أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس مدحت محمد البياتي - البصمة التي ابتسمت لها السويد















المزيد.....


البصمة التي ابتسمت لها السويد


عباس مدحت محمد البياتي

الحوار المتمدن-العدد: 5029 - 2015 / 12 / 30 - 20:53
المحور: الادب والفن
    


البصمة التي ابتسمت لها السويد
[ قصة قصيرة حقيقية و قعت في كامب {صول بكا } للمهاجرين ، كان بطلها السيد عماد الشطي ]


استفاق من نومه على هاجس حسه المرهف ، المليء بالرقة و الإحساس ،و المبطن بمشاعر جياشة تجاه دينه و قومه ، أحساس مرهف شفاف يتراءى للجميع بنعومة ملمسه ، إحساس حريري من السندس والاستبرق تجاه بلده والبلد الذي هاجر له .
لم يكن من المتسولين ,و لا المحتاجين , ولا المساكين ,ولا من عابري السبيل ,ولا من الغارمين ,و لا من المغرر بهم . أنسان بسيط يملئ قلبه شغاف الحب و العمل و السلام ,من الذين أُلِفَت قلوبهم بالحق والأيمان.
دفعته الظروف القسرية نحو مبتغاه ، باحثا عن الأمن و الاستقرار , خوفا على أطفاله من بطش المجرمين, و خوفا من طمس هويته , تلك التي ود الأعداء سحقها بين حادلة الفكر الرجعي ,واتراس العقيدة الدنيوية , واللذان لا علاقة لهما في الوطن و لا في الوطنية .
استفاق ذلك الهاجس على طرق باب حسه بربتٍ ناعم لجوارحه , دكت مشاعره بسوط الود - لانَ الهاجسُ , رهفَ الحسُ , تساقطت ذوائب إعصاره في بحر الشجون كبَرَدَ حُلم و تأمل ، غدى التناغم فطري بين ثنايا الصمت , راغت بالرغبة والإصرار على رفد مشاعره الجياشة بيقين من الشمس ، تلك التي أبت أن تركد ,أو تنام قلقة , قبل أن تستكين الأحلام في مواضعها.
صار يتسأل مع نفسه ويجيب, و كأنه القاضي و المتهم .
ترى لِمَ لا نثبت لهؤلاء الأنجاس الذين يشوهون صورنا كمسلمين ,و كعرب , كأغلبية موجودة في هذا الكامب بعمل جدي ,و معنوي ,و حقيقي ,يرفع من شأننا و يثبت أقدامنا في ساحة المحبة للشعوب كافة .
الأعداء يمارسون الإعْلامٍ الكاذب , دعنا نمارس الواقع الحقيقي . بذلك سندمغهم , و نزيح غيومهم ,و التي ما عادت تمطر علينا سوى سموم قاتلة . دعنا نعمل معا لنزج بإعْلامِهِم الكاذب في بطون المزابل حتى تتعفن . دائما ما يكون للحق سطوة على الباطل , فيزهقه , و يحيله إلى ركام .
صورنا مهزوزة في أعين الأخرين ؛ بسبب قوة إعْلامِ الأعداء ,وضعف تحركاتنا . صحيح هم يتحركون في مساحات واسعة كدول ,و نحن نتحرك في أزقة ضيقة كأفراد . لكن ...... لكن ؛ للحجر فعل في صنع الأمواج المتعاقبة إذا ما سقط في جوف بحيرة راكدة . و أكيد للبحيرة ردة فعل اتجاه الحجر الساقط بها , حين تزج بأمواجٍ راقصة بين أعين المغرمين بها.
بفعل الحجر يدبُ الروح في جسد البحيرة , فتخرج عن طور السكون لطور الحركة . حين إذ سيختلف المنظر عما سبقه . و سيختلف البعد النظري إليها نت كل الجوانب, ستكون أكثر قبولية و جاذبية و تودد مما سبق.
ثم نحن الآن نعيش في عالم لا يعد سوى قرية صغيرة بفضل النت و الكومبيوتر . علينا أن نستغل هذه الميزة , نصور , نبث كل ما نستطيع أن نثبت به أصالتنا و هويتنا , نعبر عن غاياتنا , عن أهدافنا , نوضح مبادئنا التي تشربنا من منهلها. لنثبت عكس ما يصوره الأعداء.
بالنسبة لي الموت : هو سكون مطلق دون أن يفقد الشخص جسده . الموت: حين يفقد المعني عقله ,أو يدعه في فريز ليتجمد. فيصبح خارج عن دائرة الوحدة المعنية ، أي أنه بذلك سيكون كالذي " لا يهش ولا ينش " كما يعبر عنه المثل الشعبي .
هذه الحياة ما خلقت لنركن أنفسنا في زاوية الخمول , ننتظر حتى يدنو الأجل . في هذه الحياة يكمن سر الوجود الإلهي, فالحياة لا تعرف الاستقرار إطلاقا . الكون يتحرك بأسره , الشمس و الكواكب و النجوم تدور في مجموعات و مجرات حول الفردوس بحركات لولبية و من ضمنها الارض , لتعطي خيالا واسعا للناظر بخلق الله عز وجل .
هذا دليل على أن لا نستكين , و لا أن نستسلم . دعنا نعمل عملا خاصا لهؤلاء الطيبون والذين لم نجد منهم سوى الاستقبال الطيب والكرم و الضيافة و المحبة الصادقة .
جلس صباحا و الأفكار تتلاعب به كورقة التوت التي لا تعرف استقرارا تحت وطيئة العواصف الخريفية الهوجاء . صار يدور حول نفسه ذهابا وإيابا ، يتفحص الحيطان , يتأمل البحيرة , ينظر من النافذة علّه يجد شيء يعينه على جلده ، علّه يجد للبصمة التي يبحث عنها بذور تنبت في الأرض ,أو نور يتدفق من السماء . صار يسأل نفسه و يجيب.
ماذا عليَّ أن أعمل ؟
كيف أحرك شجرة الشوك عن طريق السابلة , كيف أحركها من محلها الثابت دون أن تدمى أناملي ؟
أين تكمن العقدة ؟.... في الشجرة , أم في عقلي ؟
أنها مسألة لابد من التمعن بها.
الشجرة موجودة بالأصل ، إذا هي الأساس . أما العقل ! فهو المتطفل ، هذا يعني عليه استيعاب الحالة و وضع الحلول اللازمة لها قبل الشروع بالعمل.
كيف أجعل لهذه البنايات و هذا الشارع مزار خاص ,أو موقف خاص ؟ يئمه المعنيين و غير المعنيين . ليكون الموقع سياحيا بالمعنى التام , فالموقع يحتاج لمدينة العاب الكترونية , أو لمدينة ملاهي . وتلك هي مكلفة و لكن يبقى حلم للأمد البعيد .
كيف اجعل هذه البقعة التي نسكن بها , لها قدسية في أعين المجتمع ؟ يتأملها القاصي و الداني .
كيف أجعل لهذا المكان محطة استراحة دائمة , يرومه السواح ؟ و خاصة المنطقة لا تحتاج إلى أبداع في تخطيطها و رسمها . فالبحيرة موجودة ,و الغابة موجودة ,و الأشجار المنوعة الخضرية و النفضيَّة موجودة , و الشارع موجود , المنظر بديع جدا و السكن مهيئ . لا ينقصه شيء سوى الومضة الساحرة ! سوى سطوع للقمر.
ربما ينقص المنطقة حديقة حيوان صغيرة, يجمع بها نموذجا من الحيوانات التي تعيش في براري السويد .الحيوانات متواجدة و لكن يصعب مشاهدتها . .... ماذا لو جمعنا أنموذج من هذه الحيوانات البنفسجية, و تلك المتوحشة في هذه البقعة ( فالأيل , و الوشق , و الرنة , و الدب , و الدب , القطبي , و أنواع من الأرانب والطيور ) , كلها لها موطن هنا ، إضافة إلى الطبيعة الساحرة من بحيرات و غابات طبيعية تحيط بالمنطقة . ستكون واجهة لطيفة يتعنى لها الناس من كل أنحاء السويد .
وقد تكون الغابة التي بجانب ملعب الكولف موقعا مناسبا لذلك .
و لكن هذه العملية تحتاج لإمكانات دولة ؛ من صيد ، و بناء أماكن لإيواء تلك الحيوانات, و تعيين عمال وو .... الخ ,ناهيك عن توفير الغذاء اليومي المكلف لتلك الحيوانات .
لا لا .,,, أنها صعبة التطبيق ، دعني أفكر بفكرة معقولة .
كل شيء موجود و كامل , لكن أشعر بشيء ينقص المكان , شيء ضائع لا أعرف ما هو ....أود أن أبحث عن هذا الشيء الساحر و الضائع , و الذي ربما سيعطي للمنطقة هوية التميز .
أنني أبحث في جوف هذه الجنينة عن البصمة.
بعد الفطور الصباحي وقف يتأمل أبو عبدو رفيق دربه الطويل ,عسى أن يعينه في ولادة فكرة الموضوع.
...... ترى يا ابو عبدو هل لك فكرة ما تنقذي بها من صراعي الداخلي الذي بات يهزمني ؟
.... ما بك يا أبو وسيم !.. هل جننت؟
..... حقيقة أني أعاني من الفكرة ، أبحث عن البصمة الضائعة في مجمل افكاري , اود ان اصل اليها دون جدوى.
.... فهمني ...انا لم أفهم عليك.!...ألم تجد أحدا تتفلسف عليه سواي؟
.....ركز معي ... اود أن أجعل من هذا الموقع وجهة سياحية , ما رأيك؟
.... بسيطة .. لا يوجد أبسط منها .
..... هيا أرفدني ... قل لي ماذا جال في فكرك يا عبقري؟
..... ممكن تحوير شكل البحيرة الطولي... لشكل دائري , أو مثلث ... و نأتي بجبل مخروطي , أو تلة صغيرة مخروطية و نضعها في وسط البحيرة .
......لا تكن سخيفا ، فكر معي في حل , أنا لست فاضي لترهاتك .
.......أنت مجنون !... المنطقة سياحية من أصلها ماذا تريد أن تفعل بها... هل انت الله لتقول للطبيعة كن فيكون !! و بذلك تغير من شكلها كما تريد .
....انت الذي مخك صغيرٌ لن يود أن يخرج عن إطاره , دعك في سجنك , متقوقع في مكانك ... يا حبيبي و يا صديقي و يا رفيق دربي ..... أنا أود أن أضع إطار لهذه اللوحة الجميلة التي تراها بعينك ، بحيث أجعلها مميزة عن كل ما موجود في السويد .
..... طيب أعمل فيها مطار ! و الناس غصبا عليهم ينزلوا بها , و يمروا عليها , ليروا البحيرة ,و هذه الأشجار الباسقة من الصفصاف و الصنوبر , و التي تغطي بقع واسعة من المساحة . علما هنا الانسان نادرا ما يرى الشمس حتى لو كانت مشرقة , فأنها لن تستطيع أن تتخلل هذه الأشجار الباسقة بكامل خيوطها.
.......و الله فكرة ! ... لكن بدل المطار أنا أفكر بأن أنزل القمر من السماء , و أثبته بخيوط فوق هذه المنطقة , بحيث يكون ليلها نهار دائم . أربطه بخيوط محكمة بهذه الأشجار الباسقة كي لا يفلت.
ما رايك؟ .... سيكون القمر معلقا فوق رؤوسنا بشكل دائم.
......الم أقل لك انت مجنون !
......انا عند وعدي.. و حين ابدأ بالعمل عليك أن لا تتقاعس ,و أن تبدأ معي ... حينها نرى من هو المجنون , أنا أم أنت؟
كان يفكر مع نفسه دون هوادة ، تراءى للغير بوضوح , و خاصة ام وسيم التي بات فكرها مشغول به, أكثر من الفكر الذي يشغله . هي أقرب الناس له , تعرفه جيدا , تعرف أطباعه و مدى تفكيره وهوسه . تعرف أن أنشغل باله بأمر ما, لن تروق له الحياة إلا بعد أن يصل لمبتغاه مهما يحصل .
إذا هنالك هم ما يشغل باله .أو عمل قد شغله و أرهق فكره . ترى ما هو ذلك الشيء ؟ ما هو السر الحقيقي ؟ أيمكن قد جنَّ و أغرم بغيري ؟.... لالا مستحيل .. لكن يجب أن أحرص وأتأكد. يجب أن أعرف بماذا يفكر و ما يدور في ذهنه.
راودها الفكر الشيطاني للحظة ، صارت أشبه بالوردة الصفراء يختنق في وجهها الابتسام , تود أن تكسر قفل مخه لتنظر بِمَ يفكر .
... ما بك يا حبيبي لم أنت مشغول؟
.... ألا ترين ما نحن عليه ؟ ... لا بد من عمل أبين بيه حقيقة ما نحن عليه ، الأعلام الخارجي كبير و قوي, تحركه أيادي خفية معادية لنا ، ترى كيف نواجهُ ؟
....أم وسيم قالت : لم أنت مشغول أأنت المعني أم هؤلاء الدواعش؟
.... العمل الإرهابي الذي وقع في فرنسا يستغله هؤلاء الأعداء ليلصقوه بنا ,و في ديننا الحنيف ,على الرغم من أن شعبنا هناك يتعرض لإبادة و بلادنا تتعرض لحرق و اغتصاب شنيع , هم أول من خططوا لتدميره .
ألم تدعم فرنسا عصابات الإرهاب بالسلاح لتحرق سوريا ؟
الم يزرعوا الكيان الصهيون في قلب الوطن ليبتزوا شعوبنا ؟ من أعطى لهؤلاء الأنذال من الصهاينة الحق من أن يستبيحوا دماء الفلسطينيون متى شاءوا ؟
من أحتل العراق وشرد شعبه ؟
من أحرق سوريا و ليبيا و اليمن و أفغانستان و الشيشان ؟
من له مصلحة في دعم هذه العصابات و الميليشيات و التي تجوب في بلداننا كالدبيب بالأسلحة والعتاد و المال ؟
من شردنا من ديارنا ؟
ألا ترين لم يكن لنا دخل في كل تلك القضايا.
ألا يجب أن نرد على الكلاب المسعورة التي تلاحقنا أينما أتجهنا .
..... ماذا بيدك أن تفعل ؟ .... أنت بنفسك تقول هجرونا , شردونا فما باليد من حيلة .
.....حتى لو شردنا و هجرنا .. هناك ما لن يستطيعوا عليه أبدا.... نحن نملك قلوبنا و عقولنا . قلوبنا مليئة محبة , و إخلاصا , و صدقا لكل الناس , و بالذات لوطننا و للذين آوونا و ضيفونا .
أما عقولنا !هي السلاح الأقوى و الباقي في أيدينا من كل ما يصنعون و يبدعون , نحن نفكر عكس ما هم يفكرون و يمضون ، نمضي في تيار عكس تيارهم تماما . تفكيرنا نابع من سمة المبادئ المغروسة فينا, من الاخلاق الحسنة , من القيم الأصيلة التي يعجزوا أن يصلوا لشواطئه . نحن نفكر بالحب والعمل , وهم يفكروا بالقتل والاغتصاب .
