أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس مدحت محمد البياتي - الإعصار بين كفيها















المزيد.....

الإعصار بين كفيها


عباس مدحت محمد البياتي

الحوار المتمدن-العدد: 5031 - 2016 / 1 / 1 - 21:43
المحور: الادب والفن
    


الاعصار بين كفيها


لم يبرح لقاؤنا الذي كان همسا لقاءاً عابراً، حيثما افترقنا شعرت بخيوط الشمس تذيب ثلوج السراب. تلك التي أخفت في دياجيرها أحلاما نزيهة ،تلوت بين الحقيقة والأوهام حقبا من الزمن. باحثة في أزقة الغرام عن يقين الغزل بين معاكسات الشك المتكررة.
الغربة جمعتنا في بيتها الزجاجي، الفكر توقد من زيت الحنين، بين الغربة والفكر المتقد؛ انسابت أشجاننا في جداول أمل خلف هواجس الظن، لتسقي تلك الغصون التي عراها الزمن .
افترقنا ولم تفترق مشاعرنا عن أريكة اللقاء، فكان لها جولة أخرى مع شجون الحديث. لم تنحرف عجلات الفكر عن خط مسارها. على الاقل هذا ما كان يخامرني ويوخز أنامل إحساسي، ويبرز ملامح اللقاء وإفرازاته بكل الصور الآهلة التي أغوت حقول فكري، وتربعت على مخزونه الداجن لأجل قادم.
وجهها ؛صحراء قاحل يغدق بصفاء رمله و لونه الجذاب، فيه الشوق عواصف صمت تذيب سراب الصبر بالطيب والابتسام . يختصر المسافات المتناهية لمرمى البصر.
نظراتها ؛أحلام ترتعش تحت وطيئة الخوف من غد مبهم، يتمادى بها زمن أعسر بين شواطئ الرغبة.
حدقاتِها؛ تتنهد أرقا في ظل خجلٍ قابعٍ في أجفانها. كأنها بكيانها واحة سحر مرميةٍ في جوفِ القدر.
ظلت تلك اللحظات تنحت أثرا في ذهني، يشتعل حنينا حين تهمس الذكرى.
كأنّ الأطياف ما كانت أطيافا تراودها من حين لأخر، بل أقماراً تتصفح الليالي تبحث عن العيون الساهرة.
طغت تلك الانفعالات على فصل من التخيلات، جرفت قارب قلبي المضطرب لعمق أمواجها المضطربة، فاصطدمت بتلك الأمواج على خط الأحلام، كل ثانية تنذرني بالإعصار القادم.
تركت هاجسي يتسلق تلك الأمواج العاتية وفي صدري حشرجات المتيم. فلا يقين ينم عن أمل، ولا شك في الواقع يحتضر.
الأمر تعلق بخيط الغد الذي التفّ بقدم مصير اللقاء القادم. رغم أننا قد أغدقنا جوارحنا بـ فدفدة الأماني الطيبة عبر لقائنا، الذي كان لقاء أرض جافة بغيمة ممطرة. الصدق طوق العينين، الحنان رقَّ الفؤاد، التواضع فرش الأنوثة كبساط شوق بين كفيّ.
كل ذلك كان دافعاً لكسرِ حاجز الخجل ،والتصافح عبر النظرات ،ودغدغة الفكر والمشاعر,والتعطر من زجاجة السحر والانسجام بما يفضي للمرح روحا جياشة،تدفع بالنشوة الجامحة لتطفو بسرائرنا فوق كل ذي سحر ورنيم.
كنا أشبه بحمامتين التقتا على نبع ماء، كل يبوح قصته على أوتار حزنه. نغزل خيوط المشاعر في ضفيرة واحدة. ليصب مجرى الشوق في مصب واحد.
أهجس بالأشجار كأنها تسمع صدانا فترأف بنا، تفرش ملاءة ظلالها فوق رؤوسنا، تجاملنا، تحضننا، تعزف لنا حفيفها.
وحين نسمع صرير الريح المتوشح بالخوف، يدب الرعب باوصالنا، فتنزوي سرائرنا خلف غاياتنا،عسى أن يغيثها ندف عشق ناصع البياض.
من خلال الصمت الذي عصف بأفكارها، شعرت بخيط العشق قد التفت حول محور أفكارها، أدخلها في أجواء الضياع والذهول. لو أفصحتْ عما يجول في خاطرها، لتصبح قنديلا سرمديا في أبراج عشقي الأزلية.
كنت أهجس بفراستي حاضرة بين مخالب الحدق، وهي تتصفح خطوط الأمل في إيماءات وجهها، تلك التي لا تستطيع أن تهرب من قيدها، لا تستطيع أن تكبح جماح انفعالاتها، كأنها تود جذر العقدة من طلاسم الحزن والغموض المرافق لهواجسها، والقابع على عرش ذاتها كسلطان للوحدة والغربة.

