مهارات سينمائية نوعية غير مألوفة

عصام الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 5104 - 2016 / 3 / 15 - 00:36
المحور: الادب والفن
    

مهارات سينمائية نوعية غير مألوفة

برلين: عصام الياسري

افتتح في الحادي عشر من فراير/ شباط 2016 في العاصمة الألمانية برلين مهرجان الفيلم العالمي «البرليناله» السادس والستون. ويعد مهرجان برلين لامتداده التاريخي وموقعه الجغرافي، واحداً من أهم المهرجانات السينمائية العالمية.
ويعمل لادارة وتنظيم المهرجان جيل من الحرفيين والفنانين والنقاد الذين تم انتقاؤهم من قبل رئيس المهرجان ديتر كوسليك «Dieter Kosslick» وفريق عمله عند تسلمه هذا المنصب قبل سنوات، بهدف اعطاء المهرجان دفعة مختلفة لتحقيق نجاح دولي وجعل جمهور السينما والمعنيين من اعلاميين ونقاد، لان يحظوا بمشاهدة افلام عالمية تعرض لاول مرة في هذه المدينة القديمة الحديثة الموسومة بتقاليد ثقافية عريقة اصبح المهرجان امتدادًا لها.
ويجري انتقاء افلام المهرجان بطريقة مهنية، تخضع، لقوانين وشروط المسابقات العالمية التي تنص عليها لوائح الاتحاد العالمي لمنتجي الأفلام. ايضاً، الى ضوابط النظام الداخلي للمهرجان والمتعلقة بشروط المشاركة في البرليناله. أما الأفلام التي تجتاز اختبار الترشيح أو التأهيل من قبل لجان متخصصة حرفية لدخول المسابقة، فلها مواصفات فنية وتقنية عالية.
عروض مهرجان هذا العام، الى جانب التركيز على الشكل والمضمون وتوظيف "النص" الروائي بعناية تؤثر في دلالات الفيلم البنيوية وترفع من شأنه حرفيا، قد اكتسبت أهمية بالغة على جميع المستويات. الامر الذي جعل مهمة اكثر من 4000 صحفياً وناقداً اتوا من جميع انحاء العالم بالمقاييس الفنية صعبة ومتشابكة وغالبا ما كانت كما هو متعارف بين النقاد، متباينة، لم ترقى الى مستوى "التقدير" انما تطبعت بحالة "التكهن" على قاعدة: لننتظر ونرى ماذا سنواجه من مفاجئات، ومَن من الافلام سيحصل في النهاية على احدى الجوائز الرئيسية!!
تضمن برنامج مهرجان "البرليناله" لهذه الدورة على اكثر من 400 فيلما، بين روائي وتسجيلي وقصير من اكثر من مئة بلد. من بين الافلام الـ 23 المشاركة في عروض المسابقة الرئيسة من الدول (بلجيكا، ايطاليا، كندا، المانيا، البوزنا والهرتسك، أيران، الدنمارك، الفلبين، بريطانيا، فرنسا، المكسيك، نيوزلاند، هولاندا، بولونيا، بورتغال، السويد، سينغابور، تونس، اميركا، الصين) تنافس 18 فيلمًا منها لحصد احد الجوائز الرئيسة للمهرجان « الدب الذهبي أو الدب الفضي» واحتفل 19 فيلمًا بعرضه الاول في العاصمة الالمانية.
قدم المهرجان في اطار عروضه المختارة 63 فيلمًا عالميًا، طويلاً وقصير، لـ 35 شركة انتاج وانتاج مشترك متنوعة، فيما كانت المشاركة العربية لهذا العام ولاول مرة منذ تاسيس المهرجان متميزة اذ كان للعرب حضورا قيما في لجانه التحكيمية. والافلام المشاركة بغض النظر عن ضوابطها الفنية والحرفية أو الطول قد بلغ في جميع اقسام المهرجان 20 فيلماً بين القصير والطويل، الروائي والتسجيلي. والاهم: فان الفيلم التونسي «انحبك هادي» انتاج فرنسي بلجيكي تونسي من اخراج محمد بن عطيه وبطولة مجد مستوره وريم بن مسعود وصباح بوتسويته وحكيم بوسويدي وامنيه بن غالي، كان احد الافلام الـ 18 المشاركة في المسابقة الرئيسة للمهرجان.
استمتع الجمهور من غير الاعلاميين من مختلف الاجناس والاعمار والقوميات خلال زياراته لعروض أقسام المهرجان المتنوعة كـ «البانوراما» و«رتروسبيكتيف ـ هوماج» و «الفوروم» و «الفيلم الأوروبي» أو «آفاق الفيلم الألماني» وعروض مهرجان «فيلم الأطفال» الذي يتمتع باقبال واسع، أو قسم «المواهب الناشئة» وغيرها، برؤية افلام لم تسنح له فرصة مشاهدتها قبل هذا.
وحمل مهرجان هذا العام الكثير من المفاجئات الفنية والفكرية والقيمية، السياسية والاجتماعية، إذ تزامن إنعقاده مع إنشغال وسائل الإعلام والسياسة بما يجري في العالم، وتحديدا مواجهة الارهاب "داعش" الذي بات يهدد جميع المجتمعات وثقافاتها، أيضا قضايا اللاجئين الى اوروبا والمخاطر التي تهدد حياتهم طلباً «للحرية» والحصول على عدالة اجتماعية افضل، تقيهم شر الحروب والمجاعة والمصير المجهول والخلاص من الاوضاع اللاانسانية، الامنية والاقتصادية التي يعانون منها في بلدانهم.
