أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسمة قرطاج - بعض من روحٍ صوفيّة














المزيد.....

بعض من روحٍ صوفيّة


باسمة قرطاج

الحوار المتمدن-العدد: 5007 - 2015 / 12 / 8 - 01:03
المحور: الادب والفن
    


أَلِفتُ مُتعة العراك والكرّ و الفرّ، انغمستُ كَمَن يَكرع من برميل مُعتَّقة لا قرار له... أو هكذا خُيِّلَ لي، الشيء الذي جعلني ذات مرّة أفكّر أن أدخل الجامع لأحضر صلاة الجمعة إستجابةً لرغبة طاغية إستبدَّت بي وقلتُ لنفسي فلأُجرّب أن أحيا هذا الموقف كي أشحن رأسي بالادرينالين وأعيش خوفي من الموت كما يردّدون على مسامعي مذ وعيت على هذه الدنيا، خوفي من أهوال عذاب الله و بطشه بالمارقين، خوفي من ضَنَك الدُنيا التي لا يُفهم لها آخر ...
تَخيَّلتُ نفسي مرّة في هذا الموقف الشنيع أمام ربّ العالمين أسردُ أعذاري.... دفعتني إلى الجامع حالة ذُهانية لم أقرّر فيها شيء، إنسَقْتُ وراء طلعة مجنونة من طلعاتي و رغبةً في شيء عميق لم أجرّبه أو شيء معروف أردت أن أجرّبه "بالمقلوب" أو بطريقتي ...
كنتُ واقفةً في الصف الأخير في صلاة الجمعة لا أتذّكر كيف هي الصلاة، أتبع المصلّين ...
الإمام يقرأ في آيات من سورة البقرة و أنا أُتمتِم في "يا مشمش أيام الله بضحكة عينيك ترنم للغة القرآن فروحي عربية"
الناس تقوم و تنهض و تنحني و تسجد و تركع و أنا التفتُ لأراقبُهم و أتفرّج عليهم و أتّبع حركاتهم بلا وعي و لا فهم ! إمتزَجَ عندي الضحك باللامبالاة بالخشوع المصطنع بشيء من الاستخفاف، بشيء من السخرية من كلّ شيء حيث وصلت لدماغي كلّ أنواع الانفعالات القويّة في لحظة شحن حدّ الانفجار .....
ثم فاجأني الضَحكُ في وسط السجود الأخير فقطعت الصلاة وخرجت مهرولة ....
نزعت الخمار من على رأسي وخطفت حذائي وأسرعتُ نحو الباب كَمَن به مَسّ ...
خَرجَت إمرأةٌ عجوز ورائي، وَجَدتْني أُرتِّب ملابسي .... رمقَتني بنظراتٍ حادّة كلها تقريع و تأنيب و همّت أن تمطرني بوابل من التوبيخ و دروس الوعظ و الإرشاد المقيتة فبادلتها نفس النظرة وقلت لها : " قل ربي يهدي يا حاجّة " فصمتت ولم تنبس ببنت شفة ...
خرجْتُ من الجامع وأخذتُ أتمشى كالهائمة إلى أن وصلتُ لمحطة القطارات، إستقليتُ القطار وتوجّهتُ إلى البحر وجلستُ على الرمال بمفردي أتأمَّل طيور النورَس وحركة مجاذيف القوارب الصغيرة وشلّة من البحارة كانوا بصدد إصلاح شِباكهم في غناء إيقاعي جماعي...
تحدّثتُ مع أحدهم فطفقَ يحكي عن معاناتهم حيث العمل محفوف بمخاطر الموت وأنّ هذا القطاع لا يضمن العمل طيلة السنة لأسباب منها موسمية الصيد وأحوال الطقس علاوة على ما يتعلق بالمراكب في حد ذاتها من عطالة المحرّك أو إصلاح جزئي للهيكل، وفوق هذا كله يعاني البحارة من التوزيع المُجحِف للمحصول ....
