أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى ابو مخ - النص كمنهجية إقصاء: الأدب العبري كنموذج















المزيد.....



النص كمنهجية إقصاء: الأدب العبري كنموذج


هدى ابو مخ

الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:58
المحور: الادب والفن
    


أنطون يقول إنّه يشعر بأنّه منفيّ هنا. لو كنت مكانه، لكنت أكثر حذرًا من هذا الاستعمال المتهوّر لكلمة "منفى"، حيث مئات الآلاف من إخوانه المنفيّين حقًّا يتعفّنون منذ عشرات السنين في مخيّمات اللاجئين في أنحاء العالم العربيّ، دون أن يستطيعوا حتّى أن يروا شجرة واحدة من وطنهم.
                                                   أبراهام (بولي)  يهوشوع[1]
خلفيّة عامّة
يهوشوع، الممتعض من استعمال أنطون شمّاس المتكرّر لمصطلحَي المنفى والاغتراب، يكرّر - من ناحية - عِظم القيمة العاطفيّة لهذا المصطلح لدى الشعب اليهوديّ. فيواصل قوله في ذات المكان: "القليل من الاحترام لكلمة منفى؛ نحن [يقصد اليهود] من يعرف جيّدًا معناه وثمنه المخيف". ومن ناحية أخرى، لا ينسى يهوشوع أن يذكّر شمّاس بأنّه "إذا أردت الحصول على الهُويّة الكاملة، وإن أردت العيش في دولة ذات طابع فلسطينيّ مستقلّ، ذات ثقافة فلسطينيّة أصليّة، قم، خذ أغراضك وهاجر مئة متر شرقًا، إلى الدولة الفلسطينيّة المستقلّة التي ستقوم إلى جانب دولة إسرائيل" (لندن 1986، 11).  
أنطون شمّاس كتب معظم أعماله بالعبريّة، إضافة إلى الكثير من الأعمال التي ترجمها من العربيّة إلى العبريّة وبالعكس. إلى جانب الثناء الذي ناله على إتقانه التامّ للغة العبريّة، والمستوى الأدبيّ الرفيع لأعماله، نال كذلك نقدًا لاذعًا من المجتمع الفلسطينيّ الذي اعتبره خائنًا، ومن نقّاد الأدب الإسرائيليّين بسبب "اقتحامه" للمعبد العبريّ المقدّس.
الجدال الذي نشب بين يهوشوع وبين أنطون شمّاس نبع، بصورة أساسيّة، من الموقع الذي يتحدّث منه كلّ منهما؛ يهوشوع من كبار الكتّاب الإسرائيليّين، وأعماله الأدبيّة جزء لا يتجزّأ من "الأعمال النخبويّة المؤسّسة". أمّا شمّاس، فينتمي إلى الأقلّيّة الفلسطينيّة في الداخل الإسرائيليّ، المهمَّشة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا. بعبارة أخرى، الجدال الذي دار بين شمّاس ويهوشوع إنّما يعكس علاقات القوّة بين المركز والهامش، بحيث تبرز عمليّة الإقصاء والإبعاد عن المركز بواسطة بناء الحدود بين الأنا (يهوشوع) والآخر العربيّ من خلال إبراز يهوشوع للاختلافات التاريخيّة والثقافيّة والقوميّة.
على الرغم من تعريف أنطون شمّاس لنفسه كـ"إسرائيليّ-فلسطينيّ"، وعلى الرغم من أنّ روايته "عربسكوت" (1986) "هي الرواية الأكثر إسرائيليّة التي كُتبت في يوم من الأيام" (حيبر 1991، 24)، لا يكتب أدبًا يعمل على فكفكة "الرواية الصهيونيّة العظمى" مضمونًا، وإنْ كان مجرّدُ فعل الكتابة بالعبريّة بقلمه –كعربيّ- فعلَ تمرّد على أساس مهمّ للثقافة السائدة، وهو الربط الفوريّ بين الأدب العبريّ وبين الهُويّة القوميّة اليهوديّة للكاتب (وهو الشرط غير المتوافر فيه) - وهو ما سأتطرّق إليه لاحقًا بتوسّع أكبر.
 
في هذا المقال، سأتناول العلاقات بين المركز والهامش، بحيث أستعين بالنموذج الإسرائيليّ كمثال، وأشير إلى علاقات القوّة والاضطهاد داخل الخطاب الأدبيّ الإسرائيليّ من خلال بحثي لعلاقته مع كتابات الأقلّيّة الفلسطينيّة. من خلال تطرّقي إلى روايتَيْ قشوع سأعمل على بحث هذه العلاقات من وجهة نظر الهامش، والوقوف على أبعاد الكتابة من الهامش الثقافيّ.
 
