروس للقدس
- انتفاضة الفراشات
- رغم اختلافي معها أنا ضد القرار الإسرائيلي
- أبالسكين يبنى وطن ؟!
- فرسان يعيشون في الظل
- محمد بركة رئيس للمتابعة أم قائد للجماهير ؟


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - إرهاب في بروكسل