أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هدى ابو مخ - قضية المكان: بين مخطط المؤسسة والحل الجماعي














المزيد.....

قضية المكان: بين مخطط المؤسسة والحل الجماعي


هدى ابو مخ

الحوار المتمدن-العدد: 704 - 2004 / 1 / 5 - 08:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاماكن في اسرائيل مرسومة ببراعة وخبث شديدين. من يتجول فيها يتمكن من التعرف وبصورة سهلة على القرى والمدن العربية وتمييزها عن تلك اليهودية. لا اتكلم هنا فقط عن اسلوب اللباس, عن اللافتات بالعربية, عن الماذن والكنائس, عن الحجاب عن الصليب ورموز دينية او قومية اخرى تخص الاقلية. اتحدث ببساطة عن المنظر العام للمكان. منظر يمكن من صنع فارق شديد الجوهرية. فارق واضح, فارق يفرض التعرف على المكان كمكان عربي, واخر كيهودي. ففي حين تعاني القرى والمدن العربية في اسرائيل من نقص الميزانيات, من الديون المتراكمة, ومن التجاهل المستمر للحكومات, فنراها اماكن تعشش فيها روح ثقيلة كانها الفناء, بتلك الشوارع الشبه معبدة, والمداخل الاشبه بمنطقة صناعية في فيلم مرعب, ودوار صغير في مدخل كل بلدة عربية – وكانه لغة الفن والجمال الوحيدة التي تمتلكها, واشجار قليلة جدا يكتسيها هي الاخرى غبار, وازدحام وفوضى, وانعدام للاشارات الضوئية, وغيرها. نرى مدنا يهودية متطورة, تتبناها الحكومة بمشاريع التطوير والاعمار, برصد الميزانيات وبجعلها جزءا من الحكم المركزي. من يمارس الانتقال بين الاماكن يستطيع الشعور بالصعوبة المعنوية والنفسية لهذا الانتقال بين هذه الاماكن. ففي حين تشد المدن اليهودية –من ناحية مبنى البلدة وشكلها الخارجي, وانا اصر على ابراز هذا الجانب في عملية الانتقال هذه- الشخص اليها بجمالها وتمنحه شعورا نفسيا غامرا بالسعادة, نرى على النقيض منها البلدان العربية والتي تبث الشعور بالكابة والاحباط, والاهم بالاختلاف. هذه الكابة والاحباط ليسا مجرد حالة نفسية فردية, بل هي جزء من تخطيط المؤسسة, لجعله شعورا جماعيا قوميا للاقلية فيها.
الامر لا يعني البتة ان شحة الميزانيات هي الوسيلة الوحيدة لضمان الاختلاف بين العرب واليهود, بل هنالك وسائل كثيرة اخرى من الاضطهاد تمارس يوميا وفي شتى المجالات (التربوية, الصحية, الثقافية وغيرها). كما ان هذا لا يعني ايضا ان البلدان العربية ولدت على يد اسرائيل بهذا الشكل, فالبلدان العربية وجدت قبل قيام اسرائيل بقرون كثيرة وبهذا المبنى. لكن ما اعنيه ان المسار الذي كان يجب ان تسلكه هذه المدن في تطورها – بدون ان يعني الامر بالضرورة الاستغناء عن اية رموز قومية او دينية- هذا المسار تمت عرقلته على يد المؤسسة, ما ادى الى عرقلة او "تخلف" في تطور القرية او المدينة العربية.
 الامر ليس عبثيا اذا, والدولة تعي جيدا المنهجية عميقة الجذور التي اوصلت الوضع الى ما هو عليه اليوم, وتجتهد لمواصلة تطبيقها. الجذور التي تتغذى من فكر عنصري ومتعنت يتعامل مع العربي على انه الاخر المطلق, ويصر على حتمية استمرارية تصور كهذا – في اذهان الاغلبية اليهودية. فالفارق اذا ليس امرا ساذجا او غير مقصود, بل هو تصور يتخذ ماديته بالذات من خلال التمييز المؤسس, بحيث يكون علامة فارقة بين المجتمع العربي (الاخر, المتخلف, الجاهل الغير محب للجمال وغيرها) وبين المجتمع اليهودي (الانا, المتحضر, المثقف, المحب للجمال وغيرها). فمسالة عدم رصد الميزانيات للبلدان العربية اذا, هي في الواقع جزء –واشدد هنا على كلمة جزء- من سياسة تعي اهمية الحفاظ على فرق ومسافة معينين بين ابناء القومية اليهودية وبين ابناء القومية العربية. وهذه ليست مجرد عنصرية, بل مشروع فاشي يسعى الى تكريس دونية العربي, وبالمقابل عليائية اليهودي, مع ما للامر من ابعاد مستقبلية.
كل فلسطيني يعيش في اسرائيل يتذكر تلك المظاهرات الكثيرة للسلطات المحلية العربية والتي رفعت شعار طلب المساواة بمثيلاتها اليهودية, والحصول على الميزانيات من اجل تطوير البنى التحتية لها. ودوما كانت هناك التعهدات والوعود بالمساواة الكاملة, لكن دوما الحكومات نكثت بوعودها تلك. عدم الوفاء هذا بالتعهدات كانت له ابعاد عديدة رمت الحكومات المتتابعة الى تحقيقها: 1. بث الياس في نفوس العرب, هذا الياس المرادف للشعور بالهزيمة امام المؤسسة 2. والاثبات لهم في ذات الوقت بانهم ليسوا ابدا مثل اليهود, اي بانهم مختلفون. 3. ولكن الامر الاهم – والمرتبط بشدة بالنقطتين السابقتين- هو عدم احراز اي تغيير ملموس في الواقع, والحفاظ على الاختلاف بين المدن العربية واليهودية – اي اابقاء الواقع على ما هو عليه.
لعقود عديدة, سار الناس في البلدان العربية التي تقل جمالا وتطورا عن تلك اليهودية. وعلى مدى هذه العقود استبطنوا الاحساس الجارف بالاختلاف عن اليهود. هؤلاء الناس –جيل جدي رحمه الله- امنوا في اعماقهم ان هذا الاختلاف حتمي, فكيف لليهودي المنتصر والمتقدم ان يتساوى مع العربي المهزوم؟ -وجدي رحمه الله كان جنديا في احد الجيوش العربية في عام 48, وقد عايش الهزيمة العربية وعايش الخيانة العربية (الاردنية), فكان لهذا ان عزز فيه الاستسلام للواقع كما هو, اذ ايقن ان لا سبيل له الى مقاومة هذا الكيان, ففضل الحياة على فعل المقاومة. والدولة تفضل اشخاصا مثل جيل جدي, اشخاصا فقدوا اي حس للمقاومة, اشخاصا يعرفون باختلافهم, ويعترفون بدونيتهم. وادعائي هو ان التمييز في الميزانيات الممنوحة للبلدان العربية من اجل تطويرها جاء عمليا من بين ما جاء من اجله, الى تعزيز الشعور بالدونية والمحافظة على استمراره على مدى اجيال كثيرة قادمة, اي بناء اجيال تبحث عن البقاء المجرد.
وارجو الا يفهم من كلامي هذا انني ابرئ المجتمع العربي مما ال اليه حاله, بل على العكس, فانا - انما انتقد من بين ما انتقد- تلك السلبية في تعامله مع الامور, وتلك النبرة البكائية لديه في تعاطيه مع المسالة. وتلك الانانية لدى افراده وتغاضيهم عن واجباتهم للجماعة. شخصيا اعتقد ان التغيير لن ياتي من الحكومات ومن المؤسسة الحاكمة, والميزانيات لن تعطى لنا يوما – وهذا امر يجب استيعابه جيدا. الحل يجب ان ياتي منا نحن, اذ يجب علينا الاجتهاد من اجل اقامة المؤسسات الملائمة لرصد الميزانيات من خلال تكاتفنا كجماعة, اي تبرعنا نحن ذاتنا لتطوير بلداننا.



#هدى_ابو_مخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب ام محاولة دفاع؟
- مصر, الحرية و-المعادلة- المحلولة
- من سيرة ذاتية لأقلية: خطاب النصر خلف تجربة الهزيمة في -عرب ي ...


المزيد.....




- مصر.. صورة دبابة ميركافا إسرائيلية بزيارة السيسي الكلية العس ...
- ماذا سيناقش بلينكن في السعودية خلال زيارته الاثنين؟.. الخارج ...
- الدفاعات الروسية تسقط 17 مسيرة أوكرانية جنوب غربي روسيا
- مسؤولون في الخارجية الأمريكية يقولون إن إسرائيل قد تكون انته ...
- صحيفة هندية تلقي الضوء على انسحاب -أبرامز- الأمريكية من أمام ...
- غارات إسرائيلية ليلا على بلدتي الزوايدة والمغراقة وسط قطاع غ ...
- قتلى وجرحى جراء إعصار عنيف اجتاح جنوب الصين وتساقط حبات برد ...
- نصيحة من ذهب: إغلاق -البلوتوث- و-الواي فاي- أحيانا يجنبك الو ...
- 2024.. عام مزدحم بالانتخابات في أفريقيا
- الأردن.. عيد ميلاد الأميرة رجوة وكم بلغت من العمر يثير تفاعل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هدى ابو مخ - قضية المكان: بين مخطط المؤسسة والحل الجماعي