ماذا يجري في کردستان؟.. وهل يصبح نوشيروان مصطفی -يلتسن- کردستان؟

شيروان محمود محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2708 - 2009 / 7 / 15 - 08:22
المحور: ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
    

تشهد الساحة الکردستانية و بالارتباط مع الانتخابات المزمع اجراؤها في 25 تموز الجاري حراکا سياسيا لم تشهده منذ سنين.
فمن جهة يحاول الحزبان الحاکمان الديمقراطي الکردستاني والاتحاد الوطني الاحتفاظ بهيمنتهما المطلقة علی مقدرات الشعب الکردي وقراره السياسي ضمن ما يسميانه بالاتفاق الاستراتيجي، والابقاء علی تحکمهما المطلق باقتصاد الاقليم و المبالغ الهائلة التي تدفقت عليه، بالاخص بعد سقوط النظام الديکتاتوري. فتراهما يقيمان الاجتماعات الجماهيرية الضخمة في مراکز المحافظات و الاقضية و النواحي تنقل من علی شاشات محطات التلفزيون علی مدار الساعة وذلک لدعم قائمتهما المشترکة " القائمة الکردستانية" و مرشحهما لرئاسة الاقليم السيد مسعود البارزاني، وتقوم ابرز رموزهما باللقاء بالعشائر الکردية و الفئات المختلفة من المجتمع کالنساء و الطلبة ورجال الدين، ويجري الحديث عن اساليب مقززة من محاولات شراء الاصوات عبر توزيع المسدسات و اللابتوبات والمبالغ النقدية، کما و يجري افتتاح مشاريع خدمية تم انجازها من قبل و أجل افتتاحها ليتزامن مع الحملة الانتخابية، و مشاريع اخری لم تکتمل ولکنها تفتتح اليوم لتعطي الانطباع بکفاءة الحکومة الاقليمية وسعيها الدؤوب لحل مشاکل المواطنين.
ومن جهة اخری هناک احزاب و ائتلافات حزبية تشکلت بين ما يربو علی 20 حزبا و کيانات سياسية اخری نزلت الی الساحة الانتخابية، لتتحدی بامکانياتها المتواضعة جدا الماکنة الاعلامية الهائلة و الامبراطورية المالية للحزبين الحاکمين، کقائمة الخدمات و الاصلاح بين حزبين اسلاميين و حزبين علمانيين، کما وان للحزب الشيوعي الکردستانی قائمته المشترکة مع بعض الاحزاب الاخری، کما ويوجد اربع مرشحون يتحدون السيد البارزاني لتولي منصب رئيس الاقليم. ولکن من بين کل هذه التجمعات هناک قائمة بدأت تشکل تحديا جديا للحزبين الحاکمين، وتثير ارتباکا واضحا لديهما وتثير اعصاب قياداتهما والتي تحاول ضبط اعصابها تماشيا مع قواعد اللعبة الديمقراطية، ولکنها تبدو و کأنها تلعن اليوم الذي قبلت فيه مثل هذه القواعد!
هذ‌ه القائمة المثيرة للاعصاب هي قائمة السيد نوشيروان مصطفي، الشخصية الثانية في الاتحاد الوطني لسنين طويلة، و ذو الشعبية الکبيرة بين القواعد الحزبية و بالاخص في محافظة السليمانية و مناطق گرميان. القائمة اسمها"قائمة التغيير" ورسالتها الاساسية مفادها ان الحزبيين الحاکمين قد اخفقا في ادارة الاقليم وحل مشاکله مع المرکز وفي تلبية ابسط متطلبات حياة حرة کريمة لمواطني الاقليم، وان الفساد المالي و الاداري اصبح سرطانا ينهش في کيان الاقليم و يشيع التشاؤم بين مواطنيه، وانه بدون تغيير في الوجوه و التوجهات فان تجربة الاقليم محکومة بالفشل والتعرض للمخاطر من قبل اعداءها و کارهيها و هم کثر.
انشقاق علی الهواء مباشرة!
