أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - اليتيم














المزيد.....

اليتيم


جميل السلحوت
روائي

(Jamil Salhut)


الحوار المتمدن-العدد: 5056 - 2016 / 1 / 26 - 12:10
المحور: الادب والفن
    


جميل السلحوت
اليتيم
ممّا لا شكّ فيه أنّ رحيل والدتي مساء الجمعة 22 كانون ثاني-يناير- 2016 شكّل علامة فارقة في حياتي، بل سيشكّل تاريخا أيضا، قبل وفاة الوالدة وبعد وفاتها، ومع أنّي تجاوزت السّادسة والسّتين ببضعة شهور إلّا أنّني أشعر باليتم حقيقة كما الأطفال الذين يفقدون أحد والديهم أو كليهما، ويبدو أنّني كنت طفلا أمام والدتي، تماما مثلما كانت هي الأخرى تعتبرنا "أولادا" ورحم الله من قال "اليتيم هو يتيم الأمّ" فالأمّ عماد البيت، ومظلّته التي يستظل بها الجميع. وحسرتي على كلّ انسان فقد والدته وهو طفل، ولم يتذوّق حنان الأمومة كما يجب، هذا الحنان الذي تعطيه الأمّهات بلا مقابل، ويحتاجه الأبناء مهما بلغوا من العمر، وإذا كان عطاء الأمّهات بلا حدود، فإنّهن على استعداد دائم بأن يفدين أبناءهنّ بأرواحهنّ، وهنا أستذكر ما كانت تقوله والدتي لي ولأشقّائي وشقيقاتي وأبنائنا الذين هم أحفادها:" ليت يومي قبل يومك يمّه" و" إن شاء الله ستدفنني بيديك يمّه" و"يا ربي لا تذوّقني طعم لوعتك يمّه". فهل هناك من يتمنى الموت فداء للآخرين غير الأمّهات؟ وهل هناك من لا يحتمل لوعة الفراق الأبديّ غير الأمّهات؟ وهل هناك من يتمنّى أن يدفنه الآخرون بدلا من أن يدفنهم هو غير الأمّهات؟ وهل هناك من يحمل هموم الآخرين أكثر ممّا تحمله الأمّهات من هموم أبنائهن؟ فلله درّك يا أمّي الرّاحلة، ولله درّ الأمّهات كلّهنّ!
وها هي أمّي ترحل بهدوء وهي بكامل قدراتها العقليّة، رحلت وهي تفتقدنا فردا فردا، ذكورا وإناثا، حتّى أشقائي داود وراتب وابني قيس المغتربون في أمريكا لم تنسهم حتّى وهي تودّع الحياة، وطلبت أن تسمع أصواتهم، فكلّموها من خلال الهاتف...سمعت أصواتهم وابتسمت لهم وأمطرتهم بوابل من دعوات الرّضا، والأمنيات لهم بالصّحة والعافية والتّوفيق، سمعتهم ودعت لهم وهي تعاني سكرات الموت، أبدت رضاها واعجابها بلينا ابنة حفيدها قيس البالغة من عمرها ثمانية شهور، تبادلتا الابتسامات، حدّثتنا عن اعجابها بلينا، وتمنّت لها عمرا مديدا وصحّة جيّدة وحياة هانئة في ظلّ والديها، سألت عن اخوتنا الآخرين "محمّد، أحمد وجمال" فهل هذا الحرص على الأبناء والأحفاد في السّاعات الأخيرة من العمر يحصل من غير الأمّهات؟
تعود بي الذّاكرة إلى عشرات السّنين السّابقة، وأستذكر كيف كانت تشقى وتسهر وتجوع وتبرد من أجل أن تسعدنا، وتنيمنا، وتطعمنا، وتدفئنا، لم تتذمّر يوما أو تتأفّف وهي تقدّم لنا ما تقوى على تقديمة. تعود بي الذّاكرة عندما كانت تجلسني بحضنها وتطلب منّي أن أقرأ لها درسي، لترى إن كنت أحفظ دروسي أم لا! تستمع لي بانتباه، ولم أعلم أنّها كانت أمّيّة لا تجيد القراءة والكتابة إلا في سنوات لاحقة، فأكبرت فيها هذا الحرص وهذه الرّعاية.
أتذكّر كيفت رعت أبناءنا أكثر من رعايتنا نحن وزوجاتنا لهم. وكأنّي بها تواصل مهمّتها أُمّا وجدّة، وتجد متعة في ذلك.
أتذكّر كيف كانت تتحامل على نفسها بعد أن أصيبت بتآكل مفاصل الرّكبتين، كي تخدم نفسها بنفسها، لم ترد الاثقال على أحد منّا. وممّا يواسيني أنّنا لم نبخل عليها بشيء نستطيعه، حرصنا على علاجها وتوفير كلّ ما نستطيعه لتوفير الرّاحة لها، لكنّنا لم نردّ لها جزءا ممّا قدّمته لنا.
فلروحها الرحمة، ونسأل الله أن تكون في جنّات الخلود مع الأنبياء والصّدّيقين والشّهداء. وسنبقى ندعو لها بالرّحمة ونطلب رضاها حيّة وميّتة.
26-1-2016



#جميل_السلحوت (هاشتاغ)       Jamil_Salhut#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمّي في رحاب الله
- رواية -الهروب- في اليوم السابع
- ظبي المستحيل لبكر زواهرة في اليوم السابع
- رواية -فانتازيا- في ندوة اليوم السّابع
- رواية -فانتازيا-والربيع العربي
- كيف ترى ديمة السمان القدس من برج اللقلق؟
- فراشة عمر حمّش تبوح في اليوم السابع
- بدون مؤاخذة- احتجاز الجثامين وهدم البيوت
- رواية -رولا- لجميل السلحوت في اليوم السابع
- رواية الخطّ الأخضر في اليوم السّابع
- بدون مؤاخذة- ارهابهم وارهابنا
- رواية-يقظة حالمة-في ندوة اليوم السابع
- بدون مؤاخذة- السّقوط إلى الهاوية
- حضرت الأحلام وغابت الرّواية
- الموقف العقلاني من التراث
- دمعة احسان أبو غوش تخدع ظلها في اليوم السّابع
- يوميّات الحزن الدّامي- أنتم السّابقون...
- رواية -غفرانك قلبي- في ندوة اليوم السابع
- أحلام ماجد أبو غوش
- حضن الأمّ


المزيد.....




- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- فيديو صادم.. الرصاص يخرس الموسيقى ويحول احتفالا إلى مأساة


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - اليتيم