عمر الدرديرى
الحوار المتمدن-العدد: 5066 - 2016 / 2 / 5 - 15:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حتى قبل ايام قلائل كان الاب الثمانينى عاديا .. مدركا بما حوله وبمن حوله ومواظبا على اداء ما تعود عليه من شعائر وصلوات .. فجأة بدأ يتحدث إليهم بما لم يعهدوه منه من قبل، قائلا أنه لم تعد له علاقة بالدنيا، وانه بدأ يشعر بقرب خروجه منها .. قال لهم ذلك بنبرة صوت اوحت بأنه كان موشكاً على امتطاء صهوة جوادٍ ما إلى حيث لا يعلم أحد شيئا، وإلى حيث لم يعد أحد ليخبر بما رآه، وكانت ترتسم على وجهه دلائل سأم من الحياة وملل منها بعد ان بات جسده اضعف من احتمال تكاليفها.. ذات يوم توضأ ثم جلب كرسيه الخشبى الذى اعتاد الجلوس عليه لأداء صلاته .. إنكسر الكرسى القديم المتهالك وانكسر معه عظم فخذه بعد أن سقط على الارض..
فى المستشفى تدهورت حالته ولم يكن مؤهلا للخضوع لعملية جراحية..
اعيد الى المنزل حيث كان فى عناية ابنائه وبناته واحفاده واسباطه الذين احاطوه بكل ما كان جديرا به من اهتمام ورعاية ..
كان بالنسبة لهم من قبل أبوهم الذى عرفهم حق المعرفة .. أما الآن فهو لم يعد يعرف حتى نفسه، ولم يعد مدركا بزمان او مكان، او شعائر كان حريصاً على ادائها وهو راقد على سريره، واصبح كمن ولج فى عالم خاص به هو وحده لا شريك له فيه .. عالم ليست فيه قيمة للمعرفة أو مكان للذاكرة ..
المحيطون به ظلوا ينظرون إليه بعين من مازالوا يعرفونه، بينما نظر إليهم هو بعين من لم يعد يعرفهم، بل بعين من لم يسبق له ان عرفهم اصلا .. كان ذلك مؤلما بالنسبة لهم.. اما هو فلم يكن فى نظراته او قسمات وجهه ما دل على شعور بألم أو معاناة .. ثم حانت اللحظة المرتقبة وارتعش الجسد.. جلس احدهم إلى جواره لتلقينه كلمات وفقاً لما أوجبته المعتقدات، ولكنه كان ينظر إلى ملقنه بعينين فارغتين وكأنه كان يسخر منه ومما كان يقوله ..وكأن ما قيل له لم يعد يعنى شيئا بالنسبة له .. لم ينطق بكلمة مما رغب ملقنه فى سماعه منه .. وماهى إلا لحظات حتى امتطى صهوة الجواد اللامرئي الذى كان بانتظاره وانطلق تاركاً وراءه علامة استفهام كبيرة لم يرها إلا قليلون: هل انطلق عنهم إلى حيث لا يدرون، أم انطلقوا هم عنه إلى حيث لم يعد يهمّه أن يدرى؟
#عمر_الدرديرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