عبدالرحيم رجراحي
الحوار المتمدن-العدد: 4989 - 2015 / 11 / 18 - 18:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لخصائص النفسية للمراهقين
المراهقين المغاربة أنموذجا
يكتسي التعرف على الخصائص النفسية للمراهق والوعي بها أهمية بالغة، سواء بالنسبة للمربين أو بالنسبة للمراهقين أنفسهم؛ ذلك أن الوعي بهذه المرحلة التي يعيشها المراهق والمراهقة يسمح بتفهم أحوالهم وجعلهم يندمجون بشكل طبيعي في محيطهم الاجتماعي. وفي غياب الوعي بهذه المرحلة، خاصة بالنسبة للمربين، أسرة كانوا أو مدرسين أو مجتمع، تكون العشوائية والارتجالية والأحكام المسبقة هي التي توجه التعامل مع المراهقين، مما ينعكس سلبا على حالتهم النفسية.
فما هي إذا أهم الخصائص النفسية للمراهقين بشكل عام والمراهقين المغاربة على وجه الخصوص؟ وما الأسباب المفسرة لها؟ وما السبل الناجعة للتعامل معهم؟
1_الخصائص الفزيولوجية للمراهقين
ترتبط الخصائص النفسية للمراهقين بالتحولات الفزيولوجية التي تطرحها هذه المرحلة والتي تطال الذكور والإناث على حد سواء؛ إذ يشهد الذكور "خشونة الجلد، ونبت شعر اللحية والعانة، وخشونة الصوت، وتغير ملامح الوجه، كانتفاخ الأنف، واتساع الفكين والجبهة واتساع الكتفين، وانجداب الهيكل العظمي إلى الأعلى مع طول الأطراف والعضلات، ونضج الخصيتين، وبداية الافرازات المنوية"1، أما الإناث فيشهدن "ظهور دم الحيض (الطمث) وبروز الثدين واستدارة منطقة الحوض وأعلى الفخذين...[بالاضافة إلى] ميل الفتاة إلى الاهتمام أكثر فأكثر بملامح وأبعاد جسدها بشكل مثير للانتباه..."2.
2_الخصائص النفسية العامة للمراهقين
يعيش المراهقين، بناء على التحولات الفيزيولوجية السابقة، تدبدبا على مستوى الانفعالات أو قل نوعا من اللاتوان النفسي3؛ إذ نلفي انفعالاتهم تتأرجح بين "التدين والالحاد، بين الانعزالية والاجتماعية، بين الحماس واللامبالات، بين الحب والكره، بين الشجاعة والخوف"4.
يرجع هذا الاضطراب النفسي الذي يعيشه المراهق (ة) إلى كونه يشغل "منطقة الحدود بين جماعة الأطفال وجماعة الراشدين؛ بحيث يرفض الانتماء إلى الجماعة الأولى بينما ترفضه الجماعة الثانية"5، شأنه في ذلك شأن المتمرد "المبعد عن وطنه والمرفوض في غيره من الأوطان، فهو لاجئ غير مقبول، ولا يعرف مكانا للاستقرار"6.
3_أنماط المراهقين
نميز، تبعا لهذه الاضطرابات النفسية التي تشهدها فترة المراهقة، بين أربعة أنماط من المراهقين وهي كالآتي:
· النمط التقليدي Conventionnel: وهو نمط من المراهقين ينصاعون لسلطة الكبار وينقادون لقيم المجتمع وتغيب لديهم الرغبة في الإبداع والابتكار7؛
· النمط المثالي Idéaliste: وتتعدد صور هذا النمط من المراهقين، بحيث نجد الثوري والمتمرد والاصلاحي والمؤمن بالتغيير الجذري. لكن يجمعهم، على الرغم من تعدد صورهم، "قاسم مشترك وهو السخط العام عن المعايير السائدة والايمان بضرورة التغيير"8؛
· النمط الباحث عن اللذة Hedonisl: والشغل الشاغل لهذا النمط من المراهقين هو الحصول على اللذة دون التفكير في العواقب9؛
· النمط السيكوباتي الجانح Psychopatique: وهو نمط من المراهقين تغيب لديهم المعايير الأخلاقية ويطبع البرود علاقتهم بالآخرين، حتى أنهم لا يجدون حرجا في تعنيف الآخر وتخريب ممتلكاته دون إحساسهم بالذنب10.