کان السيد نوشيروان قد انسحب من قيادة الاتحاد الوطني منذ فترة حيث يبدو ان الرسالة التي قدمها و ثلاثة آخرون من قياديي الاتحاد الي السيد جلال الطالباني والذين شکلوا ما کان يسمی بجناح الاصلاح لم تأت بالنتيجة التي کانوا يرتجونها في اصلاح الامور الداخلية للحزب و طريقة اتخاذ القرارات و التحکم بامکانيات الحزب المالية. الرسالة تلک، و الحق يقال، لم تکن تحمل شيئا من هموم المواطنين غير الحزبيين ولکنها کانت تحديا لسلطة السيد الطالباني، الذي اتبع وسائله المعهودة في تمييع الصراع و تهدئة الامور.
بعد ذلک کان السيد نوشيروان قد طلب التفرغ لانشاء مؤسسة ثقافية تتضمن محطة تلفزيون وجريدة وقد دفع السيد الطالباني مبلغ 10 ملايين دولار لدعمه في مشروعه کما وقد منحه تلا من تلال السليمانية ليکون مقرا لمؤسسته، و فيما رآه ثمنا مناسبا للتخلص من ازعاج يومي.
المحطة التلفزيونية اقيمت وبدأت ببث برامجها قبل اشهر قلائل، و بالتزامن مع التهيؤ لانتخابات اقليم کردستان اعلن السيد نوشيروان ترأسه لقائمة جديدة باسم "قائمة التغيير" و حول محطته التلفزيونية الی منبر للقائمة. في البدء کان التوقع بان القائمة ستدعم من قبل اعضاء الاتحاد الوطني الموالين للسيد نوشيروان ، ولکن المفاجئة اتت عندما ابدت قطاعات واسعة من المواطنين المستائين من سير الامور في الاقليم اهتماما و دعما لتلک القائمة کرد فعل علی الفساد الذي يبدو کأنه قد بلغ مديات مروعة وعلی استشراء المحسوبية وضرورة الانتماء لاحد الحزبين ليفوز المواطن بابسط حق من حقوقه مما يعيد الی الاذهان اسوء تقاليد البعث المقيت.
الديمقراطي الکردستاني توجس منذ البداية شرآ من الحرکة الجديدة ولم يستطع استثناء مؤامرة طالبانية لسحب الاصوات من البارتي مما دعاه، حسب ماتم تسريبه من معلومات عن اجتماع قادة الحزبين، الی فرض شرط مهين و قاس علی الاتحاد الوطني مؤداه انه اذا مافازت القائمة الجديدة بعشرة مقاعد او مادونها فأن المقاعد الباقية ستوزع مناصفة بين الحزبين، اما مازاد عن 10 مقاعد فسيخصم من حصة الاتحاد الوطني و يعطی للديمقراطي الکردستاني. ان تسرب هذا الخبر و امثاله و التي تظهر خضوع السيد الطالباني لشروط غريمه التقليدي يزيد من استياء القواعد الحزبية فيميل ولاؤها اکثر فاکثر نحو السيد نوشيروان. و في وضع کهذا لا يری السيد الطالباني بدا من المضي قدما في مراهنته علی التحالف مع السيد مسعود البارزاني للمحافظة علی مکاسبه الشخصية و الحزبية والتي تقدم في عبوة جميلة و براقة باسم " مکاسب شعب کردستان". فتراه يلعب دور مدير حملة اعادة انتخاب مسعود البرزاني و يتنقل بين من مدن و قصبات الاقليم لحشد الدعم و التأييد، ولکن قناة قائمة التغيير تظهر يوميا افرادا و جماعات تعلن عن ترکها لصفوف الاتحاد و الانضمام الی حرکة التغيير(علی الرغم من ان السيد نوشيروان نفسه لم يعلن تخليه عن الحزب رسميا!) ، هذا عدا عن اعداد غفيرة من الجماهير اللاحزبية التي تتصل بالقناة لتعلن عن تأييدها و تتعهد بالتصويت لصالحها.