ما هي الأعمال النخبويّة الأدبيّة المؤسّسة؟
المقصود بها مجموعة نصوص وكتابات تُعتبر -وفقًا لمقاييس مختلفة للثقافة السائدة - نماذجَ عُليا ونصوصًا راقية. الحديث هنا يدور حول ساحة صراع، حول المسألة: أيّ النصوص يعتبر نخبويًّا وأيّها لا؟ هذا الصراع يفتح المجال أمام عمليّات إقصاء وتهميش لنصوص لا تتوافق مع الرواية السائدة للأغلبيّة. في عصر دولة القوميّة، يحمل المصطلحُ "الأعمال النخبويّة المؤسّسة" معانيَ أخرى، فيبرز الدور القوميّ-الاجتماعيّ لهذه الأعمال النخبويّة، التي تعكس وتروي رواية الجماعة، وتساعد على بلورتها وصقلها إلى الوعي القوميّ المشترك.
يتجلّى هذا الدور من خلال قيام هذه الأعمال باحتواء وتبنّي الأعمال الأدبيّة التي تكرّر رواية الجماعة ورموزها، لتصبح جزءًا من المركز الثقافيّ لها. بواسطة ذلك، يجري إنتاج مخزون لذاكرة جماعيّة ولخيال مشترك وموحّد، يوحّدها ويبنيها.
في كتابه "الجماعات المتخيَّلة"، بدأ بينديكت إندرسون جدالاً مهمًّا حول العلاقة بين الأدب، لا سيما الرواية، وبين القوميّة (اندرسون 1999، 55)، فيشير إلى الدور المهمّ للرواية في تكوين وبناء القوميّة عَبر كونها وسيلة معاصرة لتمثيل الجماعة المتخيَّلة.[2] في الرواية، ثمّة عدة شخصيّات تقوم بأدوار مختلفة بدون أيّ رابط، وبدون أن تعرف الشخصيةُ الواحدةُ الأخرى. القارئ هو الذي يرى الأحداث بتزامن بينها، وهو الذي يعرف انتماء كلّ الشخصيّات لنفس المشهد الاجتماعيّ. الأحداث في الرواية موازية - بحسب إندرسون -  لـِ"الجماعات المتخيَّلة".[3]
في إمكاني القول إنّ الأدب يروي للجماعة حلمها المشترك، أو يُنسيها أحداثًا مأساويّة عايشتها، من خلال إحيائه لبعض الذكريات أو إقصائه لها عن الذاكرة الجماعية، ممّا يصقل خيالاً واحدًا وذاكرة واحدة. الرواية قادرة على إنتاج الحدود بين الأنا والآخر، وعلى بناء الهُويّة وترسيخ الثقافة عَبْر روايتها وتلقينها الى وعي الأفراد. أبرز مثال على ذلك الكتابات العبريّة التي واكبت احتلال فلسطين وقيام دولة إسرائيل على أنقاضها. الرواية التي حكاها الأدب العبريّ كانت متناسقة مع الخطاب الصهيونيّ الاستعماريّ، بحيث عملت على إبراز دونيّة "الآخر" العربيّ وإعطاء الشرعيّة الأخلاقيّة والتاريخيّة للمشروع الاستعماريّ.
الدور الكبير الذي قام به الأدب في الثقافة الإسرائيليّة جعل من الصعب خلق خطاب أدبيّ إسرائيليّ، إذ إنّ "سياسة الهُويّات، في الأدب المنتج في دولة إسرائيل، لم تذوت بعد دولة القوميّة المدنيّة، واستمرّت بالتزامها للهُويّة العرقيّة" (حيبر 2002، 173). هذا الالتزام أفضى إلى إقصاء وإبعاد الكتابة العبريّة لغير اليهود من حدود الأعمال النخبويّة الإسرائيليّة. اليهود، الذين كانوا أقلّيّات منتشرة في أنحاء العالم، تحوّلوا لدى إقامتهم لدولتهم القوميّة إلى أغلبيّة. هذا الانتقال انعكس أيضًا على الأدب. حيبر يشرح ذلك بوضوح:
"بداية القصّة (الصهيونيّة السائدة) هي بتحويل الأدب العبريّ ، الذي أُنتج في المنفى وبعد ذلك هاجر إلى أرض إسرائيل، والذي تميّزه اللغة العبريّة- إلى أدب أرض-إسرائيليّ ، بحيث أن سِمَتَه المركزيّة هي الإقليم ((Territory. في حين أن المرحلة القادمة في الرواية هي بتحويل الأدب الأرض-إسرائيليّ إلى أدب إسرائيليّ ، بحيث تكون سِمَتُه المميّزة هي دولة القوميّة السياديّة: من أدب لشعب في المنفى - مرورًا بأدب لشعب على أرضه- وصولاً إلى أدب لشعب ذي سيادة على دولته القوميّة؛ من أدب تميّزه لغته، إلى أدب يميّزه موقعه، إلى أدب يميّزه المبنى السلطويّ الذي نتج في داخله" (حيبر 2002، 166).
الأدب العبريّ يشكّل نموذجًا مميّزًا لتوضيح العلاقة بين الأدب وبِناء الأمة. الأدب العبريّ سرّع عمليّة الحداثة والعلمنة. الدور الرئيسيّ الذي قام به الأدب العبريّ، في عمليّة البعث القوميّ-الاستعماريّ للشعب اليهوديّ، يجعل من الصعب الفصل بين الهُويّة القوميّة- العرقيّة للكاتب وبين اللغة التي يستعملها. الكتابة بالعبريّة بقلم كاتب عربيّ مرافَقة بعمليّة تفكيك للحدود التقليديّة المألوفة للثقافة القوميّة، وهو ما قد يثير حفيظة الكثير من النقّاد والكتّاب اليهود. الكاتب العربيّ يلغي العلاقة التي اعتبرت حتميّة بين الأدب العبريّ وبين اليهوديّ وينشئ علاقة معها، قد تكون حميميّة شديدًا، وهو ما يجعل شخصًا كدان لؤور يطلب من شمّاس التركيز على الأجزاء الروائيّة التي جرت في فسوطة وحذف الأجزاء المتعلقة بباريس وأيوا سيتي، التي تظهر فيها المواجهة مع اليهود (لؤور 1986).
في التاريخ اليهوديّ، في الإمكان قراءة العلاقة بين اللغة والجماعة والوطن بصورة مختلفة عن المعهود لدى بقيّة الشعوب. الأمور أتت هنا بصورة عكسيّة: اللغة سبقت إنتاج الجماعة، والوطن احتُلّ في مرحلة متأخّرة. من أجل بعث الشعب اليهوديّ، وجبَ إحياء اللغة العبريّة، فكان العمل على إثرائها بالمصطلحات وتحويلها إلى لغة الحوار اليوميّ، بعدما كانت مقتصرة على النخبة المثقّفة لدى الشعب اليهوديّ، وفي الكتب المقدّسة. اللغة انبعثت وعادت إلى الحياة أساسًا بفضل الأدب والصحف والمجلاّت المختلفة، إضافة إلى المدارس. انبعاث اللغة عزّز من الشعور بالوحدة والتآخي بين الأقلّيّات اليهوديّة في الشتات. الدولة أقيمت بعدما أُسّست اللغة ونواة الجماعة. على حدّ تعبير إندرسون، الحالة اليهوديّة هي المثال الأبرز لمصطلح الجماعة المتخيَّلة، نظرًا للتعدّديّة الثقافيّة الكبيرة للمهاجرين اليهود، الذين جمعهم أمر واحد: ألفا عام من المنفى، ولغة عادت للانبعاث، وحلم دولة. إقامة الدولة كان الحجر الأخير في بناء الجماعة.
 
على الرغم من المبنى التواصليّ للرواية الصهيونيّة، في الإمكان كذلك الإشارة إلى العديد من محاولات تمرّدت عليها. الأدب النسويّ، من خلال قراءاته للأدب والثقافة والوضع السياسيّ، "تمرّد" على أسس ورموز مركزيّة في الخطاب السائد. القراءة النسويّة تضفي بعدًا آخر للأحداث، ممّا يؤدّي إلى عمليّة ضعضعة للحدود "البديهيّة" بين الهامش والمركز. أبرز مثال على ذلك في المجال السياسيّ كانت حركة "أربع أمّهات" (المنادية بالخروج من لبنان) وجمعيّة "يذكرن" (المنادية بعودة المهجَّرين إلى أراضيهم). أمّا على النطاق الأدبيّ، فالقراءات النسويّة الحديثة للتوراة، ولرموز مهمّة فيها، تعمل على منح بعد آخر مغاير لذلك السائد في الخطاب الصهيونيّ. لنأخذ مثالاً على ذلك قراءة قصّة إسحاق[4] من وجهة نظر الأمّ- سارة. روت كارتون بلوم، في قراءتها لتأثير هذه القصّة على السلوك الاجتماعيّ الثقافيّ الإسرائيليّ، تشير إلى أمر مهمّ وهو: "الشعور بأنّ قصّة إسحاق بمثابة قدر للشعب اليهوديّ المتنقّل في شيفرة وراثيّة" (كارتون بلوم 2005، 81). هذه القصّة استُغِلّت من جهة لبثّ روح اليهوديّ "الضحيّة"، وبذلك بثّ الشعور بالوحدة والتآخي بين أفراد الشعب اليهوديّ من خلال امتلاك اليهوديّ لمصير مشترك واحد؛ ومن جهة أخرى، الشعور بالانتقائية وبالانتماء إلى "شعب الله المختار". الاستعمال النسويّ لهذه القصّة كان متمرّدًا، وامتاز بإظهار الكاتبات اليهوديّات لصوت سارة الرافض لتقديم ابنها قربانًا (هرنيق 1983):
أنا لا أقدم
بكري قربانا
ليس أنا
وفي هذا رفض أموميّ لمبدأ الموت من أجل الوطن أو الله.
نسوق مثالاً آخر، هو أدب اليهود الشرقيّين الذي يقاوم محاولات صهر أصولهم في بوتقة الرواية الصهيونيّة السائدة لليهود من أصل غربّي؛ لذلك شكّل موضوع "بوتقة الصهر" موضوعًا مناسبًا لنقدهم ومقاومتهم. ثمّة فئة هامشيّة أخرى حاولت الوصول إلى المركز الأدبيّ- الثقافيّ، لتكون جزءًا من الأعمال النخبويّة الأدبيّة العبريّة، هم الفلسطينيّون مواطنو إسرائيل، أمثال: أنطون شمّاس؛ نعيم عرايدي؛ عطا الله منصور؛ سيّد قشوع. الحديث هنا يدور حول أقلّيّة قوميّة تنوجد في أسفل السلّم الاجتماعيّ والسياسيّ للمجتمع الإسرائيليّ، والتي تُعتبر جزءًا من الشعب "الآخر" الذي استُعملت اللغة العبريّة سلاحًا في مواجهته.
 