4_الخصائص النفسبة للمراهق (ة) المغربي
لكن، ماذا عن المراهق (ة) المغربي؟ هل الاضطرابات النفسية التي يعيشها في مرحلة المراهقة هي نفسها الاضطرابات التي يعيشها المراهقين على صعيد العالم أم أن وضعه يختلف؟
يتبين من خلال الدراسة التي قام بها جامع الجغايمي على عينة من الطلبة المعلمين والمعلمات بمركز تكوين المعلمين بأكادير سنة 1998 والذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 22 سنة أن الاضطرابات النفسية التي يعيشها المراهق المغربي لا تختلف عما هو سائد لدى المراهقين في العالم؛ فالمراهقات المغربيات يتبرمن "من السلطة المنزلية التي تقيد حريتهن مقارنة بالذكور" وتراقبهن "مراقبة دائمة" وتلاحهن "بأسئلة مستمرة أثناء الدخول والخروج، مثل إلى أين؟ لماذا؟ ومتى؟ ومع من؟...إلخ" و"تتدخل في اختيارهن "الأصدقاء والصديقات، واختيار نوع الناس" وتنتقد تصرفاتهن وسلوكاتهن "انتقادا شديدا"، كما تتبرم المراهقات المغربيات "من السلطة المدرسية التي تظهر تجلياتها في التدخل" في لباسهن "وفرض البذلة الموحدة" عليهن "والإصرار على معاملتهن كما يعامل الأطفال الصغار"، من خلال "إصدار الأوامر والتعليمات في إطار إنجاز الفروض والواجبات المدرسية" وعدم معاملتهن معاملة "تقوم على العدل والمساواة"...إلخ، هذا علاوة على المشاكل النفسية التي تعانينها "جراء بروز النهود، واتساع الحوض وظهور البتور على الوجه، وظهور الشعر في بعض مواطن الجسم، والتغيرات الأخرى التي تظهر بسبب البلوغ، والعادة الشهرية التي تصاحبها غالبا آلام حادة، ومعاكستها من طرف الجنس الآخر"، وكلها تحولات تجعل المراهقات المغربيات يعشن حالة من "الخوف، والخجل، والحرج داخل المنزل11" والمؤسسات التعليمية.
أما بالنسبة للمراهقين المغاربة (الذكور) فيتبرمون كذلك من "السلطة الأبوية التي تقيد حريتهم، وتلاحقهم "بأسئلة من قبيل: أين كنت؟ إلى أين ذاهب؟ مع من كنت؟...وتتدخل في اختيار الأصدقاء والصديقات، ونوع اللباس، وتحاول النيل من [شخوصهم] بوابل من الكلمات والعبارات الجارحة، مثل: (البرهوش، أبو كايو، أس أبو راس أو بيفادن، أي بوركابي أو بيغراض، أي بوكتاف أو بينخار، أي بومناخر أو بيكنزي، أي بوجبهة) وتتجسس على تصرفاته، وسلوكاته، وتجبره على القيام بأعمال لا يود عملها"، كما يتبرم المراهق المغربي من السلطة المدرسية "التي يرى أنها تقيد حريته، وتعامله معاملة الطفل الصغير، وتمنعه من الجلوس إلى جانب صديقته، وتوجه إليه اللوم والعتاب أمام الأصدقاء والصديقات"، علاوة على التحولات "البيولوجية والفزيولوجية التي تعرفها ذاته في هذه المرحلة، كالنحافة والبدانة اللتين تسببان له الاحراج أمام زملائه وزميلاته، وظهور شعر العانة... واللحية، واليدين، والرغبة الشديدة في تلبية الحاجة الجنسية مع انعدام الامكانات المادية"12، وكلها عوامل تسبب للمراهق المغربي حالات من الحرج والقلق والاضطراب النفسي.
5_الأسباب المفسرة للاضطرابات النفسية للمراهقين
اختلف الباحثون حول الأسباب المفسرة للاضطرابات النفسية التي يعيشها المراهقين والمراهقات؛ فستانلي هول S.Hall يرجعها إلى البلوغ الفزيولوجي الذي يشهده المراهق والمراهقة والذي يجعلهما يعيشان حالة من التوتر واللاتوازن النفسيين، وهو في رأيه، يشكل "قاسما مشتركا بين جميع المراهقين، مهما اختلفت بيئاتهم وثقافاتهم"13، بينما تذهب ماركريت ميد M.Meed إلى أن المسؤول عن هذه الاضطرابات النفسية لا يرجع إلى البلوغ الفزيولوجي للمراهق، بل إلى الظروف الاجتماعية وأنماط الثقافة السائدة وأساليب التنشئة الاجتماعية، ومستندها في ذلك ما أقرته نظرية التحليل النفسي التي يذهب أصحابها إلى أن "حياة الفرد تعتبر سلسلة من الحلقات المترابطة وأن مرحلة المراهقة لا تفهم بمعزل عن مرحلة الطفولة، وأن مرحلة الرشد بدورها لا تفهم بمعزل عن مرحلة المراهقة وأن اعتبار المراهقة "مرحلة ميلادية جديدة" أو "ولادة ثانية" يعني التشطيب على ماضي الفرد، وإلغاء خبراته السابقة التي تؤثر في سلوكه، وتوجه تصرفاته منذ لحظة الميلاد"14. يقتبس رواد التحليل النفسي، في هذا الصدد، عبارة الشاعر الانجبيزي وليام وودورت في قوله: "الطفل أب الرجل"، كدليل على أن ماضي الفرد يحدد المراحل العمرية التي يمر منها. وفي مقابل ستانلي هول وماركريت ميد، يذهب كارت ليفن مذهبا آخر في تفسيره للاضطرابات النفسية التي يعيشها المراهق؛ إذ في اعتقاده لا يمكن فهم ما يعيشه المراهق من اضطرابات "إلا في إطار تفاعله الدينامي مع وسطه"15، وهو طرح ينسجم مع نظرية المجال La téorie des champs التي وضعها كارت ليفن نفسه.
لكن مهما اختلفت النظريات المفسرة للاضطرابات التي يعيشها المراهق (ة)، فإنها تظل مجرد زوايا نظر تعبر عن ظاهرة واحدة، وعليه فإن كانت متناقضة في ظاهرها، فإنها متكاملة في باطنها أو قل إنها وجوه لعملة واحدة على حد قول أحمد أوزي16.
