شيروان محمود محمد
الحوار المتمدن-العدد: 5036 - 2016 / 1 / 6 - 23:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قليلا من التفهم للديکتاتوريين ، ايها السادة !
يخطأ من يظن ان الديکتاتور في اول يوم لتسنمە-;- السلطة يقول لنفسه: " سأبقی-;- في هذا المنصب ٣-;-٠-;- او ٤-;-٠-;- سنة، و سأقتل عددا غير محدود من ابناء شعبي و سأنهب ميزانية الدولة!"
لا، لا، ايها السادة، الامور اعقد من هذا بکثير، فالديکتاتورييون هم في العادة اشخاص ذوو مشاريع ضخمة و آمال کبيرة .
مشکلة المشاريع الضخمة و الآمال الکبيرة انها لا تنجز خلال دورة انتخابية واحدة او حتی-;- خلال دورتين انتخابيتين ، فيتعين علی-;- الديکتاتور اما تعطيل الدستور و الديمقراطية بشکل عام او ان يتحايل علی-;- الدستور من خلال التصفير او التمديد او کليهما. بعض المواطنين، لسوء حظهم، لا يشارکون الديکتاتور نظرتە-;- المستقبلية و امالە-;- الکبار، اما لقلة في الوعي او لوجود وعي منحرف لديهم، فيبدأون بالمناقشة و الاعتراض بل و الانکی-;- من ذلک فربما يتمادون في غيهم فيصبحون معارضة، فماذا يبقی-;- للديکتاتور ان يفعله؟ هل يتنصل من مسٶ-;-ليتە-;- التأريخية في تحقيق الآمال الکبار وينکفيء علی-;- نفسە-;- ويترک الحکم لشخص آخر ليست لديه المٶ-;-هلات اللازمة لتحقيق الرسالة التأريخية، او لربما لا يٶ-;-من بها حتی-;-؟! بالطبع لا! بل ان هذا العناد من قبل المعترضين او ذوي وجهات النظر المختلفة يجعل الديکتاتور يعتمد اکثر علی-;- حزبه، فهٶ-;-لاء علی-;- الاقل يشارکونە-;- الحلم المنشود و مستعدون للتضحية من اجلە-;-، و ان لم يکن الحزب علی-;- المستوی-;- المطلوب من الوعي، فسيعتمد علی-;- دائرة اضيق کالعشيرة او ربما حتی-;- العائلة ، بدون ان يستغني عن خدمات حزبە-;- کمانع للصواعق و ماص للصدمات. ثم يکتشف الديکتاتور ان الحزب او العشيرة او العائلة لا يمکنهم لوحدهم حماية الآمال الکبار، لذا عليه ان يقوي الجيش و يزيد من اجهزة الامن و المخابرات التي تمتلک الخبرة في کشف و ملاحقة المارقين الذين لا يشارکون الديکتاتور رٶ-;-يتە-;- ورٶ-;-اه . عند هذە-;- النقطة يجب ان تکونوا منصفين ايها السادة، وتدرکوا ان هذە-;- الحلقة المتسعة من المحافظين علی-;- الحلم الکبير ومن جنود الدفاع عن الامل المنشود تکلف الکثيڕ-;- ، فلا بد للديکتاتور ان يسيطر علی-;- ميزانية الدولة ، لا لکي يسرقها، لا سامح اللە-;-، و انما ليستثمرها في تحقيق حلمە-;- المنشود ، الذي لابد وانە-;- قد اصبح، عند هذە-;- النقطة ، حلمکم المنشود ايضا، والا فلتندبوا حظکم العاثر وتلوموا وعيکم المتدني! طبعا يدرک حضراتکم ان الديکتاتور لايمکنە-;- التدني لمستوی-;- محاسب بسيط فيسجل االايرادات و التکاليف ، بل يوکل هذە-;- المهمة لاناس يثق بهم ، فاذا اساء هٶ-;-لاء التصرف بالمال العام فلاينبغي لکم البدء بالصياح و رفع عقيرتکم بکشف مواضع الخلل. ما قيمة مليار هنا او مليارين هناک، مقارنة بالمستقبل الزاهر الذي ينتظرنا عند منعطف الطريق عندما يتحقق حلمنا المشترک وتهل علينا تباشيڕ-;- الغد المشرق .