الكتابة من موقع الأقلّيّة: بين هشاشة المضمون وعصر "ما بعد الاستعمار"
 
إضافة إلى الكمّ الهائل من التغيّرات الفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة التي عصفت بالمجتمعات البشريّة في النصف الثاني من القرن العشرين، أضيف تحوّل آخر تجاه وجهة النظر التي تروى منها الأحداث، فظهرت الحركات النسويّة وجمعيّات "المثليّون" وغيرهم، وابتدأ الحديث عن "الروايات العظمى" وَ "روايات المضطهدين" وأحاديث العالم الثالث، وعن تاريخ كامل يصبو "المضطهدون" ذاتهم إلى تصحيحه. تقول طوني موريسون، الكاتبة الأمريكيّة السوداء، التي رأت برواية التاريخ من وجهة نظر المضطهدين الحلّ الأفضل لتصحيح الظلم التاريخيّ الذي لحق بهم: "مشروعي هو محاولة لتغيير وجهة نظر النقد من الموضوع العرقيّ إلى الذات العرقيّة؛ من الموصوف المتخَيَّل إلى الواصفين والمتخيّلين؛ من الخادم إلى متلقّي الخدمة" (موريسون 1997، 99). دراسات ما بعد الاستعمار، على سبيل المثال، تقرأ قراءةً ناقدة رواياتِ الغرب وتعيد كتابة تاريخه. أبرز مثال على ذلك هو "الاستشراق" لإدوارد سعيد، العربيّ الأمريكيّ من أصل فلسطينيّ. سعيد يوضّح أن "الاستشراق" لا يدور حول الشرق، بل هو محاولة لفهم ولشرح أسلوب تعاطي الغرب مع الشرق من خلال خطاب جرى تأسيسه لغرض إخضاع الشرق وتحويله إلى مرآة يرى الغرب نفسه من خلالها. الحدود الفاصلة بين المركزيّة الأوروبيّة وبين بقيّة المجتمعات، أو ما يسمّى بـِ"العالم الثالث"، أخذت بالتلاشي، وبات تحديد المركز صعبًا بعدما أصبحت الهوامش ومواقع الأقلّيّة ووجهة النظر التي تحكي منها مركزيّة أيضًا. بكلمات أخرى، الحدود بين المركز والهامش انهارت، فصار الهامشيّ هو المركز، وصارت كتاباته ورواياته ركنًا أساسيًّا لفهم الحقيقة بالصورة الأكثر تكاملاً (سعيد 2000).   
 Minor Literatur, كما يوضّح جيل دلوز وفليكس غوتاري، هو تعريف لمبنى العلاقات بين المركز والقوّة من ناحية، وبين الهامش من ناحية أخرى، بحيث تكون الأقلّيّة هي الأضعف، وهي المغلوب على أمرها، وهي الهامشيّة. الكتابة كأقلّيّة تمثّل، بنظرهما، مثالاً أدبيًّا وثقافيًّا يجب العمل على تحقيقه. ما اعتُبر، حتّى يومنا، موقع ضعف ودونيّة يتحوّل إلى أفضليّة، لدرجة أنّ من لا ينتمي إلى أقلّيّة عليه أن ينتج "صحراء خاصّة به، عالمًا ثالثًا خاصًّا به". في يومنا هذا، مثلاً، الكتابات الإنجليزيّة الأفضل هي تلك التي كتبها أبناء المهاجرين. إدوارد سعيد (الفلسطينيّ الأصل) وهومي بابا (الهنديّ الأصل) هما مثال بارز لهذا. الكتابة من موقع ابن الأقلّيّة تتيح مجالاً لوجود نظرة متجدّدة إلى الثقافة والأدب، وذلك ما لا يستطيع عملَهُ مَن تحوّلت حياته وتفاصيلها إلى روتين. "بالإمكان القول" - يردف دلوز وغواتري في مكان آخر - "أنّ مصطلح ’الأقلّيّة’ لا يميّز آدابًا معيّنة، بل يميّز الظروف الثوريّة لكلّ أدب قائم إلى جانب أدب مسمّى بـ’كبير‘ (أو ’مؤسّس‘)" (المرجع السابق، 136).
أدب الأقلّيّات لا يكتب بلغة الأقلّيّات، كما يشير الكاتبان في مقالهما المذكور، بل يُكتب بلغة الأغلبيّة. وهو يمتاز بثلاثة أمور:
1.     Deterritorialization نزع اقليمية اللغة أو ارتحال المفاهيم. كافكا، على سبيل المثال، يلغي الرابط الفوريّ بين الأرض القومية واللغة القوميّة والجماعة. هو يهوديّ يكتب بالألمانيّة من براغ، لا من ألمانيا.
2.     في أدب الأقلّيّات، كلّ شيء سياسيّ، لا مكان للشخصيّ. وإن تطرّق هذا الأدب إلى أمور شخصيّة، فذلك مرتبط بالسياسيّ (المرجع السابق، 134). الشخصيّ هو سياسيّ. فريدريك جيمسون (أحد نقّاد الأدب والثقافة المعاصرين) يتحدّث عن "أدب العالم الثالث" وعن "الأليغوريا القوميّة" حيث يدّعي أنّ أدب الأقلّيّة بحاجة إلى استغلال كلّ الوسائل، في سبيل زيادة قوّته السياسيّة، ولذلك فإنّ الجانب الشخصيّ مجنَّد لصالح الصراع السياسيّ لتلك الأقلّيّة مع الأغلبيّة، حيث يجري الربط بينهما في أوقات متقاربة بواسطة أليغوريا (Jameson, 1986)
3.     الميزة الثالثة لأدب الأقلّيّات، بحسب دلوز وغوتاري، أن كلّ شيء فيه يأخذ قيمة جماعيّة. فيقتبسان عن كافكا قوله إنّ "الأدب هو مسألة الشعب". الحديث يدور حول تمثيل الكاتب الفرد لمجموعته التي ينتمي إليها، وإنْ لم يقصد ذلك فعلاً. فريدريك جيمسون، في المقال ذاته، تطرّق إلى الواقع الاستعماريّ الذي يحياه الكتّاب من "العالم الثالث"، الذين عايشوا الاستعمار، واستبطنوا موازين القوّة القائمة على رؤية العالم الأوّل كصاحب الحضارة الأرقى والقوة والسيطرة والسيادة، وفي المقابل على رؤية العالم الثالث كدونيّ. لذلك، تحدّث عن وظيفة الكاتب في العالم الثالث كـَ "مفكّر سياسيّ". الانقلاب الثقافيّ، كما ينعكس من كتابات بعض المفكّرين السياسيّين في العالم الثالث، يتضمّن ظاهرة الشعور بالدونيّة والنقص الذي يُعبَّر عنه بالانصياع والسلبيّة، والذي يتطوّر نتيجة الوقوع تحت الاستعمار والتحكّم، ومن تجارب أشخاص مرّوا بفترة الاستعمار. ظاهرة مشاعر النقص ليست نفسيّة، بل تجري وفقًا لعلاقات اقتصاديّة وسياسيّة معيّنة. وفي ذات الوقت، هي غير قابلة للعلاج وفقا للتغيّرات الاقتصاديّة والسياسيّة، إذ إنّ لها - على الرغم من كلّ ذلك - تأثيرات نفسيّة، وهي تبقي خلفها عادات وآثار عجز. الكاتب، في هذه الحالة، يرمز إلى المجتمع بأسره، ومشاعر الدونيّة لديه هي مشاعر مميّزة لكل المجتمع.
الموقف النقديّ الذي يتبناه جيمسون، في تحليله للأدب المنتج في "العالم الثالث"، لا يخرج من دائرة الخطاب الغربيّ حول الشرق. الكثير من الانتقادات وُجّهت إليه، بادّعاء أنّه يروي قصة "العالم الثالث" من وجهة نظر "العالم الأوّل"، حيث إنّه في نهاية المطاف يستعمل أدب العالم "الآخر" مرآةً للثقافة الأمريكيّة ووسيلةً لفحص هويّتها وأنظمتها. حديثه عن "أليغوريا قوميّة" و"أدب العالم الثالث" و"كتّاب العالم الثالث" يضفي صبغة تعميميّة على تحليله. الكاتب، كفرد، يفقد أيّ وجود خارج الإطار السياسيّ الذي وضعه فيه جيمسون. هذا التعامل مع "كتابات العالم الثالث" يكاد يعادل العلاقات بين الغرب والشرق كما وصفها إدوارد سعيد في "الاستشراق"، بحيث تمتاز برؤية الغرب للشرق كمتجانس، سطحيّ، وبدون أيّ تعقيدات. حديث جيمسون عن سياسيّة النصّ نابع في الأساس من رؤية معيّنة للمؤسّسة البيضاء تجاه "العالم الثالث"، من خلال سلخ المعاني الإنسانيّة والشخصيّة عن النصوص المنتجة فيه. الحديث عن الجانب السياسيّ للنصّ يخلق، في رأيي، موقفًا متقاطبًا تجاه هذه الكتابات: شعور القارئ الغربيّ بالرهبة والتهديد من هذا العالم، من خلال إسقاطات لذات القارئ على النصّ حتّى قبل قراءته له، وذلك بسبب معرفته لهذا النصّ (كأليغوريا قوميّة)؛ ومن ناحية أخرى، ثمّة شعور بالانجذاب إلى هذا العالم الفانتازيّ. في رأيي، الحديث عن العجز في نفسيّة المفكّر ابن "العالم الثالث" إنّما يعكس تصوّرًا معيّنًا للكاتب الغربيّ عنه، باعتباره كائنًا يمكن توقّع تصرّفاته وأفكاره، وككائن هو نتاج للإمبراطوريّة الغربيّة وتوسّعاتها.
لا يعني هذا رفضي ادّعاء دلوز وغوتاري أنّ الأدب المكتوب من موقع الأقلّيّة يُنظر اليه كسياسيّ وكممثّل للأقلّيّة التي ينتمي إليها الكاتب. ما أرفضه هو وجهة النظر التي انطلق منها جيمسون في تحليله لـِ "أدب العالم الثالث" وأسلوب تعامله مع هذا الأدب. جيمسون يتحدّث عن "العالم الثالث" وعن سكّان ينتمون إلى موقع جغرافيّ محدّد و"معروف"، بحيث أنّ الكتابة من هذا "الموقع" ليست بالضرورة مثاليّة. على العكس منه، تبرز لدى دلوز وغوتاري أفضليّة الكتابة من موقع الأقلّيّة، إذ يكون هذا الأدب مميّزًا لظروف ثوريّة لكلّ أدب واقع أو قائم إلى جانب "أدب كبير". الكتابة من هذا الموقع يمكن تحقيقها دائمًا بدون الحاجة إلى الوجود في حيّز "معروف" سلفًا. بكلمات أخرى، يبرز لدى جيمسون الجانب النقديّ الغربيّ، بينما يقوم دلوز وغوتاري بتحليل لظروف ثوريّة معيّنة.
 
مَرْكَزَة الهامش: "قشوع" نموذجًا
 
الحديث عن الكتابة من موقع الأقلّيّة يحدونا إلى الحديث عن المشهد المحلّيّ، أي إلى الأدب العبريّ الذي ينتجه  فلسطينيّون. كيما يكون هذا محسوسًا، سأتطرّق إلى أعمال الكاتب العربيّ، من الداخل الفلسطينيّ، سيّد قشوع. اختياري إياه نجمَ عن عدّة أسباب، سأذكر أهّمها باختصار. أوّلاً، منذ ظهور روايته الأولى "عربٌ يرقصون" (2002)، أثار ضجّة عارمة حولها في أوساط الباحثين والكتّاب العرب واليهود على حدّ سواء. الجدال كان حول الجانب السياسيّ لروايته، ولم يجرِ التطرّق إلى قيمة الكتاب الفنّيّة والجماليّة. أزعُم أنّ تسييس الحوار حول هذه الرواية نبع، في الأساس، من كونها مادّة خصبة لبناء الأفكار والتصوّرات حول "العربيّ"، فالرواية ترسّخ نموذجًا عربيًّا نمطيًّا في ذهن القارئ اليهوديّ.
تمحوري في كيفيّة تناول القارئ اليهوديّ للنصّ ينبع، من ناحية، من كون النصّ موجَّهًا إلى هذا القارئ، ومن ناحية أخرى، لإيضاح البعد السياسيّ والجماعيّ لروايتَيْ قشوع.
 
 يمكن القول إنّ قشوع أنتج عالمًا من الفانتازيا لقرّائه اليهود، ابتداءً من أولئك المحسوبين على اليسار الإسرائيليّ، والذين يرون في رواياته تعبيرًا عن ألم وقهر الأقلّيّة الذي مارسته السلطة وأنظمتها المنظورة والشفّافة، ووصولاً إلى قرّائه اليمينيّين الذين يرون في النص تصديقًا لأقوالهم الماهوية والعرقيّة تجاه العرب. على الرغم من محاولات قشوع إبراز "لا سياسيّة" رواياته،[5] كانت كلّ قراءاتها سياسيّة. حقيقة أن الرواية كتبها عربيّ، ابن الأقلّيّة، هي الأساس الذي بُنيت عليه القراءات كافّةً. الأمر "طبيعيّ"، فقشوع، شاء أم أبى، يكتب من موقع الأقلّيّة. وكما ذكر آنفًا، إنّ كلّ ما يرِد في نصوص أدبيّة من هذا النوع يُعتبر سياسيًّا وممثّلاً للجماعة. من هنا كانت دعوة يوحاي أوبنهايمر "من يرغب في فهم ما يحدث للمجتمع العربيّ في إسرائيل، فليقرأ باكورة أعماله هذه ..." (أوبنهايمر 2002)، أو وصْف حايا هوفمان له بأنّه "ينتحل شخصية يهوديّ" (هوفمان 2002). إذًا، الشخصيّات المبنيّة روائيًّا لن يُتعامل معها بمفاهيم روائيّة وأدبيّة بحتة، بل سيُنظر إليها على أنّها ترمز لأمور سياسيّة أخرى. من هذا المنطلق، كان الحديث عن تشابه القراءات "اليساريّة" و"اليمينيّة" لهذه النصوص، فالشخصيّ هنا يفقد خصوصيّته، ويتحوّل إلى سياسيّ. الأمر ذاته في ما يتعلّق بقراءة النصّ كممثّل للجماعة، بمعنى أن القارئ اليهوديّ سيتعامل مع الشخصيّات الروائيّة كشخصيّات من لحم ودم، وكممثّلة للإنسان العربيّ عامّةً.
من المهمّ التنويه إلى أنّ روايات قشوع قابلة لأنْ تُقرأ قراءات مغايرة، لكن، في الآن ذاته، الموقع الذي يتكلّم منه قشوع -كابْن الأقلّيّة-، والأدب الذي ينتجه باللغة العبريّة، يفرضان قراءات معيّنة للنصّ قد تكون بعيدة كلّ البعد عن قصد الكاتب. أقصد ما ذكر حول النظر إلى الكتابة كأقلّيّة من وجهة نظر سياسيّة، وكممثّلة للمجموعة. وأنا لن أنسى هنا مداخلة قامت بها زميلة سوداء في إحدى المناقشات التي طرحتها في الجامعة حول هذا الموضوع، حين أخبرتني عن تفهّمها التامّ لنظرتي هذه لأدب قشوع: "حين يكتب شخص أسود أدبًا كهذا، وينتشر، لا أنكر أنّني أشعر بالكبت وبالرغبة في الانفجار. البيض يبدأون بالتعامل معنا وفقًا لأمور وردت في كتابة من هذا النوع، فتبدو أمورٌ روائيّةٌ وخياليّة واقعًا أقوى من الواقع نفسه".
 
أ. "عرب يرقصون" وانهيار المضامين
 
رواية "عربٌ يرقصون" تروي مرحلة من حياة البطل تمتدّ منذ ما قبل المراهقة حتّى أواسط العقد الثاني. البطل يمرّ بتجارب عديدة، بحكم اختلاطه بالمجتمع اليهوديّ العنصريّ وغير المتقبّل للعربيّ كإنسان، بل كآخر مطلق. الرواية تستعرض كذلك تأثيرات كلّ هذا على البطل، الذي يعيش صراعات عنيفة في داخله تقوده في لحظات معيّنة إلى الضياع المطلق.
لم يكن اختيار وجهة النظر التي منها تُروى الرواية عشوائيًّا. فالراوي شخصيّة شديدة التعقيد بكلّ تلك القوى المتصارعة في داخله. تلك المتمثّلة في والده وتربيته حول العروبة والتمسّك بالأرض، وفي أنّه لا مكان آخر لهم، وأنّ الانتصار على الأعداء يحدث بالإطارات والحجارة (110). وثمّة قوّة أخرى هي الواقع بما فيه من هزائم وعنصريّة؛ فالبطل عايش أحداثًا عدّة - من حروب وتقتيل: صبرا وشاتيلا؛ حرب الخليج؛ يوم الأرض؛ وغيرها. وهو كذلك تعرّض لحوادث عنصريّة أظهرته بصورة "الآخر" المطلق لليهوديّ: فهو – مثلاً - لا يعرف استعمال السكّين والشوكة؛ لا يعرف فرقة البيتلز؛ لهجته مختلفة؛ ملابسه مختلفة (سأله أصدقاؤه بسخرية "هل هناك بناطيل مميّزة للعرب؟"). هذه الاختلافات تجلّت بصورها الأكثر تطرّفًا في حادثين تعرّض لهما في أسبوعه الأوّل في القدس، حيث سافر لمواصلة دراسته في مدرسة عبريّة للموهوبين: الحادث الأوّل حين تعرّض له ولزميله عادل طلاّبٌ من مدرسة بولانسكي فيصفهم: "الطلاّب من بولنسكي يبدون مختلفين عن طلاّب المدرسة، وأنا وعادل نبدو مختلفين عنهم كلّهم". أما الحادث الآخر والأشدّ تأثيرًا في نفس الراوي، فكان في طريق العودة من القدس إلى الطيرة برفقة صديقه في المدرسة (عادل)، حين اقتادهما الجنديّ في مطار بن غوريون من الباص لتفتيشه، إذ إنّهم في هذا المطار "يُنـزِلون العرب" للتفتيش. كانت هذه هي المرّة الوحيدة التي اكتشفوا فيها أنّه عربيّ، "وحالاً بعد ذلك تحوّلتُ إلى خبير في تزييف الهُويّات"، أي في الظهور كيهوديّ والسرور حين يسمع يهوديًّا يقول له ملاحِظًا: "أنت لا تبدو عربيًّا ألبتّة" (67). كل هذا أدّى به إلى فقدان الأمل: "أنا ممتلئ بالكراهية. أكره والدي"، حيث الوالد يمثّل روح العروبة وكرامتها. وهو يمثّلها أيضًا بانهيار القيم فيها، إذ إنّه، ابتغاءَ الحصول على وظيفته، "باع كلّ قيمه. قبل أربع عشرة سنة أيّد عميلاً تنافس على رئاسة البلديّة، وفي المقابل، حصل على إذن بالعمل لصالح الدولة" (133). الأمر نفسه يتكرّر على نطاق أوسع، فأهل الطيرة مثلاً يفتحون حوانيتهم على الرغم من إعلان إضراب يوم الأرض لأنّ الناس "لا يستطيعون السماح لأنفسهم أن يخسروا مالاً. وإضافة إلى ذلك، إنّ هذه الإضرابات تخيف اليهود، المارّين بالقرية في طريقهم إلى تسور نتان وكوخاف يئير. هم زبائن جيّدون" (156). العامل الاقتصاديّ، والدونيّة الثقافيّة والعرقيّة للعربيّ في المجتمع الإسرائيليّ-اليهوديّ، يتّخذان بعدًا أوسع حين يتّضح للوالد أنّ مصر، "أم الدنيا", ما زالت منشغلة بمحاربة الجوع والفقر.

كراهية واحتقار الراوي (العربيّ) للعرب يصلان أبعد حدودهما في الفصل "مساء بوريم"، حيث يدور حوار بينه وبين صديقة عربيّة تُدعى شادية في ملهى ليليّ في القدس الغربية، في أمسية عيد البوريم، حول راقصين عربيّين احتلاّ منصّة الرقص، فيقول: "ممنوع السماح للعرب بالرقص... لماذا لعرب مثلهم أن يرقصوا ديسكو؟! هم لم ينتبهوا إلى أيّ درجة هم مختلفون، هذا غير ملائم لهم! كم يبدون قبيحين!" (126).

هذا الفصل يوضّح عمق الأزمة لدى الراوي (أزمة الهُويّة). فهو لا يكتفي هنا بالمحاكاة الشكلية لثقافة الأغلبيّة، أي المحاكاة في اللباس واللغة والتسريحة والأغاني وغيرها، إنّما تُبرِز المحاكاة هنا، أكثر ما تُبرِز، إذلاله واحتقاره المستعلي لما يسمّيه بالعربيّ. لكن في ذات الوقت، يشعر الراوي بالانتماء إلى هذين الراقصين اللذين يذكّرانه بذلك العربيّ الدفين في أعماقه، والذي يحاول جاهدًا قمعه، لكن دونما جدوى: "إن كنت أبثّ للآخرين ما يبثّه العرب أمامي، فأنا في مشكلة جدّيّة. لكن هذا غير ممكن. الناس لا يخافونني ولا يشمئزّون منّي. وربّما نعم..." (129). وَ "الناس" في هذه الحالة هم اليهود. فهو يستطيع، إذًا، من ناحية، أن يشعر بأنّه يهوديّ وأنّه من عرق وثقافة "أرقى" من تلك الثقافة وذاك العرق العربيّين، لكنّ شيئًا في داخله سيجبره دومًا على التردّد في حقيقة هذا الشعور. هذا الشيء هو ذلك العربيّ المهزوم فيه والذي يشدّه إلى الدونيّة، وهو ذات العربيّ "الشتيمة" (154) الذي أصرّت الثقافة الإسرائيليّة على غرسه في نفوس العرب. فإنّ "العرب الإسرائيليّين" يستطيعون أن يشعروا أنّهم مثل اليهود، وأنّهم من مجتمع وحضارة أرقى من تلك العربيّة، للفلسطينيّين من غزّة مثلاً، لكن عليهم، أي العرب الإسرائيليّين، أن يعوا دومًا أنّهم مختلفون، وذلك بمقتضى كونهم عربًا، تمامًا كما شرح المفكّر الهنديّ هومي بابا في تحليله للمحاكاة. هذا الانتماء الهشّ الذي تمنحه الثقافة الإسرائيليّة، والانتماء المهزوم الذي يستوعبه الفرد العربيّ (الراوي -في سياقنا هذا) يوضّح سبب تلك الحركة الكثيفة للراوي بين الأماكن والثقافات (أي بين الجغرافيا الواقعيّة والجغرافيا المتخيّلة –على حدّ تعبير إدوارد سعيد). هذه الحركة تسبّب له إرهاقًا نفسيًّا وجسديًّا وضياعًا يقوده إلى أسفل سلّم الأخلاقيّات كما يعترف هو بنفسه: "كنت أريد الدخول إلى السرير مع كتاب. مجرّد كتاب، ربّما كتاب نكت أو نوادر جحا. كنت أودّ القراءة بمتعة... كنت أودّ أن يفلت الكتاب من يدي رويدًا رويدًا، أن يسقط على سريري دون أن أشعر. كنت أودّ أن أكون متدثّرًا جيّدًا، أن يكون جسدي بدرجة الحرارة الملائمة له. ألاّ يكون أكثر برودةً أو أكثر حرارة. كنت أودّ النوم بالوضعيّة الأكثر دقّة، أن تكون الوسائد بالارتفاع الصحيح، ألاّ يؤلمني عنقي، وألاّ أحتاج إلى التحرّك... أن أجد راحة حقيقيّة" (122). ومن حلمه الفرديّ يتحوّل إلى أحلام أكثر خياليّة وسخرية: "سأكون رئيس حكومة. أجلب السلام والحبّ إلى المنطقة... سأكون رئيس اتّحاد دول آسيا، وإسرائيل ستسوّق المقلوبة والزعتر في أكبر المجمّعات التجاريّة في نيويورك. الفتاة العارية التي تركتها أمس في الخلف لن تصدّق. لقد ضاجعت القائد الأقوى في العالم" (125).
 
 
بنفس قوة النقد اللاذع الممتلئ سخرية للمجتمع العربيّ في روايته "عرب يرقصون"، يتوجّه الكاتب إلى المجتمع اليهوديّ كذلك، فيُظهره مجتمعًا قاسيًا، عنصريًّا، منغلقًا في وجه الآخر، ذا ثقافة وقيم معقّدة ومصابة بالانفصام في مفاهيمها وبما تربّي أبناءها عليه. أبرز مثال على ذلك صديقةُ البطل "اليساريّة"، نوعمي، التي ألقت عليه محاضرة حول "الإنسان كإنسان، أنّه لا فرق بين الشعوب. إنّ علينا أن نحكم على الأفراد، ومن الممنوع أن ننظر إلى شعب كامل على أنه مجموعة واحدة متجانسة. هي قالت إنّه في كلّ شعب هنالك أشخاص أخيار وآخرون أشرار" (84). لكنّها، وبنفس قوة هذا الإلقاء الخطابيّ، تنفصل عنه، على الرغم من أنّه "ليس لها ما هو ضدّي، لكن من المؤسف أنّهم لا ينادوني حاييم" (88). وتعلّل ذلك أيضًا بالقول: "إنّ والدتي أخبرتني أنّها تفضّل ابنة سحاقيّة على ابنة تصاحب عربيا" (89). هذا التناقض المريب في توجّه نوعمي يثير السخرية والمرارة ضدّها في نفس القارئ، ويحوّل توجّهها العقلانيّ حول تساوي الشعوب والأعراق إلى توجّه ديماغوغيّ خِلْوٍ من أيّ معنى.
في روايته "عربٌ يرقصون"، تبرز مسألة الانتماء المزدوج لبطل الرواية العربيّ، ذي الانتماء الهشّ إلى الثقافة العربيّة واليهوديّة على حدّ سواء. فرانز فانون تحدّث في كتابه "جلد أسود، أقنعة بيضاء" عن العلاقات العرقيّة بين السيّد والعبد، ويُبرِز الصعوبة التي يلقاها العبد في التحرّر من السيّد. تنبع هذه الصعوبة من غيرة الأسود من الأبيض، ومن رغبته -في ذات الوقت- في أن يكون أبيضَ مثله. هذه العلاقة الجدليّة (أو الديالكتيكيّة) بين السيّد والعبد تتضمّن عنصر المحاكاة، حيث الأسود يشعر بالرغبة في أن يكون مثل السيّد، وذلك بأن يرتدي "قناعًا أبيض" على وجهه. الحديث عن محاكاة العبد للسيّد يتّخذ لاحقًا، وفقًا للمفكر الهنديّ هومي بابا، عمقًا أكبر، فالمحاكاة لا تتوقّف عند الأسود، بل يتبنّاها أيضًا "الأبيض"، فيشعر هو كذلك بالخوف من "الأسود"، لكن في الوقت ذاته يشعر بالغيرة، فهو يرغب في أن يكون "أسود".[6] علاقة البطل بالمجتمع الإسرائيليّ هي علاقة محاكاة، بحيث تبرز رغبة البطل العربيّ في أن يكون يهوديًّا، واجتهاده ليظهر بمظهر اليهوديّ.
على الرغم من القدرة على نقد كلا المجتمعين، إنّ رواية قشوع لا تتمرّد على الرواية السائدة في المجتمع الإسرائيليّ. يمكن القول إنّ "عرب يرقصون" تحاول أن تكون مرآة للواقع بـِ"موضوعيّة"، من خلال طرح وجهة نظر مركّبة تجاه المجتمعين: العربيّ واليهوديّ. لست هنا بصدد مناقشة مدى الموضوعيّة الفعليّة لهذه المحاولة، إنّما سأشير إلى أنّ هذه "الموضوعيّة" تُفرَّغ من فحواها بمجرّد التعامل مع هذه النصوص كممثّلة للأقلّيّة، وكذات بُعد سياسيّ.
 
ب. "وليكنْ صباحٌ" وبناء النموذج
أمّا رواية "وليكنْ صباحٌ" (2004)، فتروي قصّة عودة صحافيّ عربيّ برفقة زوجته وطفلته إلى قريته، بعد خيبة أمله من المدينة اليهوديّة. لشرح تعقيدات المجتمع العربيّ، يقوم قشوع بوضع البطل في محكّات مختلفة تُبرز تلك التعقيدات والإشكاليّات لدى المجتمع؛ فهذا الصحافيّ يفاجأ بالتغيّرات الجذريّة في مجتمعه، بعدما قام الجيش الإسرائيليّ بفرض حصار على القرية دونما سبب واضح. من خلال حالة الحصار على القرية، ووجود العرب "الإسرائيليّين" والعرب "الضفّاويّين"[7] في ذات المكان، يشرح قشوع العلاقة بينهما، فيصبغها بطابع طبقيّ استغلاليّ وبجشع العربيّ "الإسرائيليّ"، والأكثر من ذلك: كراهية العربيّ "الإسرائيليّ" لذلك "الفلسطينيّ". لو كُتبت هذه النصوص بالعربيّة، لكان هذا نقدًا ذاتيًّا للمجتمع العربيّ؛ بيد أنّ كتابتها بالعبريّة، وتعاطيها -بالتالي- مع العربيّ بهذا الأسلوب، لا تختلف عن تعاطي أيّ نصّ عبريّ مع الأقلّيّة، وما من فرق سوى أنّ تلك الأمور، التي ذكرها يهوديّ يومًا ما، يؤكّدها هنا عربيّ؛ وهذا ما يضفي على الأمور صبغة حقيقيّة أكثر في عين القارئ.
لم يقتصر حديث قشوع على تصوير العربيّ، بل تطرّق كذلك إلى القرية والمجتمع العربيّ على الجملة. القرية الموصوفة في "وليكنْ صباحٌ" هي نموذج يمثّل كلّ قرية عربيّة، والمجتمع فيها يمثّل كلّ مجتمع عربيّ. هذا هو البعد الجماعيّ والسياسيّ. من هنا، إنّ الحديث عن القرية لا يقلّ أهمّيّة وخطورة عن الحديث عن العربيّ "الفرد". القرية العربيّة تبرز مدى همجيّة "العربيّ"، وتؤكّد تلك الماهيّة العربيّة. هذا برز، مثلاً، لدى حديث صديق البطل عن "قاموس البقاء" في القرية: "أنت مسافر في شارع ضيّق، أتت مركبة مقابلك، ولا مكان لكليكما. ارجع أنت إلى الخلف فورًا. إن كان عليه هو أن يرجع مترين وأنت مئة. دائما ارجع، لأن ذلك قد ينتهي بإطلاق الرصاص. الأمر متعلّق بمن يجلس في السيارة [...] أنت لا تعرف إلى أين عدت" (31). هذه القرية هي المكان ذاته الذي يريد نصف طلاّب أحد الصفوف المدرسيّة أن يكونوا فيه "أعضاء عصابات" (39)؛ وكذلك: "أنت لا تعرف ما يحدث هنا. كل هذه القرية جحر جريمة  [...] كلّ شيء يتوقّف على مسألة القوّة. المسألة المهمّة هنا: لمن هنالك سلاح أكثر وعدد أكبر [...] الحروب الحقيقيّة لهذه القرية هي حروب على شرف، أو على سلطة، أو على إرث، أو على موقف سيّارات" (67). الأحداث في الرواية تتطوّر لتثبت صحّة هذه الأقوال، وذلك لدى سيطرة أفراد عصابة، ممّن يملكون السلاح، على مجريات الأحداث في القرية، وتحوّلهم إلى رموز بطوليّة (178).
المجتمع العربيّ يظهر مجتمعًا فاشلاً: "أجل، ليس ثمّة الكثير ممّا يمكن للمرء فعله هنا، وبخاصّة لمن هو مثلي. أنا لا أزور المساجد، أجتهد للامتناع عن زيارة الأعراس، لا أتلهّى بورق اللعب مع رجال من عمر والدي، ولست مهتمًّا بزيارة الخمّارة الوحيدة في المكان" (82). مكان كهذا يقود إلى موت المعنويّات وفقدان القدرة على البقاء والعيش كإنسان متحضّر -كما يصف البطل ذلك.
المجتمع الموصوف ليس فاشلاً لانعدام الأسس الحضاريّة لوجوده فحسب، بل كذلك بسبب التشرذم والتفكّك والفرديّة وفقدان الانتماء الجماعيّ. هذا يبرز لدى وصف اللقاء بين "العربيّ الإسرائيليّ" وبين "العربيّ الضفّاويّ"، حين تبرز أنانيّة الإسرائيليّ وانسلاخه عن أصوله وانشغاله بمصالحه الفرديّة بعيدًا عن هموم الشعب الفلسطينيّ كافّة، إذ كلّ ما يهمّه ينحصر في الجانب المادّيّ والاقتصاديّ الذي توفّره الدولة له.
انتماء الكاتب العربيّ إلى الآخر الفلسطينيّ -وهي الهُويّة التي عملت الصهيونيّة على إزالتها- شكّل عائقًا في وجه دخول أعماله إلى الأعمال النخبويّة المؤسّسة. من ناحية أخرى، الانتماء إلى (هامش) المجتمع الإسرائيليّ، ومحاولة الكاتب التعايش مع هذا الواقع، جعلا نصوصه نصوصًا متماهية هشّة عديمة التأثير وغير قادرة على مواجهة الرواية العظمى، وإن نجحت في تفكيك الرابط الفوريّ بين الأدب والهُويّة القوميّة للكاتب. كتابة قشوع من موقع الأقلّيّة لم تستغلّ كلّ امتيازاتها وإيجابيّاتها التي تحدّث عنها دلوز وغوتاري، فبرزت رواياته ضائعة ومتشرذمة بين "هنا" وَ "هناك"؛ بين العربيّ واليهوديّ؛ بين المركز والهامش. محاولة الكاتب العربيّ دخول "المعبد المقدّس العبريّ"، عَبْر الكتابة، مصيره الفشل مسبقًا. هذا الفشل نابع من مبنى العلاقات التاريخيّة والسياسيّة بين المركز العبريّ والهامش العربيّ الفلسطينيّ في الدولة وفي الجوار.
البحث في مبنى العلاقات بين المركز والهامش في الأدب, يمكن القارئ المهتم من فهم أوسع لمبنى العلاقات الاجتماعيّ والثقافيّ والسياسيّ بين الأقلّيّة الفلسطينيّة والأغلبيّة اليهوديّة، من خلال تعامل الأغلبيّة مع الأقلّيّة كخارج حدود النص النخبوي. هذا يقودني إلى الاستنتاج أنّ الإبقاء على الأقلّيّة خارج حدود الأعمال النخبويّة مواز لإبعادها عن أرضها، ومرادف لتهميشها من خلال الحفاظ على ثقافة نقيّة من "العربيّ"، تمامًا كالحلم بـِ"أرض نقيّة من العرب".
 
