أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد رفعت الدومي - الكنديون الجدد















المزيد.....

الكنديون الجدد


محمد رفعت الدومي

الحوار المتمدن-العدد: 5015 - 2015 / 12 / 16 - 17:01
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


طلع البدرُ علينا :: من ثنيِّات الوداع :: وجب الشكرُ علينا :: ما دعا لله داع :: أيها المبعوثُ فينا :: جئتَ بالأمر المطاع :: جئتَ شرَّفت المدينة :: مرحبًا يا خير داع..

نشيد لا أعتقد أن مسلمًا لم ينته من حفظه طفلاً قبل أن يترك في أعماقه قطعة من المعني، قد يسر مؤلفه أن يعرف هذا، وقد يشهق من فرط الدهشة حين يعرف أن كلماته ترددت قبل أيام في أرض كانت بالنسبة إلي أهل زمانه مجهولة، حين رأي العالم الزمن وهو يتجمد في عناق حميم مع كل مرادفات ومعاني كلمات النقاء والرقي والجمال، كما رأي المسلمون الأطلس يطير حاملاً علي كتفيه "ثنيات الوداع" من مشارف المدينة المنورة إلي كندا..

عقب تلك التجربة التي رأينا فيها وسامة الشاب "جاستن ترودو" ووسامة تعاطيه مع اللاجئين السوريين، كسرًا لتلك الحدة في نظرة الآخرين ما بعد هجمات فرنسا إلي المسلمين ربما، أو تلطيفاً لارتباك الأفق الإنساني عقب تصريحات الموتور "ترامب" ربما، أو ربما لتهدئة مخاوف اللاجئين أنفسهم من المستقبل، أو كل ما سبق، سوف نري بعد أيام ما هو أغرب، تلك القبيلة التي تسيطر الآن علي "ثنيات الوداع" الأصلية لا تكتفي بعدم الترحيب بالمقهورين ولا بالنازحين من ديارهم بحثاً عن ملاذ آمن، إنما هي، وأخواتها، صدور مفتوحة علي مصاريعها للإغداق بالمال علي قتل المسلمين وتغذية كلمة الدمار الشامل ببلاد المسلمين في سبيل حماية تراث العشيرة الفاشل من هجمات الحالمين بالولادة من جديد في ديار ديمقراطية كديار الكفر، ولدي هؤلاء الكثير من الكهنة المستعدين لإضفاء قسمات ملائكية علي وجوههم الشائهة، لكن أقرب الناس إليهم، وأبعدهم عنهم، صاروا يعرفون أن نهايتهم تتهيأ، فالواقع يحدث عادة وفقاً لمنطقه الخاص، وكل تلك المحاولات البائسة لجذب كل الناطقين بالعربية من رقابهم وإرغامهم علي الردة إلي الإيمان مجددًا بما يصفونه بـ "العروبة" علي حساب الوطن بصيغة عربية، سوف تمني بالكسر في نهاية المطاف، فلن يرضي بعد الآن ناطق بالعربية من غير العرب الأصليين أقل من ديار كالديار الكندية التي بلغت مرحلة شاهقة من التقدم برغم ضآلة العمر!

تحسس الكثيرون لحظة استقبال رئيس وزراء كندا لأول أفواج اللاجئين السوريين باعجاب شديد، وهي، لعمري، وردة زمنية مؤهلة لنسف يقين غلاة المسلمين المتوارث والمجاني بأنهم خير أمة أخرجت للناس، ولضبط إيقاعات ردود أفعالهم عندما يصفهم الآخر بالحثالة، ضرورة مواجهة هذه الحقيقة يجب أن تقتحم جرأة كل عربي، مسلمًا كان أو غير مسلم، لولا أن قراءة فورية وبشكل مبتور لتلك اللحظة الحبلي بالعديد من الدلالات ستؤدي إلى تخزينها في ذهن المتلقي بشكل منفصل، وعزلها عن سياق ذهني أشمل وأكثر تحريضًا علي الجدل حول تباين المآلات والأساليب بين شركاء الإنسانية وأسبابه، ومشكلة بتر قطعة من سياق يراد تشويهه أو تجميله مشكلة مزمنة يتكاثر فيها المدلسون علي الدوام لتحريف ما يريدون عن عمدٍ تحريفه، يجب ألا تأخذنا فتنة اللحظة بعيدًا عن الأسئلة الذي تفرضها من مثل: كيف صرنا وكيف صاروا؟ ولماذا؟ وأين موطن الخلل؟

فإن إحياء واحدة من ألمع لحظات التراث الاسلامي والتحام الماضي بالحاضر بهذا الشكل، بقصدٍ أو بدون قصد، فيه ما فيه مما يدعو إلي التوقف وضبط الرؤي وتغيير الاتجاه، أرفض اتهام الدين بأنه أفيون الشعوب، وأري أن الدين ضرورة لضبط شهوة الإنسان وتهذيب حيوانيته، لكن خاصرة الدين الرخوة تكمن في خشونة أولئك الذين لا يرضون من الدين بغير التربح، ولا يرضون من الكتب المقدسة بغير المرور من المناطق المهجورة التي تدخلها الكلمات وتخرج منها بقيم تجاوزها الزمن وابتعد عنها ركب الإنسانية في مسيرته نحو الرقي، إنهم تجار أفيون الشعوب وعرَّابو تلك العقود الاجتماعية المختلة بين الديكتاتوريات والشعوب المغلوبة علي أمرها!

