أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قراءة نقدية في العقليتين الشفاهية والتدوينية















المزيد.....

قراءة نقدية في العقليتين الشفاهية والتدوينية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5077 - 2016 / 2 / 17 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


صدر عن منشورات "الاغتراب الأدبي" بلندن كتاب جديد للناقد صلاح نيازي يحمل عنوان "العقليتان الشفاهية والتدوينية ومقالات أخرى". يضمّ الكتاب النقدي 18 مقالة تتمحور على نقد الشعر، والرواية، والسيرة الذاتية، ومراجعات لكتب أجنبية وعربية، وثلاث مداخلات كتبها خصيصًا للبينالي الشعري العالمي في مدينة لييج البلجيكية، إضافة إلى دراستين معمّقتين للعقليتين الشفاهية والتدوينية اللتين تصدرتا هذا الكتاب المُكتظّ بالآراء والنظرات النقدية اللافتة.
أفادَ نيازي من تجربته الشخصية في الغرب ورصدها عن كثب منذ انتقلَ من بغداد إلى لندن عام 1963، فالأولى شفاهية، والثانية تدوينية. عرف البريطانيون التدوين منذ عصر النهضة، ثم ترسّخت العقلية التدوينية عند مجيء الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر واستمرت إلى يومنا هذا. أما العرب والمسلمون فقد عرفوا العقلية التدوينية في العصر العباسي لكنها سرعان ما انتهت بسقوط بغداد على أيدي المغول لتحلّ الشفاهية محلّها مع هيمنة الإمبراطورية العثمانية حتى مجيء الاستعمار البريطاني الذي أعاد الروح للعقلية التدوينية التي انهارت حينما اندحر عبد الرحمن البزاز الذي كان يتمترس وراء خلفية قانونية قوّضها طاهر يحيى بدبابة قبل أن يئِدها صدام حسين إلى الأبد ويرِث من الصحراء شفويتها.
لا تخلو معظم المقالات من انتقادات لاذعة لأبرز الشعراء والنقّاد واللغويين. وفي هذه المقالة يعيب على الجواهري في "بائعة السمك" وبلند الحيدري في "الطريق إلى بيروت" استلافهما صورًا شعرية من الصحراء، ويعيدان إنتاج ما سبق إنتاجه! لا ريب أن نيازي محق في انتقاده.
في مقال آخر يبحث نيازي عن مكمن صعوبة اللغة العربية وسبب ترهّلها. ويتساءل إن كانت هذه الصعوبة في اللغة نفسها، أم في طريقة التدريس، أم في المناهج المُقررة للتلاميذ؟ السبب، من وجه نظر نيازي، لا يكمن لا في اللغة ولا في طرق التدريس، وإنما في كمية المعلومات غير الضرورية التي تُعطى للتلاميذ.
يفرد نيازي مقالاً خاصًا عن كثرة استعمال واو العطف في الكتابة الأدبية ويرى فيها ترهلاً ونُعاسًا وتخديرًا. ويعتقد بأن الجملة العربية تستقيم بدون هذه الواو التنويمية. "فالجُمل كالبيوت، في الظاهر متواصلة، إلاّ أن لكل بيت شخصية متفردة ومزاجًا خاصا". يسوق نيازي في هذا المقال عددًا من النماذج لكتابات ابن المقفع، وطه حسين، والعقاد ويستنتج بأنها تخديرية، استعلائية مثقلة بالروان، وأن الإفراط في استعمالها يقلل من شخصية الجملة، ويُنهك حيويتها، ويجعلها سردية خالية من الفزع والمفاجأة. يدرس نيازي سبب غياب واو العطف في سورة "الرحمن" وحضورها اللافت في سورة "التكوير" لاثنتي عشرة مرة، وهي دراسة علمية مقنعة تستحق الإشادة والتنويه.