 
 


ثبت المصادر
 
 
أوبنهايمر 2002 = אופנהיימר, יוחאי (2002). "זכות הצעקה במקום זכות השיבה". מעריב (עיתון), 8 פברואר 2002.
أندرسون 1999 = אנדרסון, בנדיקט (1999). קהילות מדומיינות: הגיגים על מקורות הלאומיות ועל התפשטותה. תירגם דן לאור, תל-אביב: האוניברסיטה הפתוחה.
حيبر 2002 = חבר, חנן (2002). "מספרות עברית לספרות ישראלית". תיאוריה וביקורת, מס 20, 190-165.
حيبر 1991 = חבר, חנן (1991). "עברית בעטו של ערבי: שישה פרקים על ערבסקות מאת אנטון שמאס". תיאוריה וביקורת, מס 1, 38-23.
دلوز وغواتري (2002) = דלז, ז יל ופליקס גואטרי (2000). "מהי ספרות מינורית", תירגמה אריאלה אזולאי, מכאן, מס 1, 143-134.
 
سعيد = סעיד, אדוארד (2000). אוריינטליזם. תירגמה עתליה זילבר, תל-אביב: עם עובד.
 كارتون بلوم 2005 = קרטון בלום, רות (2005). "מרטירולוגיה ומלנכוליה: שירת נשים ישראלית והעקידה". מכאן, מס 4, 107-80.
شماس 1986 = שמאס, אנטון (1986). ערבסקות. תל-אביב: עם עובד.
 شنهاب 2004 = שנהב, יהודה (עורך) (2004). קולוניאליות והמצב הפוסטקולוניאלי. ירושלים: הקיבוץ המאוחד ומכון ון ליר.
قشوع 2002 = קשוע, סייד (2002). ערבים רוקדים. בן-שמן: מודן.
 قشوع 2004 = קשוע, סייד (2004). ויהי בוקר.  ירושלים: כתר.
 
لندن 1986 = לונדון, ירון (1986). "אשמת השמאל: ראיון עם א.ב. יהושע", פוליטיקה, מס 4, 11-10.
لؤور 1986 = לאור, דן (1986). "הפסטואים: הסיפור שלא נגמר". הארץ (עיתון), 30 מאי 1986.
 
 موريسون 1997 = מוריסון, טוני (1997). משחקים באפלה: לובן עור והדמיון הספרותי. תל-אביב: הקיבוץ המאוחד.
 
هرنيق 1983 = הרניק, רעיה (1983). שירים לגוני. תל-אביב: הקיבוץ המאוחד.
هوفمان 2002 = הופמן, חיה (2002). "מתחפש ליהודי". ידיעות אחרונות (עיתון), 1 פברואר 2002.
 Fanon, Frantz (1967). Black Skin, White Masks. New York: Grove Press.
 Jameson, Fredric (1986). "Third-World Literature in the Era of Multinational Capitalism". Social Text, 15, 65- 88.
 
 
(هذا المقال نشر في مجلة "مدى اخر" الصادرة في حيفا)


[1]  مقتبس عند لندن 1986، 10-11.
[2]  إندرسون ينطلق من وجهة نظر ترى أنّ الانتماء القوميّ (nation-ness) والقوميّة (nationalism) هي منتجات ثقافيّة.
[3]  لقراءة أكثر توسّعًا، في الإمكان مراجعة: إندرسون 1999، 53- 68.
[4] بالامكان مراجعة قصّة إسحق (عليه السلام) وقصّة القربان، كما وردت في سفر التكوين، الإصحاح 22: 1-16.
[5]  على سبيل المثال، على الغلاف الخلفيّ لروايته "وليكنْ صباحٌ" (بالعبريّة)، ذكر أنّ الرواية ليست سياسيّة.
[6] فانون متأثـّر بالعلاقة الجدليّة التي تحدّث عنها هيجل بين العبد والسيّد التي تقود العبد، في نهاية المطاف، إلى التحرّر من السيّد والتخلـّص منه.
[7]   "الضفّاويّين" هو تعبير عامّيّ يراد به الهزء والاستهانة بالطرف الذي يوجَّه إليه هذا التعبير.



#هدى_ابو_مخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انفصال
- التمرد على الشئ, بدون تمرد – ملاحظات حول مقال -العنوسة خير أ ...
- نساء العالم الثالث وخطاب الاستعمار: نقاش في بديهيات الخطاب
- المراة, الحب الفضائيات وترسيخ ثقافة الاضطهاد!
- النساء في الحروب: ضحايا للقومية والانتماء الجنسي
- كوكاكولا. الرمز الثقافي؟! والتنقيب خلف عمق للثقافة
- دعوة جادة لانشاء مجموعة ضغط لمقاطعة مؤسسات الاضطهاد!!
- استرداد الحقائق من -علمية- الثقافة السائدة - 2
- رد على مقال رجا زعاترة- ايكون بشارة نبيا بلا كرامة في وطنه؟
- انهم يكذبون عليك!!- 1
- توالد الهزائم- نص حداد
- انتاج العربي في الخطاب الصهيوني قبل قيام الدولة
- مسافات...
- قضية المكان: بين مخطط المؤسسة والحل الجماعي
- حرب ام محاولة دفاع؟
- مصر, الحرية و-المعادلة- المحلولة
- من سيرة ذاتية لأقلية: خطاب النصر خلف تجربة الهزيمة في -عرب ي ...


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى ابو مخ - النص كمنهجية إقصاء: الأدب العبري كنموذج