أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيرينى سمير حكيم - عرض الفنار يكشف ظُلمة تسكن نور















المزيد.....

عرض الفنار يكشف ظُلمة تسكن نور


إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)


الحوار المتمدن-العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 05:29
المحور: الادب والفن
    


فى عمق الفنار مفاجأة صادمة، حيث نفوس تحت عظمة فنار يهدى جميع من يبصره ويهتدى به، تقبع فى دونية الظلام تحت سلطانه البائس ببأس على أنفس اجتاحها ضعف الكتمان والعجز، حالٍ كواقع مؤلم لجائع يعمل فى مخبز، لم يكن القوى فيها أو الضعيف قادران على مواجهة تلاطم أمواج الماضى فى حياتهما الراكدة بالخوف من الحياة، لم يستمع كلاهما للنور الذى خدماه، لم يكن كلاهما فى الحق، لم يكن كلاهما حقيقي، فكلاهما ما هما إلا شظايا لإنسان شطرته عتمة حاضر أُسِر لماضى مظلم.

ذكاء التعامل مع المعطيات
****************

فى اختيار ذكى للنص ولمناسبة توقيته لاحتياج مجتمعى إلى مرآة مسرحية تعكسه بفن علاجى، وبذكاء استخدام وتوظيف اقل الإمكانيات المتاحة بعمل جماعى استطاع كل من أفراده كيف التعامل مع المعطيات الموجودة، وتكوينها وتشكيلها لتقديم عرض بجودة تكشف حرفية القائمين عليه، حيث تنسيق عناصر تكوينه بدءا من اختيار الممثلين شكلا وأداءا، مرورا بتوظيف مساحة قاعة العرض (قاعة مسرح الشباب فى المسرح العائم بالمنيل)، وتحويلها إلى حجرة داخل الفنار بحرفية فى تصميم الديكور واستغلال المكان بشكل لافت للانتباه، فحضور الديكور كان له روح مهيمنة على حالة العمل، ذلك بالإضافة إلى المؤثرات السمعية التى صاحبت رحلة خيال أذهاننا فى العرض، وبتلك المعطيات قُدِّم العرض المسرحى الفنار.

المسرح النفسي ودقة تفاصيل العرض
************************

وحيث انه دائما ما يكون للمسرح الذى يتعرض لخصوصيات الإنسان النفسية تقديرا خاصا لدى الجمهور، وذلك نظرا لنبل ومصداقية ما ينطلق فى التعبير عنه حيث دواخل أعماق نفسية شائكة، لمخاطبة عقول وقلوب وهذا بفن يواجه العجز والقدرة لدى النفس البشرية على حد سواء، وتعود نسبة التقدير والتأثير ومدى فاعلية الرسالة فى كل عرض إلى نسبة الدقة فى التجسيد ودراسة دواخل الشخصيات والحالات المُعبَّر عنها، وقد تم الاهتمام بتفاصيل قوية فى هذا العرض.

وتجلى تجسيد هذه الدقة فى عرض الفنار فى أداء الفنان محمد عثمان، والذى جسد الدور الأكثر تعقيدا، وقد عبَّر عن تشريح الشخصية المؤداة فى قالب معقد نفسيا، عاكسا معاناتها فى تفاصيل جديرة بالتقدير لمذاكرة الشخصية والتعرف على مدى أبعاد أدق تعابيرها العصبية، من اضطراب حركة الجفن ورجفة اليد مع أول قبضة على ملعقة الشاى، حيث كانت مفاتيح تلك الشخصية التى أجاد الغوص فى مكنوناتها للنهاية، حتى أوضح جيدا كيف تعانى تلك النفس فى عمقها وفى ظاهرها، واظهر كم بإمكانه أن يقوم بتلون فى نبرات صوته بالرغم من عدم تخطيها لطبقات حددها لنفسه فى اغلب مساحة الدور، ومع ذلك قدم تنوعا فى أداؤه الصوتى لا يقل قدرة عما قدمه بجدارة فى لغة جسده كممثل، فلقد تماهى مع الشخصية تماما حتى آخر لحظات العرض، فما شاهدت ممثل يبذل جهد التقمص والمثابرة للحفاظ على اتزان التعبير عن الشخصية لآخر لحظاتها على المسرح، إنما شاهدت فنان ذاب فى بوتقة الشخصية التى يؤديها تماما، حتى تقمصته هى وظهرت بدلا عنه، فكان للحالة حضورها الطاغى على من استحضرها، ولقد ربح معركته الفنية بجدارة بين حضوره وحضورها.