أبصرتُ ذلك بتمعن، مما جعلني أسرح في أعماق الرغبة بين أفنان الشك وعبق اليقين. لم أطرق أبواب الصدفة عبر بحثي عن الغاية المنشودة، بل تأملتها مليا ! ثم تركت لها رقم هاتفي قبل أن يظلنا الزمن ونفترق.

مضت الأيام تأكل بعضها. القيد حز ساقي ، لمْ أستطع أن أبرح أسوار مشاعري الراكدة التي تركت بصمتها على صور غاياتي، تلك التي غدت هالة تتقد في ظلال فكري.
الأوصاف التي حلمت بها منذ نعومة ظفري تنطبق عليها تماما.
شعرها الرمادي الداكن ينساب على كتفيها، كشلال نهر متدفق بالسحر.
لونها البرونزي مرآة؛ تعكس الأنوثة بأطر الحسن والجمال.
أنفها المتقد بالأنوثة يشمخ بكبرياء ونبل.
شفتاها قرمزيتان من وهج الطبيعة، موردة كوريقات الجلنار.
قوامها خيزران يطوف حوله الوصف بقصائد الحسن و الغزل.
ثرثرتها تغريد عنادل، تنبعث من حبال حجرة رقيقة، فترسم الكلمات برقة الندى، كملمس الرضاب في شفتيها.
فكرها شمس متقدة، تشعرك بدفء خيوطها حين تنطق بالدرر.
تلك الأوصاف جعلت الروعْ يغزل الشوق في شباك قلبي، يرسم صبراً في خانات الانتظار، رغبة أن تتسلل خيوط الشمس ثقوب الأمل المنشود، لتستطير بنورها على شغف اللقاء بألوانها القزحية.
مرت لحظات ثقيلة بعد أن افترقنا، سجل فيها القدر تنصله من كل قيد ببراءة. كأنه إيحاء حلم أوحى اليَّ باليقين، على الرغم من أنها كانت تجلدني بسوط الشوق كل لحظة.
مرت الأيام عقيمة، فقدت فيها تركيزي و ارتكازي وثباتي، أمام جلد الصمت. جنت على حصافة الحلم أمام مرارة الصبر.
طال الفراق، نشف شغاف الود، أصبحتُ كالمجنون أبحث عن كلمة في مضامين الأمس لأرطب بها وجهي، لأغسل بها ثنايا قلبي المضطرب.
وفي لحظة عابرة، وعلى غير موعد؛ حلت الحيرة في ساحة القلب، حين رن جرس الهاتف.
ترن – ترن –ترن – ترن.
في مساء يوم الخميس بعد أن أوشكت على نسيان ملامح اللقاء العابر .
كان الملل قد أكل من شغفي وأهوائي شقفة. لقد تمادتْ كثيرا في قطع الوصل عبر المدة المنصرمة. كنت بها أشبه بالطفل الضائع يجوب الطرقات بحثا عن ثدي أمه. تائه لا أدري أين تأخذني مسارات قدميَّ، لا أمتلك خيط وصل آني يصلني بسناء نجمها، سوى اضغاث احلام تائهة تراودني بين حين و آخر.
لا أملك دليلاً صادقا على هيامها بي سوى شك عقيم في سماء عشق مغبر. غدت طيور أفكاري تجوب فضاءات الشوق دون أن تدرك أعشاشها. كل مفاتيح الود تركت بين أنامل يديها! بعد أن لاك الفراق بيننا زمنا غير قصير.
رنَّ هاتف الشوق في يوم لم يكن في الحسبان، لم أكن أتوقع بأن للود زهر وثمر قد نضج.غصن تهزه ريح الود فيرمي أطيب الثمر.
الحنين يغدق سحرا في سلسة مشاعري وأحاسيسي. في عجالة قفزت هواجسي على طاولة الظن. أحسست بهمس ندائها كسلسلة من الأشواق تطرق باب الفؤاد.
