أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسمة قرطاج - بقايا من بركات أمازيغية ...















المزيد.....

بقايا من بركات أمازيغية ...


باسمة قرطاج

الحوار المتمدن-العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 04:17
المحور: الادب والفن
    


لأنه إكسير الحياة، وعى الانسان بأهمية الماء منذ بداياته واشتدت علاقته به واتخذت أشكالا مختلفة، فقدّست عدة شعوب الماء وعبدته واعتقدت في آلهة ربطتها بالماء وأقامت لها طقوسا عجائبية طلبا للخصوبة والنماء.
وقد احتفى الأمازيع بقدسية الماء في طقوس جماعية روحانية وجدانية تواصلا مع أزمان ما قبل التاريخ، فوثنية العصور السحيقة كانت تحمل بين جنباتها قدرا من العقلانية العلمية التي لا تخلو من البراغماتية إذ الماء هو المعادل الرمزي للطهارة والخير والنعم به تشتد بُنية الجسد وتصبح صلدة وقادرة على مواجهة الطبيعة القاسية و هذا تحليل علمي وليس موقف كهنوتي، ولهذا نجد الميثولوجية الامازيغية بما هي جزء من ميتولوجيا الشعوب القديمة دجلة والفرات واليونان قد حافظت عبر العصور على طابعها الطقوسي احتفالا بالآلهة والربّة وهو ما يشي بحضور العنصر الأنثوي فأثينا حسب هيرودوت هي نفسها الالهة القرطاجية الفينيقية الأصل تانيت وهي مماثلة لعشتار الفينيقية والبابلية وهي حامية مدينة قرطاج البونيقية وتعتبر تانيت رمزا للأمومة والخصب والنماء وازدهار الحياة، وكانت مصدرا للحب بين القرطاجيين فكانوا يهبون لها العطايا الثمينة ويقسمون باسمها إذا أرادوا إثبات وفائهم وصدقهم ولهذا حظيت باهتمام بالغ في الاسطورة العالمية من حيث مكانتها ودلالة خصوبتها فحين تستجيب الالهة يهطل المطر وتعمّ الخيرات و ينتصر السلام، و في المقابل ينعدم الأمان حين تحبس المطر فيكثر الخوف من الجوع والسرقة وتفشي المجاعات والأوبئة و لهذا كان الجفاف يُفسّر لاهوتيا على أنه عقاب إلاهي عن ممارسات منافية لنواميس الآلهة فتتوجه القبيلة صغارا وكبارا بالخروج في كرنفال جماعي يهزجون بأناشيد يجوبون الأحياء طارقين المنازل من أجل تشريك الأهالي في الطقس الاستسقائي من خلال نثر الحبوب أو الحلوى عليهم أو رشّهم بالماء استجلابا للمطر ... هذه الطقوس ورغم بساطتها إلا أنها غنية بحمولتها التاريخية بما تكشفه من إرهاصات عن تعامل الفكر العقدي الأمازيغي قبل الديانات السماوية...
ورغم تعاقب العديد من الحضارات التي جلبتها ثروات هذه الأرض وأهمية موقعها الاستراتيجي فقد حافظ الشعب الأمازيغي بتونس على لباسه (البرنوس، القشبية، الكدرون، الملية، الخلال، الحلي، الخمسة...) وعلى الموسيقى الأمازيغية بالقصبة أو الزكرة بإيقاعاتها الأمازيغية كمثيلتها في الجزائر و ليبيا، و على عدة أشكال طقوسية نجد أهمها الطقس الاستسقائي لطلب الغيث عند تأخّر المطر فنجد على سبيل المثال عادة أمك طنقو : وهي عروس المطر تشبه الآلهة تانيت في شكلها و تتمثل في عصا طويلة أو ملعقة خشبية كبيرة الحجم تلبس على شكل دمية فستانا بقطع من القماش مختلفة الألوان مشدودة إلى قصبة مرفوعة على شكل صليب و عليها منديل يطوف بها الأطفال عندما يتأخّر نزول الأمطار و تجفّ الأرض و يطرقون أبواب المنازل مرددين:

"أمك طنقو يا لولاد غسلت جبّتها في الواد
أمك طنقو شهلولة إن شاء الله تروّح مبلولة
أمك طنقو بسخيبها طلبت ربّي لا يخيّبها
أمك طنقو يا صبايا بالبازين و القلايا
أمك طنقو يا نساء بالبازين و الحساء
قريّن فول قريّن فول إن شاء الله يصبح مبلول
أمك طنقو يا يا لولاد ان شاء الله تروح بالواد
وريقه حنّاء وريقه حنّاء إن شاء الله تصبح في الجنّة ...

