أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هشام عبده - مدخل لفلسفة شوبنهاور















المزيد.....

مدخل لفلسفة شوبنهاور


هشام عبده

الحوار المتمدن-العدد: 4937 - 2015 / 9 / 26 - 00:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في طفولتنا وصبانا المبكر عندما كنا نتأمل مستقبلنا ،كنا مثل أطفال في مسرح قبل أن ترفع الستارة ،نجلس بروح عالية وبلهفة ننتظر بدء المسرحية ،وكأنها رحمة أننا لا نعرف حقيقة ما سيحدث ،يمكننا حدسه ،هناك أوقات يبدو فيها الأطفال كالسجناء الأبرياء ،مدانون ،لا للموت بل للحياة ،ولأن الجميع غير واعي لمعنى جملهم وكلامهم عموما ،على الرغم من كل هذا ،كل شاب يرغب للوصول إلى الشيخوخة ،بكلمات أخرى ،حالة من الحياة التي عنها يمكن أن يقال "هي سيئة اليوم وستكون أسوأ في الغد ،وهكذا حتى أسوأ الجميع" .
إذا حاولت أن تتخيل بأقرب ما تستطيع ،ما كمية البؤس ،العذاب ،والمعاناة لكل نوع تشرق عليه الشمس في دورتها ،وقتها ستعترف بأنها ستكون أفضل إذا ،على الأرض كما على القمر ،مرة أخرى أنت قد تنظر للحياة كحادث غير مريح ،يمتص الهدوء السعيد للعدم ،وعلى كل حال ،حتى لو فكرت أن أشياء قد سارت معك بإحتمال جيد طيلة حياتك ،الواضح أنك ستشعر إجمالا أن الحياة هي إحباط باطل ، احتيال !
إستطاع شوبنهاور أن يرى في الفرد وجهين : "تمثلا وإرادة ، إذ أن التمثل أو التصور يعني إذا نظرنا إليه من الخارج، أما الإرادة إذا نظرنا إليه من الداخل ،وهذه النظرة يمكن أن ينظر بها كل فرد إلى نفسه على حدة، ولا يستطيع أن يشعر بها شعوراً واضحاً إلا في نفسه فحسب .
إذن تسعى فلسفة "شوبنهاور" إلى خلاص الإنسان وذلك بدرجتين : الخلاص بالفن؛ أي تأمل الكون والحياة تأملاً نزيهاً خالياً من الغرض أو شوائب المادة، ثم الخلاص بالزهد الذي يسحق الإرادة مصدر الشرور في هذا العالم.
ويتساءل شوبنهاور عما إذا كان العالم يسير أصلاً على نظام معين مرسوم منذ البدايات في معزل عن تدخله هو - أي الإنسان نفسه - يجيب قائلاً : "إن هذا الإنسان يسير تبعاً لقانون هو - مبدأ العلة الكافية - ، ذلك أن كل امتثالاتنا وتصوراتنا مرتبة في ما بينها وبين بعض على نحو من شأنه أن يجعل الواحد منها مرتبطاً بالآخر، ولاشيء منها يقوم مستقلاً بنفسه أو منفصلاً عن غيره ،وهذا الإرتباط لدى شوبنهاور، إرتباط منتظم تستطيع أن تعينه قبل التجربة بصفته مركزاً في طبيعة الذات، أما بالنسبة إلى الإرادة، التي تشكل أساس القاعدة الثانية لوجود هذا العالم ، فإن شوبنهاور من أجل الوصول إلى ربطها بالامتثال يقوم بقفزة أساسية من الذات بإعتبارها عقلاً يفكر ويتصور تبعاً لمبدأ العلة الكافية إلى الموضوع بإعتباره الإرادة التي هي - في نظره، الجوهر الباطن والسر الأعظم لهذا الوجود، وما الوجود في الواقع إلا التحقق الموضوعي للإرادة .
وبالنسبة إلى شوبنهاور فإن الإرادة تختلف، من حيث إنها شيء في ذاته، عن تجلياتها في الظواهر، ومن طريق المكان والزمان تميز الإرادة نفسها في موضوعات متنوعة في أماكن مختلفة وفي لحظات مختلفة، لكنها كلها ترتبط مع ذلك وفقاً لقوانين العلية .
وهنا يرى شوبنهاور أن الإرادة تتجلى، من حيث إنها شيء في ذاته، في الفكرة "التصور أو التمثل" قبل أن تتجلى في كثرة من أشياء مفردة ؛من هنا فإن الإرادة هي جوهر وجود الإنسان ففيها يجد الإنسان، بالتأمل الباطن المباشر، الجوهر الباطن الحقيقي للإنسان، والذي لايمكن أن يفنى، وفي هذا المعنى تكون الإرادة هي، وفق شوبنهاور الشيء في ذاته ؛وهو يؤكد أولوية الإرادة على العقل وفي هذا قلباً للوضع الذي وضعنا فيه الفلاسفة حتى شوبنهاور، الذي يقول عن نفسه إنه أول من قال بالنزعة الإرادية التي تجعل من الإرادة الجوهر الحقيقي، بينما كان كل الفلاسفة ينظرون إلى العقل على أنه هو الجوهر.
والإرادة لا هدف لها ولا غاية تقف عندها، فهي رغبة غامضة ومجهود دائب لا يعرف الكلل أو التعب؛ فإذا اعترض طريق الإرادة معترض تولد عن ذلك "الشقاء"، وإذا تم لها ما تريد في اللحظة الحاضرة كانت السعادة، وهذه السعادة لا يمكن أن تدوم؛ لأن كل رغبة تنشأ عن نقص أو عن حالة لا ترضينا ؛وترتبط الرغبة بالشقاء طالما لم تصل إلى سد هذا النقص أو إشباع تلك الحاجة .
والواقع أن كل إشباع لرغباتنا هو بداية لرغبات أخرى جديدة ،وهكذا فلا وجود لحد تقف عنده الرغبة، ومن ثم لا حد ينتهي عنده الشقاء؛ وهنا يقول "شوبنهاور": "إن الشقاء يزداد حدة وشدة تبعاً للارتفاع في سلم الكائنات حتى يصل إلى أعلى درجاته عند الفرد العبقري ،وكلما نفذ الإنسان إلى أعماق الوجود؛ أدرك أن ماهيته الأصلية هي الشقاء، ورأى أن الوجود ما هو إلا سقوط مستمر في الموت"، ويمضى "شوبنهاور" في تصوير الحياة على هذه الصورة التشاؤمية، مما يؤكد أن خوفه من الحياة هو الذي دفعه إلى نشدان الخلاص في "النرفانا" أو العدم، فالحياة عنده ليست شيئاً إيجابياً؛ وإنما هروب من الموت، ومع ذلك فماذا تكون الحياة سوى الهروب من ذلك الموت نفسه ؟ وهذا الهروب يكون بقتل الوقت كما يقول العامة !
إذن فالشقاء لامهرب منه، وكل ألم يزول ليحتل غيره مكانه، ولكل فرد نصيبه المحدد من الشقاء وفقاً لطبيعته التي تتحدد مرة وإلى الأبد، والشقاء الذي يلاقيه الفرد في حياته لا تفرضه قوة خارجية؛ وإنما فطرته نفسها هي التي تحدد كمية الآلام التي سيتعرض لها طوال حياته، ولما كانت حياة الإنسان سلسلة من الحاجات والآلام التي تنتهي لتبدأ من جديد، إذن ليست السعادة شيئاً إيجابياً بل هي سلبية في ماهيتها، فلا وجود للسعادة في ذاتها؛ وإنما تأتى السعادة من إرضاء حاجة أو لنفي ألم من الآلام، لذلك فالألم شيء أولي وشرط ضروري لوجوب السعادة .
والغريب في أمر الإنسان - كما رأى شوبنهاور - أنه حينما لا يجد الصعاب يخترعها، وعندما يحيا في يسر يحاول أن يدخل في حياته التعقيد، وهذا ما نلاحظه في الشعوب التي سارت حياتها هينة لينة بما وهبتها الطبيعة من مناخ معتدل وأرض خصبة؛ فإن هذه الشعوب تخترع عالماً خيالياً بآلهته وشياطينه وقديسيه؛ لتقدم له الضحايا والقرابين والصلوات والاعترافات...إلخ، وخدمة هذا العالم الخيالي تملأ فراغ الحياة الواقعية وخلوها من الآلام والمتاعب، فتصبح كل حادثة من حوادث العالم نتيجة لعمل من أعمال تلك الكائنات المخترعة اختراعاً، هذه الصورة المظلمة التي يرسمها "شوبنهاور" لحياة الإنسان ليس فيها سوى نتيجة واحدة، وهي - كما يقول - "من الأفضل للإنسان أن يختار العدم، وأن يؤثر الموت على الحياة" ،وهذا هو معنى عبارة "هاملت": "أكون أو لا أكون"، وعبارة "هيرودوت" الخالدة : "ليس هناك إنسان لم يتمن أكثر من مرة ألا يأتي عليه الغد" ،ولو أن الموت -انتحاراً- معناه العدم المطلق لانتحر الناس جميعاً؛ لكن الانتحار لا يصلح ما أفسده الوجود، والعزاء الوحيد عما في الحياة من شر هو قصرها، وهذا أفضل ما فيها" !
ولا معنى للتفاؤل كما رأى "شوبنهاور"، ويكفي أن يتطلع أشد الناس تفاؤلاً على أماكن البؤس والتعاسة والمرض والقتال والجريمة ليروا إلى أي حد كان هذا العالم هو أفضل عالم ممكن، والمذاهب التي تدعو إلى التفاؤل ما هي إلا مذاهب لفظية خالية من المعنى تصدر عن رؤوس خالية من الذكاء، ولا أحد يظن أن الإيمان الدينى يدعو إلى التفاؤل، وإنما - على العكس من ذلك - يجعل الحياة والشر كلمتين مترادفتين !
لكن ما مصدر هذا التعلق بالحياة ؟ يرى "شوبنهاور" أن مصدر التعلق بالحياة ليس مبعثه العقل والتفكير، فقليل من التأمل كاف لإقناعنا بأن الحياة ليست خليقة بشيء من الحب، وليس من المؤكد أن الوجود خير من اللاوجود، والحياة خير من الموت، ولو استطعت أن تسعى إلى قبور الموتى وتقرع أبوابها سائلاً إياهم :
هل تريدون العودة إلى الحياة ؟ إذن لرأيتهم ينفضون إليك رؤوسهم رافضين العودة !
إن هذا التعلق بالحياة - فيما يرى شوبنهاور- حركة عمياء غير عاقلة، ولا تفسير لها إلا أن كياننا كله إرادة للحياة الخالصة، والحياة - تبعاً لذلك- يمكن أن تعد الخير الأسمى، مهما يكن من مرارتها وقصرها واضطرابها، والإرادة في ذاتها وبطبيعتها عمياء خالية من كل عقل ومعرفة، أما المعرفة فعلى العكس من ذلك أبعد ما تكون عن هذا التعلق بالحياة؛ لأنها تكشف لنا عما لهذه الحياة من ضآلة وهشاشة، ولهذا تحارب الخوف من الموت، ويتناول "شوبنهاور" مشكلة الموت، فيقرر أن "الموت" لا يصيب إرادة الحياة؛ وإنما يتعلق بمظاهرها العرضية الزائلة كي يحددها باستمرار؛ أما إرادة الحياة فخالدة أبد الدهر، والطبيعة قد ضمنت لها الخلود بواسطة أداة قوية تلعب الدور الأكبر في الحياة العضوية ،وهذه الإرادة هي "الغريزة الجنسية" ففيها مظهر من أوضح مظاهر تأكيد إرادة الحياة نفسها؛ لأن معناها هو أن الطبيعة مهمومة بحفظ النوع باستمرار، وأن في شدة هذه الغريزة وكونها "أقوى الغرائز" ما يدل بوضوح على أن إرادة الحياة هي سر الأسرار في الطبيعة.

هشام عبده



#هشام_عبده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوك توك مشروع قومى


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هشام عبده - مدخل لفلسفة شوبنهاور