لم تفلت من نيازي بعض الهنات التي ارتكبها اللغوي الجليل د. إبراهيم السامرائي، ولم تشفع له جهوده المبثوثة في أكثر من 150 كتابًا "تأليفًا وتحقيقًا وترجمة، لأنه نفى وجود كلمة "المِدّة" في اللغة العربية مع أنها موجودة في كل المعاجم القديمة والحديثة. كما أنكر وجود كلمة "ضكّ" بمعنى الضيق وهي موجودة في الفيروزآبادي والمعجم الوسيط. لم يغمط نيازي حق السامرائي بوصفه باحثًا في علم اللغة الاجتماعي، حقل تجلّيه وتفرّده، ولم يجعل هذا الحقل مهمازًا يرعب القرّاء كما فعل مصطفى جواد في "قل ولا تقل"، وهذه الإشارة لنيازي طبعًا الذي ضرب عصفورين بحجر واحد. ثم توقف عند كتاب "العربية بين أمسها وحاضرها" مستعرضًا بعض فصوله المهمة التي لقيت صدىً طيبًا في نفسه ويأسف لضيق المساحة التي تمنعه من متابعة الفصول برمتها.
يراجع نيازي ثلاثة كتب أجنبية مهمة جدًا وهي "الليل والخيل والبيداء" لروبرت إرْونْ، و "صلاح الدين وسقوط بيت المقدس" لستانلي لين بوول، و "العين البريئة" لهربرت ريد وهي نموذج للقراءة النقدية المتفحصة التي تلتقط أهمّ المحاور التي تقوم عليها هذه الكتب الثلاثة حيث يرى فرادة الكتاب الأول في دعوة القارئ إلى الحديقة المسحورة، فالكتاب سياحة فكرية يتنافس فيه المبدع الروائي مع المبدع الأكاديمي. أما الكتاب الثاني فهو أمثولة احتذاها حتى الكُتاب العرب وحذوا حذوه في الأسلوب والاقتباس والاستنتاج. أما "العين البريئة" فهي"تحفة من التحف" التي قال عنها غراهام غرين: "أنها من أروع استحضارات الطفولة في لغتنا". وهي للمناسبة تدور حول السنوات التسع الأولى من حياته، وما السنوات اللاحقة إلا مجرد تنويعات عليها لا غير!
يختلف نيازي عن غالبية مجايليه من النقاد بقدرته في تحليل النصوص الشعرية والإمساك بجوهرها عبر المنظورية، وتقنية الحواس، والألوان. وفي محاولته الأولية للتعرّف على البريكان، وهذا تواضع كبير منه لأنه يعرف البريكان جيدًا، ويُدرك أهميته في المشهد الشعري العراقي، لكنه هنا يحثّ النقاد على كشف علاقة محمود بأبيه، ومعرفة اهتمامه بالفلسفة، وحبّه للموسيقى الكلاسيكية، وإعجابه الشديد بطاغور. وأكثر من ذلك فقد كان البريكان خطاطًا ورسامًا الأمر الذي أغنى قصيدته شكلاً ومضمونًا.
يشير نيازي إلى أن البريكان استلف ثلاثة عناصر أساسية من القرآن الكريم وهي "الظلمات، النور، والرياح" لكنه لم يصنع منها شيئًا جديدًا لكن ما يلفت النظر في شعر البريكان ونثره، بحسب نيازي، هو "عباراته المثقلة برنين سحيق لا يتأتى إلى أحد إلاّ بعد طول تأمل وتنقير في الأساليب القديمة". إذن، ثمة إقرار باختلاف شعر البريكان عن غيره من الشعراء لكن من أين جاء هذا الاختلاف؟ من الرسم أم الموسيقى أم السينما التي كان يبرع في تحليل أفلامها لبعض أصدقائه؟ بخلاف البياتي الذي كان يتأثر بـ "المَشاهد البصرية" ويترك تحليل الأفلام لمحبيها والمنقطعين إليها . لم يفت نيازي أن يفنّد بعض آراء الناقدَين حاتم الصكر وطرّاد الكبيسي. ويخلص إلى القول بأن "الغموض عنصر أساسي في كل عمل فني عميق"، وأن البريكان تبنأ بموته في ديوان "عوالم متداخلة" الذي يعتبره واحدًا من أفضل أربعة دواوين ظهرت في القرن الماضي.
