أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسني إبراهيم عبد العظيم - ماكس فيبر: الأخلاق البروتستناتية وروح الرأسمالية















المزيد.....

ماكس فيبر: الأخلاق البروتستناتية وروح الرأسمالية


حسني إبراهيم عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 4992 - 2015 / 11 / 21 - 01:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ماكس فيبر: الأخلاق البروتستناتية وروح الرأسمالية

أولي عالم الاجتماع الألماني الكبير ماكس فيبر (1864 – 1920) قضية القيـم بشكل عام, والقيم الدينية بشكل خاص اهتماماً كبـيراً في مشـروعه النظري, وقد انطلق فى ذلك من فرضية أســاسـية وهي أن العنصـر الأسـاسي في الحياة الاجتماعية هو القيم الأخلاقيـة والدينية, بينما تأتي كل الأنسـاق والجـوانب الأخرى ـ بما في ذلك النسق الاقتصادي ـ في مرحلة تالية , فالقيم والدين هي المتغير المستقل, والجوانب الأخرى بمثابة المتغير التابع المتأثر بهما, ( نعيم 1979 ـ ص 119).

إن كتابات فيبر فكس بطريقة مباشرة أحياناً وضمنية أحياناً أخري موقفه المعارض لأفكار ماركس, إذ بينما يركــز ماركس علي العوامل الاقتصادية والماديــة, نجد فيبر ينظر إلى الأفكار والقيم باعتبارها العامل الجوهري المؤثر في التغير, أو هي الموجـه الأول له, وتفسيراً لذلك جعل من التاريخ الإنسـاني مجالاً لدراسـته (الفاروق يونس 1978 : 275).

ومن أجل أن يتأكــد فيبر من صـحة منطلقاتـه النظرية, فقد أجري دراسـة شـهيرة عن عـوامل نشأة النظام الرأسمالي فى أوربا وهي "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" The protestant ethic and the spirit of capitaliam في عام 1905، وقد قام "بارسونز" بترجمة هذا الكتاب إلي اللغة الإنجليزية في عام 1930 وطبع عدة مرات بعد ذلك.

لقد تجسدت الاشكالية التى تصدي لها فيبر في محاولة الاجابة علي سؤالين رئيسين:
الأول: ما هي السمات المميزة لتلك الظاهرة الاقتصادية والاجتماعية المسماة بالرأسمالية فى الغرب؟
الثاني: كيف ظهر النظام الرأسمالي؟ أى ما هي العوامل التى أدت إلي تشكله بصورته الراهنة؟ (سمير نعيم 1979 : 123).

يري فيبر ـ اتفاقاً مع كثيرين غيره ـ أن النظام الرأسمالي الحديث, هو نظام فريد, حيث لم يوجد ما يشبهه فى أى مكان أو أى زمان سابق , فهو نسق معقد للغاية يضم مجموعة من النظم ذات طبيعة عقلانية, ثم هو نتاج لعديد من التطورات التى حدثت فى المجتمع الأوربي (ليلة 1983 ـ ص 607).

فالرأسـمالية هي نسق من المشروعات الهادفة إلي الربح , التى ترتبط فيما بينها من خلال علاقات السـوق, وهي بهذا المعني نمت وتطورت عبر التاريخ في أماكن كثيرة وأزمان مختلفة, غير أن الرأسـمالية الحديثة تختلف عن أشكال الرأسـمالية القديمــة بما تتميـز به من طابـع عقلي وتنظيم رشــيد للعمل الحـر, كما أنها تتسـم بنسق من الأخلاقيات أو الاتجاهات نحو الحياة وما يجب أن يفعله الإنسان فيها, من ذلك الاعتقاد بأنه من المفيد أن يبذل الإنسان جهداً للحصـول على دخل أو جمـع المال, وأن يفعل ذلك حتى بعــد أن تتوافـر له احتياجاته الأساسية, وبمعني آخر, أن يكـون جمـع الثروة وزيـادتها أهـم أهـداف الإنسان , وقد أكـد فيبر أن هذه القيم التى سماها روح الرأسمالية, أصبحت قوية جداً في الغرب, ومن ثم آثار سؤالاً مهماً وهو كيف نشأت هذه الروح الرأسمالية أصلاً ؟ (تيماشيف257:1982 وأيضا سمير نعيم 1979: 126 ـ 127)

وقد أجاب فيبر علي هذا السـؤال بأن البروتستانتية ـ وخاصة في صورتها الكالفنية - نسبة إلى القس الفرنسي جان كالفن هي العامل الأساسي في نشأة الرأسمالية, فروح الرأسمالية هي نفسها روح البروتستانتية بما تتضمنه من سلوك وأخلاقيات عملية, إن العقيدة البروتستانتية تهتم اهتماماً بالغاً بعملية التنشئة الاجتماعية للفرد بطريقة عقلية, وتمنح المهنة قيمة أخلاقية كبيرة, كما انها تقدس العمل, بل وتعتبر ان أداءه بأمانة وحماس واجب أخلاقي مقدس, وبالإضافة إلي ذلك, فإن البروتستانتية تري أن جمــع المال بطـريقة شريفة نشـاط زكي ومشروع, وقد سعي فيبر لتأكيد استنتاجاته من خلال تحليل تاريخ بعض الدول البروتستانتية, ومقارنتها بغيرها, فالبلاد البروتستانتية مثل هولندا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية هي الرائدة اقتصادياً , بينما ظلت الدول الكاثوليكية ـ أو غير البروتستانتية بشكل عام ـ أقل تطوراً (عاطف غيث 1995, 356).

