أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن كريم عاتي - قصة قصيرة قماشة الجنفاص















المزيد.....

قصة قصيرة قماشة الجنفاص


حسن كريم عاتي
روائي

(Hasan Kareem Ati)


الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 7 - 21:54
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
قماشة الجنفاص
حسن كريم عاتي
بعد سريان السم في جسدي في هذا القفر، لا يترأى لي سواكِ . ولا أراني مجبراً على الاعتراف إلا لكِ . واعلم إستحالة وصول صوتي اليكِ . وليس لدي من مدونة إلا قلبي . أستنزف منه ذكرى لكِ ، لأغلق عيني على صورتك التي أحببتها . ولا أعرف ان كان ما أقوله هذيان لحظة الاحتضار أم شيء غيره.
لك أن تقولي ما تشائين ، وأن تعيشي كما تشائين. لك أن ترسمي غدك بطريقة تناسبك بعيداً عني . لاني أُدرك البون الشاسع بيننا. لا تقارب رؤى ولا أساليب . كل منا قارة معزولة عن الاخر . لا يجمعنا سوى إحساسنا بحب جارف يرغمنا على خلق توافقات لا تصمد أمام اختلافنا. ونقاوم الفراق المحتم الذي لا فكاك منه. وهي سمة الحب السحرية التي تجمع تناقضاتنا ؛ فنراها مناسبات فرح للتندر عليها ، ونضحك على مكامن قتل قلبينا من دون ان نعمل بجد على مواجهة عللنا التي ابتلينا بها أنا وأنتِ .
أنتِ من نكوصِ تجربةِ أبٍ ما زال يشكو أمراضها ندوب في القلب ، تخرج مرسومة على ملامح وجهه ، وتفلت عبارات على لسانه يلعن بها شخوص وأحداث، والتي أكررها أنا بتسميات جديدة وأشخاص جدد. تجربة رسمت موقفك المناقض لموقفه .أنكر عليكِ تفكيركِ الاناني ، وتنكرين عليّ اهتمامي بالناس ، او كما تسمينه: أنانية معكوسة بتحقيق الذات المغلوط بإظهار العناية بالشأن العام . والمقصود منه تحقيق الأنا بطريقة مراوغة ؛ وكأن الوطن أنقاض الكعبة بعد سيل عرم تنتظر أن أرفعها بردائي ، لأضع الحجر الأسود محله . نبي تائه ، كما ترغبين الاستهزاء بي في لحظات غضبك . نبي لا يعرف ما يُحيط به من حجم مآساة ، وعظم مسؤولية. ذلك ما تعتقدين اني اعمل عليه ، واحاول إرغامك على الاعتقاد به ، وباحساس صادق وإن كان غير واقعي .
أعرف حين تقولين عن إحباط :
- لا ينفع مع الناس ما تحاول عمله من أجلهم . مشغولون بامور غير التي تشغل نفسك أنت بها . ولن يمنحوك وسام استحقاق زائف.
تحرضيني على أن أحيا مثل ما ترغبين ، وإن كنتِ تصيغينها بإسم العموم:
- عشْ مثلما يعيشون !
بل تذهبين الى إتهامي بجهل ما أُريد بصيغة إستفهامية ، عارفة جوابها:
- ماذا تريد أن تغير؟؟؟؟
لكنك لا تتمكنين من إخفاء سبب ما أظنه إحباطاً متورماً فيكِ :
- سبقك أبي وسقط في وسط الطريق . ولن أكرر ما فعله .لي حياتي وعليّ أن أحياها بكامل مداها.
تشركيني معكِ في حوار انتِ فيه السائل والمجيب ، بطريقة تنم عن مقدرة تلقين تجعلني كمن يستسلم فاغراً فاه دهشة ، دون أن أكون قد وافقت على ما تقودينني اليه:
- نفكر معاً بالهروب مما تسميه وطناً . مربوط أنت إليه برباط كاذب ، وتفكر بالعودة إليه . وأنا أفكر بالهرب منه ولن أعود اليه.
(كأبن الريب) أشكو الموت وأنتظره في القفر الفاصل بين وطن أنتِ فيه ، ووطن ألجأ إليه . أنظر الأضواء الملونة لنقطة التفتيش التي درت حولها للخروج من وطنٍ أفكر بالعودة إليه ليلاً ، كلص يكاد يقبضُ عليه متلبساً . أتلدد بين كثبان رمل صحراء ، أو أخاديد أودية تمتد بين دول وافكار وانظمة تجعل منها تعبيراً رمزياً عن البون الشاسع بين افكار المتسلطين عليها . أهرب من بلدي إليها .
أعرف ... لم يكن إستقبالها لي عن حب أو قناعة فيما أعتقد . ففيها مثلي ممن تهرسه ماكنة كتمان الصوت والفكر والجسد . بقدر حقدهم عليّ حين كنتُ بين فكيها. ليبعدوا رغبة النهش لديه ويتركونه معلقاً امام هوس الحاجة للقتل المتبادل بين الاخوة الاعداء . وإن كانت لحين الاتفاق على أوراق جديدة في لعبة قديمة مكشوفة بتبادل الضحايا على طاولة القمار السياسي .
لله درك (يابن الريب) ، وأقول قولك:
((يقولون : لا تبعد وهم يدفنونني
وأي مكان البعد إلا مكانيا)) .
فما سرى في جسدك ، يسري في جسدي الان. لا شاهدة على قبري الذي سيكون . او على جسد ستعافه الذئاب والعقبان عن النهش حين تدرك أن فريستها خطر عليها ، سوى أحجار ورمال ورجال تركوه قبل كيلو مترات عدة قبل نقطة التفتيش.
قالوا: حين يكلكل الليل بسواده تحرك جنوب النقطة . لا تقترب من الاضواء ولا تبتعد عنها .واحذر الذئاب والافاعي . ما يفصلك عن البلد الآخر ليس ببعيد . تعبر النقطة وتذكر أن نقطة تفتيش البلد الآخر لا تستقبلك أيضاً . إهرب منها مثلما تهرب من الاولى . وحاذر الابتعاد في عمق الصحراء . فإنها مغرية بإتساع منافذ الهروب فيها . لكن لكل درب فيها مخاطره ، واستشعر مصابيح السيارات المارة على الطريق الموصل بين نقطتي التفتيش ؛ وما يلي النقطة الثانية ، فإنها طريق النجاة باتجاه واحد.. ولا تلتفت .
أضع نقطة التفتيش على يميني ، وأحني ظهري غريزياً في ظلام لا أرى فيه كفي من شدة حلكته إبتغاء تقليص مساحة الجسد . أطئ الرمل بحذاء يقيد جسدي كله , وتندفع حبيبات الرمل الى جوفه ، كأنها احجار مسننة تحتك بباطن القدم ، فينسل ماء التعرق طيناً لزجاً داخل قفص الحذاء ولا يخرج منه . انزعهما بهدوء واربط حبليهما معا واعلقهما على رقبتي . فيتدليان على صدري ويرتطمان به عند كل انحناءة او استقامة ، فاحسست بهششاشة الارض التي أطأوها .
تتراقص الاضواء في حفلة التوديع المسكونة بالخوف ان أُمسك متلبساً تهريب الوطن المخبوء تحت قميصي . أو المسكوت عن نحره بإتفاق أو من دونه ؛ لقوى تصرخ بضرورة كتمان ما يدور من نجيع دم لا يتخثر على طاولة العهر السياسي بالمحافظة على سمعة الوطن ، أو عدها ورقة رابحة على طاولة التفاوض السرية ، لترميم ما إنهار من إتفاق بين أطراف كانت حتى الامس لا تشبع من تخوين بعضها البعض ، او اتهامه بالعمالة لاحد طرفي صراع أخر بين طرفي الارض.
وتقولين بتبجح وثقة :
- شكَد بيك شغل ؟!
أقهقه بصوت مرتفع ، وأنا أتخيل حجم ما ترغبين به من عمل لتهدي به أجزاء من بنائي ، أو بنائي كله. أتصورها كبيرة وشاسعة المساحات الايلة للسقوط في داخلي . وتجهدين لاعادة بنائها بالطريقة التي ترغبين . لا اختلف في شيئ عن جدار آيل للسقوط ، أو أرضية بناء دمرها الاستعمال المفرط ، فبان الحصى من بين ذرات رمالها . لا اختلف في شيئ لديكِ ، تملكتيه او تحاولين تملكه ، وإن كنتِ تظهرين الشغف في حب يصل حد الهيام ؛ لكنه يبقى إمتلاك مع إضافات لا أتفق معك فيها . وإن بسذاجة أتصورها تهويمات عاشقة للروح والجسد وما إرتبط به تصوري لغد الناس البعيد حقيقة عنك. فأمد يدي لتلامس شعركِ الاسود الفاحم كسواد ليلي هذا ، وأحاول التحايل على تناقضنا ، باحتوائكِ لي حد الذوبان فيكِ ، أو احتوائي لكِ بإذابتك في مشروعي الاناني الذي تعتقدينه . أمرر أصابعي بين خصلاته الناعمة ، وأهمس بأغنية شائعة تمزج بين حبنا وحب الوطن المعبأ بجراحات تنزف ، وأقول: ((يا عشكَنا....)) . تستفزك الاغنية بدلالتها المنتمية إليّ.
- ولك كافي!