يعترف نيازي بأن سمير نقّاش هو أول من نبههُ إلى ريادة مراد ميخائيل للشعر المنثور "حسب تعبير الرصافي" بالعراق عام 1922. وأن الرصافي قد هزّه في ذلك التاريخ الشعر المنثور فبعث رسالة إطراء إلى محرر الصحيفة شاكرًا إياه على ترويج هذا النمط الشعري الجديد. لا يحلل نيازي قصائد مراد ميخائيل وإنما ينوّه إلى كثرة أسئلتها الوجودية، ونهاياتها القلقة الحائرة، ولا يقينية شاعرها. لا تقتصر ريادة مراد على الشعر وإنما امتدت إلى القصة القصيرة كما يذهب الباحث عبدالإله أحمد فهو أول من كتب قصة فنية في العراق تحمل عنوان "شهيد الوطنية، شهيد الحُب" ونشرها في صحيفة "المفيد" عام 1922. كما استدل على الشعر المنثور من قراءاته لأشعار طاغور، ونسج على منوالها.
يتساءل نيازي في أقصر مقال له عن السبب الذي دفع الشاعر العربي لأن يقول: "مازاد حنونُ في الإسلام خردلة / ولا النصارى لهم شغل بحنونِ". ألم تنزل كل الديانات من أجل حنون؟ فلماذا نحوّله إلى خردلة في الأدب العربي؟ لماذ نفينا الأطفال من أدبنا ولم يطلوا علينا إلا مع مقْدم شوقي والطهطاوي؟ ثمة أسئلة كثيرة في هذه المقالة القصيرة التي تشكِّك حتى بعقليتنا التدوينية التي تحوِّل الإنسان إلى مجرد خردلة أو شيء بخس لا يُرى بالعين المجردة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مريم مشتاوي ومتلازمة القلب المنكسر
- عالم داعش . . من النشأة إلى إعلان الخلافة
- مراعي الصّبَّار. . . يوميات ليست بريئة من الخيال
- سافروجيت. . بطلة شعبية تغيّر وجه العالم
- خِصال دستويفسكي في قالب روائي هندي
- (حديث في الممكن) ولعبة الاشتغال في ما وراء الفضاء التراجيدي
- سمبين . . رائد السينما الأفريقية وأعظم الكُتاب الأفارقة
- لا لملاعب الغولف في الجانب المُعتم من الخُضرة
- ثنائية الشرق والغرب في غربة الياسمين
- قصة كردية تمجّد ثقافة السلام في فيلم اتبع صوتي
- قراءة نقدية في مراحل الرواية العربية المُغترِبة
- الجانب المُعتم من الخُضرة
- جوائز مسابقة يلماز غوني في مهرجان الفيلم الكردي
- التعالق النصي في قصص الرجوع الأخير لمجدولين أبو الرُّب
- بطولة المدينة وتنوّع الساردين في رواية -صنعائي- لنادية الكوك ...
- الرسالة الأخيرة بين المنحيين التاريخي والدرامي
- لماذا غاب أتاتورك في فيلم الرسالة الأخيرة لأوسان إيرين؟
- السينما أجمل شيئ في حياتي وأتمنى أن أكون راويًا للقصص
- ضفاف أخرى . . . رواية تمجّد الثقافة وتنبذ الكراهية والعنف
- قراءة نقدية لأربعة أفلام روائية قصيرة في مهرجان لندن للفيلم ...


المزيد.....




- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قراءة نقدية في العقليتين الشفاهية والتدوينية