و لايقاف التدهور في صفوف حزبهم، و ‌هذا الانشقاق المنقول علی الهواء مباشرة، يلجأ السيد الطالباني و قادة الحزب الی تهديد الاعضاء بل و طردهم ليس فقط من المنظمات الحزبية بل و من وظائفهم ، واضعين کل ادعاءات الحزب بتبني الديمقراطية في وضع لا يحسد عليه، وتتحدث مصادر وثيقة بان قوات الآسايش قد تلقت اوامر تقضي بطرد کل من يعلن تعاطفه لقائمتة التغيير و ينوي التصويت لصالحها .
تلفزيون حرکة التغيير ينقل بشکل يومي تقارير عن هذه الخروقات ويلقي الضوء علی حجم الهدر و الفساد الذي طال المبلغ الخيالي الذي وصل الاقليم منذ سقوط النظام و البالغ 31 مليارا من الدولارات. وفي برنامج يومي بعنوان " ميزانية في الظلام" يظهر بالارقام و الوقائع کيف يتم التعامل مع هذه المبالغ وکأنها ميزانية خاصة بالحزبين و اللذين يمنان بالفتات علی بقية ابناء الشعب.
يلتسن کردستانيا!
لهذه اللحظة يبدو التشابه بين السيد نوشيروان ويلتسن ( مع الفارق) واضحا فکما خرج يلتسن من بين صفوف الحزب الشيوعي السوڤيتي و استغل التذمر الواسع في صفوف الشعب ليرکب الموجة و يصل للسلطة فان نوشيروان مصطفی قد خرج من بين صفوف الاتحاد الوطني ليستغل تذمر ابناء الشعب الکردي من هذا الحزب و حليفه اللدود الديمقراطي الکردستاني، و يبدو ان المراقبين يرفعون يوميا من نسبة توقعاتهم فيما يخص عدد المقاعد التي ستفوز بها قائمة التغيير.
لقد اصبح نوشيروان مصطفی، وربما بعيدا عن توقعاته الشخصية، ممثلا لحرکة اکبر منه ومن توجهاته للتغيير، التي ربما لم تکن في البداية اکثر من سعي رجل مخلص لحزبه لترتيب امور البيت الحزبي وتحسين ادائه، ولکنه سرعان ما فهم حجم الاستياء المتراکم فخرج من قوقعته الحزبية ليتزعم حرکة متنوعة القوی و التوجهات يجمعها عدم الرضی من اداء الحزبين الحاکمين داخليا و خارجيا.
ان هذا التنوع وان کان يزيد من فرص قائمته للفوز باعداد اکبر من المقاعد الا انه يزيد من حجم المتاعب التي ستواجهه مستقبلا في الاتفاق مع مکونات قائمته علی برنامج يرضي الجميع وبحيث یحمي اطرافه من الانتقال الی الجهة الاخری ذات النفوذ و الامکانيات المادية الهائلة.
التغيير ضرورة حتمية... ولکن!
لايخفی علی مراقب منصف للوضع الکردستاني ضرورة حدوث تغيير جذري في طريقة اداء البرلمان الکردي والحزبين الحاکمين، فعلی الرغم من المنجزات الکبيرة التي لا يمکن انکارها ومن بينها استقرار الامن و حرکة بناء واسعة، يدرک المرء ان تطورا اکبر کان يمکن انجازه. کما وان الحزبين الحاکمين لا يمکنهما النوم علی اکاليل الغار و الاکتفاء بما تم انجازه و تذکير المواطن الکردي ليل نهار بفضلهما عليه سنوات النضال وما انجزاه سنوات الحکم المشترک، ناسين او متناسين ما جراه من مآس و آلام علی ابناء الشعب الکردي جراء صراعهما اللامبدئي علی السلطة و النفوذ، بل جاعلين من اتفاقهما الحالي وعدم الاقتتال فضيلة علی الشعب الکردي دفع ثمنها من خلال سکوته علی نهبهما المشترک لثرواته واللعب بمقدراته‌.