لقد اعتبر فيبر أن البروتستانتية كانت مصدر الإلهام الحقيقي لنشأة النظام الرأسمالي, حيث أنها شكلت نسقاً ثيولوجياً منتظماً يتضمن عدد من القضايا شكلت فى مجملها نسـقاً منطقياً متماسكاً, ربط بين النجاح فى الدنيا والخلاص في الآخرة, فالخلاص salvation مرتبط بالنجاح فى العمل والانجاز, وهذا يتطلب عملاً دوؤباً دقيقاً, وبعداً عن الركون إلي الراحة والتكاسل, فالملائكة هم الذين يستريحون تماماً في العالم الآخر, أما علي الأرض فينبغي علي الإنسان أن ينجز أعماله لكي يتأكد أنه قد حقق مجــد الله, وعليه أن يبذل المزيد من النشاط والتأكيد مجد الله, ذلك لأن إضاعه الوقت تعدً إثماً, فحياة الإنسان قصــيرة جداً وقيمة, ومن ثم فإضــاعة الوقـــت, من خــلال الفراغ والترف, أو النوم الكثير يجلب الإدانة الكـــاملة, فضيــاع ساعة زمنية يعني ضياع ساعة عمل فى تأكيد مجد الله, وعلي ذلك فالتأمل السلبي لا قيمة له , ويستحق الإدانة إذا كان علي حساب العمل اليومي (علي ليلة 1983: 609ـ 615).

وتأكيداً لدور القيم الدينية في نشأة النظام الرأسـمالي, أجري فيبر دراسات تفصيلية عن الصين والهند, حيث أوضح أنهما كانا في ظروف اقتصادية مشـابهة لتلك التى وجدت في أوربا, ومع ذلك فلم تنشأ فيهما الرأسـمالية بصورته الغربية المعروفة, ويرجع السبب في ذلك إلي أن القيم الدينية فى كــلا المجتمعين لم تكــن ملائمة لظهـور الرأسمالية, فالكونفوشيوسية في الصين والهندوسية في الهند, لم يتضمنا قيماً تحض على العمل والانجاز وتراكم الثروة, وإنما تضمنتا علي العكس من ذلك قيماً لا تؤدي إلي ظهور الخصائص الرأسمالية, فالكونفوشيوسية تلغي أى رؤية مسـتقبلية للإنسـان, وتقدس الوضــع الراهن, وبالتالي فإن إرادة التغيير ليست واردة، ولا يختلف الحال كثيراً فى الديانة الهندوسية, فهي تؤكـد علي احتقار العالم, وإدانته, ومن ثم ضـرورة الإنسحاب منه, وعدم العمل علي ترقيته وتنمية والمشاركة في تفاعلاته, لقد فرضت علي معتنقيها موقفاً صوفياً منعزلاً بعيداً عن العالم, يأكل منه ولا يعمل فيه, يعيش فيه ويتمني أن لا يكون به, يدينه ويحتقره, ومن ثم يعجز عن المشاركة فيه أو التكيف معه, بحيث يشير كل ذلك إلي موقف سلبي كامل أمام حتمية بالغة التطرف. (تيماشيف209:1982 وأيضا علي ليلة 1983 : 636 ـ 639).

لقد حاول فيبر أن يثبت بأدلة عديدة الدور الذي تلعبه القيم بشكل عام فى الحياة الاجتماعية, وفي الجانب الاقتصادي بشكل خاص, غير أن ذلك لا يعني أن فيبر كان حتميا, علي العكس فقد رفض فيبر التفسيرات الحتمية, وعندما يؤكد علي العلاقة بين القيم الدينية وظهور الرأسمالية , فإنه يري أن الدين هو أحد العوامل المؤثرة فى ذلك، وليس هو العامل الوحيد, ويؤكد ذلك بعبارته: " لا أهدف إلي استبدال الأحادية المادية بآحادية روحية في تفسير الثقافة والتاريخ, فكلاهما علي نفس الدرجة من الأهمية" ولم يهمل فيبر العوامل الاقتصادية, وكان يسلم بتأثيرها بجانب العوامل الآخري. (أحمد زايد98:1984)




#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر الاجتماعي في الحضارات الشرقية القديمة 2/2
- الفكر الاجتماعي في الحضارات الشرقية القديمة 1/2
- الثقافة والحضارة هل هما مترادفان؟
- إرهاصات الفكر الاجتماعي في عصور ما قبل التاريخ
- في تاريخ الفكر الاجتماعي: مفاهيم أساسية
- (الهوسبيس): فكرة إسلامية وحركة حداثية وقيمة أخلاقية
- نكبة 1948 وتأسيس دولة إسرائيل: صفحات من التاريخ المُر
- في جدلية العلاقة بين النص الديني والواقع: قراءة في مشكلة الط ...
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 6/6
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 5
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله - 4
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 3
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله - 2
- مع عبد الرحمن بن خلدون فى ذكرى رحيله – 1
- مرض الالتهاب الكبدي: القاتل الصمت
- سلوك المرض: بحث مختصر في علم الاجتماع الطبي 2 / النماذج النظ ...
- سلوك المرض: بحث مختصر في علم الاجتماع الطبي 1
- خطاب جديد في المنهج السوسيولوجي
- القاهرة كما شاهدها ابن خلدون منذ ستة قرون
- ماذا فعل الرجال بكلمات الله؟


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسني إبراهيم عبد العظيم - ماكس فيبر: الأخلاق البروتستناتية وروح الرأسمالية