وتكونت لجنة التحكيم الدولية الخاصة بافلام المسابقة المتنافسة على الجوائز الرئيسة للمهرجان «الدب الذهبي والدب الفضي» برئاسة الممثلة الاميركية الحائزة على العديد من الجوائز العالمية والمرشحة للاوسكار مريل ستريبMeryl Streep وعضوية كل من ممثل المسرح والسينما والتلفزيون الالماني لارس آيدنغر Lars Eidinger والكاتب والناقد البريطاني نك جيمس Nick James والمصورة الفرنسية المعروفة بريكيتا لاكوم Brigitte Lacombe والممثل البريطاني كلف اوفين Clive Owen والممثلة الايطالية آلبا رورفاخر Alba Rohrwacher والمخرجة الحائزة على جائزة الفيلم الاوروبي البولونية مالكورساتا سوموفسكاMał-;-gorzata Szumowska .. وتجدر بالاشارة الى أن الناقد السينمائي اللبناني المعروف محمد رضا كان احد اعضاء "لجنة التحكيم المستقلة" وهي لجنة لا علاقة لها بلجنة التحكيم الدولية، انما لجنة خاصة تمنح جوائز تقديرية لعروض افلام المسابقة الرئيسية بشكل مستقل.
اما لجنة التحكيم الدولية للافلام القصيرة ومجموعها 25 فيلما من 21 دولة، تتنافس على حصد احدى الجوائز الرئيسة «الدب الذهبي ـ الفضي» او جائزة شركة صناعة سيارة آودي المالية البالغة 20 الف يورو، فكانت من الشيخة الاماراتية الثرية حور القاسمي مديرة مؤسسة الشارقة للفنون، والكاتبة اليونانية كاترينا كريكوس Katerina Gregos والمنتج الاسرائيلي آفي مغرابي Avi Mograbi وكان السؤال: هل ستستطيع الشيخة الشابة ان تتخذ من موقعها من دون تحيّز او تأثير موقفًاً لصالح الافضل والاهم من الافلام المتنافسة، ولاسيما العربية، ام ستترك شأن سبق الربح في قرار التحكيم من باب «سياسة المصالح» وليس «الاخلاقيات أو الموهبة» لزميلها الاسرائيلي ليحقق بذلك رغبة دولته. لكن النتيجة جاءت مفاجئة وغير متوقعة. حيث حاز المخرج الفلسطيني مهدي فليفل على جائزة الدب الذهبية عن فيلمه "رجل عائد" وترشيحه لمسابقة برلين لجوائز الافلام الاوروبية القصيرة.
حصل الفيلم الايطالي ـ الفرنسي Fire at Sea "حريق في البحر" لـ جيانفرانكو روسي Gianfranco Rosi على جائزة الدب الذهبية. ويتعرض الفيلم لواحدة من اسوأ الكوارث الانسانية التي تتعلق بمصير آلاف المهاجرين من الرجال والنساء والأطفال الذين يتوقون للسلام والحرية والسعادة، والى كيف يحاولون التنقل في زوارق صغيرة جدا وسفن متهالكة من أفريقيا الى اوروبا وعوالم مجهولة أخرى عبر جزيرة صغيرة وسط البحر. وفاز فيلم Death in Sarajevo "الموت في سارييفو" انتاج فرنسا ـ البوسنه والهرسك لـ دينس تانوفيج Danis Tanović-;- على جائزة الدب الفضية. كما حصل بطل فيلم "انحبك هادي" مجد مستوره على جائزة الدب الفضية كأفضل ممثل، ومخرجه محمد بن عطيه على جائزة مالية تقديرية قيمتها 50 الف يورو لاول أحسن فيلم روائي. أيضاً، افلام عربية أخرى تبحث في مجالات مختلفة، حازت على جوائز متنوعة، مثل الفيلم المصري "آخر أيام المدينة" لتامر السعيد الذي حصل على جائزة "كاليكاري" في الفوروم. وجائزة السلام لماهر ابو سمره عن فيلمه "مخدومين" وجائزة "الحركة القيمة" لفيلم "بركه" لمحمود صباغ في الفوروم. كما فاز الفيلمن اللبنانيان "تشويش"، للمخرجة فيروز سرحال، و"حرب ميغيل" للمخرجة إليان راهب بنفس الجائزة. وحصل فيلم الرسوم المتحركة "أربعة فصول لأجل سوريا" على جائزة روبرت بوش لأفضل إنتاج عربي ألماني مشترك. وهو من إخراج وارف أبو قرع وكيفورك مراد، ويتناول تاريخ الحضارة السورية العريقة لمواجهة التطرف واعمال القتل والتدمير التي تمارسها القوى الظلامية.
لقد اتاح لنا مهرجان برلين السينمائي «البرليناله» لعام 2016 قياساً لحجم الأفلام المشاركة فيه نوعاً وكماً، بالاضافة الى المؤثرات التعبيرية والتقنية والصوتية الراقية، رؤية آفاق سينمائية جديدة وأشكال ومهارات نوعية ساحرة غير مألوفة. وجعلنا نقترب بانفعال شديد من أعمال فنية فائقة التوليف ستترك في ذاكرتنا على الصعيدين الفني والاعلامي سرداً انطباعياً الى حين.

#عصام_الياسري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات