أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم محمد علي موسى - درس في ألتواضع














المزيد.....

درس في ألتواضع


ميثم محمد علي موسى

الحوار المتمدن-العدد: 1368 - 2005 / 11 / 4 - 12:17
المحور: الادب والفن
    


كنت أجلس في مكتبي في ألجامعة ألتي أعمل حين طرق ألباب رجل ستيني أشيب بأدب وأستأذن السماح بالجلوس حتى يحين وقته ، ولم أفهم ماذا يعني بوقته ! ألمكتب واسع ويقاسمني فيه ثلاثة من زملائي ألهولنديين ، وفيه مايكفي من ألمقاعد ألتي تسع (عشيرة) .
لم أنس مع ألأيام وطول ألغربة ألتي ألتهمت نصف ألعمر ، وتجاوزت ، ولم أتخل عن طبعي ألشرقي في ألترحيب وألتهليل ، لأن ألضيف – ضيف ألله – كما علمتني والدتي( أطال ألله بعمرها ) و سيدتي و مصدر كل كلمة خير وعمل طيب تعلمته في حياتي. سألت ألضيف أن كان يرغب بشاي أوقهوة ، ما يتوفر في مكتبنا ، فزاد أرتباك ألرجل من شدة هجومي ألترحيبي ألمبالغ ، فراح يعدل من عقدة رباطه كنوع من تسريب ألأرتباك . طلب مني شاياً خفيفاً ، ممتناً ، لا يعرف كيف يردعلى هذا ألشرقي ألمُرحِّب دون أنقطاع ، ويسألني بين ألفينة وألفينة عما أذا كان وجوده يسبب أزعاجاً. مرت فترة من ألزمن وأنا أختلس ألنظر ألى هذا ألرجل من فوق زجاج نظارتي ، بين ألحين وألحين ، لعله يبحث عن أحدٍ أو ينتظر واحداً من زملائي . فوجئت بملبس هذا ألرجل ألغريب ، فهو أنيق وذو هندام و حسب ألأصول ، ولكن لون بدلته ألحمراء وربطة عنقه ألزرقاء ، وتلك ألبواخر ألتي تمخر عبر ربطة ألعنق، وحذائه ألأحمر، لم يكن مما تعودت رؤيته ، أو أن ذوقي بعيد عن فهم مثل هذا ألتنافر ( أو ألتناغم ) في ألألوان ، كما فكرت ! مر بعض ألوقت وهو يتطلع ألى أوراق بين يديه ، و أكثرألى ساعته ، كما لو أن له موعداً يجب أن يحدث ( في ألثانية) ألمحددة ! وفجأة نهض مستأذناً ، شاكراً ومودعاً ، وهو يردد(( يجب أن أكون قبل ألجميع حتى لاينتظرني أحد..)) وبعد دقائق سمعت صوت موسيقى بيانو عذبة تنطلق من قاعة ألأحتفالات ، ألتي تقع فوق مكتبنا مباشرة .
مرت عدة أيام ليتكرر ألمشهد هذا تماماً وبنفس ألطريقة ، يدخل ألرجل وهو( يقطر) أدباً ، يستأذن بالجلوس ، فأهاجمه بترحيبى ، كالعادة . يشرب ألشاي ، ويذهب في موعد محدد ، ثم تنطلق موسيقى عذبة من تلك ألقاعة . وهكذا مرتين في ألأسبوع. وقد بدأت أستأنس بملبسه وأحس فيه جاذبية وتناسق لاتصطاده ألعين مباشرة ، ويحتاج ألى شئ من ألتمعن !
مرةً ، دخلت مكتبنا سيدة تعمل في مكتب آخر و أنهالت على ألرجل ، حالما شاهدته ، بوابل من كلمات ألترحيب وألأسئلة ، كما لو أنها تعرفه من زمن طويل . فحمدت ألله على قدوم هذه ألسيدة ، ألتي ستكشف لي سر رجل ( ألبدلة ألحمراء).