يزداد إعجابي وشغفي بمشاكساتك الرائعة ، بل أظنها تزيدني عشقاً وتعلقاً للتاقض الجميل بيننا . أدرك أنك ترغبين إنتشالي من ورطة الوطن التي اتبناها بإنتمائي اليها ، أو إنتمائها ليّ في دورة فايروس الوطنية الذي أعانيه ، وأعرف إني مصر عليه ، وأعمل على نقل فايروسه اليك . تمانعين حد الرفض ، لكنك تواصلين رغبة البوح بحب مسكون بموت مؤجل ، أو بذبح على رؤوس الاشهاد.
ويأخذني الغرور بصواب ما أعتقده ، واتهمك بالانهزامية ، فحبنا يترعرع بين أحضان الوطن .نبنية لبنة لبنة ، فما نضحي به اليوم نزرعه شجيرات صغيرة ، ستكون باسقات الوطن في غد اولادنا حين يولدون بمزيج من حبنا الشخصي وحب الناس . وبثرثرة لذيذة ، أتبرع بشرح مقتضب عن النضال الثوري ، الذي سينهي الرجعية والطفيلية والامبريالية ، وسيجعل رايات الشغيلة ترفرف فوق مضايق الماء بين قارات الارض ، ترفعها السفن بشير سعادة ، وتجعلها شركات الطيران شعار رفاهية متحققة في سماوات الله والناس ، وترصعها الدول على اعلامها إشارة انتماء . إياك والقنوط . قد أُغادر الوطن في أي يوم ، أو في أية ساعة . وتصححين عبارة (أغادر الوطن) في نبرة مشاكسة : (تهرب من الوطن) . وبتبجح أوافق على التعديل ، وبإبتسامة غرور . تدركين ما اعنيه ، فتقولين برد حاسم :
- إلا اوكَفك على رجليك !
فيزداد حبي لكِ بهذا التحدي الذي تشهرينه بوجهي على صواب ايٍ منا . أدرك إنكِ تراهنين على إحساس جميل بالحب والحياة ، وأفترض مكابراً ألا تناقض بيننا ؛ فما شغف به قلبي ، شغف به قلبكِ حيناً ، وإن انقلبتي عليه . لا تهمك تسمية النضال ، ولا يعنيكِ بريقه الاخاذ ، فلك نضالك الخاص ، تبنين عقيدتكِ على سعادة ممكنة وواقعية ، وأبني سعادتي على تهويمات وأوهام وطن يرفل بالسعادة .
أعذركِ.. أعذركِ.. أعذركِ.
فلا أعرف أينا على صواب في لحظات الموت الذي أعانيه من دون نائحة يدوي صوتها برأسي الذي لا يقوى الوقوف على كتفي . بعد أن سرى سم الافعى التي دستها بقدمي العاري قبل ساعة من الان . في غلطة أوصوني الرجال الذين اوصلوني الى نقطة الافتراق قبل نقطة التفتيش أن لا ارتكبها .
قالوا : إياك .. فالافاعي في هذه الرمضاء شديدة السمية وشديدة التمويه . وسيغلبك الليل بسواده . فإحذر !!
وأقول لهم : أي حذر يمكن أن أرتديه عباءة لي ، في قفر كل ما فيها مموه ، حتى أنا ، لم أُعد من مواطني البلد الذي غادرته ، أو البلد الذي سألجأ اليه . ولا أعرف في أي أرض سيكون موتي مفجوعاً بقاتل لم أره ، وإنسل بين حبيبات الرمل من دون صوت ... أسفت اني لم احملهم رسالتي إليكِ ...أُحبكِ!!!!!!!!!!!!.



#حسن_كريم_عاتي (هاشتاغ)       Hasan_Kareem_Ati#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارسم موتي على ثوبها
- النزاهة مؤسسة وقضية
- قصة قصيرة/ (م...)
- وثيقة مشروع شرف دفاعية عن حق المثقف العراقي
- حماية حق المؤلف في القانون العراقي...الجزء الاول
- قانون حماية حق المؤلف العراقي...الجزء الثاني
- حماية حق المؤلف العراقي ....الجزء الثالث
- الموروث المعماري العراقي في خطر
- المواطنة بين الدولة والحكومة
- هناك من يستذكر للملك
- أثر مناهج التعليم في المدارس العراقية على ثقافة المتعلم
- كرة صوف في خوذة
- اثر الزمن في خلق البنية الدلالية في رواية سابع ايام الخلق
- وجوه حجر النرد
- الملكية الخاصة في الدساتير العراقية
- ميليشيات متعددة الجنسيات
- المحتل في عون المستبد
- اثر القص
- سلاماً… افتتاح القتل طبعاً
- دائرة الرمل


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن كريم عاتي - قصة قصيرة قماشة الجنفاص