لن يستطيع احدا ما أن يجردنا من تفكيرنا النير . أريد أن استغل عقلي في عمل يمجدنا كمسلمين , كعرب في هذه البقعة النائية من العالم . ليقولوا يوما ما ها هنا كانوا يقطنون , هؤلاء من نعتهم الآخرون وألصقوا بهم تهمة الإرهاب .
أيوجد إرهاب أكثر من الوضع الذي نحن فيه؟ مهجرون ، مشردون دون مأوى, القتل طال أهالينا .
أود أن نثبت لهم و للأجيال القادمة بأننا لسنا من صنع الإرهاب بقدر ما نحن قد تحملنا وزره . نحن ضحايا الإرهاب .
نحن نحمل في طياتنا مبادئ السلام لكل الشعوب قاطبة . للمسيحية و لليهودية و للأديان الأخرى الغير سماوية . نحن لسنا ضد تعدد الأديان ، لكنهم يجببون من ديننا , هذه هيَّ العقدة التي يغصون بها .
أخذ ورقة وقلم من أبنته لانا وصار يرسم و يخطط شكل المنطقة على الورق . ربما الورق يعينه على إيجاد شكل البصمة التي يبحث عنها. ربما تقرب له الفكرة أكثر مما على الأرض .
هنا ملعب الكولف ، اوستربو .. اسكولان .. فاستربو .. رسبشن أو المطعم .. نوريبو .. اوليمبن .
إلا ترين يا أم وسيم ؛ بأن المنطقة شبه بيضوية , أو نصف دائرة قطع ناقص . البحيرة تحدها من الجنوب ,والغابات من الطراف الأخرى.
.... أم وسيم : ماذا يعني ذلك ؟
أبو وسيم: هذا يعني أنها تحتاج لعلامة بارزة في الوسط .
ظل هذا الهاجس يشغل باله كيف السبيل للوصول إلى البصمة . وكيف سيكون شكلها و لونها ؟ ترى هل سأصل اليها أم سأبقى قابع في جحر الأحلام؟ .... أهي نجمة في جوف السماء بعيدة المنال ,أم هي أقرب من حبل الوريد ؟ ....
هل كان في بال العرب أن يدركوا الأمم الأخرى يوما ما ؟ أن تكون لهم إمبراطورية شاسعة ، بل اكبر إمبراطورية على مدى التاريخ وهم من البدو الرحل ؟ في الوقت الذي كانت تحيط بهم أعظم إمبراطورتين آن ذاك , الفارسية في الشرق و البيزنطية في الغرب . و لكن خلال خمسة وعشرون عام فقط تربعوا على مخلفات تلك الإمبراطوريتين و توسعوا لما بعدها .
ألم تكن تلك هيَّ من المستحيلات ؟ ... إذا لو سعى الأنسان فلا شيء يقف أمامه.
إذا لا مجال للمستحيل ,طالما نحن نعمل و نفكر.
وهو في خضم تفكيره ، باغتته رغدة أبنت صديقه أبو عبدو بسؤال بريء.
.... عمو أبو وسيم .. كيف يكون العَلَم نورا ؟ أنا لم أفهم العبارة .
.... لا يا حلوة !... يا رغدة ! ليس العَلَم نورا , بل العِلْمُ نورا .
العَلَمُ ... العَلم ... إذا هو , هو العَلَمُ ... نعم وجدتها .. العلم هو البصمة التي أبحث عنها......
ذهب يبشر أم وسيم و الفرح يملئ شغاف قلبه ،لقد حلت العقدة التي أبحث عنها ، استلهمتها من جملة عابرة اخطأت بلفظها طفلة . نعم أن كل شيء مسخر لنا , هذه الطبيعة , والحيوانات, والشمس ,و السماء, كلها في خدمة البشر . ألم يتعلم قابيل دفن أخوه هابيل من الغراب ؟ إذا علينا أن نستلهم أفكارنا من المحيط الذي نعيش فيه ، ومن تجارب الآخرون حتى لو كانت بسيطة.