أمسكت بمقبض الهاتف. وإذ بي أسمعه يبوء بصوت رقيق جدا كهمسات الوردة للفراشة. انساب في أذنيّ كسمفونية المساء الهادئة.
كانت تشدو بهدوء المساء، جردتني من قيد الكدر الذي أرهق أوصالي، أضطرب قلبي، صرت أسمع نبضاته بعد أن تضاعف سرعته. أنتصب شعر الرأس كسنابل خريفية تهزها الريح . كدت أفقد السيطرة على نفسي من شدة الغبطة التي كبلت هواجسي بخيوط الفرح والرأفة. أنصَّتُ لهمسات الود الناعمة وهي تبعثرها في جحري بهدوء انسياب الامواج تحت ضوء القمر.
قالت: هلو .... مساء الخير.
....: مساء النور والسرور–كي....- ف ....-– حا ....-– لك!!! الحمد لله بخير .. تهمني سماع اخبارك ....-
....: إني مشتاق للقياكِ أين أنت؟ لمَ هذه القطيعة؟ ..
قالت: بكل سرور...هذا ما وددت أن أخبرك به!! .. ممكن أن نلتقي غدا صباحا في كافتيريا الهمس في العاشرة صباحا؟
قلت: أكيد من أجلك سألغي كل مشاويري.... شكرا جزيلا على كرمك وعطفك ، سأكون هناك بالموعد فلا تتأخري.
إذاً غداً سنلتقي بأذنه تعالى، انا مشغولة الآن سامحني .. مع السلامة.
لم تدم المكالمة طويلا، ربما لا يوجد ما نود أن نفرط به. أو الذي نود أن يطول الحديث به لم يكن جاهزا وحاضرا في حينه. ربما كان الخجل وراء ذلك، ربما المفاجأة التي هزتني بلا موعد قد أنستني مراحل التفكير، فبقيَّ الشوق يعاني في عنق الزجاجة.
لم يسعفني الحظ في المحاورة, ولم يسعني الزمن لإعادة ترتيب ذهني.
الخجل : سيف بتار قيد فكرنا، أرهق كاهلنا، فلم يدع لنا فرصة سانحة إلا وسرق قطوفها قبل أن تنضج. فجعل الأمور تفلت من قبضة أيدينا بلا مبرر.
كما أن ما أود الحديث به لا يدخل من باب الهاتف الضيق أبدا. ما أود البوح به لا تسعه فيافي الشوق كلها. لابد للمشاعر الجياشة والإيماءات المعبرة والتفرس في وجه الآخر، أن يفرش بساطه ويفرض سلطانه.
لا بد من أن تلتقي تلك الأمواج العاتية بالشاطئ الصخري، كي تتكسرعلى حدوده وتنتهي كل التأملات المحفوظة، سواء كانت بالسلب أو بالإيجاب. كي أجد لجفاف الثغر مرطبٌ من رضاب الحقيقة.
بعد تلك المحادثة الخاطفة، تركتْ في نفسي شجناً وأملا، أبعدني كليا عن محيط الضغط النفسي الذي أنا مكبول فيه.
بت لا أشعر بما حولي وما يحيط بي من وجد. فكري مشغولا بترددات أمواج تلك الكلمات التي قبعت في الذهن واقلعت الحواجز أمام التفكير. تخيلتها فوق سنام الحب تطوف أرجاء الخيال. ذلك الخيل الذي يصيخ أذني بسنابك أقدامه. وفي جيدها يتلألأ إيماءات قلائد الشوق، تحيط بها تمائم الحرز من الحسد.
جعلتني أطوي صفحات فصل الخريف بعد أن شق الفلاة جداول الصبر، متطلعا لسحب السماء أن تغدق بمزنها على ثرى الوجد.
إذا غداً سأضع النقط على الحروف، سأنفض الغبار من فوق ظلي، سأمضي لسكون يليق بي. وليس الغد ببعيد.

تحزمت بتلك الآمال. استيقظت فجراً والأطياف تخامرني، والأمل يراودني.
صليت؛ دعوت خيراً والأحلام تسامرني.
كأن الوقت يمضي ثقيلا وبطيئا. هممت بخطوات وئيدة إلى الحديقة النضرة، تلك التي تكمن بها الكافتيريا قبل الموعد بزمن.
خرجت بأبهى صورة، ملفعاً بالخوف، معطرا بالهيام الشذي. هيام يفصح عن غايتي، يفضحني في عين كل من يدقق النظر بشخصي.
أمشي بمحاذاة الشارع، وكأني الوحيد في هذا الكون. أشعر كأني ذاهب لمصير مجهول. جندي يخترق ساحة القتال.
عشت تلك اللحظات بين شعور النصر والهزيمة. تتسابق خطواتي بين النجاح والفشل. جلست على مصطبة الانتظار تحت ظل شجرة صفصاف باسقة، أنتظر المصير المجهول أن ينفض غباره، أن ينقض على مشاعري أو أنقض عليه. أما أن أكون أو لا اكون. تلك هي الصخرة التي أود الوقوف عليها منذ زمن.
الزهور مترامية الاطراف من حولي، زقزقة العصافير توحي بصبح بهيج متدفق بالأمل، تهدئ من توتري. لم ألبث طويلا؛ حتى بانت ملامحها تشرع في الأفق، تخترق ثنايا الأشجار كالومضة التي تخترق ثنايا الليل.
تمشي الهوينا ؛ ملاك تتخطى أديم الأرض بصمت سحرها. بفستانها الوردي وشالها البنفسجي، كأنها غصن ينسلت من بين أغصان الأشجار. مع كل خطوة تزداد أوصالي رعشة ، تثاقل جسدي، اصطكت أسناني رغم أن الجو كان معتدلا والحرارة عادية.
لم أكن قد مررت بتجربة مسبقة، أنها أول مرة أشعر بقلبي يود أن يهرب من قفص صدري.
أول مرة لا أستطيع كبح جماحه.
أول مرة يعزف ألما وحنينا لغيره.
الهيام أطبق عليه، لم أعد أمتلك مفاتيح صمته.
لا أعرف كيف تمالكت نفسي؛ حين أجبتها صباح الخير على صباحها ........
قالت: كيف حالك.... إنشاء الله أن تكون بخير..
قلت: الحمد لله .. اشتقت لك ..أين اختفيتِ يا سيدتي، الأجواء مغبرة من دون شمسك، لم كل هذا الجفاء ؟..
قالت: الله الله على شاعريتك اللطيفة .. شكرا لإحساسك الجميل .. حقيقة انشغلت في أمور جمة أنستني أحبتي .
قلت: كدت أظن بأني قد أصبحت في خبر كان. لم أذكر حتى في رسالة .
قالت: لن يستطيع أحدا أن يجتثك من فكري.
مكانتك في القلب.(نطقت بذلك وعيناها شاردتان في السماء، وكأنها لا تود الطيور أن تسمعها) والكلام لها... لا أبدا أطمان أنت دائما في البال.
بدأت تغرد، وأنا أنصت لها. أجسد نظراتي في ملامحها. أتأملها من رأسها لأخمص قدميها. أرتشف من كأس رضابيها حنانا خلت من قبلها سنون عمري.
كانت تتحدث عن ملابسات وأمور شخصية , أعاقت بعض خططها ومشاريعها الخاصة.
أسهبت بحديثها حتى لامست برقة همساتها الفياضة جرف صمتي ،حينها قطعت وطراً من غربتي على واحة ثغرها المتدفق بالحيوية. راغبا أن الوك ثغري بفرات شفتيها. ولكن عبثا أحاول أن أنال من حسنها الأهيف، أو أشم عبير زهر ضفافها.
جمعتُ شمل الأحلام ومضيتُ أبحر في قارب الشوق بين شواطئ عينيها. اختلج أمواج النوى بمجاذيف الشوق،قمم صماء اراها في طرقي ، تراوغ الصبر و التأمل.
أصبحت أسيراً تطاردني تأوهات شفتيها. لم أصمد كثيراً بأقدام مهزوزة أمام عصف هواها الذي جرفني نحو اعماقها.
أحسست بأني مشدود بكل جوارحي اليها، أكثر من أي وقت مضى.
استقرت عيناي على شاطئ شفتيها وهي تبعثر بشيق الحديث في بحريَّ المضطرب.
مضيت متصنتا حتى جرفتني أمواجها العاتية نحو الدرك الأسفل من بصمة الحقيقة، تلك التي كنت أنتظرها على مضض، حين طرقت أذني بعبارة جئت أودعك!!!-
قلت: ماذا!!!! تودعينني .... إلى أين؟
انتفضتُ من غفوة الخدر التي دبَّت بأوصالي.