من أهم دلالات تلك اللحظة الكندية أن "ترودو" منح اللاجئين المواطنة ووصفهم بالكنديين الجدد، وهذا معناه أنهم صاروا أفضل حالاً وأكثر أماناً وسكينة من "بشار الأسد" نفسه، ذاك الذي حرص قبل أيام علي تأليب العالم ضدهم في لقاء أجراه مع التليفزيون التشيكي مؤكدًا أن بينهم إرهابيين، كأنه لم يكتف بطردهم من أحلامهم ومستقبلهم ورائحة أجدادهم وإجبارهم علي مغادرة الأرض التي حل الوجود تمائمهم بها وهو عاقدٌ العزم علي مطاردتهم في أي أرض فروا إليها ليعيشوا هناك جذورًا بغير أرض، وللخسة أهلها، لكن، لحسن الحظ، لم تمض أيام حتي صار بعضهم أحسن منه حظاً، فلا شك أن أقصي أحلام المجرم الآن لا يتعدي قدرته علي التقاط صورة "سيلفي" تحت شجرة "قيقب" مثل ضحاياه دون أن يتعرض للأذي، أو أن يردد مثلهم في مساء كندا البارد خلف فيروز:

بيتي صغير بكندا :: من حولوا كل المدى :: بابوا ما الو مفتاح :: بالي مرتاح :: أوضة ودار وعلية :: بقعد وحدي منسية :: عا شبابيك بيتي الصغير بكندا

وأن يحمل مثلهم جواز سفر يحمل علي صدر صفحته الأولي عبارة:

(نحرك أسطولنا من أجلك)

مع ذلك، ما هو أهم من استعداد كندا لتحريك أسطولها من أجل هؤلاء الأرقام الهاربة من السجلات السورية، أنهم صاروا يتواصلون كلٌّ مع ربه في ديار الكفر بشكل أكثر عمقاً وحميمية، لا كتعساء الحظ الذين فشلوا في الولادة من جديد وظلوا أرقامًا في سجلات بلاد تحرمهم من عبادة الله إلا علي حواف الخوف المسكون بوجوه الجلادين، ولا تقبل منهم بأقل من أن يبذروا أعمارهم راكعين في ظلال الوجود بانتظار تلك النهايات المرة كالقهوة!

ما يزيد من بشاعة وجه المأساة بريقاً وصقلاً، أن "بشار الأسد" قبل أسابيع صرح أن سوريا لمن يدافع عنها لا لمن يحمل جنسيتها، كان يعني أن الدفاع عن "سوريا الأسد" لا سوريا الأرض هو شرط انتماء الإنسان السوري إلي أرض أجداده، ولقد رأينا رئيس الوزراء الكندي يستقبل الهاربين من أفرانه ببشاشة الطيبين دون أن يطلب منهم أي التزامات أكثر من تلك التي يخضع لها مواطنو بلاده التي لم يشعر ربما أجداد اللاجئين سعداء الطالع بوجودها علي الأطلس أصلاً!

يا لها من لحظة شديدة الفراشات، جديرة بفرض حزمة من الأسئلة أهمها:

- هل آن الأوان أن تخضع لإعادة نظر تعريفات متوارثة مثل: الكفار، الكفر، ديار الكفر؟

- متي يتم الاتفاق علي ملائمات مع الحداثة ومآلاتها ومقتضياتها، وعلي قراءة مجتمعية تلتقط نقاط ارتكازها من مفاهيم الدولة الحديثة التي لا يمكن أن تقوم إلا على قواعد العقل وتجارب الإنسان؟

لقد صار سكان هذه البقعة الرديئة من العالم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام غير المشروط والاستمرار في تلقي مظاهر هذا الذل دون أن يقولوا: كفي، وإما المواجهة مع النفس التي صارت قدرًا..

محمد رفعت الدومي



#محمد_رفعت_الدومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لفيف
- لاستعادة المصريين العالقين في ستوكهولم
- فكري أباظة : حياته من حكاياته (2)
- عدالة داعش وعنصرية العالم
- آية الله أبو الطين
- مطلوب خياطة
- عفريت (1)
- بنات كلب
- للَّه أمُّكِ جومانا
- تليفزيون الواقع
- عادوا
- حتي يراقَ علي جوانبه الدمُ
- ديوان الجنوب
- موكب البابوات
- معابر الخراب
- مسمار كاسترو الأخير
- الططر
- اسهار بعد اسهار: الحضرة الشومانية
- كليبتومانيا الضوء : سيمون بين السرايات حالة
- أولي الناس باسم شاعر


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد رفعت الدومي - الكنديون الجدد