صار يود أن يصل إلى طريقة تنفيذ الفكرة , بعد أن عثر عليها . صار يود أن يشرك أكبر عدد من الذين يعيشون معه في الكامب ، لكي تكون هذه البصمة لها طابع جماعي . فهو يبغض الأنانية أن تلتصق في عمله. دائما ما تكون لنتائج العمل الجماعي ميزة عن العمل الفردي .
في أحدى المساءات اجتمع مع لفيف من معارفه و الذين لهم نفس ظرفه ، مع كل من لورانس و الدكتور عبد العزيز و أبو عبدو وأحد السويديين في باحة الجلوس المُشْرِفَة والمُطِلّة على واجهة البحيرة من أمام المطعم . وقد طرح عليهم فكرة أنشاء أكبر علم في السويد .
ابو وسيم : يا جماعة أود مشاركتكم , الفكرة هي : أنشاء _ أكبر علم في السويد _ هل لكم أن تساعدونني على كيفية تنفيذها ؟ و ماهي المواد الممكن استخدامها فيه؟
د – عبد العزيز : فكرة لطيفة جدا ... وهل ينفع القماش؟
ابو وسيم : أنا فكرت بأن نجعله من الحجر , نرتبه على مساحة مائتي متر مربع و نصبغ قممه؟
السويدي: ما رأيك لو جعلته من صفائح البلاستك الملون ؟
لورانس: لا أظن ينفع من البلاستك للطقس المتقلب الذي يتمتع به البلد من عواصف وأمطار و ثلوج وووووو الخ ، لربما لن يقاوم أكثر من سنة او سنتين , إضافة لاستقطابه للغبرة و التي تصبح أشبه بالصمغ لا يمكن جليه .و من ثم يصبح شيء باهت لتأثره بالتعرية.
د- عبدالعزيز : فكرة الحجر أفضل , و ربما الحصى الناعم الملون يكون أكثر مجدي.
أبو عبدو : و لكن يا دكتور ! الحصى يلم الأوساخ و أنت ترى فصل الخريف و تساقط الأوراق لا يمكن السيطرة عليها , و ربما يتجمع عليه الغبار والأوساخ كصفائح البلاستك . أنا أفضل رسمه عل جدران أحدى البنايات .
لورانس : ما رأيكم لو نشرك السيدة رندا وهي مهندسة لربما نجد عندها حل أفضل , و ها هيَّ قادمة .
راند قادمة وهي تمشي بخطوات هادئة على وقع أحدى سمفونيات بتهوفن المسائية ، متجهة نحو المطعم , فهي دائما ما تنفرد بسيرها ذهابا وإيابا لموقع بناية اوستربوا حيث تقطن . أستأذنها لورانس أن تنظم للمجموعة ، وقد لبت النداء.
أبو وسيم : أم أحمد أفكر في عمل صرح كبير يشرف أهل الكامب جميعا، أود أن أعمل أكبر علم في السويد ، محتار في نوع المادة الممكن استخدامها . كونك لك خبرة كما علمت ، ماهي أفضل مادة يمكن استخدامها؟ هل يمكن أن ترفدينا بفكرة؟
رندا : أظن أن السويد هي مشهورة في الغابات ، فمسألة الخشب متوفر و رخيص ، أضف إلى لذلك بأنه لا يتأثر بالمناخ .
أبو وسيم : يسلم ثمك , فكرة صائبة, الفكرة اكتملت ، وصلنا للمطلوب . فعلا الخشب هو أفضل مادة مقاومة وأرخصها .
بات يفكر بالخشب ، من أين يأتي به ، وكم سيكلف ؟ و من الذي سيدفع تكاليفه ؟ و كيف سيكون نوع الخشي المستخدم ؟ سيل من الأسئلة صبت في رأسه يبحث لها عن حل . لم يهدا له بال , التفكير شغله كثيرا .