ولا ينفكّ الأطفال عن الترديد و الغناء حتى يطلّ عليهم النساء بأواني مملوءة ماء يرششن بها أمك طنقو والموكب لتكثر الأمطار وتروي الأرض بعد جدبها و في بعض المناطق يقومون أيضا بنثر حبوب الفول والحمص ويمنح الأطفال بعض الهدايا والعطايا، كما يتم تجميع العطايا والصدقات من الأهالي لتهيئة المآدب و الولائم في المزارات والزوايا حسب المنطقة، و عند عند نزول المطر يغنون:

يامطيرة خالتي** صب على قطايتي*
قطايتي مبلولة**بالزيت و الزيتونة
*( القطاية أو القُصّة هي الغرّة )

و عندما لا ينزل الغيث يقومون بحرق الدمية....
هذه هي الخطوط العريضة لهذا الطقس الأمازيغي الذي كان يحدث في جلّ أنحاء البلاد التونسية و البلدان الأمازيغية المجاورة بصفة عامة مع بعض الفوارق الضحلة في الأداء أو الأهازيج أو التسمية "أمك طنقو" أو"القايمة" و هي خروج الأطفال حاملين "عرايس" من القماش المبلول بالماء مرددين :

" قايمة يالقايمة نشالله تروح عايمة .. قايمة يا شهلولة نشالله تروح مبلولة
تهلولة يا تهلولة ** إن شاء الله تروح مبلولة
ياربي تنظر لنا** و أحنا صغار أش عملنا

وما تواجد الأطفال الذين لم يقترفوا أي ذنب مثلهم مثل البهائم والأنعام، متوسلين بالأهازيج مبللين بالماء سوى دلالة عن البراءة و الطهر حتى تحنّ الآلهة و ترزقهم بالأمطار ....
بقي التونسيون إلى اليوم يخرجون بأمك طنقو للاستسقاء و طلب الغيث في فترات الجفاف وهو طقس يعبّر عن قدرة هذا الرمز الذي يشبه (التانيت) آلهة الخصوبة القرطاجية على استنزال الغيث وتعرف هذه الدمية العروس بالتاغنجة او البوغنجة و التاغنجوت هي الملعقة باللغة البربرية ولا يزال هذا الطقس يمارس إلى اليوم فهو عادة ضاربة في التاريخ تستحضر رموزا من حضارات قديمة تجردت من معانيها التي وضعت من أجلها مع مرور العصور لكن حافظت على قداستها في المخيال الشعبي.
ويرمز إلى التانيت بشكل مثلث تعلوه دائرة هي بمثابة الرأس ويفصل بين المثلث والدائرة خط أفقي ينتهي بانحناءة طرفيه بمثابة الذراعين و يعطي الرمز في جملته شكل امراة بطريقة مبسطة جدا، وأثبتت الحفريات حضور هذا الرمز في النذر الجنائزية و في المنازل و الأواني الفخارية و أنواع شتّى من القطع الأثرية كالتماثيل والتمائم الفخارية و قطع حلي المرأة الأمازيغية وبعض المعالم الجزئية واللوحات الفسيفسائية كما هو في كركوان وأكروبوليس سيلينوبت في صقلية كركوان و عديد المدن البونية الأخرى.
و بعد سقوط قرطاج في الحرب البونية الثالثة 149-146 ق م وإلحاقها بالإمبراطورية الرومانية لم تندثر هذه الربّة الرمز من إفريقية بل بقيت مكانتها في المنطقة وصار إسمها"جونو "وهي ملكة الآلهات ورمز الحب وحامية الزواج عند الرومان، و حتى بعد الفتح الإسلامي بقيت حاضرة كرمز فأل ونجاح وجائزة فوز وتتويج إلى اليوم بعد أن تمّ إلغاء الطابع الوثني عنها مما جعلها مستمرة بيننا اليوم بمختلف بلدان شمال إفريقيا ومناطقها سواء الناطقة بالأمازيغية أو بالعربية العامية، وتعرف أيضا بـ(تاغنجا) أو تاسليت أونزار أي عروس المطر الذي يعد من أقدم الشعائر الاستسقائية، ويهدف إلى استمطار السماء حين تكون الأرض والمحاصيل مهددة بالجفاف والتلف وهو طقس يعبر عن قدرة هذا الرمز على إنزال المطر (أونزار) وتعرف العروس بالتاغنجة او البوغنجة و التاغنجوت هي الملعقة باللغة البربرية :
- في يفرن وهي مدينة تقع في أعالي جبل نفوسة في غرب ليبيا هناك من يسميها (ؤمك كمبو) وهناك من يسميها (تاسـلت ؤنـژار)
- في تونس تسمى أمك طنقو، وتسمى الدمية في القبايل بالجزائر بالاسمين معا (تاغنجا أو تاسليت أونزار) و هي عصا كبيرة من الخشب تنحت كالملعقة تستخدم لعجن الدقيق المطبوخ) وتستعمل على هيئة يدين وتلبس رداء أوحائك نسائي (تاحوليت) وفستان وتُزيّن بحلي من الفضة (لفجـرط) كالعروس (تاسليت).
- آنزار هي كلمة أمازيغية تعني إله المياه و الأمطار في الميثولوجيا الأمازيغية القديمة، عندما ينقطع المطر وتشتد الحاجة إلى المطر فلا أحد يستطيع إغاثة الخلق من الهلاك إلاّ تيسليت أنزار أو تاسليت نونزار و يعني إسمها باللغة العربية عروس أنزار أي عروس إله المطر، و تروي الميثولوجيا الأمازيغية أنّ الفتاة الامازيغية الجميلة تيسليت كانت عاشقة للماء ترتاد نهر فضي البريق ترتوي من مائه وترضي عشقها له وتستحم فيه عارية، و في يوم من الايام لمحها انزار الاه المطر ففتن بها فكان يهبط إلى الأرض لأجلها محاولا أن يدنو منها فتخاف فطلب منها أن تتزوجه و تسكن معه السماء قائلا لها ذات يوم :

ها أنا أشق عنان السماء
من أجلك يا نجمة بين النجوم
فامنحيني من الكنز الذي وهبته
وإلا حرمتك من الماء...
لكنها رفضت أن تتزوّجه وتترك الأرض وردّت عليه قائلة ׃-;-

أتوسل إليك يا ملك المياه
يا مرصع جبهته بالمرجان
إني نذرت نفسي لك
بيد أني أخشى الأقاويل...

فرحل أنزار غاضبا و قرّر أن لا يعود إلى ذلك المكان و أن لا يمطر فيه وحبس الماء في السماء و أبعد السحب و الأمطار عن القرية حتى جفّت وديانها و أصبحت كالصحراء القاحلة فحلّ الجفاف ونضب النهر فغارت مياهه وندمت الفتاة على رفضها الزواج وتفجّرت عيناها بالدموع وخلعت ثوبها الحريري وظلت عارية، و توجّهت مخاطبة السماء قائلة ׃-;---;-- أنزار يا أنزار...يا زهر السهول...أعد للنهر جريانه ‼-;-
و صعدت تبكي و تنادي إله المطر في الجبل بموافقتها الزواج منه وقرّر السكان أن يصنعوا له دمى مبلّلة بالماء و الخروج للتضرّع له و طلب العفو من أجل نزول المطر من جديد ...
وبعد توسّلاتها قدم أنزار بهيئة شرارة برق ضخمة فضمّ إليه عروسه و طار بها بين السحب إلى السماء فعاد النهر إلى سابق عهده في الجريان وأينعت الأرض واخضرّت وحلّ محل الفتاة قوس قزح يظهر في حال سقوط المطر و صارت عروسه تظهر معه في كل مرّة يحضر، فهي قوس قزح المعروف عند الأمازيغ ب تسليث و آنزار ( عروس آنزار) كما يردّدها الأهالي :

يا آنزار يا آنزار فليسقط المطر على الجبل
و مثل العام الماضي أَجْري لنا الأنهار
يا آنزار يا آنزار هاهي الأرض و قد جفت
و مر عليها شهر المرفع بين الأودية
أيها الرب عطاشى و نحتاج الماء ...

ومن خلال هذه الزيجة الكونية بين السماء والأرض يتجدّد خلق الحياة عبر سقي الأرض وإخصابها في تماهي قداسوي جميل بين كونين : كون الله وكون الإنسان أي بين اللاهوت والناسوت وتحقيق تواصل سماء- أرضي مجسّدا بقوس قزح (عروس المطر أو عروس الشّتاء ) وهو ترجمة حرفية للتسمية الأمازيغية (تاسليت أونزار) وهو تركيب لا يمكن فهمه إلاّ استنادا إلى خلفية ثقافية أمازيغية نجد روحها وتفاصيلها في تراثنا لنكتشف ماضينا ونستشعر وجدان أجدادنا و مخزونهم النفسي والعقدي خارج ردهات المؤسسات الدينية من خلال طقوس قد تظهر غامضة لكنها عند الباحث الأريب تنبئ عن حضارة عريقة ومعتقدات قاومت الاستئصال و التخريب لقرون عديدة ممّا ساعد على قراءة سيمائها و استنطاق معانيها المختزلة، وما انتصار المقدّس ببعده الإنساني في الزمن الوثني سوى تأكيد على حركية العقل الأمازيغي واجتهاده، أما مواصلة استحضار هذا الطقس الاستسقائي عند تأخر المطر فيمكن تفسيره على أنه استنجاد بالمتبقي المستبطن فينا لاشعوريا من الزمن الكرونولوجي لإستعادة الزمن الميثي الذي جرى فيه الحدث البدئي أي الزمن الأسطوري المقدّس الذي لا يزال يسكننا....

إليكم رابط هذه الأغنية الأمازيغية الجميلة التي تحاول أن تجسّد أسطورة أونزارا وتليسيت :
https://www.youtube.com/watch?v=M4qedKTzyCI



#باسمة_قرطاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض من روحٍ صوفيّة
- - سكرات أستاذة معطّلة عن العمل -
- مرسول الحب بين محمد و حبيباته


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسمة قرطاج - بقايا من بركات أمازيغية ...