أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسني إبراهيم عبد العظيم - رحيل فاطمة المرنيسي: الآن سكتت شهرزاد السوسيولوجيا العربية















المزيد.....

رحيل فاطمة المرنيسي: الآن سكتت شهرزاد السوسيولوجيا العربية


حسني إبراهيم عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 5003 - 2015 / 12 / 2 - 00:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فقد علم الاجتماع العربي مساء الإثنين 30/11/2015 واحدة من قاماته السامقة، التي ساهمت بدور كبير في إثراء الوعي السوسيولوجي، وهي المفكرة المغربية اللامعة الدكتورة فاطمة المرنيسي (1940 – 2015) وقد اتسمت الراحلة الكبيرة بجسارة لافتة في ولوج مناطق بحثية تمثل تابوهات قوية في الثقافة العربية، وقد استلهمت شخصية شهرزاد الشهيرة في قصص ألف ليلة وليلة باعتبارها رمزا لتحدي المرأة وقدرتها على مجابهة الطغيان ببالعقل والحكمة.

لقد عرفت اسم فاطمة المرنيسي لأول مرة عندما كنت طالبا في السنة النهائية في كلية الآداب ببني سويف جنوب القاهرة التي كانت فرعا من جامعة القاهرة، وكان ذلك في بداية تسعينات القرن الماضي، عندما قرأت حوارا لها في مجلة العربي الكويتية العريقة مع عالم الاجتماع المصري ذائع الصيت الدكتور محمد الجوهري، وذلك في باب ثابت بالمجلة كان عنوانه على ما أذكر (وجها لوجه).

قرأت ذلك الحوار أكثر من مرة، وكنت في كل مرة اكتشف شيئا جديدا، ورؤية مغايرة لما هو سائد عند كثير من الناس، أحسست بمتعة المعرفة السوسيولوجية وعمقها وأنا أقرأ تحليلاتها الثرية للواقع الاجتماعي العربي، ورؤيتها العميقة للتاريخ الإسلامي، وقدرتها الفذة على استخلاص المعاني والدلالات الكامنة المرتبطة بمختلف الظواهر الاجتماعية والثقافية، وخاصة ما يتعلق بوضعية المرأة في الشرق والغرب.

منذ ذلك الحين، وأنا أتابع – ما استطعت – كتاباتها عبر ما كان متاحا لي وقتها من مجلات أو صحف تعرض بعض كتبها وأبحاثها، والحق أنني قد انبهرت كثيرا بأسلوبها، وعمق فكرها، وأتيح لي بعد ذلك الحصول على بعض كتبها، فقرأت لها كتابين اعتبرهما من أهم الكتب التي أسهمت في تكويني العلمي، وأسهمت كذلك في تغيير العديد من الأفكار التي كانت مترسخة في ذهني، الكتابان هما: شهرزاد ترحل إلى الشرق، وما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية.

لقد كانت قضية المرأة وتحريرها من كل الرواسب الفكرية والاجتماعية، وتخليصها من كل الأطر التقليدية (غير الشرعية) التي تحول دون تحقيق ذاتها وإنسانيتها، هي همها ورسالتها، وعملت على تفكيك كل تلك الرواسب، وكسر تلك القيود من خلال ترسانتها العلمية والمنهجية.

لقد انشغلت المرنيسي بقضية تحرير المرأة العربية أولا من أسر ذلك الفهم المنغلق للنص الديني المتعلق بالمرأة، لقد أرادت أن تكشف أن النص الديني أكثر انفتاحا وتطورا في التعامل مع المرأة من تأويلات اللاحقين لهذا النص، إن الفهم المتطرف لا يلامس أبدا جوهر النص الديني، وكما تذكر في كتابها شهرزاد ترحل إلى الغرب: (إن التطرف قد يؤدي أصحابه إلى مواقف قد تعارض القرآن ذاته – أي كلام الله – إذا كان غير متلائم مع مصالحهم) ص 35.

وقد استلهمت الدكتورة المرنيسي كما ذكرت منذ قليل شخصية شهر زاد كنموذج للمرأة التي تستطيع كبح جماح الرجل، والرجل هنا يمثل السلطة والقوة القاهرة، تقول المرنيسي: تمثل شهرزاد وهي الفتاة التي سكنت مخيال الفنانين والمفكرين الشرقيين صورة للمقاومة والبطولة السياسية، إن شهرزاد لم تذهب للموت بسذاجة، بل إن لها استراتيجيتها، ولها خطتها المضبوطة، أن تتحدث إلى الملك وتشد أنفاسه إليها، إلى حد يجعله غير قادر على التخلي عنها، وستنجح الخطة، وستنجو شهر زاد من الموت. ص 65.

وقد واجهت الدكتورة المرنيسي ببسالة شهرزاد تابوهات الثقافة العربية، باسترتيجية فكرية واعية، قائمة على تفكيك التراكمات التراثية القوية التي حجبت روح الفهم الصحيح للنص الديني، وطمست إشراقاته ونورانيته، التي تجلت في أبهى صورها في العصر النبوي الشريف.

