أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - طارق اسماعيل - جماعة المنبر والحركة الشيوعية العراقي: قراءة تاريخية- راهنة لبعض أجنحة الحركة الشيوعية















المزيد.....



جماعة المنبر والحركة الشيوعية العراقي: قراءة تاريخية- راهنة لبعض أجنحة الحركة الشيوعية


طارق اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 4921 - 2015 / 9 / 10 - 19:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


 
جماعة المنبر والحركة الشيوعية العراقي:
قراءة تاريخية- راهنة لبعض أجنحة الحركة الشيوعية *

أستاذ العلوم السياسية في جامعة كالغاري - كندا
مقدمة
إن العودة إلى قراءة بعض وثائق الحركة الشيوعية العربية ومواقفها من الأحداث والقضايا لا يتعلق بالتاريخ فحسب، وإنْ كان الأمر مهماً، بل وضرورياً، لكنه بهذا القدر أو ذاك هي قراءة تتعلق بالحاضر أيضاً، ناهيكم عن التصوّرات حول المستقبل. والأمر غير مقتصر على البحث الأكاديمي فحسب، لكنّه يرتبط إلى حدود كبيرة بالواقع الفكري والسياسي في الماضي والحاضر، ولاسيّما ما تركته الحركة الشيوعية بمختلف أجنحتها من تأثيرات على مجتمعاتنا العربية، سواء على الصعيد الوطني في عدد من البلدان العربية، حين كانت قوة مهمة ولها نفوذ كبير وبشّرت بقيم الحرّية والعدالة الاجتماعية وتحرّر المرأة والتحرر الوطني من نير الاستعمار والامبريالية، أو على الصعيد العربي، ناهيكم عن امتداداتها الأممية ودورها العالمي، ولاسيّما في فترة الحرب الباردة والصراع بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي.
ولهذه الأسباب فإن إعادة قراءة بعض المواقف والوقائع والوثائق التي تخص أطرافاً من الحركة  الشيوعية، لا يعتبر ماضياً، بل إنه يتّصل بالحاضر على نحو شديد الوثوق، خصوصاً بصميم التحدّيات التي تواجه بلداننا وأمتنا العربية وقسواها التقدمية، بما فيها الحركة الشيوعية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) في الأصل دراسة نشرت باللغة الانكليزية ، بعنوان: “Al –Menbar Group and the Iraqi Communist Movement” International Journal of Contemporary Iraqi Studies, vol.7 no. 2 (June 2013), pp. 91-107- Tareq Y. Ismael. وقد قام الدكتور عبد الحسين شعبان بكتابة مقدمة النسخة العربية لهذه المقالة.

إن الإضاءة التي تقدّمها هذه المقالة عن حركة المنبر الشيوعية (العراقية) إنما هي استكمال لدراسة الباحث حول الحزب الشيوعي العراقي التي صدرت بكتاب بعنوان " The Rise and Fall of the Communist Party of Iraq " [1]وسبق للباحث أن نشر أبحاثاً حول الحركة الشيوعية العربية واليسار العربي عموماً. إن هذه الاستعادة الاستكمالية هي محاولة في الكشف عن جوانب من التاريخ الشيوعي العراقي لم يسلّط عليها الضوء الكافي، لأسباب تتعلق بالصراعات الداخلية والمواقف التقليدية التي ظلّت مهيمنة على قطاعات غير قليلة، بما فيه الثقافة والمثقفون الماركسيون.
لقد كانت أية محاولة للنقد والمراجعة سرعان ما تجابه بأقسى الإجراءات وتنعت بأشد النعوت، فما بالك إذا كان الأمر اتّسم بسعي حثيث ومحاولات جادة، حتى وإن لم يكتب لها النجاح تنظيمياً، أو إنها انتهت إلى الفشل بحكم عوامل موضوعية وأخرى ذاتية، في تقديم قراءات جديدة للماركسية منطلقة من الواقع والتجربة والاجتهاد، خصوصاً في قضايا ذات حساسية شديدة، مثل الموقف من الحرب العراقية- الإيرانية، التي شكّلت محوراً أساسياً لنهجين متباعدين، في ظل أوضاع شديدة الالتباس والتشوّش والضغوط الخارجية وممارسات النظام السابق القمعية.
لقد اختطت حركة المنبر نهجاً مختلفاً عن مواقف القيادة الشيوعية الرسمية إزاء القضايا العربية بشكل عام والحرب العراقية- الإيرانية بشكل خاص، إضافة إلى نقدها الموقف المتسرّع من قضايا التحالفات الجديدة بعد انفضاض التحالف مع حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي أبرم جبهة وطنية مع الحزب الشيوعي دامت نحو خمسة أعوام 1973-1978 أو مطلع العام 1979، ثم تخلّى عنها ولاحق الشيوعيين وأدخل المئات، بل والآلاف منهم في السجون.
وعلى الرغم من أصاب الشيوعيون من عسف وملاحقة وهجرة، إلاّ أن حركة المنبر اتخذت موقفاً متميّزاً من الحرب العراقية- الإيرانية، وظلّت تصرّ على شعار وقف الحرب فوراً والجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حلول تنسجم مع القانون الدولي وحسن الجوار والمصالح المشتركة. واعتبرت حركة المنبر أن تلك الحرب لا تخدم سوى الامبريالية والصهيونية، ثم تطوّر موقفها بالتداخل الإيراني إلى اعتبار الحرب أصبحت عدوانية من الطرفين، بعد أن كانت هجومية من جانب العراق ودفاعية من جانب إيران.
لكن تطوّر مجريات الحرب ومحاولات إيران اختراق الأراضي العراقية بعد سحب قوات الجيش العراقي من الأراضي الإيرانية إثر معركة المحمّرة (خرمشهر) العام 1982، ومن ثم احتلال الفاو من جانب إيران والسيطرة على جزيرة مجنون الغنّية بالنفط والتلويح بالبديل الإسلامي، دفع بحركة المنبر إلى إعلان وقوفها ضد المشروع الحربي والسياسي الإيراني، معتبرة الدفاع عن الوطن واجباً وطنياً والتأكيد على حق الشعب العراقي في اختيار نظام الحكم الذي يرتأيه دون إملاء أو استتباع، ودون أن يؤثر ذلك على موقفها من إقامة نظام ديمقراطي وإنهاء الاستبداد والممارسات القمعية للنظام الدكتاتوري حسب توصيفها.
وكان هذا الموقف، إضافة إلى مواقف أخرى تتعلق بأساليب الكفاح والخسائر البشرية الهائلة للطليعة الشيوعية والموقف من تأثيرات الحركة الكردية على نهج الحزب الشيوعي، فضلاً عن تقويم سياسة التحالفات في الماضي والحاضر، إضافة إلى القضايا العربية، ولاسيّما الموقف من القضية الفلسطينية والوحدة العربية والمتغيّرات الحاصلة على الساحة الدولية، خصوصاً الدعوة إلى الشفافية والإصلاح وإعادة البناء، نقول أن هذه المواقف كانت وراء الانقسام الذي حصل في الحزب الشيوعي العراقي والذي تبلور الإعلان عنه رسمياً ما بعد المؤتمر الرابع للحزب 1985 وإعلان حركة المنبر رسمياً بعد ذلك، مفتتحة باكورة عملها بنداء لوقف الحرب العراقية- الإيرانية.
لقد قادت حركة المنبر صراعاً على جبهتين داخلية ضد الاتجاهات الممالئة للتوجّه الإيراني والتي تريد استمرار الحرب حتى الإطاحة بنظام صدام حسين، وهو ما كانت غالبية القوى الإسلامية والكردية وأطراف من الحركة الشيوعية تميل إليه، خصوصاً بتقديم شعارات الإطاحة بالنظام على وقف الحرب، في حين كانت حركة المنبر تدعو إلى وقف الحرب فوراً واستمرار النضال لإقامة حكم ديمقراطي، دون ربط موضوع إطاحة النظام بوقف الحرب درءًا للمشروع الآيديولوجي والسياسي الإيراني.
أما الجبهة الثانية، فهي الجبهة الفكرية، حيث قدّمت قراءات أولية نقدية للكثير من المقولات الماركسية والنصية الآيديولوجية داعية إلى نبذ الكسل والإتكالية التي حوّلت الماركسية إلى مجرد أدعية وتعاويذ كما عبّر عن ذلك أحد قادة المنبر، والانطلاق إلى الحياة ذاتها لحذف ما لا يصلح مع الأخذ بنظر الاعتبار المصالح الوطنية العليا للعراق وكادحيه، في ضوء منهج حيوي يستجيب للمتغيّرات الداخلية والعربية والعالمية ولروح العصر.
وإذا أردنا تحيين هذه المواقف، فإن موقف الحزب الشيوعي الرسمي من الحصار الدولي الجائر الذي استمر نحو 13 عاماً ومن مشروع الاحتلال الأمريكي للعراق، لم يكن خارج سياقه وسياساته التي اتبعها بشأن الحرب العراقية- الإيرانية، فقد ارتضى العمل في مجلس الحكم الانتقالي الذي عيّنه بول بريمر في العام 2003، ووافق على الدستور المؤقت " قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية" العام 2004، والدستور الدائم لعام 2005، الذي يكرّس نظام المحاصصة الطائفية- الإثنية، ويضع عقبات حقيقية أمام التحوّل الديمقراطي في العراق الموحد على أساس المواطنة والاعتراف بالحقوق، وكذلك أيّد الاتفاقية العراقية- الأمريكية لعام 2008 وتغافل عن المطالبة بالانسحاب الفوري للقوات المحتلة، ناهيكم عن مواقفه التشكيكية بأية محاولات لمقاومة المحتل، سواءً كانت سلمية أو عنفية، طالما تدعو لإنهاء الاحتلال، وظلّ على هذا الموقف حتى عشية قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما سحب القوات الأمريكية من العراق (أواخر العام 2011) بسبب الخسائر البشرية والمادية التي تعرضت لها والأزمة الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة والعالم وضغط الرأي العام الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام المناهض للحرب أساساً.
إن نشر مواقف حركة المنبر وإن كانت تتعلق بمضي نحو ثلاثين عاماً عليها، الاّ أنها تعتبر راهنة لارتباطها بمواقف أجنحة معينة من الحركة الشيوعية من الاحتلال ومن نظام المحاصصة الطائفي- الإثني، خصوصاً وقد عبّرت أوساط واسعة من قيادات وكوادر شيوعية معارضتها لهذه السياسة، واتّخذت مواقف مناوئة لها، داعية إلى استعادة الهوّية الوطنية للشيوعيين العراقيين وتنقيتها مما علق بها من شوائب.
ولقد اعتمدت هذه المقالة على أدبيات الحزب ومقابلات أجراها الكاتب، إضافة إلى المراجعات الفكرية والآيديولوجية النقدية للمنبر، والتي بدأت كمجموعة غير راضية من داخل الحزب الشيوعي العراقي في الثمانينيات، ولاحقاً تبلورت كفصيل مستقل والتي نُظر إليها باعتبارها "مجموعة منشقّة" ولها وجهات نظر مختلفة، حيث شملت القضايا المركزية والسياسية العراقية بما فيها النقاش الخاص بانفراط " الجبهة الوطنية" في العام 1979، وما تمخض عنها من ضغوطات على الحزب الشيوعي من قبل حزب البعث، واندلاع الحرب العراقية- الإيرانية وتطوراتها، وطبيعة المسألة الكردية في سياسات الحزب الشيوعي العراقي ودور الحركة الثورية في السياسات العربية. أخيراً هذه المقالة تقيّم الأثر الذي أحدثته حركة المنبر في حياتها القصيرة، في الحركة الثورية العراقية بشكل خاص، وفي السياسات العراقية بشكل عام.
أولاً: انطلاق حركة المنبر
في مواجهة بروز العديد من التحدّيات والصعوبات التي واجهت المجتمع العراقي في العقود الأخيرة من حكم البعث، تنبثق مجموعة من داخل الحركة الشيوعية العراقية تعرف بالمنبر ولاحقاً وقبل حلّها عرفت بـ " المنبر الاشتراكي الديمقراطي العراقي[2]" (ابراهيم 2002 ص 266)، تحاول أن تعيد النظر بسياسات الحزب الشيوعي العراقي نفسه، وتطرح أيضاً برنامجاً لتوحيد القوى التقدمية العريضة في المجتمع العراقي، باسم "الخلاص الوطني". وقد أفصح المنبر عن جهد واضح في دعوته تلك استجابة لضرورة وطنية وبأسلوبية براغماتية عالية نظراً للمعاناة المتصاعدة بسبب الحرب والدكتاتورية.
لم ينجح المنبر في سعيه في توحيد الفصائل المنقسمة عن الحزب الشيوعي العراقي أو في توسيع العمل في قيادة الحزب بمختلف درجاته الحزبية، والتي كانت بشكل متزايد تنفصل وتهجر الحزب تحت ضغط وقساوة قمع الدولة وظروف المنافي القاسية. ولم تتمكّن (جماعة المنبر) من بناء اتفاقات مع القوى التقدمية الأخرى لدمقرطة المعارضة والتوجّه للعمل على إقامة نظام جديد، حتى عندما كان البلد يواجه تحدّياً خارجياً، لاسيّما بعد اختراق القوات  الإيرانية للأراضي العراقية.
إن حركة المنبر كانت مهمة لأنها عملت بطريقتين، الأولى أنها كانت واضحة بالنسبة لأعضائها من ذوي الخبرة، والثانية لجهودها الفكرية وقدرتها على المواجهة في ظل استمرار الحرب واستمرار الدكتاتورية، خصوصاً في فترة نهاية القرن العشرين مع انحدار الشيوعية السوفييتية.
كانت المنبر تعمل في ظل تناقضات وصراعات حادة منها العربية- الكردية والسنية- الشيعية ونظر حينها إلى العراق كتجربة متناقضة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وبين نمط التحوّل الاشتراكي وعودة الرأسمالية، ولاسيّما خلال الحرب العراقية- الإيرانية، وما بعدها حين شهدت عمليات تفكيك القطاع العام والعودة إلى الخصخصة بشروط الاقتصاد العالمي والقوى الامبريالية المهيمنة. وبالطبع فإن القيادات الشيوعية التقليدية كانت قد حسمت الموقف من موضوع النفوذ السوفييتي، حيث ظلّت سياساتها تدور حول مسألة محورية وهي مقدار التدخل السوفييتي في خط اتجاه القضايا الحزبية.
تعتبر الثمانينيات فترة تحدٍ كبير للشيوعيين السوفييت، فقد تمخّضت عن بعض  الإصلاحات الضرورية وما عُرف (حينها ، الأمين العام للحزب 1985) بـ: الغلاسنوست (العلانية) والبيرسترويكا (إعادة البناء) وذلك بمبادرة ميخائيل غورباتشوف، وانعكست قراءاتها لاحقاً على عدد من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية، للدولة العراقية والمجتمع العراقي تحت ظروف الحرب العراقية- الإيرانية. واجه الحزب الشيوعي العراقي وأعضاءه تحدّيات كبيرة وهو كغيره من أجنحة الحركة الشيوعية العالمية، فإنه إضطر للتعامل مع التغيرات المنبثقة من التجربة السوفييتية، فاتحاً قضايا كانت معلقة لزمن طويل، فيما يخص مدى الهيمنة للعوامل الخارجية التي يسمح بها الحزب وإمكانية إجراء تغييرات ديمقراطية في العراق.
المنبر وحتى في ظل قلة نجاحها، تمثّل "تأنيباً" عراقياً للسياسات التي تنظر للعراقيين ببساطة من خلال هويتهم الطائفية والإثنية، وكذلك هي كصوت إنساني ضدّ من هم اليوم يسائلون رغبة العراقيين لقبول غير مباشر أو اشتراك في تدمير مجتمعهم.
كثيراً من الذين ارتبطوا بحركة المنبر كانوا يعانون من حياة المنفى وهم يراقبون سنين الحرب والحصار وضراوة الاحتلال (لاحقاً)، ولم يسكتوا عن آمالهم المحبطة في تطور اجتماعي واقتصادي.
المنبر تذكرنا بأن انتقال العراق من مجتمع متميّز إلى دولة فاشلة مع تدمير إنساني حاضر لم يكن مرصوداً.
ثانياً وهو أكثر إثارة للاعجاب، فإن المنبر كانت الوحيدة في توقعاتها للدّمار الذي سيحصل نتيجة للأحداث التي حصلت لاحقاً.
الأحداث العاصفة التي تواجه العراق كانت كبيرة بما فيها نهاية الحرب العراقية- الإيرانية في العام 1988، غزو الكويت في العام 1990، وفرض الحصار الاقتصادي من قبل المجموعة الدولية، وتفكّك الاتحاد السوفييتي وتدمير الدولة العراقية والمجتمع العراقي تحت القصف الأمريكي- البريطاني في العام 1991.
هذه الأحداث المتوالية غيّرت الوضع السياسي بشكل كبير في نهاية حرب الخليج وخدمت  جهود المنبر. وكانت التحليلات والنداءات للعمل قد وجدت طريقها في الأدبيات التي أصدرتها، وهي دليل على فهم واضح للأحداث والتعقيدات لسياسات النظام واللاعبين الدوليين.والأكثر من ذلك هو مصير الحزب الشيوعي العراقي، واضطرار أتباعه إلى الهجرة، ثم تساؤلاتهم عن الحكمة في السياسة اللاحقة فيما بعد. وسنرى لاحقاً في هذه المقالة بدلاً من الانغلاق المنطقي ورد الفعل بالضد من مصلحة الشعب العراقي، فإن المنبر عرضت برنامجاً بديلاً صالحاً للتطبيق.
إن هذا البديل لم يكن متبنّى من الحزب الشيوعي العراقي ولا من الدولة العراقية، بينما الحالة التي يرثى لها هي كانت بمثابة مأساة على كل حال، فإن هذه الجهود وغيرها كثيرة وموجودة وقد نبّهت إلى أن هذه السياسة ستدمّر الدولة العراقية والشعب العراقي البائس. مؤشرة إلى أن عراقاً آخر ممكن القيام، حين يتمتع العراقيون بالسيادة الحقيقية. المنبر تطوّرت تدريجياً من داخل صفوف الحزب الشيوعي العراقي كواحدة من عدة حركات، مُناقِشة قيادة الحزب، وكذلك فإنها رصدت التطورات التي طرأت على قيادة حزب البعث بعد حلّ الجبهة الوطنية عام 1978- 1979.
بعد وقت طويل فإن الجهود التقليدية للحزب الشيوعي العراقي ومحاولاته التطبيع والتعاون مع حزب البعث وفي إطار التحالف الرسمي كانت قد باءت بالفشل، وكانت الجبهة الوطنية حتى عند إعلانها في العام 1973 قد تعرضت للإجهاض ولم توفر لأعضاء الحزب الشيوعي فرصاً متكافئة، وظلّ الحزب تابعاً بموجب ميثاق الجبهة لقيادة حزب البعث في إدارة الدولة وقيادة الجبهة، واحتكر حزب البعث مفاصل خاصة للعمل السياسي لا يجوز للحزب الشيوعي الاقتراب منها.
وفي الحقيقة فإن التحالف مع الحزب الشيوعي قد سمح للبعث بمراقبة دقيقة لعضوية الحزب الشيوعي العراقي وجهوده الحثيثة لإبراز الاختلافات من داخل الحزب الشيوعي العراقي [3]والحراك الداخلي الحزبي الذي كان يتركّز على الشخصيات والمجاميع السائدة في الحركة الشيوعية العالمية في ذلك الوقت. وكذلك على القمع المستمر للدولة، لتأكيد إخضاع قيادة الحزب الشيوعي لسلطة نظام البعث. وفي المنفى انفجر الوضع، حيث شهد إنقسامات وعصيانات للعديد من قادة الحزب والكادر القديم والمفكرين الشباب، مما أحدث انقساماً كبيراً بين قوى الداخل ومن وجدوا أنفسهم في الخارج وغالباً ما كانوا معزولين عن المجتمع العراقي.
أكثر أعضاء المنبر وجدوا أنفسهم في المنفى وهذا الوضع وفّر إمكانية التكتل، لاسيّما لغير الراغبين بتحدّي قيادة الحزب ويرغبون في إعلاء شأن القضايا الكبيرة. وعملت المنبر على توفير إمكانية تكوين رأي عام شيوعي خارج التنظيم الرسمي، لاسيّما في القضايا الكبرى التي اختلفت فيها المنبر مع قيادة الحزب الشيوعي العراقي، وبالدرجة الأساسية حول قضايا التحالفات السياسية وأساليب النضال وبشكل خاص موقف القيادة من الحرب العراقية- الإيرانية.
وجاء تغيّر الموقف بعد معركة خُرمشهر (المحمّرة) (24/5/1982) عندما أعادت القوات الإيرانية ميناء المدينة بعد حصار طويل، وقد غيّرت هذه المعركة موازين القوى، لاسيّما طبيعة الحرب والقوى المتحاربة. ومع "النصر" الإيراني طُردت القوات العراقية من الأراضي الإيرانية حيث أعلنت انسحابها، وهو الأمر الذي أحدث لاحقاً انقساماً في الموقف بين الشيوعيين العراقيين وتطور إلى تباعد حقيقي بين جهة تدعو إلى استمرار الحرب وإن بشكل غير مباشر وجهة تدعو إلى وقفها فوراً (المنبر).
انبثق المنبر من داخل النضال المتصاعد في الحزب الشيوعي العراقي وبشكل كبير في الموقف بشأن الحرب العراقية – الإيرانية، ومن خلال نقدها للسياسة " المغامرة" و"العمياء"، وهو الأمر الذي دعا إلى إعادة اعتبار للرؤية الوطنية التاريخية للحزب والتي عبّر عنها المنبر في العام 1987، حيث كان انبثاقه شكلاً مختلفاً من الحزب الشيوعي، والذي كان يبحث عن إعادة عنونة إنكسار الحزب من خلال النقد الذاتي والنقد الفعلي، (نحن لا نمثّل تأريخ الحزب أو التحدّث باسمه كلّية، نحن جزء منه ومن الحركة الشيوعية العراقية).
في تلك الحقبة من التغيير المتواصل كان هناك العديد من الاجتماعات والمناقشات بين جماعات هامة من الشيوعيين المنفيين لتنظيم اجتماع حزبي داخلي. المشاركون (في النقاشات) بالأساس كانوا القدامى والكادر المتقدّم بما فيهم باقر ابراهيم وعامر عبدالله وحسين سلطان وماجد عبد الرضا ومهدي الحافظ ونوري عبد الرزاق وعبد الحسين شعبان وناصر عبود وعبد الوهاب طاهر وخالد السلام وأحمد كريم ومحمود البياتي وعلي عبد الرزاق وعبد اللطيف الراوي وعلي حنوش وكاظم الموسوي وعلي عرمش وصلاح مهدي ومحمد جواد فارس وساهرة القرغولي ورحيمة السلطاني وعباس عبيدش وخليل الجزائري وعبد الباقي شنان وعصام الزند وليث حميد وضياء خوجه نعمه وفاضل الربيعي وجمعة الحلفي وطلال شاكر وموسى السيد وخيرالله سعيد ومحمود عبد الكريم وآخرين من المثقفين.
ومع الوقت وبعد نقاشات كبيرة، تأسست المنبر في العام 1987" بعد اجتماع الستة في براغ". الأعضاء الستّة هم نوري عبد الرزاق ومهدي الحافظ وماجد عبد الرضا وخالد السلام وأحمد كريم وعبد الحسين شعبان[4] (1992 إسماعيل) واستمرت المنبر في جذب العديد من الإدباء والفنانين من العراقيين في بلدان المنفى وكذلك من كردستان.
أدركت المنبر غياب ونقص القيادة في أعضاء الحزب وكذلك بسبب ما رأته من أزمة الحزب فإنها عملت وخططت لفتح الباب أمام كل الأصوات الاحتجاجية حتى تُحلّ الأزمة الحزبية. رأت المنبر أن السماح لمثل هذه المناقشة في الممارسة الحزبية ونقد القيادة كان ضرورة قائمة للتعافي من حالة الانقسامات (والتوجه للتعبير المستقل) بدلاً من تحدّي قيادة الحزب نفسها.
إن المنبر رأت نفسها فقط كفصيل جديد جاهز لاحتضان أعضاء المعارضة الحزبية وأصبحت إطاراً للحوار لإيجاد حل لحل الأزمة  ونقاشها على نحو مفتوح. في الوقت الذي اختلفت وجهات النظر حول الأهداف العسكرية والسياسية الإيرانية، فإن الطرفين المنبر وقيادة الشيوعي العراقي اتفقا بأن الحرب الإيرانية- العراقية قد خدمت فقط مصالح الإمبريالية والصهيونية واستهجنا عدوان النظام العراقي.
وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات كانت المنبر قد أصدرت عشر أعداد من الجريدة  (نشرات) منذ بداية 1987 من العدد " صفر" الذي أشرف عليه د.مهدي الحافظ، وصدر في فيينا، ثم العدد الأول والأعداد الثمانية التي صدرت في بيروت بإشراف د. عبد الحسين شعبان، وأصدرت عدداً من الكراريس منها كراس " معالم الأزمة في حزبنا الشيوعي العراقي" الذي كان قد صدر كوثيقة في العام 1984، ثم أعيد نشره مع مقدمة في العام 1987، والمتضمن موضوع الاختلاف بين قيادة الحزب الشيوعي وكوادره، ويعكس وجهات النظر للمعارضة المتسعة للنهج البيروقراطي وللسياسات والممارسات التي يتبعها التنظيم الرسمي متبنياً عنواناً رمزياً لمجموعتهم (المنبر) وقد ذهبت المقدمة إلى أبعد من ذلك حيث ذكرت بأن المنبر ترغب أن تعرض أو تعبّر عن رؤياها الجديدة للعملية الثورية العالمية وللحركة الشيوعية وللبروليتاريا العالمية، بهدف التكيّف مع التغيّر المستمر في البيئة الكونية، خصوصاً وأن العراق والشرق الأوسط وكل أجزاء العالم جزء منها.
إن الروح النقدية لحركة المنبر يمكن اعتبارها كتيّار فكري متميّز، وتبلور عبر مناقشات وتساؤلات (سببيّة) لتطوير رؤيا ديناميكية جديدة تخص الماركسية ككل[5]. هذه النشرة المقصود " معالم الأزمة وقضايا الخلاف" وما تبعها من مطبوعات بواسطة المنبر رسمت رؤيا ناصعة للصراع والتصدّعات المستمرة داخل الحزب الشيوعي العراقي، والتي أصبحت صراعاً مفتوحاً بعد العام 1984 ولاسيّما بعد (المؤتمر) الرابع للحزب الشيوعي العراقي (العام 1985).
باقر ابراهيم والذي كان عضواً مهماً في اللجان المركزية المتعاقبة للحزب الشيوعي لفترة طويلة، استنتج بعد المؤتمر الرابع للحزب، بأن (الجماعة المتنفذة في الحزب قد اتجهت نحو التآمر وأوقفت كل إمكانية للحوار الداخلي على المستوى العام، وذلك قاد الحزب إلى تعطيل أي أمل في "الديمقراطية  الحزبية الداخلية" تاركين جانباً التسامح مع الأصوات المتعارضة[6].
ووفقاً لأحد منشورات المنبر فإن عضواً من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي قد صرّح في ذلك الوقت " من الصحيح أن يكون 10% من الأعضاء المطيعين بدلاً من 90% من المشاغبن"[7] .
عملت مطبوعات المنبر على خدمة غرضين، الأول هو كشفت شغف القيادة بالتصعيد في إذلال أعضاء الحزب، والذي قاد إلى "تطهير" مستمر للأعضاء على كل المستويات، إذا أبدوا اعتراضهم (ممن ينتمون إلى )عن المراتبية الحزبية.هذا الشغف (التملّك) الذي ناقشته المنبر أدّى إلى حصول فوضى داخل صفوف الحزب الشيوعي العراقي وبشكل خاص في ظل الظروف الصعبة التي تواجه العراق.من بين القيادة الحزبية المتواجدة في الخارج، كان هناك أعضاء استعاضوا بشعارات ثورية فارغة بدلاً من أخذ زمام المبادرة وتنظيم النشاطات المطلوبة لتنمية الحزب[8].
ثانياً، السعي لإنعاش الحزب داخل العراق، فإن المنبر صاغت عروضاً كانت تعتقد بأنها ستُحيي ديناميكية أعضاء الحزب من خلال أفعال (نشاطات) بالاستفادة من التغيرات العالمية المستمرة.
وهنا فإن المقالات والمداخلات كانت تمثّل جهداً أو سعياً للربط الواقعي للقضايا الوطنية العراقية والأحداث العالمية ولعرض العوامل الكامنة وراء الحرب العراقية – الإيرانية وتأطير السياسات العملية للصراع من أجل إحياء السياسة الداخلية.
ثانياً: الخلافات الأساسية بين المنبر
واللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
مع تقدم القوات الإيرانية واحتلالها للأراضي العراقية طرحت المنبر برنامجاً للخلاص الوطني بهدف مزدوج يسعى إلى طرد القوات الإيرانية المحتلة وتخليص العراق من الدكتاتورية البعثية وفي مواصلة النضال من أجل نظام ديمقراطي حقيقي (برنامج العام 1987).وهذا السعي للخلاص الوطني الذي انبثق من إيمان المنبر بأن حركة التحرر العربية تعاني من أزمة عميقة وتواجهها مشاكل عديدة ومعقّدة، مما يتطلب إعادة قراءة الوضع السياسي في داخل كل بلد عربي لمواجهة هذه التحديات ببرنامج واقعي.
ويمكن تسليط الضوء على موقف المنبر من الحرب العراقية – الإيرانية، ففي البداية واستناداً إلى "كراس معالم  الأزمة" فإن المنبر أدان النظام العراقي بشدّة لعدوانيته الحربية ضدّ إيران، مؤمناً بأن شن الحرب واختراق الأراضي الإيرانية، ساهم في إضعاف الجانب الكامن والمتحرّر في الثورة الإيرانية التي انتصرت في العام 1979.
وعندما تطوّرت الحرب، فإن حزب تودة الإيراني وكذلك القوى الليبرالية- الإيرانية قد تم تهميشهما، بل وتعرّضت مكاسب الشعب الإيراني ولاسيّما حرياته إلى التقليص وجرى احتكار الإسلاميين للسلطة، وتكرّس ذلك عبر الجهود الحربية الإيرانية، ولهذا فإن المنبر قد تبنّت سريعاً نداء "الوقف الفوري للحرب" واعتماد التفاوض السياسي واحترام حرمة الحدود وحقوق السيادة للبلدين إستناداً إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة[9]. وبالضد من المنبر فإن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وقفت بجانب سياسة تفضيل اسقاط نظام البعث على وقف الحرب، بل تقديم الإطاحة بحكم البعث على وقف الحرب.
وأكّدت قيادة الحزب الشيوعي بأن الدكتاتورية البعثية هي أساس الأزمة العراقية وأن توقّف الحرب ممكن فقط بإسقاط النظام. وبقيت اللجنة المركزية متصلّبة في موقفها ولم تتزحزح حتى عندما اجتاحت القوات الإيرانية الحدود العراقية، رافضة  كل النداءات الإقليمية والدولية وكل المبادرات لوقف الحرب. ولم تكن فقط اللجنة المركزية لوحدها في هذا الموقف الضيق الأفق، وإنما كان معها النظام السوري والحركة القومية الكردية والحركة الإسلامية في العراق، وتحالف هؤلاء جميعهم في مسألة إسقاط النظام، فضلاً عن الجهود المكثفة لجمهورية إيران الإسلامية المستمرة الدافعة باتجاه النصر العسكري الكامل. ولكن الحرب وصلت إلى طريق مسدود برعب لا يمكن توصيفه مع تزايد أعداد القتلى.
وقد أدرك النظامان بأن الحرب قد أصبحت "صراع وجود" وأن القوى الأوروبية تقدّم دعماً مشكوكاً فيه للطرفين[10] (انظر كيبسون 2010: 70 -55) وقدّمت الأمم المتحدة عرضاً لإنهاء المجزرة من خلال قرار مجلس الأمن رقم 598 لعام 1987. وفي 8/8/1988 توقفت الحرب تحت رعاية الأمم المتحدة، وقد صرّح آية الله الخميني " أنا حزين لأنني أعيش ومضطر لشرب كأس السم الزعاف في قبول القرار"[11].
خلال الحرب، فإن الأحزاب الإسلامية الثلاث، المجلس الثوري الإسلامي في العراق (منذ أيار 2007 أصبح اسمه المجلس الإسلامي الأعلى) وحزب الدعوة وحزب العمل الإسلامي تبنّوا الموقف الإيراني. بالإضافة إلى أن الحزبين الأكثر تمثيلاً للحركة الكردية القومية، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني قد أبقوا سياسة تفضيل إسقاط النظام البعثي. وكان جلال الطالباني قائد PUK قد لعب سياسة بهلوانية بإنهاء تحالفه مع إيران مفضلاً التحالف مع نظام صدام حسين عام 1984. وعندما تعثّر هدف الطالباني في قيادة الحركة القومية الكردية، عاد إلى ارتباطه بالمعارضة العراقية مفضلاً التحالف مع إيران، بعد أن تنكّر لها.
وخلال تلك الفترة، فإن العلاقات ساءت وأصبحت متنافرة بين المجموعات الكردية المختلفة وحتى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الشيوعي قد رفعا السلاح كل منهما ضد الآخر. وبشكل محرج تورط الحزب الشيوعي في الصراع والاحتراب الداخلي الكردي- الكردي. حيث قتل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وجرح نحو 150 من الأنصار الشيوعيين من جماعة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في أيار 1983 في مجزرة عُرفت باسم " مجزرة بشتاشان"[12] .
في مقابل ذلك وللتميّز عن المعارضة العراقية في تفضيل: إسقاط النظام البعثي على وقف الحرب، فإن برنامج المنبر في " الخلاص الوطني" كان مختلفاً عن ذلك، وطبقاً لمتحدثها الرسمي اعتبرت إيقاف الحرب الفوري هو القضية المركزية والتي لا ترتبط بشكل مطلق مع إسقاط نظام البعث، مثلما يروق لبعض القوى بشكل أو آخر، الأمر الذي سيؤدي إلى  استمرار الحرب.
التميّز أصبح معروفاً في صفوف القوى التقدمية حيث أن المنبر كانت واضحة. " فيما يخص الحرب العراقية- الإيرانية، فإن بعض نشراتها الانتقادية قد كشفت عن اليسار المخادع والمزاوة والذي ذهب مع القوى الخارجية والداخلية التي تآمرت على تقسيم الأراضي العراقية وحرمان العراقيين من حقهم في الحرية في اختيار نظام اجتماعي – سياسي[13] .
وبنفس البلاغ الرسمي كان الانقسام واضحاً، حيث كان التأكيد بأن القضية الوطنية العراقية هي معيار ثابت يدفع بالشيوعيين الحقيقيين والذين هم وطنيون مخلصون حقيقيون [14](عانون 1987). ودعت المنبر حركة المعارضة للاشتراك بالحوار حول قضية الخلاص الوطني من أجل الوصول إلى إجماع في الرأي حول موضوعين، الأول الاتفاق على الحد الأدنى المطلوب لإنهاء الحرب وهو طرد الاحتلال الأجنبي وحماية الاستقلال الوطني وصيانة الحدود المشتركة، والثاني، تخليص العراق من الدكتاتورية وبناء نظام وطني ديمقراطي[15].
برّرت المنبر، احتجاجها غير التقليدي ضد إجماع المعارضة العراقية في تقديم إسقاط النظام، وبنقاش واضح المعالم والذي كان يمثل رغبة الشعب العراقي. وببساطة فإن تطبيقات الحزب الشيوعي العراقي قبيل الحرب كانت قد عزلت القيادة- وكانت خارج العراق في ذلك الوقت- وإن سياستها في تقديم إسقاط النظام تستند إلى التحليل المنبثق من تدهور أسلوب العمل في صنع القرار الداخلي للحزب.
وهذا كان موثقاً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حيث كانت تبذل الجهود للسعي لإجراءات بيروقراطية ضد المخالفين والتي تذكرنا بالممارسات التنظيمية اللينينية والستالينية. ولتميّز نفسها عن قيادة الحزب الشيوعي العراقي، فإن المنبر كانت واضحة في معارضتها للسياسات والممارسات المعروفة للحزب الشيوعي العراقي في صنع القرار والذي بقي مفروضاً إلى أن حُلّت الأزمة في داخل الحزب الشيوعي بالانفجار!.
·       الأزمة الداخلية 
تقول المنبر أن الأزمة الداخلية أصبحت حقيقة ولا يمكن إخفاؤها، وتضيف: أن هذه الأزمة التي تفجّرت هي امتداد لأزمة الحزب والحركة الشيوعية منذ حوالي ربع قرن (المقصود منذ ثورة 14 تموز/ يوليو 1958).أما أسباب الأزمة فتوعزها المنبر إلى أنها فكرية وسياسية وتنظيمية وحتى أخلاقية[16].
وتتلخص عناصر الأزمة حسب المنبر على المستوى الذاتي في تخلّف القيادة وعجزها عن فهم الواقع العراقي وتحليل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتحولات التي جرت فيه منذ انتصار ثورة 14 تموز(يوليو) عام 1958 وما بعدها ولاسيّما بعد الانقلاب الفاشستي في 8 شباط (فبراير) عام 1963. وكان لفقد قيادة الرفيق سلام عادل أثر سلبي بعيد العواقب في هذا المجال.
لقد أثّرت عدم كفاءة ومقدرة " القيادة" في تحليل الواقع الموضوعي واستنباط الأحكام والتقديرات في ضوئه في رسم السياسات العامة للحزب ودفعتها باتجاهات متناقضة ومتذبذبة، تميل نحو اليمين أحياناً، بل وفي أغلب الأحيان، ونحو " اليسار" الانعزالي والذيلي كما حدث في السنوات الأخيرة.
إن هذه التخبّطات والتأرجحات والانتقالات السريعة والحادة، بل وغير المفهومة، ناجمة عن عدم الإفادة من علم الثورة الاجتماعي (المنهج الجدلي الماركسي) وتطبيقه تطبيقاً حيّاً وفق الواقع المادي الملموس على الأرض العراقية. وفي السنوات الأخيرة جرت عمليات اجتراره من " الكتب المدرسية" لتفقد أي محتوى ثوري أو مضمون فعلي حقيقي، حتى أصبح بعضها أشبه بالتعاويذ والأدعية التي يجري تردادها، بل حفظها عن ظهر قلب، دون ادراك أو فهم لجوهرها، فضلاً عن تغريبها وابتذالها للواقع الاجتماعي العراقي.
               ولهذه الأسباب أيضاً فإن هناك بعض الشعارات أصبحت اسماً بلا معنى ودون دلالة، "فالدور القيادي للطبقة العاملة وحزبها الشيوعي"  وهو ما ترفعه القيادة الرسمية تحوّل إلى خنوع للبرجوازية الصغيرة القومية الكردية حسب وصف المنبر و" العنف الثوري" و"الكفاح المسلح" صارا في ظل الاحتلال الإيراني "عدم التداخل مع القوات الإيرانية" و"كيل الضربات القاصمة للعدو" أصبح وجوداً "اضطرارياً" و"لمهمات إعلامية".
الأزمة فكرية أساساً وهي ناجمة عن عدم فهم المنهج الجدلي الماركسي- اللينيني وعدم استيعابه للمستجدات والمتغيرات التي برزت في السنوات الأخيرة، والتي قادت إلى التحجر والجمود والتخلف عن مواكبة التطورات.
وانعكست الأزمة على الصعيد السياسي، بالسياسات العامة والمواقف المتناقضة والإطروحات المتخبّطة والممارسات غير المتوازنة، تلك التي ابتذلت النظرية على نحو سافر واختطت نهجا برغماتيا " ذرائعياً " سواءً في تقويم الواقع أم في رسم السياسة والمواقف التي تتخذها القيادة الرسمية. ومثال ذلك شعار " يداً بيد نبني الاشتراكية مع حزب البعث الاشتراكي" الذي يقود "السلطة" و"الجبهة" و"المجتمع" تحوّل إلى يافطة " البعث الفاشي". ومن " جبهة البناء" و"التجربة الثورية الرائدة في العالم الثالث" إلى " إعلان الثورة المسلحة من الجبال وصولاً إلى المدن" لإسقاط الفاشية وتحطيم كل مؤسساتها وأجهزتها".
وتقول وثيقة المنبر: إن الخلاف بيننا وبين القيادة المهيمنة لم ولا يقوم في الموقف من الديكتاتورية الحاكمة التي خرّبت البلاد وفرّطت بالمصالح الوطنية ومارست الإرهاب والتعذيب والظلم ضد الشعب وقواه الوطنية، فقد كنّا وما زلنا نناضل بثبات لإسقاط هذا النظام الجائر وإقامة حكم ديمقراطي يتمتع فيه الشعب الكردي بحقوقه القومية بما فيها الحكم الذاتي، الاّ أننا نعتقد أن الموقف من النظام لا يكفي لوحده، بل ينبغي أن يقترن بخطط وأساليب عمل مجدية وصائبة وتحالفات سليمة ومؤثرة وبالمحافظة على الإرادة المستقلة للحزب.
               أما عن الجانب التنظيمي من الأزمة فيتمثّل في العقلية البيروقراطية التي تقود الحزب. فإن إجراءات العزل والإبعاد طالت المئات من الأعضاء والكوادر وأعداداً غير قليلة من قادة الحزب. فضلاً عن التفريط بمئات الرفاق الأنصار. وإذا كانت قيادة الحزب مسؤولة بالدرجة الأساسية عن الإخفاق الذي حصل إبان "التحالف" مع البعث وقيام " الجبهة" فإن السياسة التنظيمية التي اتبعت بعد الانتقال إلى المعارضة قد اقترنت بمساع مسعورة للتهرّب من المسؤولية والإخلال بوحدة الحزب وتبديد قواه وحجب أية إمكانية لمراجعة نقدية صائبة لتجربة الحزب، تمهيداً لإمرار المؤامرة الكبرى، التي توجت في ما يسمى بـ "المؤتمر الرابع" والذي سبق وأن قلنا رأينا فيه.
لقد طرحت "المنبر" رأياً جريئاً يقول: إننا مع تحديد المسؤولية الجماعية والفردية عن سياسة الحزب السابقة منذ انقلاب 1968 ولحد الآن. وهذا هو مطلبنا، بدون أن نتحامل على أحد أو نغمط حق أحد. كما أننا طالبنا مع كوادر وقواعد الحزب بضرورة تقويم الفترة بين عام 1979 ولحد الآن ومحاسبة المسؤولين عنها. إننا نعتقد أن المراجعة الشاملة وبالتالي تحديد المسؤوليات، مسألة مهمة وأساسية للتوصل إلى أحكام واستنتاجات لا تخدم تقويم التجربة النضالية السابقة حسب، بل ولرسم السياسة اللاحقة أيضاً.
وحول الموقف من الجبهة السابقة مع البعث ومن المسؤول عنها، قالت المنبر لا  بدّ من التأكيد مجدداً على أن هذه القضية جديرة بأن تدرس دراسة موضوعية ومسؤولة وبهدف استخلاص الدروس المفيدة منها بعيداً عن جو التحامل والمهاترات.
إن مبدأ إقامة الجبهات الوطنية، هو مبدأ صحيح حسب المنبر وحزبنا مثل سائر الأحزاب الشيوعية كان يتمسك به، وإن فكرة  الجبهة الوطنية تقوم على أساس تعاون اختياري سياسي بين قوى وطبقات وفئات اجتماعية عبر طلائعها السياسية على برنامج نضالي تقدّم فيه هذه القوى والأحزاب والطبقات تنازلات متقابلة. ولذلك فإن أي جبهة وطنية تحمل منذ يوم ولادتها الوحدة والصراع في إطار العملية الثورية الجارية، وكل اتفاق أو تعاون بين عدد من الأحزاب والقوى ضمن إطار برنامج، يعني تغليب التناقضات الأساسية على التناقضات الثانوية وهو دليل أيضاً على درجة نضج الحركة الثورية في البلد المعني.
               وقالت المنبر رأيها على نحو صريح: على الرغم من جو المزاودة والادعاءات والمكابرة، نقول إن ميثاق جبهة 1973، رغم الثغرات الجدية فيه والاعتراضات المهمة على بعض فقراته كان يمثل صيغة اتفاق مشروطة ومقبولة، قياساً للتطورات الموجودة في الوطن العربي، ولو قدّر للوضع أن يستمر في ضوء أهداف الميثاق وضماناته ، بدون أن نعوّل على شيء موهوم، وخصوصاً لو أفلحنا في تحسين ميزان القوى باتجاه ايجابي، لكان الأمر مختلفاً تماماً وتحققت أوضاع ايجابية لمجموع الحركة الوطنية، ولكانت المغالطات التي تقال الآن، قد تكيّفت بالاتجاه الآخر وبمبالغات أكثر.
ثالثاً:الموقف من الحرب العراقية- الإيرانية
أما الحرب العراقية- الإيرانية، فتقول المنبر: إن موقفنا منها كان واضحاً، فقد أدانها الحزب منذ اندلاعها واعتبرناها مؤامرة دولية لا تستفيد منها سوى الامبريالية والصهيونية وأعداء حركة التحرر الوطني، وقد استمرت المنبر في الدعوة لوقف الحرب وعودة القوات المتحاربة إلى الحدود الدولية قبل بدء القتال ومن ثم الجلوس إلى مائدة مفاوضات لإيجاد حل سلمي عادل للنزاع العراقي- الإيراني بما ينسجم ومصالح حركة التحرر الوطني في المنطقة وحقوق الشعبين والبلدين.
               ومثلما دعت لانسحاب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية، فإنها اليوم وقفت كذلك ضد احتلال إيران لأراضي بلدنا، وإدانة الإصرار على استمرار الحرب وإراقة الدماء ورفضت بحزم الخطط الإيرانية الحربية، مثلما وقفت ضد سلطة صدام حسين يوم بدأت الحرب وحمّلتها المسؤولية إزاء اندلاعها.
إن استمرار وتفاقم الحرب أدى إلى تكثيف الوجود العسكري الأمريكي والأوروبي الغربي في منطقة الخليج، كما أضعف من قدرة مجابهة العدوان الإمبريالي- الإسرائيلي، خصوصاً إبان اجتياح لبنان عام 1982 أو في تمادي إسرائيل في صلفها وقرصنتها الجوية، سواء بقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981 أو قصف مقر م.ت.ف عام 1985 أو بالضغط على سوريا لكسر صمودها أو بشن العدوان الغادر ضد الجماهيرية الليبية عام 1986 أو بالتآمر على اليمن الديمقراطية وغيرها.
وتزعم المنبر أن موقفها هذا تمليه اعتبارات وطنية وقومية وأممية، تنطلق من التمسك بحق الشعب العراقي الذي لا ينازع عليه في اختيار نظام الحكم الذي يريده بدون وصاية أو تدخل بالشؤون الداخلية. ولذلك دعت المنبر إلى إجراء مفاوضات سلمية بين البلدين لإيجاد حل مقبول على أساس احترام مصالح وحقوق كل منهما وسيادته الوطنية على أراضيه ومياهه وفقاً لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة افتتاحية العدد الأول من "المنبر" أو في العديد من النداءات التي أصدرتها وأكّدت فيها على  تغيّر طابع الحرب وأنها أصبحت تمثّل حرباً استنزافية خطيرة بالنسبة للبلدين. وإن المضي بالحرب يؤدي لهدر أوخم وأوسع لطاقات وموارد مادية وبشرية هائلة ويهدد بكوارث وطنية مريعة لكل منهما.
كما إن اجتياح القوات الإيرانية للأراضي العراقية واحتلالها أجزاء هامة منها (في كردستان العراق وفي المنطقتين الوسطى والجنوبية وجزيرة مجنون الغنية بالبترول)، والإصرار على مواصلة الهجوم والعمليات الحربية داخل العراق بدعوى إسقاط النظام وإقامة نظام إسلامي فيه على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ينطوي على خرق فاضح للسيادة الوطنية للشعب العراقي وحقه الأساسي في تقرير مصيره واختيار نظام الحكم الذي يرتأيه بإرادته الحرة دون وصاية وتدخل من أية قوة خارجية. وهو أمر لا يقلل من مسؤولية النظام العراقي في إشعال الحرب وخرق السيادة الوطنية الإيرانية ولا يلغي النضال من أجل إسقاطه وإقامة نظام حكم ديمقراطي برلماني سليم يحترم حقوق الشعب وحرياته الأساسية ويحقق الحكم الذاتي السليم لكردستان العراق.
يضاف إلى ذلك إن استمرار الحرب فتح المجال واسعاً لتدخل القوى الامبريالية وتعزيز تواجدها العسكري في المنطقة وخلق مصدراً خطيراً للتوتر الدولي وتهديد الأمن والسلام في العالم ، مما أحدث خللا في ميزان القوى في المنطقة لصالح إسرائيل والامبريالية الأمريكية وألحق أضراراً بالغة بحركة التحرر العربي والثورة الفلسطينية ومصالح النضال العام ضد الإمبريالية.
لقد أصبح العراق هدفاً ميسوراً لتدخّل عسكري مستمر من جانب الطغمة الحاكمة في تركيا بسبب أطماعها التاريخية في شمال العراق وتماشياً مع الخطط العدوانية لحلف " الناتو" ونتيجة لمساومات الحكومة العراقية مع الحكومة التركية لضرب الحركة القومية الكردية.
للأسف الشديد، لم تنعكس هذه الاعتبارات على موقف قيادة الحزب من الحرب ولم يطرأ تغيير جوهري يذكر، سوى بعض مظاهر اللف والدوران على الوقائع الجديدة والتلاعب بالألفاظ والاصطلاحات المنتزعة من أوضاع تاريخية سابقة لتبرير الأحجام عن الدعوة الصريحة والثابتة لإنهاء الحرب وإيقاف إطلاق النار فوراً وإجراء مفاوضات سلمية على أساس الاحترام المتبادل لحقوق البلدين ومصالحها المشروعة. وجرياً على ذلك، جرى ابتكار شعار " الصلح الديمقراطي" للإيهام بأنه شعار لينيني وبلشفي ولشرحه بصورة تخدم هذا الهدف (إرجاء مهمة إنهاء الحرب).
والواقع أن " الصلح الديمقراطي" شعار رفعه لينين والبلاشفة إبان الحرب العالمية الأولى ليعبر عن موقف الاشتراكيين الديمقراطيين الثوريين من الحرب الامبريالية آنذاك، الهادفة إلى إعادة تقسيم مناطق النفوذ في العالم  ونهب المستعمرات واضطهاد الأمم الأجنبية وسحق الحركة العمالية. وهو موقف كان يرمز لمبادئ جديدة للعلاقة بين أمم وشعوب الدول الامبريالية وكان يتعارض مع النزعات البرجوازية الشوفينية للقيادات الإصلاحية للأحزاب الاشتراكية- الديمقراطية التي ساندت الميزانيات العسكرية في البرلمانات نزولاً عند ضغط الاحتكارات الحاكمة ودعايتها الديماغوجية القومية والرجعية عن " الدفاع عن مصالح الوطن والأمة".
وكان لينين والتيار الماركسي الأممي والثوري في الأحزاب العمالية يعارض هذه الحرب التي سماها " حرب اللصوص الامبرياليين" ودعا الطبقة العاملة وشعوب الدول الامبريالية إلى تحويلها إلى حرب أهلية لإسقاط سلطة البرجوازية الاحتكارية الشوفينية. وهنا نتساءل أين هو وجه التماثل بين طبيعة الحربين: الحرب العالمية الأولى والحرب العراقية- الإيرانية؟ حتى يجري استعارة شعار " الصلح الديمقراطي" وتطبيقه على نحو اعتباطي توخّياً لهدف آخر.
إن استعارة الشعارات دون تقدير صائب للظرف التاريخي الملموس يقود إلى تحليل خاطئ وانحرافات ضارة في السياسة العملية للحركة الثورية. وكان لينين يوصي دوماً بدراسة ظاهرة الحرب في ظرفها التاريخي المميّز وعدم اللجوء إلى مفاهيم وحجج قديمة مطبقة على ظرف مختلف، كما يفعل المصابون بمرض الجمود العقائدي، والعاجزون عن استيعاب منطق التاريخ وحكمته الرصينة. وهذا ما ينطبق اليوم على الموقف الرسمي لقيادة الحزب من الحرب العراقية – الإيرانية المتمثل بشعار " الصلح الديمقراطي" الذي جرى شرحه وعرضه في أدبيات وتصريحات القادة المهيمنين ليؤكد عمليا ما يلي:
·       إرجاء مهمة إنهاء الحرب أو تعليقها إلى حين إسقاط النظام الدكتاتوري وإقامة حكومة ديمقراطية في العراق.
·       تفسير " الصلح الديمقراطي" على نحو يتفادى اتخاذ سياسة عملية آنية لإيقاف الحرب وليمثل مجموعة مبادئ وأسس للحل المنشود للنزاع العراقي- الإيراني (وبعد إسقاط النظام في العراق). مثل نفي ضم أراضي واحترام الحدود الدولية والسيادة الوطنية لكلا البلدين والإصرار بحق كل شعب في اختيار نظامه السياسي، وهي مبادئ عامة تصلح لكل زمان ومكان ومسطرة في جميع الشرائع والمواثيق الدولية المعاصرة.
ففي العدد الأول من مجلة " النهج" يقول الرفيق زكي خيري:" إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في اجتماعها الاعتيادي في أيلول (سبتمبر) 1982 قررت تركيز النضال على إنهاء الحرب وتحقيق سلام ديمقراطي عادل. إن أي صلح ديمقراطي عادل لا يمكن تحقيقه على يد حكومة غير ديمقراطية وغير محبة للسلام. ولا يمن قيام مثل هذه الحكومة في الظروف الراهنة في العراق إلاّ بعد إسقاط الديكتاتورية وإقامة حكومة الجبهة الوطنية الديمقراطية العريضة التي تمثل جميع القوى الوطنية المحبة للسلام. وفقط أمثال هذه الحكومة يمكنها في هذا الوقت إنقاذ العراق وإيران من أتون الحرب وتحقيق صلح ديمقراطي عادل والديمقراطية للشعب والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان"[17].
وعلى نفس المنوال، وبمزيد من التناقض والإرباك، وبمحاولة فاشلة للتهرّب من موقف مباشر وآني من الحرب، ومن خلال عبارات عالية الرنين " اليساري" عن " الثورة الشعبية الظافرة" التي ستحقق السلم العادل وتنهض بالدفاع الثوري وتنجز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية"، يكتب الرفيق زكي خيري في العدد الخامس من مجلة " النهج" قائلاً: أكد حزبنا في تقرير لجنته المركزية في أيلول 1982 وفي جميع أدبياته، أن توحيد القوى الوطنية في جبهة واسعة وتشديد الكفاح المسلح والسلمي وعرض شروط السلم الديمقراطي العادل وكسب جماهير الجنود من أجل استكمال شروط الثورة الشعبية الظافرة لإسقاط النظام الديكتاتوري وإقامة حكومة ائتلافية ديمقراطية هو الطريق الوحيد لتحقيق السلم العادل. إذ أن هذه الحكومة ستعرض شروط السلم العادل. وفي حالة رفض الحكومة الإيرانية لها تستطيع الحكومة المنبثقة عن الشعب والممثلة لقواه الوطنية والملتزمة بأهدافه من قيادة الدفاع الثوري عن الوطن ضد جميع المعتدين بأهدافه من قيادة الدفاع الثوري عن الوطن ضد جميع المعتدين وتحقيق الديمقراطية للشعب والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان وتنجز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الأخرى[18].
رابعاً: أساليب الكفاح
أما بصدد " الكفاح المسلح" فقد كان موقف المنبر متميّزاً، فهم كما يقولون مع استخدام جميع أساليب النضال، العنفية واللاعنفية تبعاً للإمكانات والظروف الموضوعية والذاتية وأن اختيار أي شكل نضالي مرهون بتوفر الإمكانات والظروف التي ينبغي العمل لإنضاجها واستكمالها. وقد سبق لحزبنا أن اختار أشكالاً نضالية متنوعة سلمية ومسلحة، تبعا لإمكانات تطبيقها.
أما الذي يجري في ظل " القيادة الحالية" فإنها، حسب ما يبدو، اكتشفت "كنزا" جديداً لم يكتشفه أحدا من قبلها، وهو " الكفاح المسلح" الذي ضجّت وسائل الإعلام الحزبية وماكينة الدعاية الصاخبة في استخدامه لأغراض دعائية وربما انتهازية صرفة. ومن خلال التجربة فان "القيادة" الحالية التي لم تكن لتؤمن جدّياً في خوض هذا الأسلوب الكفاحي الراقي من النضال، وذلك بالتحضير لبناء مستلزماته والتهيئة لنجاحه، فإنها عمدت إلى أساليب بيروقراطية متخلفة جرى تخطيها منذ الستينات فما بالك بالثمانينات، وذلك بمخالفة قواعد حرب الأنصار. وقد أكد العديد من قواعد الحزب وأنصاره في رسائلهم وفي الاجتماعات العامة وفي الشكوى المريرة وفي نداءات الاستغاثة عن نقدهم الشديد لأساليب "القيادة" وتشخيصهم لأسباب عجزها وتذبذبها، خصوصاً بعد هجوم الاتحاد الوطني الكردستاني(أوك) الغادر في بشت آشان عام 1983.
وتستخلص المنبر موقفها بالقول: وتؤكد التجربة أيضاً أن خسائر حزبنا الأساسية كانت بسبب الاحتراب مع القوى القومية الكردية ودخولنا في معارك لا مصلحة لحزبنا وحركتنا الوطنية فيها، وهو ما يدلل مجدداً عدم قدرة القيادة على تشخيص الأصدقاء من الأعداء فضلاً عن عدم قدرتها على إقامة علاقات متوازنة ومبدئية مع القوى الأخرى.
إن موقفنا من الحركة القومية الكردية، هو جزء من نظرتنا الشيوعية إزاء المشكلة القومية، فنحن نعتبر أن حل القضية الكردية هو جزء من قضية الديمقراطية في العراق وبدون حل قضية الديمقراطية لا يمكن حل القضية الكردية. ولذلك فإن شعار الحركة الوطنية العراقية، هو " الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان" هو شعار صحيح وسليم ونحن ندعو الجميع ترجمته على أرض الواقع. ولكن ذلك لم يمنع المنبر من انتقاد بعض القيادات الكردية في اعتمادها على القوى الأجنبية في محاربة الدكتاتورية.
خامساً: الحركات الدينية والوطنية العراقية
أدرك المنبر إن الاضطهاد الطائفي في العراق، هو جزء من الاضطهاد والظلم والارهاب بحق الشعب العراقي وهدر لحقوق الانسان وحرياته وكرامته. وكانت عملية التهجير البشعة مظهراً صارخاً للطائفية البغيضة، شملت عشرات الالوف من أبناء العراق. ولكن ذلك شيء والارتهان للسياسة والخطط الإيرانية شيء آخر. ومهما كانت الحجج والذرائع والمبرّرات، سواء عقائدية أو دينية، فليس هناك مبرراً وطنياً واحداً، يجيز لقوى عراقية التعاون مع قوى خارجية.
               وبحسب المنبر: إن الموقف من الحرب أصبح معياراً للوطنية العراقية ومؤشراً على مصداقية أية قوة في مواجهة الديكتاتورية وإسقاطها بجمعها بشكل متوازن بين المهمتين المزدوجتين.
               ومهما قيل فإن اقتحام الأراضي العراقية واحتلال أجزاء منها، لن يكون عاملاً مساعداً في إقامة النظام الديمقراطي المنشود كما يعتقد البعض. وبدون اتهامات لأحد: فإننا نعتقد أن تسهيل مثل هذه المهمات أو السكوت عنها، إنما يصبّ الماء في طاحونة الديكتاتورية ويطيل من عمرها وهو يعرقل مهمة الجيش ودور ضباطه وجنوده الوطنيين في التساوق مع حركة المعارضة الوطنية لإسقاط الدكتاتورية وإقامة حكم وطني ديمقراطي حسب تحليلات المنبر.
               أما بصدد التطورات في إيران فتقول المنبر: لقد أيّدنا الثورة الإيرانية، واعتبرناها ضربة موجعة للامبريالية ومواقعها في أخطر حلقة في المنطقة، ووقفنا إلى جانب الخطوات الايجابية التي اتخذتها في السنتين الأولى والثانية من عمر الثورة، لكن التراجعات الخطيرة التي أقدمت عليها الحكومة الإيرانية وبخاصة موقفها من الحرب ومن الحريات الديمقراطية وفي رفع راية العداء للشيوعية ومحاولات تصدير الثورة وفرض بديل سياسي بقوة الحراب، جعلت من سياسة الحكومة الإيرانية تلاقي الرفض والاستنكار بدل التأييد والدعم، وقد كشفت فضيحة الأسلحة الأمريكية – الإسرائيلية لإيران (إيران غيت)، حجم التآمر الامبريالي- الصهيوني بشأن استمرار الحرب والأهداف التي تتوخاها الامبريالية والصهيونية من ذلك.
ووفقاً لوثيقة المنبر بشأن أساليب النضال تقول: نختلف مع القيادة الرسمية حول أساليب الكفاح، حيث جرت المبالغة على شكل واحد، واعتمد أساساً لتحرّكنا دون دراسة الواقع الجغرافي والديموغرافي والطبوغرافي وطبيعة القوى القومية وظروف العمل القاسية والبيئة الصعبة والمعقدة، إضافة إلى دور الدول المجاورة في أحكام قبضتها على " القوى الأنصارية " وهو ما يجعلها في فخ حقيقي، وهو ما حدث ويحدث الآن حقا مما يجعل القيادة الحالية أمام مسؤولية كبرى تتعلق بحياة مئات الرفاق. وكذلك جرى إهمال العمل في الداخل على حساب المبالغة في تجميع الكادر والرفاق في كردستان.
أولاً:  أخذ المنبر على الحزب موقفه من الحرب الإيرانية – العراقية، وسياسته المتذبذبة في سرعة تغيير تحالفاته دون النظر في عواقبها التي تشكك بمصداقية الحزب والتضحيات الفردية لأعضائه.
ثانياً: اقتصرت أساليب النضال الثوري للحزب الشيوعي العراقي على الدعاية والتحريض دون الأخذ بعين الاعتبار واقع وخصوصيات الوضع التاريخي على الأرض، أو واقع العيش في المنفى، ومثل هذه القرارات غالباً ما تتجاهل تعقيد التركيبة السكانية الجغرافية والدوافع الخفية لدول الجوار في السيطرة على كوادر الحزب ومؤيديه وتضليلهم، ما يتسبب بمقتل الكثيرين منهم. [19]
ثالثاً: حالة الفوضى العارمة التي سادت قيادة التنظيم الداخلي للحزب على الرغم من ارتفاع الأصوات الداخلية المستنكرة، وبحسب المنبر فإن الكوادر والأنصار العراقيين وجهوا احتجاجاتهم من خلال نقاش مفتوح ضد حالة الانقسام والاقتتال داخل الحزب التي لا تسبب تخريب النظام الحزبي فحسب بل تعتبر حالة قمعية لمبادئ الرفاقية.
شهد المؤتمر الرابع حالة ملحوظة من الاستياء بسبب سياسة الحزب بتجاهل آراء كوادر الحزب وأعضائه من البداية إلى النهاية، حيث اعترض العديد من الكوادر المعروفة بما فيهم بعض كوادر الحزب في سوريا واليمن والمجر والجزائر وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا.. وانتقدوا توجه القيادة الرسمية ، خصوصاً باختيار عشرة أشخاص دون عرضهم على اجتماع اللجنة المركزية ليكونوا أعضاء في القيادة حيث عيّنهم الأمين العام للحزب.
وبصدد الحياة الداخلية للحزب، فقد شملت احتجاجات وأصوات المنظمات الحزبية المختلفة ضد النهج السائد. وباختصار يمكن القول أن الصراع على المستوى التنظيمي انفتح على المكشوف وأدى إلى تصدّع العلاقات الرفاقية ، لاسيّما بحق الرفاق.
وبحسب المنبر كان " المؤتمر الرابع" إحدى المحطات في الخلاف الدائر في الحزب، حيث كرّس النهج الانعزالي- التفريطي وأدار الظهر عن جميع الملاحظات والاحتجاجات التي تناولها العديد من كوادر الحزب وأعضائه، فضلاً عن ذلك فان أسلوب انعقاده وسيناريو إخراجه ونتائجه والوثائق التي صدرت عنه كلها مصدر اختلاف أساسي مع القيادة الرسمية. وبالطبع فان العديد من الكوادر الحزبية المعروفة، والعديد من رفاق الحزب ومنظماته أبدوا اعتراضهم على المؤتمر وطعنوا بشرعيته وقد نشرت " المنبر" نماذج من رسائل ومذكرات الاحتجاج لعدد من قادة وكوادر الحزب وكذلك لمنظماته في سوريا واليمن وهنغاريا والجزائر ومؤخرا بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا.
               وهكذا يتضح أن الصراع الداخلي في الحزب عميق وحاد وليس صراعاً على "الكراسي القيادية" كما يتراءى لأول وهلة أو للناظر من الخارج.
               وحول الموقف الأممي وردّاً على اتهام بـ " التبعية الداخلية والخارجية" التي فرضت على الأحزاب الشيوعية. تقول وثيقة المنبر: فنحن لا نعتقد أن هناك من يفرض على حزبنا الخضوع أو التبعية في الحركة الشيوعية العالمية، إذا لم تكن بعض القيادات ترتضي ذلك. وقد وضع بيان الأحزاب الشيوعية والعالمية منذ العام 1960 تأكيدات جديدة حول مبدأ الاستقلالية، فكل حزب شيوعي مسؤول أمام طبقته العاملة وشعبه أولاً وقبل كل شيء. وبالمناسبة فإن تهمة التبعية التي كانت الحركة القومية في الخمسينات تطلقها على الاحزاب الشيوعية، أصبح بعضها متهماً بها الآن، حيث تخلّت أطرافاً واسعة من حركة التحرر الوطني العربية عن مثل هذه المفاهيم، وتأكدت هي بتجربتها الخاصة أهمية الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الاخرى على أساس من المصالح المتبادلة والكفاح المشترك ضد الامبريالية والرجعية والصهيونية.
               إن الشيوعيين العراقيين تربوا بروح التآخي القومي، سواءً كانوا عرباً أو كرداً أو تركماناً أو غيرهم، وهم لن يرتضوا أن تسير الأمور في أي اتجاه لا يخدم روح التآخي، حيث يمكن تقييم الرفاق على أساس الكفاءة والجهادية والالتصاق بقضية الشعب والوطن، لا على أساس أي اعتبار آخر قومي أو طائفي أو مذهبي أو إقليمي أو ديني أو عشائري.
لقد وجّه بعض المسؤولين في اللجنة المركزية اتهامات ضد حركة المنبر باعتبارها متأثرة بالاتجاه القومي العربي، لاسيّما وقد أثار موضوع الهيمنة الكردية على قيادات الحزب ومنظماته في الخارج وأخطر ما في الأمر على الصعيد الداخلي هو بروز "النزعة التعصبية الكردية" لبعض القياديين وانعكاسها هرمياً على كوادر وأعضاء الحزب وخصوصاً في التركيب القيادي والهيئات المسؤولة، ويمكن القول أن تأثير القوى القومية الكردية والوجود المسلح في كردستان والذهنية القومية الضيقة لبعض القادة واعتبارات أخرى قد لعبت دوراً مهماً في مثل هذا الانحراف الخطير.
رحّب المنبر بحركة البيروسترويكا وأشاد بالسياسة التي ينتهجها غورباتشوف في الاتحاد السوفيتي، وألمح إلى احتمال امتداد " رياح التغيير" هذه إلى "الحركة الشيوعية العالمية"  إلاّ إن آمال المنبر هذه لم تتحقق على الرغم من مراهنتها على البيريسترويكا التي ستكون الأساس لتجديد روح الاشتراكية وانفتاحاً ديمقراطيا ضرورياً، سيؤثر على مسيرته  ضد البيروقراطية والتخلّف ومن أجل تعزيز وتوسيع الديمقراطية وتأكيد مبدأ الانتخاب واحترام حقوق الانسان وحرياته، فغاية الاشتراكية وهدفها هو الانسان.
وإذا كان التغيير أمراً لا مناص منه فكان يمكن أن يأتي بالتدريج ومعالجته تمتاز بالحكمة وبُعد النظر، وأعتقد أن لا غورباتشوف ولا أحد آخر كان يتصور أن الأمور ستسير إلى نهاية الشوط بحيث يتم الإطاحة بالنظام الاشتراكي ككل .
لقد حاول خروشوف منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي العام 1956 إجراء إصلاحات وتجديدات، لكنها ظلّت محدودة وفوقية، ولذلك ظلّت البيروقراطية مهيمنة واستعادت نفوذها، بل عاظمته، في حين أرادها غورباتشوف (1985) أن تكون الاصلاحات جذرية وشاملة، الأمر الذي انهارت معه التجربة بكاملها، خصوصاً في ظل تحديات خارجية أساسها حرب النجوم وهستيريا التسلح، وداخلية بسبب شح الحرّيات والاختناقات والأزمات الاقتصادية.
وحتى برنامج الحزب فقد تميّز بضعف اهتمامه بقضايا حركة التحرر العربي التي احتلّت موقعاً ثانوياً وهامشياً في تحليلاته وترتيب موضوعاته، في حين أولاها المنبر اهتماماً كبيراً .
سادساً: وثيقتان مبدئيتان
في فترة متقاربة وبمجرد موافقة إيران على قبول قرار مجلس الأمن 598 الصادر في 20 تموز (يوليو) 1987 والقاضي بـ: وقف إطلاق النار وذلك في 18 تموز (يوليو) 1988 صدر عن المنبر بيان في 21 تموز (يوليو) أي بعد ثلاثة أيام من الموافقة الإيرانية على إقرار مجلس الأمن. أما الوثيقة الثانية فقد صدرت في 28 آب (أغسطس) من العام ذاته أي بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ وهو التاريخ الذي اعتمد في 8/8/1988.
وكان عنوان الوثيقة الأولى " الحرب العراقية- الإيرانية- منعطف جديد ومهمات عاجلة، أما الوثيقة الثانية فقد كان عنوانها " مهمات أساسية على طريق الأمن والسلام والتغيير الديمقراطي الشامل، طريق الإعمار الاقتصادي والوحدة الوطنية".
وتستخلص الوثيقة الأولى الدروس البليغة التي قدمتها الحرب والتي ينبغي على الحركة الوطنية العراقية استيعابها وأخذها بحساب المستقبل، مهما كانت اجتهاداتها، لاسيّما التركيز على مهمة توطيد  السلام وإنجاح المفاوضات وتأكيد الأمل بأن تتكلل الجهود الدولية السلمية بإنهاء حالة الحرب، مع الإشارة إلى المهمات العاجلة التي تواجه العراق والتي تستدعي إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يحترم إرادة الشعب ويقوم على أساس المؤسسات النيابية الحقة والتعددية الفكرية والسياسية .
               أما الوثيقة الثانية فقد تضمنت المهمات الأساسية ذات الطبيعة البرنامجية، كبرنامج واقعي يستمد أسسه من تجربة السنوات الماضية وبخاصة سنوات الحرب المريرة، وما ارتبط بها من دلالات وآثار سياسية وفكرية. وأكدت هذه الوثيقة على: ضرورة إجراء تغيير ديمقراطي شامل والتخلص من أساليب الحكم الدكتاتوري وإلغاء القوانين الجائرة والممارسات الشاذة والقمعية واحترام حقوق الإنسان والأخذ بالتعددية وإطلاق الحريات لاسيّما حرية التنظيم الحزبي والنقابي وتشريع دستور دائم للبلاد من قبل مجلس نيابي ينتخبه الشعب وتأمين قضاء مستقل يصون الشرعية ويحمي حقوق المواطنين.
واقتضت المهمات: حل المشكلة الكردية واحترام حقوق الشعب الكردي وحل مشكلة المهجرين العراقيين وتمكينهم من العودة الحرة والآمنة إلى وطنهم العراق وإصدار قانون جديد للجنسية لا يسمح بالتمييز. كما أكدت الوثيقة على التنمية المستقلة وإعمار ما خربته الحرب والشروع بوضع الخطط العاجلة لذلك، فضلاً عن النهوض بدور فعّال لتدعيم التضامن العربي والثورة الفلسطينية، وذلك بمشاركة وتعاون جميع القوى والفئات الوطنية وسائر القوى الشعبية وتحقيق صيغة عمل صائبة بين أطرافها .
               خاتمة وتقويم
كانت القيادة المركزية أكبر وأوسع انشقاق في الحزب الشيوعي حدث في 17 أيلول (سبتمبر) 1967 وضمّت جمهوراً واسعاً، لاسيّما من كادر الحزب الوسطي وأعضائه، وحظيت باهتمام كبير، علماً بأن نشاطها الفعلي لم يدم أكثر من سنتين، وكانت قد طرحت قضايا جريئة وحفزت النقاش والجدل داخل الحزب وحوله ولفتت انتباه أصدقائه وخصومه على حد سواء، لكن حركة المنبر كانت أخطر حركة احتجاج في الحزب، خصوصاً لغتها التجديدية وأطروحاتها العقلانية وموقفها النقدي واستيعابها للتطورات النظرية والعملية على الساحتين العربية والدولية.
لقد ولدت المنبر في الخارج وفي ظروف ملتبسة وفي ظل تداخل خارجي، وكانت غالبية قيادتها من كبار مثقفي الحزب ومن حملة الشهادات الأكاديمية، في حين أن القيادة المركزية ولدت في الداخل وفي ظل مجابهة مباشرة مع الأحداث.
استمرت حركة المنبر ثلاث سنوات ونيّف منذ بيانها الأول " التأسيسي" الذي جاء على أعقاب تطور الوضع في العراق، لاسيّما محاولات إيران لاختراق الأراضي العراقية، وقد استمرت صحيفتها " المهاجرة" من فيينا إلى بيروت ومنها إلى براغ ، فلندن في الصدور،  أي أنها من الناحية العملية كانت حاضرة بقوة في عامي 1987 و1988 وعقدت كونفرنسين كان الثاني في (آب/أغسطس) 1988 وقد شهد صراعاً بين أقطابها، لاسيما بُعيد غزو القوات العراقية للكويت، حيث كان الاتجاه الغالب ضد الغزو ويدين نظام الحكم الدكتاتوري، الذي ورّط البلاد بحرب جديدة ستكون نتائجها كارثية على العراق.
لم تستطع حركة المنبر بعد ذلك استيعاب المتغيرات الجديدة، لاسيّما بعد غزو الكويت، وقد استنفذت أغراضها، لاسيّما بعد اختراق قياداتها التي هي الأخرى عانت من مشكلات القيادة التقليدية، بل من بعض أمراضها، وتقرر تدريجياً وقف العمل والنشاط والإبقاء على علاقات الصداقة والرفقة بين أطرافها ولكل ظروفه وهذا تقييم بعض قادتها.
وهكذا انتهت أخطر حركة للتجديد في تاريخ الحزب، ولم تسلّط عليها الأضواء الكافية ولم تدرس ولم يتم نقدها على نحو منهجي وفكري، لاسيّما ما تركت من أثر في اللغة السياسية، الشيوعية، الجديدة، لكنها تبخّرت بسرعة، ومرّة أخرى نعود إلى دور القيادة وكفاءتها  وتوازنها وتفاهمها وإرادتها السياسية، تلك التي لم تتوفر لا في القيادة الشيوعية التقليدية ولا في الحركات التي انشطرت عنها لا في السابق ولا في الحاضر.

 


[1] - Tareq Y. Ismael, The Rise and Fall of the Communist Party of Iraq (Cambridge, MA: Cambride University Press, 2008) " 
2- باقر ابراهيم، مذكرات باقر ابراهيم (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2002)، ص 266.
[3] - Tareq Y. Ismael, The Rise and Fall of the Communist Party of Iraq (Cambridge, MA: Cambride University Press, 2008) " 
[4] - مقابلة  مع المؤلف في لندن بتاريخ 18 كانون الأول /ديسمبر 1992.
[5] - مقابلة مع المؤلف في لندن بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992.
[6] - إبراهيم، مذكرات باقر ابراهيم، مصدر سابق، ص 247.
[7] -  مقابلة مع المؤلف في لندن بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992.
[8] - مقابلة مع المؤلف في لندن بتاريخ 29 حزيران/يونيو 1993.
[9] - مقابلة المؤلف مع عبد الحسين شعبان في لندن بتاريخ 27 آب/ أغسطس 1994.
[10] - Bryan R. Gibson, Covert Relationship: American Foreign Policy, Intelligence, and the Iran – Iraq War, 1980-1988, praeger Security International (New York: Praeger, 2010), pp. 55-70.
[11] -Behrooz Ghamari- Tabrizi, “ Memory, Mourning, Memorializing: On the Victims of Iran- Iraq War, 1980- present” Radical History Review, no.105 (Fall 2009), pp. 106-121.
[12] -Ismael, The Rise and Fall of the Communist Party of Iraq.
[13] -انظر مقابلة مع الناطق الرسمي لجماعة " المنبر في : الغد (لندن) العدد 21 (تشريت الأول/اكتوبر 1987).
[14] - المصدر نفسه .
[15] -المصدر نفسه .
[16] - انظر: عبد الحسين شعبان ، الصوت والصدى: حوارات ومقابلات في السياسة والثقافة، إعداد وتقديم كاظم الموسوي (بيروت: الدار العربية للعلوم- ناشرون)، 2010.
[17] - مجلة النهج (نيقوسيا)، العدد 1 (1983)، ص 54.
[18] - " معالم الأزمة في حزبنا الشيوعي العراقي " نقلاً عن : زكي خيري، في: مجلة النهج، العدد 5 (1984)، ص 40.
[19] - مقابلة مع الناطق الرسمي لجماعة " المنبر" في: الغد (لندن)، العدد 21 (تشرين الأول/اكتوبر 1987).



#طارق_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جماعة المنبر والحركة الشيوعية العراقي: قراءة تاريخية- راهنة ...


المزيد.....




- قادة جامعات أميركية يواجهون -دعوات للمحاسبة- بعد اعتقال متظا ...
- دعوات لسحب تأشيرات الطلاب الأجانب المتظاهرين في امريكا ضد عد ...
- “بأي حالٍ عُدت يا عيد”!.. العمال وأرشيف القهر
- إبعاد متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين من حفل تخرج جامعة ميشيغان ...
- لقاء مع عدد من الناشطات والناشطين العماليين في العراق بمناسب ...
- صادق خان يفوز بولاية ثالثة لرئاسة بلدية لندن.. ويعزز انتصار ...
- الختان، قضية نسوية!
- جرائم الشرف، كوسيلة للإدامة بالأنظمة الإسلامية القومية في ال ...
- الرئيس السوري يؤكد أهمية المحاسبة داخل حزب البعث العربي الاش ...
- التصور المادي للإبداع في الادب والفن


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - طارق اسماعيل - جماعة المنبر والحركة الشيوعية العراقي: قراءة تاريخية- راهنة لبعض أجنحة الحركة الشيوعية