تطايرتْ الأحلام من رأسي، كالعصافير المفزوعة حين يداهما الخطر، فتنتفض برففها من على الشجر.
انغمست صحوتي في أفيون الحيرة ، غدت سكرى تجر أذيال الخيبة خلفها. تتلظى بشظايا بركانها المتفجر. ترى أين المفر من جيش أحلامي الذي يرابط في ذهني. أي طرق سأسلك لمستقبل ضاع بين حوافر اقداري. إلى أين ستنقلنا تلك المراكب العاجزة، بعد أن انهارت اشرعتها تماما أمام عصف السعادة. لا قصور، لا فردوس، لا خيال بقى ،القلاع دمرت بلمحة البصر.
قالت:- إني آسفة!! أنْ أفاجئك بخبر خطوبتي! خطيبي ينتظرني لترتيب مراسم العرس والسفر العاجل بأذنه تعالى إلى فرنسا حيث ستكون الإقامة .
أدعوك للحضور لأعرفك على خطيبي، أتمنى أن تلبي رغبتي. لم أدعو سوى المقربين مني فقط، فلا تقتل رغبتي!!
صاعقة أقحمت فؤادي، الغشاوة اسدلت نوافذ عينيّ. أنه الإعصار الذي كنت اتوقعه إذا.
البصر تاه في خفايا الظلام. الحظ تعثر بحجر الصمت. القلب أجف نبضاته، فتلفع بعباءة سوداء. تثاقل لساني، تلعثمت، أجبت خانعا حزينا. الكلمات تكاد لا تخرج من فمي إلا وهي مرهقة ذابلة ....
مبروك............ حظاً سعيداً........ تأكدي بأني سأحضر، واني شاكر لك دعوتك.
شكراً جزيلاً أتمنى لك سعادة باهرة، ومستقبلا باهرا. أتمنى أن تتقبل مني هذه الساعة (سوداء) كهدية منى لأعز وأنبل إنسان عرفته. كان سراجاً منيراً به أقتفي غربتي. (أخرجت من جيبها ساعة رجالية ماركة، قدمتها لي).
شكراً لك سأحتفظ بها ما حييت.
مع السلامة.
مثلما قالت؛ كنتُ سراجاً لظلام غربتها. ها أنا قد نفد زيتي، فلم أعد أنير سوى ظلي الخفي .
إذا أسدل الستار عن الفصل الأخير من مسرحية الأحلام الضائعة ، تلك التي شررتها على حبل الشك أمام إعصار محمل بغضب اليقين لا يبقي ولا يذر.
وكأنَّ الإعصار بين كفيها، قذفت به في جحري و مضت لحال سبيلها .
بقيت وحيدا! أداعب الساعة الجميلة، أراقب عقارب الزمن التي لدغتني.
كأنها بهديتها قالت لي: لا تجعل للزمن سلطان على مستقبلك.
زمن يحاسب زمن.
ستبقى الساعة شاهد عيان تتبع أثرها في أعماقي، لذكرى ستعيش طويلا في مخيلتي. جرح بليغ يأن بين هوامش أشعاري. ينوح وحيدا كنوح الفخاتي.
ترى لماذا لم تخبرني بخطبتها مسبقا؟ ... لماذا لم تكن ترتدي خاتم الخطوبة في إصبعها حين التقيتها أول مرة؟ ...لكانت ستوفر على قلبي هذا العناء.
ترى هل كنتُ محطة عابرة في مشوار حياتها؟ تروم اليّ متى ما ضاقت بها السبل؟
أم تصرفت ببراءة لإذكائي بواقع سحرها؟
تلك الأسئلة لا أملك لها أجوبة.
بقيت وحيداً جالساً في مقعدي، أخيط فتق الحظ العاثر بـ سمِّ الألم.
لم تجد اهتماما صارخا و واضحاً من قبلي عبر تلك الفترة الماضية. أو بالأحرى لم أستطع أن اشعرها بإرهاصاتي. لذا تصرفت وفق علاقة آنية عابرة، كمعظم النساء ؟
رغم المحاورة التي زاغت سهامها بذهني بسرعة البرق، بقيت عيناي تتتبع أثرها وهي تنزوي كالشبح بين أغصان الأشجار.
حينها تذكرت قول المتنبي
(إنْ أقبلت كادت تقاد بشعرة .... وإنْ أدبرت كادت تقد السلاسلا).
مكثت في مكاني إلى أن أختفى أثرها تماما، كما تختفي الشمس خلف الغروب خلف الغسق .
حينها عدت أدراجي خائبا بخطوات وئيدة، متحملاً وقع الألم المتهيج في فكري وصدري، والمنصب على جسدي الأجدب.
الشمس لاهبة، بوطيسها تمخر قفا رأسي.



#عباس_مدحت_محمد_البياتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البصمة التي ابتسمت لها السويد


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس مدحت محمد البياتي - الإعصار بين كفيها