6_سبل التعامل مع المراهقين
يلزم المربين، نظرا لحساسية مرحلة المراهقة، الوعي بالخصائص التي تسم المراهق (ة)، حتى يتمكنوا من تفهمهما والتعامل معهما بحكمة ونقترح فيما يلي التوجيهات الآتية:
· توجيه المتعلمين وتشجيعهم على قراءة كتب البيولوجيا والفزيولوجيا والسيكولوجيا قصد فهم التحولات التي يعيشونها؛
· توجيههم إلى مزاولة بعض الأنشطة قصد تدبير أوقات فراغهم تدبيرا يعود عليهم بالنفع، كممارسة الرياضة أو العزف أو مطالعة الكتب أو القيام برحلات استطلاعية...إلخ؛
· الوعي بالمرحلة العمرية التي يمر منها المراهق وتفهم المشاكل التي تطرحها والمبادرة لحلها قبل استفحالها؛
· تنمية الثقة في نفس المراهق (ة) قصد مجاوزة حالة اللاتوازن الانفعالي التي يعيشها؛
· توعية المراهق والمراهقة بالتحولات الفزيولوجية والنفسية التي يعشانها حتى يندمجان في المجتمع ويتفهمان ما لهما وما عليهما لا التهويل من المرحلة التي يعيشانها وتخويفهما من مخاطرها، الأمر الذي يجعلهما منعزلين وعدوانيين؛
· تجاوز السلوك السلطوي والعنيف في التعامل مع المراهقين، لأن من شأن ذلك أن يجعل سلوكهم يتأسس على الخوف أو العناد، بما هي ردود أفعال تبتعد عن الاقتناع الذاتي الذي لا يمكن أن يتأتى إلا بالتحاور؛
· تجاوز المناهج التعليمية التي تراهن على مجرد الشحن والتلقين، لأنها لا تلائم نزوع المراهقين نحو الإبداع والابتكار والخلق؛
· تجاوز العلاقات العمودية في التعامل مع المراهقين وتعويضها بعلاقة أفقية تسمح بتنمية مهاراتهم وإتاحة فرصة التعبير عن مواقفهم وأخذهم للمبادرة؛
· القيام ببحوث ميدانية مستجدة حول ظاهرة المراهقة تفيد العاملين في المجال التربوي بالخصائص النفسية وكذا الاجتماعية للمراهقين حتى يطوروا من السبل الملائمة للتعامل معهم؛
· تعديل نظرة الشك والريبة التي يحبل بها المخيال الاجتماعي تجاه المراهقين؛ إذ ما إن يرى مراهق بمعية مراهقة إلا ويتم إقحام الشيطان ثالثا لهما، مما يؤدي إلى الحيلولة دون أن يتعرفا على بعضهما البعض "إلى أن تجمعهما الحياة الزوجية(...) فَتَسْوَدُّ العلاقة بينهما"17؛
· ضرورة تدريس مادة التربية الجنسية، على الأقل بالنسبة للمتعلمين الذين تفوق أعمارهم 15 سنة؛ بحيث تشمل هذه المادة بالاضافة إلى "المواضيع المشتركة للأمراض الجنسية (...) الاضطرابات العضوية والنفسية العديدة، والانحرافات عن الجنسانية الطبيعية مثل: الاستمناء والشدود وحالات العصاب والأمراض والاضطرابات العقلية المتأصلة عن الجنس"18؛
· تكوين علماء الأخلاق والدين بحيث يحيطون علما بكل مناحي الحياة الجنسية "التي لا ينبغي أبدا أن تصبح سببا للاضطهاد أو للإحساس بالدنب"19.
الإحالات:
1. سلسلة التكوين التربوي، العدد الأول، ص 89.
2. نفس المرجع، والصفحة.
3. اقتبسنا مفهوم اللاتوازن من جون بياجي وألحقناه ب"النفسي" للتدليل على حالة التيه والغموض وعدم وضوح الهدف التي يعيشها المراهق.
4. جامع الجغايمي، سيكولوجية التربية بين المحلي والعالمي، من مقاربات متمركزة حول الجذور إلى مقاربات حول بناء مشروع سيكولوجية التربية، أكادير: مطبعة شروق ، الطبعة الأولى، 1998، ص 153.
5. نفس المرجع، ص 162.
6. نفس المرجع، ص 162.
7. نفس المرجع، ص 149.
8. نفس المرجع، والصفحة.
9. نفس المرجع، والصفحة.
10. نفس المرجع، والصفحة.
11. نفس المرجع، ص 162-163.
12. نفس المرجع، ص 173-174.
13. نفس المرجع، ص 161.
14. نفس المرجع، والصفحة.
15. نفس المرجع، ص 162.
16. نفس المرجع، والصفحة.
17. نفس المرجع 173- 174.
18. موسوعة إنسان العصر الحديث وفكره، المجلد الثاني، ص 101.
19. نفس المرجع، ص 102.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