ما يثير الحذر في التطورات الاخيرة هو ان نواة الحرکة تتکون من اعضاء الاتحاد الوطني الذين لا يعجبهم التقارب الحالي بين الاتحاد الوطني و الديمقراطي الکردستاني وما يعتبرونه ذوبانا لحزبهم في البارتي، واذا ما تذکرنا المآخذ الکثيرة علی السيد نوشيروان و دوره في الاقتتال الداخلي و ما ينسب اليه من جرائم في بعض معارک ذلک الصراع الدامي وغيرها والتي لم يتمکن لحد الآن من اعطاء اجابات مقنعة حولها، کل ذلک يجعل المراقبين يشعرون بقلق حول الاشکال التي قد يتخذها الصراع القادم بعد الانتخابات.
اصداء حرکة التغيير عراقيا
في اول رد فعل عراقي صرح السيد نوري المالکي بانه‌ ينتظر نتائج الانتخابات ليتباحث مع الاطراف الفائزة فيها حول القضايا العالقة بين المرکز والاقليم تعبيرا عن تذمره مما يعتبره تعنتا کرديا في قضايا مثل المناطق المختلف عليها و الاتفاقيات النفطية و دستور الاقليم، وفي اشارة للحزبين الکردين بانه مستعد لتجاوزهما اذا ماتوفرت قوة سياسية کردية اکثر لينا وميلا للتنازل.
في تقديري الشخصي ان السيد المالکي سيصاب بخيبة امل آذا ما عمل حسابه علی استغلال نتائج الانتخابات لاجبار السياسيين الاکراد لتقديم تنازلات سياسية له تزيد من رصيده الذي يحاول جمعه باعتباره مدافعا عن وحدة العراق والحفاظ علی قوة المرکز و اولوية قراراته علی قرارات الاقليم. فالکثير من تذمر موالي التغيير تجاه الحزبين الحاکمين يعود الی ما يعتبرونه تراخيا و قصورا للحزبين تجاه عودة المناطق التي کانت جزءا من کردستان قبل حملات التعريب و التهجير والتي لا يشک کردي واحد في احقية عائديتها لکردستان دون ان يقصدوا بذلک "قضما" او "ضما" او "احتلالا" لمناطق عربية کما تصورها اقلام الکثيرين من الکتاب العرب الذين يزرفون الدموع علی وحدة الاراضي العراقية وکأن هذه الاراضي کانت واقعة تحت الاحتلال ولم تکن جزءا من العراق قبل استقطاعها من خارطة الاقليم.
حرکة التغيير في کردستان قد تکون مفيدة للعراق العربي بشکل آخر و ذلک من خلال اعطاءها المثل علی امکانية تحويل التذمر الجماهيري ضد الاحزاب الکبيرة، والتي لا تقل فسادا و سوء ادراة من احزابنا الکردية، الی حرکة شعبية بامکانها تغيير الکثير من المعادلات التي تمني الاحزاب الحاکمة نفسها بان تکون معادلات سرمدية محروسة بعناية الهية! فحرکة التغيير الکرديةتجرأت علی تناول قضايا کانت الی الامس القريب من المحرمات وانزلت الکثير من الاصنام من عليائها وهذا بالضبط ما يحتاجه العراق العربي ايضا ليکون الدين لله و الوطن للجميع.
سيکون من باب السذاجة السياسية اذا ماتصورنا بان اکتساحا انتخابيا لمقاعد البرلمان الکردي من قبل قائمة التغيير ستنهي مشاکل الاقليم و تضع حدا للفساد، فهناک دائما افراد لا يعتبرون انهم قد نالوا ما يستحقونه من الامتيازات عند الجهة الاخری و يمنون النفس بتعويض مجز من خلال قائمة التغيير، ولکن الحياة بالنسبة للاجيال الصاعدة من الفاسدين سوف لن تکون بنفس سهولتها للجيل الحالي من الفاسدين. فالجماهير تبدو و کأنها تخطت حاجز الخوف و السلبية و تتحدث عن الفساد و المفسدين بالاسماء و الارقام.
باختصار يمکن الجزم بان کردستان مابعد الانتخابات ستتختلف عن ما قبلها و نأمل ان يکون ذلک درسا اوليا في مدرسة الديمقراطية الحقة بعيدا عن عقلية الاستحواذ و شراء الذمم.

#شيروان_محمود_محمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات