مريض نفساني

محمود العكري

الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 12 - 02:14
المحور: كتابات ساخرة
    

هذا الصباح، قررتُ أن أزورَ عيادةً للأمراضِ النفسية والعصبية، زيارةً كانت مزدوجةَ الهدف، لأحكي عن ما أعيشه ولأرى عن ما تعيشهُ هذه الفئة المنبوذةُ إجتماعياً، جلستُ وحدي متأملاً منظرَ اللاعقلانيين، منظرَ نشوة التأقلمِ واللاواقع، منظراً ألم عميقٍ جداً أحسسته به، حاولتُ جاهداً أن أعيشَ كهُم، كتصرفاتهم وأفعالهم، أن أتأقلم رفقة الوضع الذي أنا فيه معهم، حدثتني إمرأة وقالت:
".تبدو صغير السن يا بني، ولباسكَ لا يوحي بتاتا بأنك مريض، فما بك! "
أجبتها وقلت:
" هههههه، ماذا قلتِ! هل أنت عاقلة! حسبت ان هذه مصحة للحمقى، فماذا تفعلين هنا ؟ "
أجابتني " أنا مع ابني، هو في سنك تماما، يهرب دوما ويعيش حياة غريبة جدا، يقول انه سيموت، سيجن، س.... ، وصمتت "
صمت أيضاً، وفجأة صرخت فتاة كانت بجانبي، كانت هادئةً جداً، وتتأمل في شيء ما، لم تحرك ساكناً حتى قامت بتلك الصرخة الأبدية وكأنها تعلن للجمهور عن وجودها،
في الممر الآخر هناك شاب يسب ويشتم أمه بأقدح العبارات، ويقول أنه أتى مع اخته التي يحب أما امه فلا دخل لها به، هي لا تدري شيئا لكنها تكثر من الكلام،
وأب يحاول إقناع ابنه بأن الانتحار ليس حلا لوضع نهاية لحياته المأساوية التي يعيشها، عليه ان يعزم على ان مسألة الشفاء جد واردة،
هناك في الغرفة رجل يدور حول نفسهِ بأقصى سرعة مردداً " عيشوا أيها الأوغاد، عيشوا "،
إمرأة تبكي بشدة وتقول " جننت جننت، سأموت، أنا خائفة، أود الفرارَ إلى مكانٍ يحتويني، يؤمن بي.."
تعددت المشاهدُ وتنوعت أمام ناظري، حاولتُ السيطرة قدر المستطاع بيد أني هزمت في النهاية معلنا بصرخة قوية صمتَ معها الكلّ
" تباً لكم، نحن الحمقى، المجانين، الملعونين، نحن المنبوذين نعم، لكننا الإنسان الطبيعي في نفس الآن، استمعوا لي جيدا: حافظوا على نغمات الجنون التي تراودُكم، ورددوا معي، فلتحيا الحياة وسحقاً للعقلاء، هيا فلنردد معا هذا "
صرخ الكل منتفضا وابتسامة العفوية لا تكاد تفارق تلك الوجوه الغريبة، رقص الكل على نشوة ديونيسيوس، واستمروا في القول:
فلتحيا الحياة حياتنا، فليحيا الجنون..

#محمود_العكري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل