أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هشام عبده - مأزق الوجود















المزيد.....

مأزق الوجود


هشام عبده

الحوار المتمدن-العدد: 4953 - 2015 / 10 / 12 - 08:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قد تسخر من الغربان ولكن هذا لا يعني عدم سخرية الغربان منّا، الامر سيان في هذا الوجود الأحمق ،كلنا نوجد في هذه الصيرورة الغاشمة التي تبتلعنا فرادى وجماعات، كلنا نتمزق في هذه المشرحة العملاقة، وكلنا ننهرس هرساً في طاحونة الحياة، وكلنا ننهزم أمام السخافات والتفاهات ، فعن أي تفاؤل تتحدث ؟!
كانت بداية عدميتى حينما أدركت انه حينما يدرك الإنسان فكرة حتمية الموت ،ويدرك فكرة الموت الآني "أي أن اللحظة التي يمر الآن تنتهي لتبدأ لحظة جديدة وتنطوي اللحظة التي قبلها وتندثر في العدم الزمني" عندما يدرك الإنسان هاتين الفكرتين تظهر حتمية عبثية الحياة .
الحياة التي هي عبارة عن زمن متصل وحوادث متصلة أي موجودات وأعمال في زمن معين تندثر وتموت بإستمرارية حركة الزمن المتواصلة ؛عندما ندرك هذه الحقيقة وندرك كنتيجة حتمية أن الحياة أشبه بوهم زمني مكون من ثلاث مراحل :
الاولى ماضي : مجرد ذكريات وأحداث ماتت وامست غير موجودة ،وإن كانت مسجلة كذكرى أو تاريخ فهذا لا يعني وجودها ،ويعني موتها وفقدانها وضع الكينونة .
الثانية الآن أو الحاضر : هذه اللحظة الآنية غير ثابته أبدا ًفهي قبل وجودها تكون مستقبل غير موجود ،وأثناء حدوثها تزول بسرعة آنية ولحظية لا يمكن إدراكها لتتحول إلى ماضي فتنطوي ايضا ًتحت غطاء الموت الزمني .
الثالثة المستقبل : غير موجود زمنيا ً لكنه حتمي ومتوقع كحتمية موته بعد تحوله إلى ماضي مرورا ًباللحظة الآنية اللامدركة .
نحن ناتي لهذا الوجود بدون إرادتنا ونغادره بدون إرادتنا، ولكي نقطع هذه المسافة بين الوجود والعدم ننتقل في كل خطوة من وجود إلى عدم إلى وجود إلى عدم ... إلخ ، إلى أن تفنى ذاتنا ونموت كنتيجة حتمية !
كنت أركز كأي وجودي على أن علي كي أكون موجودا ً أن أكون مسؤولا ًعن إختياراتي في هذا العالم لأن الفرق بين وجود الإنسان وبين وجود باقي الأشياء أنه يعي وجوده ،وعليه كي يكون موجودا ً يتحتم أن يقرر مصيره بإختياره دون تأثير من الآخرين : المجتمع / الدولة / السلطة / الآخرون/العادات .
كنت و حتى سنوات قليلة ماضية أبحث عن ذاتي أنا الأخر، لكني فجأة توقفت وهدأت وسكنت ،لا أعلم لماذا، لا أعلم ما الذي وجدته، لا أعلم ما الذي حدث ؟ لا أملك جوابا، المهم أني أشعر بشيء من السكينة، ربما منذ تعلمت كيف أطرد الآخر الذي يزعجني من داخلي، ربما منذ أدركت أن كل ما يحدث معي إنما هو درس لأقتنصه و أزداد حكمة ولا علاقة للآخر به إطلاقا، ربما و ربما و ربما ، لا أدري ،ولا أريد أن أدري ، المهم أني أحس بذلك وانتهى الأمر بالنسبة لي أجد ذاتي في تفاصيل صغيرة أيضا، صغيرة جدا وربما لا تعني أحدا ولكنها تعنيني أنا، وهذا يكفيني .
بدأت أشك في حقيقة الوجود بعد أن رأيت أن الإتصال الزمني المستمر يغير من وجودنا بإستمرار بل يلغيه فلنا وجود بعدد الثواني التي نعيشها "وجودات متعددة" وكينونة في حالة متغيرة ومفقودة بفعل التيار الزمني المتغير بإستمرار كنهر جاري .
هذه الحقيقة تضع الوجود الذاتي في مأزق العبثية تحت إحساس أن الإنسان يعيش في وهم زمني ليدرك عبثية الكينونة الذاتية ، بل وعبثية الحياة ككل ليبقى الخيار الوحيد أمامه العدمية !
فحينما يدرك الإنسان فكرة الموت الزمني المتواصل والمنتهي بالموت الفعلي أو الفناء التام تفقد جميع المتع الحسية كل معانيها ، لكن الإنسان يتحايل على هذه الفكرة لا إراديا ًوبدون إدراك فيقوم بتجاهلها أو أن يكون غير مدرك لها منذ البداية وعدم الإدراك هذا هو حالة قتل للكينونة التي تكون بدورها في حالة موت زمني مستمر .
إنه ما من حقيقة قصوى تحيط بالوجود كحقيقة فنائه وانتهائه ووفاته، وهي حقيقة حاسمة لن نماري حين نؤكدها ونشدد عليها، وأفضل سبيل، من سبل البحث عن الحقيقة، يبدأ من هنا : النظر لكل شيء بعين "المأزق" فنحن لسنا نوجد لنسعد، ولا لنتعلم، ولا لنفكر، ولكن فقط لكي نتشاءم ،ولكي ننفذ إلى بؤرة وجودنا من خلال أكثر الأشياء أصالة في تكويننا، وأعني به، ذلك الشيء الحارق والواخز، إنه ألمنا اللامتناهي والذي لا يعرف الحدود.
وإنني لأتألم بالقدر الذي أسعد فيه، فكل لذة هي بالضرورة مسبوقة بكدح، ولو أقمنا حساباً رياضياً لحصر اللذة كما فعل الأبيقوريون لقلنا إنه مقابل الألم الكثير نحصل على سعادة قليلة، ومقابل شهور وسنين طويلة من التألم والتوجع لن نحصل إلا على لحظات معدودة من الفرح، قد تتهمونني بالتشاؤم، وبالمقابل سأتهم من يرميني بهذه التهمة بأنه ساذج وأبله ولا يفقه شيئاً في شؤون الفكر والتاريخ .
فإن أبسط نظرة من أعيننا تجاه التاريخ بنصوصه المكتوبة أو بعلمه المخبور تطلعنا على حقيقة أن الماضي - الذي يتحكم بنا آنياً - هو نسخة مكرورة من المستقبل القريب، لأن الماضي هو بالضرورة علة للمستقبل، وهذا الأخير علة للأول، ومن عرف الماضي جيداً فإنه يقدر على حدس ما سيقع مستقبلاً .
حينما أدرك هذه الحالة من القتل المستمر من قبل الزمن للكينونة أفقد جميع المعاني للتمتع بالوجود لأني لا أستطيع الإعتراف بحقيقته وتصبح جميع المتع الدنيوية الحسية أو الفكرية مجرد وهم زائل أو سيزول أو سيأتي كي يزول تحت مقصلة الزمن .
عندما أدركت هذه الحقيقة لأول مرة عرفت بأن خياري الوحيد هو العدمية والتي قد تسلبني الكينونة الوهمية لأنه لن يكون هناك فائدة من أي خيار آخر للخروج من حتمية مأزق الوجود الوهمي لكينونتنا الميتة زمنيا ً باستمرار ،بالرغم من أن هذا الخيار، لم تمنحني العدمية إمكانية التعايش مع الإرادة المسلوبة أو العيش مثل الآخرين والتمتع بالحياة الوهمية الخادعة إلا أنها تعطيني الأمل بالإحساس الوهمي بالحياة كالآخرين .
لكني أهرب من كل هذا منصرف إلى حياة أخرى سطحية ،لا تعول كثيراً على ما عاشت ،وعلى ما تعيش ،وما سوف تعيش ،وكما أنك لم تأت إلى هذه الدنيا بإختيارك، فربما ترحل منها أيضاً بدون إختيارك إلا اذا عجلت بإنهائها بذاتك ،جئت مسلوب القوى ،وسترحل مسلوب القوى ،أننا مثل مصير حشرات تافهة تسير على الأرض ،متوقع أن تدوسها قدم ضخمة، وفي أي وقت ،هناك أمور خارقة القوى كالموت ،ونحن عاجزون جداً جداً عن منع حلوله، فمثلي أنا لا أتقبل فكرة أن أموت يوما ً،ولا يمكن أن أتصالح معه مفترض أن أعيش العمر كله !



#هشام_عبده (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل لفلسفة شوبنهاور
- التوك توك مشروع قومى


المزيد.....




- إيران تستهدف مستشفى سوروكا في تل أبيب.. وإسرائيل ترد بتصعيد ...
- قبل إعلان ترامب عن مهلة لإيران.. مصادر تكشف لـCNN عن تحركات ...
- تحليل لـCNN: هل يستطيع الكونغرس منع ترامب من ضرب إيران؟
- -كتائب حزب الله- العراقية تتوعد ترامب إذا ضرب إيران: ستخسر ك ...
- صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل للتحذير من هجوم صاروخي إيراني ...
- غروسي: إيران لم تكن تصنع قنبلة نووية عند بدء الهجوم.. لا تنس ...
- 34 شهيدا في غزة منذ فجر اليوم أغلبهم من المجوعين
- الرئيس الأوكراني يعيّن قائدا جديدا للقوات البرية
- شي وبوتين يتفقان على أولوية وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائ ...
- وول ستريت جورنال: تكلفة خيالية تتكبدها إسرائيل لاعتراض صاروخ ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هشام عبده - مأزق الوجود