كما جاء أداء الفنان محمد درويش متمكنا من امتلاك أدوات الشخصية التى قدمها، ولقد اتقن التعبير عن حالة المواجه الساخر بعنف ابتسامة قاسية، فكانت كتلك الابتسامة البهلوانية القميئة الساخرة من الضعف والشامتة، فلقد مثلت فى لحظات الوجه القبيح لأناس لا تشفق على الساقط والخائف، ولا ترحم ضعيف ولا تأخذ بيده، بل تضع عجزه تحت مجهر مواجهاتها الهدامة فتطرحه مرتجفا فى ارض الخوفى والتعساء.

كما استطاع أن ينتقل بإجادة وتمكن فى الأداء من روح المنطلق فى الحياة بعبثية وغرور اللا مكترث، إلى انفعالات نفسية مضادة بانكسار وخوف وغضب مسجون، وسيُكمَل إبداع هذا الأداء المتميز فى حالة عدم الوقوع فى فخ تكرار بعض التعبيرات الخاصة بحالة الوثوق فى النفس فى مواجهة شكوك الأخر.

ولقد كان لتصميم التشكيل الحركى للممثلان تناغم قوى مع معنى ومغزى العرض عند مواجهاتهما لبعضهما، وكذلك اختبائهما النفسي من بعضهما، فكان يعكس بواطن المعانى النفسية كرسمة رمزية تمتلئ بالإشارات، ولقد ساعد ذلك التشكيل الحركى إخراجيا على عمل تكوينات مختلفة توقظ ذهن المشاهد وبصره للتفكير والاستمتاع بالتكوينات الشكلية، وهذا الأمر كان يحتاجه بالفعل عرض ثابت سينوغرافيا، حيث يعتمد على ممثلان فقط وعلى ديكور ثابت كمشهد واحد.

كما كان للموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية دورها الايجابي الذى خدم العرض بشكل كبير، ولكن كان من الممكن إضفاء حالة أكثر تجديدا وقوة تأثير على العرض، باستخدام بعض المقاطع الموسيقية الغامضة والجديدة على مسامع الجمهور، باستغلال الثراء الموسيقى الذى يزخر به العالم حاليا من تنوع ثرى بنغمات تشرح حالات نفسية متنوعة وتشرحها فى نغماتها جيدا، وذلك سيكون له إضافة خاصة إلى تفرد العرض ببصمة فنية ونفسية خاصة أيضا، حيث قدم العرض حالة نفسية متكررة إنما بشكل جديد ومختلف فكان مع معطيات فريدة أخرى من الموسيقى، سيُمنح تفرد أكثر عمقا من زاوية أخرى لمعطياته.

وكان فى حالة اللجوء للتعبير بلسان موسيقي عن تصاعد انفعال نفسي، فلقد تم التوفيق فى استخدام انسب نوع موسيقي لهذه الحالة وهو موسيقى الراب الثائرة، والتى جاءت مفاجأة لأجواء العرض الهادئة والغامضة، حيث حملت فى أسلوبها عنفوان شبابية روح الراب وثورتها، وذلك بعد أن أُثقلَت نفوسنا بمشاركة ثبوت الشيخوخة النفسية لهذا المتألم فى معاناته، ولربما كان هذا مقصد اخراجى للنقل بين الانفعالات المختلفة بأساليب عدة، ولقد حققت فى نهايتها التأثير الذى يحتاجه العرض بالفعل.

وحسب متطلبات ما يقدمه المسرح الذى يعتنى بتفاصيل النفس البشرية، فتفاصيل العرض تكون فى غاية الأهمية للتمكن من توصيل رسالة العرض بقوة إلى نفس متلقيها، ولقد راعى العرض هذا كما ذكرت فى تناول بعض النقاط، وإذا جاد بالمراجعة على بعض تفاصيل أخرى سيصل إلى عمق أكثر فى التأثير على نفس المتلقى، حين يكتمل زهو أركان تجسيد المعانى، فعلى سبيل المثال ضرورة إجادة عامل الفنار لنسج عادته التى تمرس سنوات لفعلها.