في الصباح طرح الفكرة على إدارة الكامب و بالذات على السيد بارك كونه المشرف العام للكامب . على أن ينجز المشروع بأشراك - مائتان و خمسة و عشرون شخصا -( عدد المهاجرون المتواجدون في الكامب) يقحمهم جميعا في العمل , و على أن يتبرع كل شخص بمئتي كرون من مرتبه لإنجاز المهمة , ليسجل العمل باسم كامب (صول بكا ).
طلب من السيد لورانس أن يفعل له نموذج في الفوتوشوب أو ان يخطط نموذجا له كي يستطيع إنجازه على واقع الأرض. كون السيد لورانس يستخدم الكومبيوتر. و قد أجتهد بذلك لورانس وقدم له نموذجا مصغرا وأن لم يقتنع به كونه خبير ديكور في مجال عمله الأصلي.
ما كان يشغله ؛ هو نوعية الخشب المستخدم ، ترى أيمد مساطر الخشب على طولها و يثبت أطرافها في الأرض ؟ ... ربما لن يكون عمرها طويلا ... أم يفرش الأرض بقطع أبلوك خشبي ؟ ...لكن سيصعب دهانها و عملية استوائها . و ربما سيتجمع فوقها الأوساخ و الأتربة ...و ربما بمرور الزمن تقلعها العواصف ، أو تكسر و تتعرى . و أن قاومت لن تقاوم فترة دائمية . يا إلاهي أسعفني !! صار يدعو لنفسه ... لكنه لم يتأخر في إرهاصاته .
نعم و جدتها .!!..... نزرعها .... نعم نزرع الخشب , نُقَطِع المساطر بطول ثلاثين سم و ندبب أحد رؤوسها ونطلي الطرف الأخر باللون الأزرق و الأصفر ، و من ثم نغرسها بمقدار خمسة عشرة سم و بذلك لن تتأثر بتغيرات الطقس مهما حصل , و لن يتجمع فوقها الأوساخ إطلاقا ، و يسهل طليها بالأصباغ بين فترة وأخرى و بذلك تقاوم إلى أمد الدهر .
فكرة جميلة أن نزرع مائتي متر مربع برؤوس الأخشاب الملونة ، أنها فكرة صائبة.
يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس ....
"الرجل المتفوّق يودّ أن يكون بطيئاً في أقواله، وجادّاً في تصرّفه".
و يقول ....
"ما يبحث عنه الرجل المتفوق في نفسه، يبحث عنه الرجل العادي في الآخرين".
ذلك ما ينطبق على أبو وسيم تماما . أنه أنسان عملي ينبش بأظافره خدود الفكرة حتى يتقطر منها الدم , حتى يصل لنتيجة مجدية . .... ذلك ما دفعه يتحرى عن الخشب و أسعاره ، فقام بجولات مكوكية عدة لورش النجارة و مخازن الخشب في كنيستا و فلين , في سبيل الوصول لصيغة نهائية للبدء بالعمل.
وقبل ان يبدأ المشروع حيز التنفيذ ؛ تدخل عدد من السويديين الخيرين في إسعافه بالأرض و المادة و الخشب و المستلزمات الأخرى من ورشة و نقل و تشجيع معنوي ، حتى أدرك بان الأمر بات يقينا واقعا , و ما إلى ذلك سوى وقت أيام.
حدد الموقع مثلما أخبر زوجته سابقا ، في القلب الكامب , في وسطه , و كما أخبر أبو عبدو؛ بأنه سيعلق القمر بخيوط من ذهب في أعناق الأشجار الباسقة , ليبقى ينير فوق رؤوسنا في ليالينا .
باشر العمل بجز الحشائش من الأرضية بمكينة الجز ، وقد وجد اندفاع من بعض العناصر امثال ( عبدالله مزعل ، أبو عبدو ) و من الشباب ( محمد ، و ....... ) كأول دفعة من المشاركين .