خلال هذە-;- المسيرة الظافرة للديکتاتورلا بد ان يعترض طريقە-;- بعض المعوقات، قد تکون کبيرة فيتحتم علی-;- البلد خوض حرب او حربين ، ام متوسطة فيترتب عليه منع هذا الحزب او ذاک من ممارسة نشاطە-;- المخرب او ابادة بعض الفئات الاجتماعية التي لا يرتجی-;- ارتقاء وعيها، في يوم من الايام، الی-;- وعي الديکتاتور ، و قد تکون المعوقات صغيرة في شکل صحفي غير ملتزم او سياسي مزعج ، و هٶ-;-لاء يتم عادة التخلص منهم من قبل الغياری-;- من ابناء الحزب او الشعب ، و اياکم ان تذهب بکم الظنون بأن الديکتاتور في علياء مجده يسمح لنفسه ان ينزل الی-;- مستوی-;- زعيم مافيا فيأمر بتصفية معارضيه و منتقديە-;- ، بل ان وعي المخلصين من ابناء الشعب کفيل بأن يعفيە-;- من النزول الی-;- مثل تلک الصغائر، بل من محاسن الصدف ان بعض الفئات الاجرامية او حتی-;- الارهابيين الخارجين عن القانون تقوم احيانا بالضبط بما يفيد الديکتاتور، فتبيد خصوم الديکتاتور، علی-;- الرغم من الکره المتبادل بين الديکتاتور و هذە-;- الفئات المجرمة.
و الآن قد يريد القاريء الکريم بعض الامثلة التأريخية مني، لتوضيح ما اعنيه. حسنا ، اليکم ثلاثة امثلة:
اولا: ادولف هتلر وحلمە-;- الکبير برفع الذل و المهانة اللذين فرضا علی-;- شعبە-;- في اعقاب الحرب العالمية الاولی-;- . لقد کانت الاهانة کبيڕ-;-ة في نفس هتلر بحيث وحدها السيطرة علی-;- العالم و تقديمه علی-;- طبق من الذهب لشعبه کانت کفيلة بمحو ذلک العار الذي لا يستحقە-;- شعب کالشعب الالماني بعرقە-;- الآري المتفوق. طبعا ادرک هتلر ان السيطرة علی-;- العالم هدف کبير و لا بد ان يستغرق وقتا طويلا ، فکيف کان ممکنا المجازفة في الاستمرار باللعبة الديمقراطية التي اتت بە-;- للحکم ؟ اذن کان لابد لە-;- ان يعطل البرلمان ويدع الشعب يستنير بعبقريتە-;- و يضع آماله في شخصە-;- و يضمن بقاءه. و بالطبع کان لا بد ايضا من تصفية بعض الازعاجات المتوقعة کالشيوعيين و اليهود . وکان لا بد من ابادة الشعوب المحتلة التي لم تفهم عظمة حلم هتلر وبدأت تقاوم الاحتلال النازي.
ثانيا: يوسيف ستالين و حلمە-;- بتحرير الطبقة العاملة وبناء الشيوعية و اقامة العدالة الاجتماعية هل کان يمکن تحقيقە-;- خلال ٥-;- او ١-;-٠-;- سنوات ، بالطبع لا . ان مهمة عظيمة کتلک التي وضعها ستالين نصب عينيه لم تکن تتحمل اي تلکٶ-;- او تراجع او شکوک ، ولکي لا يجازف ببقاء ولو فرد واحد يشکک بعظمة الحلم و اهلية القائد لتحقيقە-;- کان علی-;- ستالين ان يبيد ٢-;-٠-;- مليونا من شعبە-;-. صحيح انە-;- رقم فظيع ولکن تخيلوا کم کان القائد سيکون فخورا لو ان الحلم تحقق و ازيل کل اضطهاد؟!
ثالثا: صدام حسين الم يکن يحلم باعادة امجاد امته و يريد ان يقدم لها قائدا تفتخر بە-;-؟ الم يخض حربا شرسة لمدة ٨-;- سنوات ليقدم لامتە-;- صدی-;- من التأريخ يفوح من اسم القادسية ؟ الم يخض ام المعارک ؟ بل حتی-;- و هو يزيل المعوقات امام مسيرتە-;- المظفرة نحو العلی-;- من خلال ابادة بضع مئات الآلاف من الکورد الم يعط اسما يفوح بالتأريخ ليجعل امتە-;- تشعر بالفخر کون القائد استوحی-;- من القرآن کلمة الانفال؟
خلاصة القول، المرة القادمة حين تريدون ان تحکموا علی-;- هذا الديکتاتور او ذاک لا تنسوا انه مسکون عادة بالاحلام الکبيرة ، و ابدوا بعض التفهم لعظم المهمة الملقاة علی-;- عاتقه حتی-;- و ان تضمن تحقيق الحلم القضاء عليکم و علی-;- الآلاف من امثالکم . ما قيمة حياتنا نحن البشر العاديون امام الاحلام الکبيرة لأناس عظماء؟! تريدون امثلة اخری-;-؟! انظروا في المحيط القريب بکم فستجدون دائما رجالا تسکنهم احلام کبيرة و مشاريع هائلة
#شيروان_محمود_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