أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - لميس كاظم - وداعا أم تماره














المزيد.....

وداعا أم تماره


لميس كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 1382 - 2005 / 11 / 18 - 11:20
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


دخلت سلام محمد شلال ( أم تماره) غفوتها الاخيرة بصمت هادئ، بعد أن تمكن منها المرض الخبيث، المخادع أن يطيل نومتها الخالدة الى غير صحوة.
نامت وهي تعرف انها ستصحوا لتودع أحبتها الجالسين المتلهفين لسماع رنين صباحها الرخيم. لكنها دخلت الغيبوبة رغما عنها، وبدون موعد، حاولت أن تهرب منها لتحتمي بحضها الذي سجنها في همومه، جاهدت أن تستعيد حلمها الذي قد تفز منه مفزوعة لكنها غابت في خيال نومها، حالمة، سابحة، كملاك الرحمة على أمل أن...
تلقي نظرة الوداع
أن تسمع إبتسامة القضاء
أن تتحم بعطر المساء...التي إعتادت أن تغفوا على انغام صوت محبيها. لكن القدر لم يمهلها ولم يمنحها رجائها الأخير...
في أن تشم عبق رائحة أبو تمارة، رفيق عمرها الجميل، الضاحك الذي لم يفارقها في أصعب لحضات منفاها.
في أن يخفف ألمها بنكته المرحة وضحكته الممزقة، وينتظر إشراقه إبتسامتها الخجولة التي نورت مسيرة عمره الحزين.
في أن تعانق بناتها التي تتلهف لترى اخر نظرة من شمعة عمرها التي اطفأت في لحظة سوداء.
في أن تودع نظرات الزاائرين الذين جاءوا من كل زوايا المدينة البائسة ليودعوا رفيقه دربهم.

كانت مسيرة حياة أم تمارة صامتة، كحديثها البطيئ الايقاع، مبتسمة كوجهها البرئي، متأملة كحزنها السري الصامت خلف قسوة المحن وألم المنفي الذي أغرقها في أمطاره الغزيرة.
كانت أم تمارة تسرق الم الغربة من بين هموم أبو تمارة لتخبئها في أخر زواية من سلتها العراقية العتيقة التي فاضت بأحزانها. كانت تحاول أن تسجن الامل فوق همومها لكنه غادر سلتها بدون موعد. أخبئت أم تماره في سلتها الجميلة ألام غربتها الطويلة، وحنينها المستمرلمدينتها التي أغتبرت عنها في أول عشها الزوجي. كانت تلملم عذاباتتها فوق همومها وتغسلهم ببسمة داخلية داكنة، وتفرشهم على حبال اشعة الشمس الذاهبة الى بغداد.
خرجت ام تمارة من قطار الحياة الهائج بصمت رهيب ووداع فردي لم يُحفى به غير سكونها الطويل.

لم أتمن أن اراها في سريرها المريض، متعبة، منهكة، وهي تصارع الألم بمزحة وتستقبل الحياة رغم رحيلها المفاجئ. كانت تعرف أن لحضاتها قاربت على لمساتها المعدودة، لكنها كانت
ترفض الخنوع لها
تتشبث في اخر ضحكة تخرج من أعماقها
تخزن اخر نظرة لبنتها التي تلونت عينيها بلون حزن أمها
تنتظر لحظات قدوم تمارة لتكحل عينها بها قبل أن تغلقها.

لم اتمن ان أزورها في سريرها الاخير، مستسلمة لألامها، منتاسية همومها ، مستضعفة لهول مصابها. فمن يعرف ام تمارة لايمكن أن يتصور، أن تلك المراة الناعمة، تقوى ان تتحمل كل الهموم التي أكتنفت حياتها في المنفى.
لم اتمن أن تغادرنا بصمتها المعهود وخجلها الذي يخشع له كل من يعرفها.
فراقتنا أم تمارة بعد أن حفرت في ذاكرتنا أصالة خلقها الجميل الذي لم يخدش مشاعر كل من حولها. كانت كنسمة الصيف حين تمر بقربك، فتحسسك باصالتها وطيبة سلوكها المتزن الذي أحترمه كل من جاملها وتعطر بسلامها العراقي الأصيل.

فارقتنا أم تماره على عجل و سلتها ممتلئة بحنين فياض لعراقها الجميل الذي تركته منذ اكثر من ربع قرن متأملة ان تخطف نفسها من بين أرجل اخطبوط المنفى القميء لتستريح على عتبات الوطن المكسرة.
فارقتنا أم تمارة، مقدامة، متفانية، الى كل فعالية تخدم العراق، كانت تسرق الحنين من المها لتساهم في ردم جراح الوطن المدملة.
فارقتنا أم تمارة بحب صامت تاركة بصماتها كمعزوفة موسيقية هادئة تطرب كل بقايا حطام المنفى وتبقى خالدة في نفوس كل من عرفها، مترحما على ذكراها في هذا المنفى اللئيم، الذي بدء يسرق منا أحلى أحبتنا.

فارقتنا ام تمارة وقد بدء المنفى يسقطنا في ترابه الناعم، الوفير، الواحد يلي الاخر، كسقوط ورق أشجار الخريف، إذ بدئنا نتسابق في السقوط من على أغصان شجرة الغربة الهرمة التي رفضت ان ترضعنا من حليب مائها العذب. بتنا نتساقط مسرعين الى قبور المنفى، لم نلحق ان نلملم كلمات الوداع لأحبتنا من بقى صامتا على غصون المنفى الجاحدة. كأن الكل خائفا من هذا السقوط الحضاري، منتظرا في اي لحظة يصمت الى تراب المنفى، قبل أمطار الخريف أو مع قساوة الشتاء الحزين. سقط الأحبة صامتين متحسرين، ولم يغتسلوا بتراب الوطن المبلل بجراجات الحرية.

وداعا ام تمارة في مثواك المغترب... تاركة لنا ذكراك كمزهرية جميلة معطرة برائحة قداحك الذي ستيتفتح في سهول المنافي الجملية.
نامي قريرة العينين مطمئنة باسمة وتواري الى ثرائك الطيب.
الصبر والسلوان لرفيقها طارق وقرة عينيها رشا وتماره.



#لميس_كاظم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعراس ارهابية تزف فنادق عمان
- مغزى مبادرة الجامعة العربية
- كل عام وعراقناعامر وشعبه أمن
- الرياح الإنتخابية التي ستعصف بقائمة الإتلاف العراقي
- طلعت الشمس على الحرامية
- دلالات محاكمة قائد ديمقراطية الموت
- وثقت قادسيات الصنم
- وشهد شاهد من أهلها
- كل يبكي على موتاه ...فمن يبكي على الوطن المغتصب؟
- حكومة القصور وتهميش السطور
- ميثاق شرف يحفظ أمن المواطن وكرامة الوطن
- *أقوال وأمثال *حاميها حراميها
- الشهداء متساوون في الحقوق والخلود في ضمير العراق
- تحرير قضاء تلعفر في مسلسل حرب المدن
- عثمان حاضر في دستور العراق
- سقط جسر الأئمة وسقط جسد المواطن وستبقى حكومتنا صامته
- التهديد والتفجير يتقاطعا مع ديمقراطية الدستور
- دستور بلا ثقافة وفنون وأدب... كجسد جاف بلا روح
- حرية المواطنة في مسودة الدستور
- علم العراق رمزا لتأريخ وحضارة العراق


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - لميس كاظم - وداعا أم تماره