الثقافة والحضارة هل هما مترادفان؟

حسني إبراهيم عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 4894 - 2015 / 8 / 12 - 02:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الثقافة والحضارة

يتردد في مختلف الأوساط العلمية وغير العلمية في أحيان كثيرة مصطلحا الثقافة والحضارة بشكل غير دقيق، ويظن كثير من الناس أنهما من قبيل المترادفات، بيد أن الحقيقة أن هناك فروقا دقيقة بين المفهومين يكشــفها التراث السوسيولوجي والأنثروبولوجي. ونحاول في هذه المقالة الموجزة أن نحدد الفروق العامة بين المصطلحين.

نشير في البداية إلى أن مصطلح الثقافة يستخدم في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بصورة مختلفة عن استخدام ذلك المصطلح لدى رجل الشارع العادي، فالشخص المثقف وفق ما هو متعارف عليه بين الناس هو ذلك الشخص الذي يملك قدرا من المعرفة في مجالات الفنون والآداب والعلوم والفلسفة إلخ. بيد أن المفهوم السوسيولوجي والأنثروبولوجي مغاير تماما لذلك.

قدم عالم الأنثروبولوجيا البريطاني الكبير (روبرت إدوين تايلور) أول تعريف منهجي للثقافة، وذلك في كتابه الشهير الثقافة البدائية Primitive Culture في عام 1869، حيث ذكر ان "الثقافة هي ذلك الكل المعقد الذي يحتوي علي المعرفة، المعتقدات والفن، الأخلاق، القانون، العادات، وكافة القدرات والعادات الأخري التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع.

والحقيقة أن الاستخدام الأنثروبولوجي والسوسيولوجي لمصطلح الثقافة يعني الأسلوب العام لحياة جماعة أو مجتمع معين في مكان وزمان محددين، ويندرج تحت مقولــة الأسـلوب العام كل ما يرتبط من الحياة الاجتماعية أو الفردية بالبيئة الاجتماعية – لا بالوراثة – كاللغة والعادات والمعتقدات والطقوس وآداب السلوك. إن الثقافة ببسـاطة تشير بشكل عام إلى كل ما أبدعه الإنسان من خلال تفاعله الخلاق مع الواقع المحيط به.

والواقع أن مصطلح "ثقافة"، عندما يستخدمه الباحثون في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، فإنهم يقصدون الدلالة علي العناصر التالية:

- أساليب الحياة الشائعة في وقت معين بين البشر جميعاً.
- أساليب الحياة الخاصة بمجموعة من المجتمعات التي يوجد بينها قد رمن التفاعل.
- للدلالة علي أنماط السلوك الخاصة بمجتمع معين.
- للدلالة علي أنماط السلوك الخاصة بشريحة أو شرائح معينة داخل مجتمع كبير عيل درجة من التنظيم المعقد

أما الحضارة Civilization كما يعرفها قاموس علم الاجتماع فهي مرحلة أو حالة متقدمة من الحياة الاجتماعية والتطور الاجتماعي المنظم، وغالبا ما يسـتخدم المصطلح للتمييز بين المجتمعات المتحضرة والمجتمعات البدائية البسيطة.

فالحضارة تشير إلى ثقافة Culture معقدة إلى حد كبير، في مقابل الثقافة البسـيطة نسبيا، واعتبر العلماء أن وجود المدن وتقسيم العمل المعقد والتكنولوجيا المتقدمة مؤشرات على الحضارة، كما أنهم أوضحوا أن الحضـارة هي تلك الثقافة التي طورت الكتابة، وقامت باستئناس الحيوان، وكونت مجتمعا يقوم على مركب زراعي ثابت ومستقر.

واستناداً لذلك فالحضارة تشير إلى المظهر الثقافي المتقدم لدى شـعب من الشعوب، والذي تحدد درجة تقدمه مجموعة من الإنجازات في مجالات العلوم والآداب والفنون، والنظم الاجتماعية والسياسية. وبينما تنشأ الحضارات الإنسانية وتتطور وتزدهر لدى شــعب معين في فترة زمنية معينة من تاريخه، إلا أنها معرضة للتدهور والاندثار، كما حدث للحضـارة المصرية القديمة، والحضارتين اليونانية والإسلامية. ذلك عل عكس ثقافات الشــعوب أوالمجتمعات المختلفة ، فهي وإن تغيرت عبر الزمن ، إلا أنها تتصف – رغم ذلك - بالاسـتمرارية، إذ لابد في النهاية من أن يوجد نمط معين للحياة يهتدي به الناس في مزاولة حياتهم اليوميـة سواء أكانت بسيطة أم معقدة، وعليه إذن وعلى حد تعبير جوزيف شـريم في مقاله الثقافة والثقافة المضادة :"لا يفتقر الشعب - أي شعب – إلى الثقافة، ولا يفتقر الإنســان – أي إنسان – إلى الثقافة، ولكن الشعوب ليست بالضرورة كلها متحضرة".

يتضح مما سبق أن الثقافة تشــير إلى كل ما أبدعه الإنســان منذ بدء وجوده على الأرض، واتـمت هذه الإبداعات بالبساطة، والبدائية، وعندما تطورت قدرات الإنسان البدنية والعقلية واسـتطاع أن يسـتقر في مكان محدد ، واخترع الكتابة وتعلم الحساب وتمكن من الزراعة واستئناس الحيوان أسس الحضارة، ولذلك يشير علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ والآثار إلى (ثقافـات) ماقبل التاريخ، و(الحضـارات) التاريخية القديمة في مصر والعراق والهند والصين والشام . . . إلخ.

#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل