أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى ابو مخ - مسافات...














المزيد.....

مسافات...


هدى ابو مخ

الحوار المتمدن-العدد: 714 - 2004 / 1 / 15 - 04:46
المحور: الادب والفن
    


حين هاتفني اخر مرة, اخبرته اني شبه يائسة. كان متعجبا: "لماذا؟! مقالاتك مذهلة!!"
اردت اخباره عن عبثية ما بيننا, وباننا نتكلم كالاغراب. لكني لم اقل شيئا. لم يطل حديثنا. اخبرته بعد ان قال الى اللقاء "والدي توقف عن المقاومة, لقد اعلن هدنة مع الواقع"
"اعلم. قرأت ذلك في احد مقالاتك"
ياه!! ما ابعد المسافات بيننا. كدت اقول له "كان بامكانك الاكتفاء برسالة الكترونية. لم يعد صوتك يحمل شيئا"
لكني قلت "الى اللقاء"
قبل ان اضع السماعة همس "اشتقتلك"
أردت ان اقول له اني بالكاد اتذكره, وان عامين من الفراق ليسا زمنا قصيرا. كنت غاضبة منه "صورتك التي بعثتها بالايميل لا تشبهك"
"انت محقة". كان في صوته مرارة عميقة. وزنه نقص كثيرا, وعظام وجهه باتت اكثر بروزا.
"باقة تغيرت ايضا... قليلا" قلت وغصة في صوتي. هو الوحيد القادر على حثي على الالم. كنت اتأمل في صورته التي انزلتها من الكمبيوتر, عينان خبت فيهما روح الحماسة. يوما كانت اعيننا اوطانا.
"اجل, رايتها في مقالاتك. لا تزال بذات الغباء"
"لقد انهوا بناء الجدار الفاصل بيننا وبين باقة الشرقية"
"وصلتني الاخبار. الامر مؤلم"
كلما تحدث عن الالم شعرت بداخلي جرحا ينزف.
"مؤلم؟!" اختنق صوتي. تذكرت لقائنا الاول قبل حوالي عامين في مظاهرة عند احد الحواجز ضد احدى المجازر في مخيم جنين. كلانا اتفق حينها ان اي مظاهرة سلمية هي قمع لاي محاولة تغيير او تمرد. بعدما زرنا المخيم اصبنا بصدمة عنيفة, لدرجة اننا صرنا نقيس عرض الشوارع في باقة "هذا الشارع يتسع لدبابة وذاك لا". كنا نقيس باعيننا الجدران التي قد تحطمها دبابة قررت يوما تكريس الاحتلال في القرى والمدن العربية في اسرائيل. كنا اعظم واهمين حينها. الواقع بدا معقدا, لا يحمل اي امل, واي محاولة للتعامل معه بدت عبثية. اقسم لي على الرحيل, انذاك. لم اجادله "فلترحل... هل تظنني باكية اياك؟!"
مسح دموعا تكاثفت في عيناي:
"لا اعلم... انا فقط لا اعلم"
كان مدمنا على الضياع, وكنت اعشق فيه هذا الضياع. "أنت الحالة الوحيدة التي لا افهمها" دائما رددت له.
كلما تحدثنا عن جنين صمت الكلام وتباعدنا. اتفقنا مرة على تغيير تاريخ تعارفنا, لكننا في كل تاريخ وجدنا هزيمة, فاتفقنا على الاستهزاء- هكذا, بلا اي هدف. كلانا انهمكنا حينها بتسجيل اسماء القتلى حتى احبطنا, فمزقنا اوراقنا وفكرنا ان نبدا بكتابة اسماء الاحياء. لكننا ندمنا وعدنا الى الاموات. في مساء احدى الهزائم اخبرني بحاجته الى الهجرة وانه فقد كل اهتمام بالمكان. بدوري اخبرته بكراهيتي المطلقة للمكان. في كل مساحة صمت بيننا, ربض مهاجر اجبره الوطن على الرحيل "لا شئ يستحق البكاء, هو الوطن فقط ضاع. بايرون مثلنا لم يجد مرفأ"
"انها السخرية" ضحكنا نجتهد لملاشاة تلك المساحة وذلك المهاجر.
كان يملؤنا الذعر من صورة رمادية الالوان علقت على الجدار للاجئ يحمل على كتفه صرة ملابسه ويعبر الحدود.
"ارفض هذا المصير"
كلانا شعر عمق الفاجعة. اخر مرة التقيته فيها اخبرني انني الانثى الوحيدة التي قد يعود من اجلها. اخبرته انه قطعا ليس الرجل الوحيد الذي ساحبه – كنت اعالج الفراق. حين ناقشنا القضية بهدوء, تعمقت الازمة بيننا. العالم كان في مرحلة الانهيار وكلانا شعر بالحاجة الملحة للبكاء.

"انا فخور بك" قطع علي افكاري. "انت تكتبين بقوة"
اردت ان اصرخ بوجهه انه ما كان عليه الاتصال, فهكذا كان الاتفاق. ان اخبره انني نسيت حتى صوته, وعالجت نفسي من ادمان ذكرياته. لكني ابتسمت:
"سيظن الجميع انك سبب جنوني واحباطي. ساتهم باني ولدت لقيطة على مفرق احدى الهزائم العاطفية"
"لكنك لست كذلك. انا اعرف"
"الذكريات صعبة احيانا كثيرة. كل تلك المشاعر المهزومة التي سكنتنا يوما, كانت كابوسا. حين رحلت ايقنت ان علي المقاومة, وان لا شئ يجب ان يكون صعبا. اعواما من مقاومة الياس خلفت بي الحياة, وها انا عدت الى الكتابة. انه جزء من فعل الانتصار"
صمت عميق لفنا. وصلتني انفاسه من الطرف الاخر, من بعيد. حتى قال:
"ايه عزيزتي!! الايام تمر سريعة. اتعلمين بم افكر الان؟ ان احزم امتعتي واعود اليك. ساقول لك كل ما لم اقله يوما"
"وما الذي يمنعك من ذلك؟" شعرت بالدفئ وبشوق عنيف لان اراه "انا افتقدك بشدة"
صمت طويلا ... طويلا جدا:
"لربما يوما ما, ربما"
وكان حزينا ... جدا.



#هدى_ابو_مخ (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية المكان: بين مخطط المؤسسة والحل الجماعي
- حرب ام محاولة دفاع؟
- مصر, الحرية و-المعادلة- المحلولة
- من سيرة ذاتية لأقلية: خطاب النصر خلف تجربة الهزيمة في -عرب ي ...


المزيد.....




- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى ابو مخ - مسافات...