مفعول المسرح إلى ما بعد التفاعل فيه
************************

فى عرض الفنار عمق فكرى وفنى فى مفاجأة كاشفة لتشتت فى نفوسنا، حيث مرايا كُسِرت حقائقها وتوازناتها فى داخلنا فأعطتنا صور عدة لكل منا، إنما صور مشوهة فى كل منها، فكل منا يحمل هذا الصراع فى داخله، صراع وليد ماضي سقيم، ماضي عجز نما على الخوف، إنها قصة إنسانية تتكرر بلا كلل، بل تجهد أبطالها إلى حد الانهزام أو الانتصار، نعم الانهزام أو الانتصار، ففى العرض تُجبَر على التحدى، لا تحدى الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل فقط، ولا تحدى ذاتك فى واقعها ولا ذاتك فى صورة أوهامها، بل تحدى لكلاهما، بمساؤهما، بملاحظاتهما لضعفك وعوارك وعيوبك، لترصدهُما لمخاوفك وتذكرتك بكل ما هو أليم، انه إجبار فنى يدفعك لتحدى كل شماتة ذهنية عاطفية تسكنك بفعل عواصف سنينك وأيامك، تحدى لكل روح سلبية تقولها لنفسك وأنت مُحبِط فى صورة فارس ساخر من فوق حصان عنترية التغيير وعنجهية الثورة المراهقة التأثير، أو وأنت مُحبَط فى صورة الفارس الساقط تحت حصان بطولاتك الواهية وأنت بطل لمعاركك الفاشلة، انه تحدى لانقسامك المظلم الظالم لحقيقة نفسك، والذى أثمر تصور جديد لم ينقذك بل دعم انهزاماتك بسخرياته المُحبِطة فى استمرارية مُعيية.

ولربما يكون لنا هنا فرصة جيدة لننطلق بتفكيرنا من حيث النقطة التى استعرض تباينها عرض الفنار، حيث مدى التناقض بين نفس هدفها إضاءة ظلام الآخرين وهدايتهم، وهى نفس مثقلة بظلام يقيدها فى جميع تفاصيل حياتها، ومن الجيد أن نتأمل تلك الفرصة الفنية ولا نتركها، فإن كان منا خدام للنور سواء فى صورته الدينية أو الثقافية أو الفنية أو غيرها من الصور، التى تعمل على تنوير طريق الإنسانية فعلينا جميعا أن نفحص أنفسنا، هل هى مسكن للنور التى تخدمه وتروج له آم تتخذ من صورته عنوانا لها بلا جوهر حقيقي، فتكون منبرا لنور يسكنه ظلام، وبمناسبة هذا العرض الرائع أود أن أقول أن التنوير الذى يروج له من نفس مظلمة لا يثمر إلا تشويش على الأعين الباحثة عن النور، فالنور الذى يتحكم فيه ظلام لا يستطيع ان يمارس سلطان تنويره أبدا لان الظلام لا يبدد ظلمة.

فهذا هو المسرح الحق والذى يؤدى دوره الاساسي، وذلك بتقديم فن له رسالة تبدأ من المتعة الحضورية فيه إلى التأمل والتفكير ومن ثم التغيير خارجه حيث الواقع حاضرا ومستقبلا.
هذا هو مثال للمسرح الذى تمتد فاعلية قيمته الفنية الإنسانية من البصر حتى البصيرة.

هذا العمل المتميز فكرته مأخوذة عن نص الفنار للكاتب الايرلندى ج.ل جالواي، العمل من أداء الفنان احمد عثمان والفنان محمد درويش، الدراماتورج لـ محمد محروس والذى اجاد تحويل النص الى اللغة العامية برشاقة كتابة، وتصميم الديكور لـ يحى صبيح، والتنفيذ لـ نهى نبيل، الموسيقى من إعداد احمد شعتوت، والإخراج التنفيذى لـ محمد عاصم وكمال خضر، والعمل من إخراج الفنان ماهر محمود إسماعيل والذى نجح فى أن يكون مايسترو جيد لقيادة جميع تلك العناصر الفنية والإنسانية بهارمونى متوازن.





#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)       Ereiny_Samir_Hakim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو كان الرقص رجلا لقبَّلته
- أيها المجروح قم احمل دماء جروحك وامشي
- يا شعوب الركعة لعظة سياسية
- شكوك وحدتى وإيمان بصمات يدى
- فيلم القمة القرمزية Crimson Peak حين يصبح الإنسان أكثر شبحية ...
- أحمق من ينتظر من الشيطان توبة
- نصيحة لمصرى: لا تنزف دماءك على الأرض التى تتبول عليها
- غجرية فرعونية أنا
- فى عرض روح لقاء مُحيي مع الموت وصَحوةٍ فى بار
- العهر على شفاه سياسية
- حرروا الرقصات
- لست الأقبح يا كوازيمودو!
- فلماذا تهتم بشكلى ولا تدرك عقلى؟!!
- بذرة لمسرح البرودواى المصرى فى مسرحية رجالة وستات
- حواء من بدأت أكل التفاح ومن بادرت بفتح الهويس!
- مسرحية رجالة وستات بذرة لمسرح البرودواى فى مصر
- الويل لمملكةٍ مماليكها أصبحوا ملوكها
- كورساكوف هو الحكاية التى لم تحكها شهرزاد
- إسماعيل ياسين يدافع عن حقوق المرأة بالآنسة حنفى
- بينوكيو الحبيب من دُمية ماريونيت لإرادة حرة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيرينى سمير حكيم - عرض الفنار يكشف ظُلمة تسكن نور