عبد العزيز فرج عزو
الحوار المتمدن-العدد: 5007 - 2015 / 12 / 8 - 08:48
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
يستند بعض دعاة العنف والتطرف الديني في جملة ما يستندون إليه من أحاديث موضوعة ومكذوبة وضعيفة ومدلسه , إلى الحديث الذي يقول:
( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)
وهذا الحديث الذي بين أيدينا من حيث السند والمتن فيه كلامٌ لا يَخْفَى على كل من تلبس بالعلم وهو حديث موضوع ولا يصح عن النبي حتي وإن كان موجود في كتب الأحاديث أو في كتب التراث .
والحديث علَّقه البخاري في صحيحة بصيغة التمريض
قال الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث:
" قوله: ( ويُذكر عن ابن عمر ... ) إلخ , هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُنِيب - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ثُمَّ مُوَحَّدَة - الجُرَشِيِّ - بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ - عَنْ اِبْن عُمَر بِلَفْظ ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَعَ السَّيْفِ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحِي وَجُعِلَتْ الذِّلَّة وَالصَّغَار عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْهُ قَوْلُهُ (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) حُسِبَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ , وَأَبُو مُنِيب لَا يُعْرَفُ اِسْمُهُ , وَفِي الْإِسْنَادِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن ثَابِت بْن ثَوْبَانِ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ , فتح الباري: طبعة دار طيبة (7/189)
فهذا القول من ابن حجر - رحمه الله – يدل على تضعيفه , وإلا لما التمس له شاهداً آخر .
ومع ذلك , فالشاهد الذي أحال عليه ابن حجر ، ليس بجيد ، فهو مع إرساله ، من رواية سعيد بن جبلة ،
وسعيد بن جبلة هذا قال عنه ابن حجر في (لسان الميزان) :
" سعيد بن جبلة: عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله بعثني بين يدي الساعة وجعل رزقي تحت ظل رمحي ... " الحديث . وعنه الأوزاعي . قال ابن أبي حاتم: سألتُ أبي عنه فقال: هو شامي (ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً) , وقال محمد بن خفيف الشيرازي: ليس هو عندهم بذاك " .
هذا الحديث لا يصح عن النبي عليه السلام وإسنادٌه فيه ثلاث عِلَل:
الأولى: تفرد الوليد بن مسلم بهذا الطريق ، فرواه عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، وخالف بذلك جمعاً من الشيوخ حيث رووه عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية ، كما مَرَّ آنفاً ، ثم إن الوليد يدلس تدليس التسوية ، وهو هنا لم يصرح بصيغة السماع بين الأوزاعي وبين حسان بن عطية ، والأوزاعي قد لَقِيَ عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وكاتبه ، فلعلَّه سمعه منه فدَلَّسَهُ الوليد وأسقط ابن ثوبان ، والله أعلم .
الثانية: أن أبا أمية الطرسوسي شيخ الطحاوي له أوهام إذا حدَّثَ من حفظه ، قال ابن حبان في "الثقات"9/137: كان من الثقات ، دخل مصر فحدَّثَهم من حفظه من غير كتاب بأشياء أخطأ فيها ، فلا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا ما حدَّثَ من كتابه .
قلنا: والطحاوي إنما أخذ عن أبي أمية بمصر ، وهو هنا قد سَمَّى شيخه محمد بن وهب بن عطية ، والذي حدَّثَ بمصر عن الوليد بن مسلم وغيره هو محمد بن وهب بن مسلم القرشي الدمشقي ، وهو ضعيف مُنْكَر الحديث ، والأول صالح الحديث ، وأما ابن عدي وابن منده ، فقد ذكرا أن محمد بن وهب بن عطية منكر الحديث ، كذا قالا ، ولعلَّهما أرادا ابن مسلم القرشي الدمشقي فوَهِمَا في اسمه ، وكلاهما ذكرت له رواية عن الوليد بن مسلم . انظر"ميزان الاعتدال" 4/61، و"تاريخ دمشق"لابن عساكر 16/94-95.
الثالثة: الاضطراب الذي وقع فيه على الأوزاعي ، فقد روي عنه هكذا كما هو عند الطحاوي .
وروي عنه ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ذكره ابن أبي حاتم في "العلل"1/319 ، وقال عن أبيه ، عن دحيم (وقع في أصله: أبي دحيم ، وهو خطأ ، ودحيم: لقب لعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي) : هذا الحديث ليس بشيء ، الحديث حديث الأوزاعي ، عن سعيد بن جبلة ، عن طاووس ، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يعني مرسلاً .
قلنا: كأن دحيماً وأبا حاتم يريان أن المحفوظ عن الأوزاعي هي الرواية المرسلة لا غير ، وهذا المرسل الذي أشار إليه دحيم خرَّجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 5/322 وعلى إرساله فقد حسَّنَ الحافظ ابن حجر إسناده في "الفتح"6/980 .
فهذه العِلَلُ الثلاثة مجتمعة لا يمكن معها تقوية الحديث المرفوع بمتابعة الأوزاعي لعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، والله تعالى أعلم .
وفي الباب عن أنس بن مالك عند أبي نعيم في " أخبار أصبهان " (1/129) من طريق الحجاج بن يوسف بن قتيبة ، عن بشر بن الحسين الأصبهاني ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس رفعه . وليس فيه لفظ السيف ، وإسناده ضعيف جداً ، فيه بشر بن الحسين الأصبهاني مُجْمَعٌ على ضعفه ، واتَّهَمَهُ بعضهم بالوضع ، انظر"الميزان" 1/315-3160 .
فالقرآن لم يقرر في آية واحدة من آياته أن محمدًا رسول الله بعثه الله بالسيف ، بل قرر في آيات شتى أن الله بعثه بالهدى ودين الحق والرحمة والشفاء والموعظة للناس
وهذا ثابت بوضوح في القرآن المكي ، وفي القرآن المدني ، على سواء .
يقول تعالى في سورة الأنبياء , وهي مكية: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء: 107.
وعبر عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنما أنا رحمة مهداة) .
وقال تعالى في سورة النحل ، وهي مكية: (ويوم نبعث في كل أمة شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) النحل:89.
وقال تعالى في سورة يونس , وهي مكية: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) يونس:57.
وقال تعالى في سورة التوبة ، و هي مدنية : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة:33.
وقد تكررت بلفظها في سورة الصف:9 وهي مدنية.
وفي سورة الفتح ، وهي مدنية ، نقرأ قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا) الفتح:28.
وفي ختام سورة التوبة أيضًا: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم . فإن توَلَّوْا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) التوبة:129.
وفي سورة آل عمران ، وهي مدنية: (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) آل عمران:20.
وفي سورة النور ، وهي مدنية أي نزلت في المدينة المنورة : (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) النور:54.
وهذه الآيات كلها قد اتفقت على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم إنما بعث بالرحمة والهدى ودين الحق ، وتبيان كل شيء ، وإقامة الحجة على الناس ، ولم يبعث شاهرًا سيفه على الناس ، حتى في حالة تولي الناس عنه: لم يؤمر بأن يشهر في وجوههم السيف ، إنما قيل له: إنما عليك البلاغ ، وإنما عليه ما حمل ، وعليهم ما حملوا وقل: حسبي الله .
والخلاصة: أن هذا الحديث (بعثت بالسيف) سواء نظرنا إلى إسناده أم نظرنا إلى متنه ، فهو مردودٌ غير مقبول في ضوء موازين العلم وقواعده الضابطة
يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن هذا الحديث
مكذوب ولا يجوز الاحتجاج بحديثٍ ضعيف أو بحديثٍ مُتكلَّم فيه، وخاصة إذا تعارض ذلك مع صريح القرآن الذي لا يقبل المراء ولا الجدال، وينبغي أن يكون الأصل في ذلك القرآن الكريم, والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأكد الدكتور كريمة في تعليقه علي هذا الحديث أن حديث (بعثت بالسيف بين يدي الساعة ) لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معلول من جميع طرقه، فإسناده ضعيف جدا ولا يصح نسبته للنبي عليه السلام
وأضاف الدكتور كريمة أن الإسلام لم يجبر أحداً على اعتناقه، فالله تعالى يقول: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، والإسلام أمرنا بالتعايش مع غير المسلمين مستشهدا بقول الله تعالى على لسان رسوله: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين".
والخلاصة هذا الحديث مكذوب و لا يصح أبدا عن النبي عليه السلام حتى لو اعتنقه المتطرفون الذين يخالفون سماحة دينهم لأمراض نفسية وعقلية عندهم لأنهم لا عقل ولا قلب لهم قد تربوا علي الجهل والخرافات وعدم الفهم الصحيح ومن هنا تحجرت قلوبهم وماتت أرواحهم من الحقد علي المسلمين وغير المسلمين وهذا الحديث مخالف لما جاء به القرآن الكريم لان الإيمان بأي دين سماوي أو حتى أرضي فهو حرية لكل بني البشر قال تعالي ( ومن يشاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) وإجبار الناس علي اعتناق الإسلام أو المسيحية أو اليهودية لا يأتي بناس أسوياء أو ناس صادقة القلب وإنما يأتي بشلة مزيفين ومنافقين والله تعالي لا يقبل أبدا أجبار أحد علي الإيمان به وإنما هي حرية لكل بني البشر يعتنق الدين الذي يعجبه والله تعالي هو الذي يفصل بين الناس يوم القيامة وليس بنوا البشر والله تعالي يقول لنبيه محمد في القرآن الكريم
( لست عليهم بمصيطر ) وقال له أيضا ( فبما رحمة لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) يعني لو كنت تجبر الناس علي الإيمان برسالتك أو تجبرهم علي موعظتك ما أمن بك أي إنسان فالله تعالي بيده الهداية وليس الرسول وإنما الرسول هو مبلغ الرسالة للناس فقط دون إجبار لأحد بالإيمان به ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .
#عبد_العزيز_فرج_عزو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