يوم بعد يوم صار العمل أكثر جدي و واقعي ، ما أضحى أن يجد اندفاعا كبيرا من الجميع باختلاف أجناسهم و جناسيهم للاشتراك في العمل ( الإيراني ,و الإرتيري ، و الأفغاني ، إضافة للعرب المتواجدين من سوريين و عراقيين وهم الغالبية ). إضافة لأهل بيته ( زوجته و أخته و بناته و معارفه )........
الفكرة كانت سحرية ،فأجبرت الجميع على الاشتراك به ، هناك من قطع الخشب , هناك من نقل الخشب , هنام من صبغ الخشب ,هناك من غرس الخشب بالطرق المبرح في مطارق ذات أوزان ثقيلة , حتى تشمعت ملابسهم على أجسادهم , نتيجة زخ العرق المصبوب من أجسادهم الندية . وهناك من أوصل التيار الكهربائي . كل كان يعمل باختصاصه , كخلية نحل متماسكة .
الجهود التي بذلت مضنية , كريمة ,رسمت شكل القمر في كامب ( صول بكا ), بانت البصمة واضحة في حلتها الأخيرة كصرح باهر , مشرف , ينبض في قلب ( صول بكا ) , بل هو القلب الذي دبَّ الروح في صولبكا , جعل السويد بأكملها تبتسم للصرح , بل زرع ابتسامة مشرقة عريضة في وجه السويد , بعد أن صور العمل تلفزيونيا و إعلاميا.
سيتذكره الجميع , بل أنه سيخلد لعشرات السنين.
كان من الضروري بعد أن أنجز العمل أن يوضع في إطار معين بعرض متر من جميع الجوانب ، و قد حدد هذا الإطار بمساطر خشبية بعد أن ثبتت بمسامير طويلة في الأرض. أضيف لهذا الإطار الحصى الناعم المطلي بالإسمنت الأبيض أو البورك ,و الزينة , ليبرز شكل العلم بالشكل اللائق , و ليضفي هالة من الإشعاع تحت الإنارة القوية في سديم الليل , و تحت ضوء الشمس الساطعة .
فعلا تم إحاطة العلم بشبكة من الأنوار العالية البلوجكتور يسطع نورها في بطون الليالي كما هي الشمس الساطعة نهارا .
و بعد انتهاء العمل وقف السيد عماد برفقة أبو عبدو جانبا يتأمل مشروعه مبتسما , جذلا , فخورا بنفسه و برفاقه الذين شاركوه و شدوا من أزره و ساندوه و ساعدوه , بعد أن قدم هدية متميزة باسم المهاجرين في كامب (صول بكا) للسويد و لشعب السويد كعربون محبة و عرفان بالجميل لما قدموه لنا كمهاجرين.
شاكرا لله على نعمة العقل .
قال ممازحا أبو عبدو : ما رأيك يا أبو عبدو ؟ كيف يبدو لك المنظر البديع ؟
أبو عبدو : ألم أقل لك أنت مجنون ؟ و الله عمل كهذا لن يخرج إلا من رأس مجنون مثلك.
ثم مضيا للبهو يتأبط أحدهما ذراع الآخر ليرتشفا القهوة المرة و الضحكة تملئ شدقيهما ههههههههه
ملاحظة : أشترك في العمل المهاجرون في كامب ( صول بكا ) بأشراف و تخطيط السيد عماد الشطي المدير المنفذ للعمل , كما ساهم السادة المسؤولون و المتبرعون من السويديين في دعم و اسناد السيد عماد في ولادة الفكرة و بسرعة إنجاز العمل. ليتم تسليم العمل هدية عام 2016 باحتفال مبهر يتماشى مع حجم الحدث المبجل .

المؤلف : عباس مدحت محمد البياتي
30-12-2015
هاتف : 0046735504703



#عباس_مدحت_محمد_البياتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس مدحت محمد البياتي - البصمة التي ابتسمت لها السويد