وقفتُ أتأمّل البحر أُنصِتُ لصوت الموج الهادر المتقاذف في ترنيمة شاذبة .. أنظر إلى أمواجه عندما تتجه الى الشاطيء وتنتهي على صخوره لتعود لتكوّن أمواجاً جديدة تتكسر على صخوره مرةً أخرى.. يسحرني هذا المشهد ... أنظر اليه ونظري لا يكتمل فبعيد المسافة لا يجعل للنظر حدود، البحر بحر المسافات لكل من يختنق، أرسلت آهات دفينة كانت حبيسة زوايا قلبي ... أشواقاً عارمة ومشاعر مُبعثرة ، مشاعر أمل ويأس ، مشاعر حزن وفرح قرب وبعد ، وخوف وحيرة ، مشاعر تجاوزت الحدود وإنطلقَت لعالم بعيد .. عالَمٌ من الذكريات و الأماني...
أطلقتُ يدايَ للريح مجنّحة استعدادا للتحليق ،أحسستُ الله يُخرِج زكيّا من أنفاسي ..
الله الحريّة والجمال والبحر والسماء والنورس ...
تمرّغتُ كالمهر في رمال الشاطيء ، تسلَّلَتْ مشاعر متناقضة إلى أعمق نقاط وجداني كما يتسرّب الماء بين الشقوق أو كما يدلف النور فجأة إلى غياهب الظلمات...
تَوَجّستُ فألْفَتْ كل تحصيناتي أكواماً سرعان ما عادت لتتشكَّل مواكب فرح تُهلّل لإنتصار النّوميدية..
في وقت لم تَقسْهُ الأزمان وجدتُكَ هنا يا الله حُراً جميلاً، نعم أنا أشعر بك و أراكَ جَليّاً لكني هناك، واحسرتاه منقطعٌ خبركَ عني ...
حَطَّمْت كل قلاعي وأبراج المراقبة وقواعد إطلاق النار وإعتراني فرحٌ صبياني مَرِح ما عهدته حتى في أروع إنتصاراتي...
لَعِبتُ بالرمال حتّى تعبت، نظَّفت دماغي من كل القاذورات و الهامشيات و عُدتُ فاضية البال كما أردتُ ...
التفاصيلُ الصغيرة تخلقُ الحياة ، وهي تلك التي تُضفي نكهةً من الجمال والمتعة عليها ..
هي متعددة وكثيرة لكن المغامرة تخلقُ فارقاً بداخلنا .. تجعلنا أكثر إستمتاعاً بالحياة .. نحنُ نطرق باباً مجهولاً نخشاهُ ونتردّد في الإتجاه نحوه ..
إعترتني قهقهة حسبتُها لن تنتهي.. المهمّ أن أكون في جوارك و بقربك هنا و ليس في مكان آخر، فإمّا حياة بجوارك و إما هلاك مَن لا زمن لهُ و لا وطن يحتويه ... وكما يقول مولانا جلال الدين الرومي " كل نفس ذائقة الموت إلا أن الحياة لا تتذوّقها كل الأنفس " ...







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - سكرات أستاذة معطّلة عن العمل -
- مرسول الحب بين محمد و حبيباته


المزيد.....




- العراق ضيف الشرف.. ما أسباب تراجع المشاركة العربية في معرض ط ...
- العراق حاضر بقوة في مهرجان كان السينمائي
- رئيس الوزراء الإسباني يتهم -يوروفيجن- بـ-ازدواجية المعايير- ...
- بنزرت ترتدي عباءة التاريخ.. الفينيقيون يعودون من البحر
- نيكول كيدمان محبطة من ندرة المخرجات السينمائيات
- الأميرة للا حسناء تفتتح الدورة الـ28 لمهرجان فاس للموسيقى ال ...
- مهرجان كان: موجة الذكاء الاصطناعي في السينما -لا يمكن إيقافه ...
- عبد الرحمن أبو زهرة اعتُبر متوفيا.. هيئة المعاشات توقف راتب ...
- عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين
- فريق بايدن استعان بخبرات سينمائية لإخفاء زلاته.. وسبيلبرغ شا ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسمة قرطاج - بعض من روحٍ صوفيّة