وكانت الراحلة الكبيرة شديدة الاعتزاز بتراث الحضارة الإسلامية، وكشفت عن كثير من الجوانب التي سكت عنها كثير من الباحثين، وحاولت دوما الكشف عن البعد الإنساني (الهيوماني) في تلك الحضارة من خلال تناولها للعديد من القضايا الإنسانية والأخلاقية والفنية، تقول مثلا عن التصوير في الحضارة الإسلامية، (ن الحضارة الإسلامية على خلاف ما يدعيه الغربيون تتوفر على تراث غني في إنتاج الصور، لقد أنتج المسلمون في الماضي وخاصة الفرس والترك والهنود منهم منمنمات، كما أن كافة المسلمين في الحاضر ينتجون الصور ويستهلكونها من خلال التليفزيون والسينما وغيرهما، وبالتالي فإن المجال الوحيد الذي تحظر فيه الصور التشخيصية هو أماكن العبادة في الإسلام، حيث أن العقيدة الإسلامية لم تستغل الصور في نشر مبادئها – خلافا للديانتين الوذية والمسيحية – لقد كتب السير توماس أرنولد (من بين الأدين الثلاثة الكبرى – أي البوذية والمسيحية والإسلام – التي كانت تتوخى السيطرة على العالم بجلب أنصار عن طريق كل أشكال الإجراءات الإعلامية، وحده الإسلام رفض استعمال الفنون التصويرية كوسيلة لشرح رسالته، ونشر عقيدته). ص 28.

وتتناول في موضع آخر من الكتاب قيمة الطهارة والنظافة في الحضارة الإسلامية، التي كانت داعما أساسيا في تحسين الصحة العامة في المجتمع، فتقول انتشرت الحمامات العامة في المجتمع الإسلامي منذ عصور قديمة، حتى أن العالم هلال الصابي الذي توفي في عام 448 هجرية يحصي الحمامات الموجودة في مدينة بغداد وحدها بحوالي ستين ألف حمام، في حين أن المسيحية أدانت منذ بدايتها الحمام واعتبرته موضعا لاقتراف الذنوب والدعارة، يقول "فرناندو هانريكس"Henriques F. في كتابه البغاء والمجتمع Prostitution and Society لقد تســـاءل سيبريان أسقف قرطاجة في القرن الحادي عشر: (ماذا عن أولئك الذين لا يخشون من الاختلاط في الحمام بحيث أنهم يعرضون أجسادا خلقت للعفة والتواضع على النظرات الشبقة؟ إن هذا الاغتسال لا يطهر، ولكنه يلطخ). وقد كان الرجال والنساء في عهد ســيبريان يرتادون الحمامات معاً بحيث تحولت هذه الحمامات شيئا فشيئا إلى مواخير منظمة). (ص116)

إن هذه العلاقة بين الحمام والاختلاط الجنسي غائبة تماما عن الثقافة الإسلامية ، ذلك أن الفصل بين الجنسين في الحمام قاعدة مطلقة على الدوام، الشيئ الذي يبدو طبيعيا؛ لأن الهدف هو التركيز على نظافة الجسد، الذي يمثل العنصر الأساسي في الصحة العامة. إن الحروب الصليبية هي التي جعلت المسيحيين يكتشفون الجانب الحضاري للحمام كما يمارس في الثقافة الإسلامية، ولذلك كتب هانريكس في كتابه السالف الذكر :(إن الاعتناء بنظافة الجسد لم تكن جزءا من الإرث الذي خلفته العصور القديمة، ولم تشرع أوربا التي اعتمدت الحمام الشرقي في تقدير مزايا الحمامات العمومية إلا بعد الحروب الصليبية). (ص116)

والحقيقة أنني لست هنا في مقام الحديث عن فكرها وأطروحاتها، ولكنني فقط أتذكر قدرا يسيرا جدا من بعض أفكارها، فالحديث عنها لا يحتويه مجرد مقال أو حتى كتاب أو عدة كتب. رحم الله الفقيدة الكريمة، وندعو الله لها بواسع المغفرة والرحمة، وأن يعوضنا عنها خيرا.



#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماكس فيبر: الأخلاق البروتستناتية وروح الرأسمالية
- الفكر الاجتماعي في الحضارات الشرقية القديمة 2/2
- الفكر الاجتماعي في الحضارات الشرقية القديمة 1/2
- الثقافة والحضارة هل هما مترادفان؟
- إرهاصات الفكر الاجتماعي في عصور ما قبل التاريخ
- في تاريخ الفكر الاجتماعي: مفاهيم أساسية
- (الهوسبيس): فكرة إسلامية وحركة حداثية وقيمة أخلاقية
- نكبة 1948 وتأسيس دولة إسرائيل: صفحات من التاريخ المُر
- في جدلية العلاقة بين النص الديني والواقع: قراءة في مشكلة الط ...
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 6/6
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 5
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله - 4
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 3
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله - 2
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 1
- مرض الالتهاب الكبدي: القاتل الصمت
- سلوك المرض: بحث مختصر في علم الاجتماع الطبي 2 / النماذج النظ ...
- سلوك المرض: بحث مختصر في علم الاجتماع الطبي 1
- خطاب جديد في المنهج السوسيولوجي
- القاهرة كما شاهدها ابن خلدون منذ ستة قرون


المزيد.....




- بالفيديو.. لحظة انبثاق النار المقدسة في كنيسة القيامة
- شاهد: إنقاذ 87 مهاجراً من الغرق قبالة سواحل ليبيا ونقلهم إلى ...
- الفطور أم العشاء؟ .. التوقيت الأمثل لتناول الكالسيوم لدرء خط ...
- صحيفة ألمانية: الحريق في مصنع -ديهل- لأنظمة الدفاع الجوي في ...
- مسؤول إسرائيلي: لن ننهي حرب غزة كجزء من صفقة الرهائن
- قناة ألمانية: الجيش الأوكراني يعاني من نقص حاد في قطع غيار ا ...
- تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل ...
- الطعام ليس المتهم الوحيد.. التوتر يسبب تراكم الدهون في البطن ...
- قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين
- -اللعب الخشن-.. نشاط صحي يضمن تطوير مهارات طفلك


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسني إبراهيم عبد العظيم - رحيل فاطمة المرنيسي: الآن سكتت شهرزاد السوسيولوجيا العربية