حين غادر ألسيد مكتبنا توجهت بالسؤال مباشرة ألى هذه ألسيدة ، عن هذا ألرجل ، وقد أخذ مني ألفضول مأخذاً ، وطالت فترة أنتظاري في معرفة سره . قالت متعجبة – هل تشاهد ألقصر ألفلاني على ضفاف ألنهر ألمحاذي للجامعة ؟ قلت بلا . قالت – أولا تعرف ساكنه ؟ فقلت لا وألله ! فردت (بشبه استنكار) هذا بيته ، هذا ألفنان ألكبير فلان ، واحد من أشهر عازفي ألبيانو ألهولنديين ! ألم تحضر حفلاً له مرة؟؟ وأخبرتني ألسيدة بأن سفرة نهرية وحفلاً موسيقياً يقام مرتين في ألأسبوع لكبار ألسن ، بأداء هذا ألفنان ألشهير ! وقد تم استئجار ألقاعة من ألجامعة لهذا ألغرض . فشعرت بالخجل ! وتساءلت مع نفسي أن كان مصدر تواضعه فنه ألرفيع أو طبعه ألبشري . وأعترف بأني لم أجد ألجواب ، ولكن ماتعلمته ، أن ألتواضع ملكة ألمبدعين ، وكلماته ترن في أذني (يجب أن أكون قبل ألآخرين )
فيما بعد تجرأت وسألته عن سر تمسكه بموعده بهذا ألشكل ألعجيب ، فأوضح لي – أنا فنان .. ولاأحب أن ينتظرني ألناس طويلاً.. أحب أن أكون في موعدي !
أتساءل أحياناً ، لماذا يشعر ألفنان ، أو ألسياسي ، أو ألكاتب ألعراقي ( وألعربي عموماً ) بتفوقه على جنس ألبشر(من أبناء جلدته) لمجرد أنه فنان أوشاعر أو مبدع في مجال من مجالات ألحياة (ان كان مبدعاً بحق ) أو لأنه – برفسور – في تخصصه مثلاً ؟ أو لمجرد أنه ينشر مقالاً ، أو قصة أو رواية أو كتاباً ؟؟ أفأًُتيحت ألفرص للجميع لتتفتح مواهبهم ألجميلة في ظل أنظمة ألقمع؟؟ حين يكون ألبحث عن لقمة ألعيش وسد فم ألأطفال ألجياع ، ألشاغل ألأول للأنسان في عالم ألعروبة ( في زمن منحط مستمر) . وحين يكون رجل ألمخابرات أو مستجد ألسياسة (ألجاهل) أو ألمخضرم هو ألعالم وألمبدع وألشاعر و ألأستاذ و ألفنان و ألكاتب ..ألخ في أنظمة يُسمى ألقمع فيها برداً وسلام ! أو حين يكون بالأنتظار رصاصة أو خنجر قطع ألأرقاب عند بابك أذا ماتجرأت وأعلنت حبك للحياة ، وألورد وألمرأة !
حين يتحكم شيوخ ألتكفير برقاب عباد ألله ، مانحين ألخالق أجازة دائمية ، و بأيديهم تخويلاً بتسيير ألعالم نيابةً ، تكون ألعقول ألحقيقية وألمبدعة منفية ومحاربة ، فتطفو على ألسطح عقول مدعيّة ومُتسلِقة ومُستغِلة ، نافية غيرها، ألمبدع ألحقيقي ألمحاصر.
أما ألتواضع ، فهو شيمة ألمبدع . ولو تذكر ألمرء قول جان روستان لما ظن أنه فوق جنس ألبشر: (( من كثرة ألأشياء ألتي نجهلها في ألطبيعة لايعود لنا ألحق بأن نرمي أحداً بالحماقة))

هولندا
02-11-2005



#ميثم_محمد_علي_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألمسافة بين ألقتل وألعقل
- أكتب غاضباً..
- يوم أغتيال ألتأريخ / 8 شباط 1963
- إعادة حكم الإعدام في العراق /بين د.عبدالخالق حسين و ألأستاذ ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم محمد علي موسى - درس في ألتواضع