التغيرات المناخية العالمية والتنمية – العلاقة والتشابكات (1/7)

خالد السيد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4909 - 2015 / 8 / 29 - 17:37
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    

يشير مصطلح التغيرات المناخية حسب التعريف الوارد في اتفاقية الإطار الأمم المتحدة بشان تغير المناخ إلى "التغيرات المناخية التي تعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يؤدي إلى التغير الملاحظ في تكوين الغلاف الجوي العالمي، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ،علي مدى فترات زمنية متماثلة". إلى التغيرات في درجات الحرارة الموسمية والأمطار والرياح والرطوبة لمنطقة معينة لهي أهم مظاهر التغيرات المناخية العالمية الحالية، وهو يمكن ان ينطوي علي تبريد أو تدفئة، بينما يشير مصطلح الاحتباس الحراري إلى الزيادة في متوسط درجات الحرارة في العالم، بسبب النشاط البشري المتسبب في زيادة حجم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي والتي تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري وتهدد بمشاكل وتعقيدات بيئية وصحية بالغة الخطورة. ومن ابرز تلك الغازات الدفيئة غاز ثاني اوكسيد الكربون وغاز الميثان غاز فلوريد الكلور. وهيغازات تنجم بصفة أساسية عن أنشطة إنتاج الطاقة بواسطة الوقود الأحفوري ( الفحم والبترول والغاز الطبيعي ) مما إلى ارتفاع درجة الحرارة فوق سطح الأرض والذي بدوره يؤدي إلي تغير المناخ.

في عام 2000 ومع بداية الألفية الجديدة، أجتمع قادة العالم في الأمم المتحدة لوضع رؤية واسعة للتنمية البشرية العالمية، وتتبلورت المناقشات عن ثمانية أهداف تنموية لها صفة العمومية لمعظم دول العالم وعرفت ب (الأهداف الإنمائية للألفية)، وقد وضعت مجموعة من المستهدفات الكمية لتحقيقها بنهاية عام 2015.
ونحن على نهاية فترة الأهداف الإنمائية للألفية،وبفضل تضافر الجهود العالمية والإقليمية والوطنية والمحلية، فقد تحقق جزء غير يسير من هذه الأهداف الإنمائية للألفية وقد أنقذت حياة الملايين وتحسنت الظروف المعيشية والتنموية وذلك وفقاً للبيانات والتحليلات الواردة في تقرير الأمم المتحدة حول الأهداف الإنمائية للألفية 2015. وقد أشار التقرير أيضاً إلى بعض نقاط النقص وعدم الوصول إلى المستهدف للعديد من هذه الأهداف التنموية وعليه فإن العمل لم ينتهي ولم يكتمل بعد ولهذا يجب ان يستمر تضافر الجهود المستقبلية لتحقيق المزيد من النجاحات في العديد من المجالات التي لم يكتمل تحقيق المستهدف لها، هذا بالإضافة إلى وضع مجموعة من الأاهداف التنموية الجديدة لما بعد 2015.

هذا وقد اختلفت الأراء حول تاثير التغيرات المناخية العالمية على جهود التنمية، فالبعض يري أن مانشهده من تغيرات مناخية حالية ما هي إلا حلقة من سلسلة متتالية من موجات شديدة الحرارة أو البرودة تضرب انحاء مختلفة من العالم في دورات شبة منتظمة، وإن دور النشاط الانساني فيها معدوم أو قد يكون محدوداً بشكل كبير. ودليلهم على ذلك أن المتتبع للتغير في متوسط درجة حرارة الأرض خلال المائة عام السابقة سيلاحظ إنها لم تزد إلا بمعدل من 0.4 إلى 0.6 درجة مئوية فقط، وإن توالي مثل هذه الموجات شديدة الحرارة أو البرودة ومايصاحبهما من تغيرات مناخية أخري من تذبذب كميات الأمطار وسرعة واتجاهات الرياح وارتفاع منسوب مياة البحار والفيضانات والاعاصير والتصحر والجفاف وغيرها من الظواهر المناخية لم يمنع مسيرة التنمية والتقدم الانساني خلال المائة عام الماضية إيضاً. ودليلهم على ذلك، أن أكثر الأماكن على سطح الكرة الأرضية تعرضاً لتأثير العوامل المناخية الغير مواتية على مر التاريخ هي الأكثر تحقيقاً لمعدلات التنمية البشرية والاقتصادية الأعلى. فمجوعة الدول الأسكندافية وشمال أوربا، لم يمنع تعرضها لدرجات حرارة منخفضة طوال العام وللجليد طوال الشتاء ولفيضانات الانهارخلال فصول الصيف من تحقيق إعلي معدلات التنمية البشرية العالمية، وكذ لك لم تمنع العواصف والاعاصير المتتالية على أمريكا الشمالية وموجات الجفاف والحرائق الهائلة للغابات والتى تعتبر أحد موارد التنمية من أن تحقق معدلا عالية من التنمية ايضاً. وإذا أتجهنا إلي الشرق، نجد أن منطقة النمور الاسيوية قد حققت هي الأخري معدلات تنمية بشرية وأقتصادية غير مسبوقة في التاريخ البشري وخرجت من قائمة الدول الفقيرة إلى دول مجموعة الاقتصاديات الواعدة بالرغم مما يجتاحها من حين لأخر من أعاصير مدمرة (تسوناميات) تأتي علي الأخضر واليابس وتعصف بحياة ومقدرات مئات الألف من البشر.

وعلى الجانب الأخر يري البعض أن للتغيرات المناخيىة تأثير كبير على جهود التنمية في العالم، وخاصة في الدول الفقيرة. فالتقدم الصناعي الكبير في أوربا وامريكا ودول شرق وجنوب أسيا، والدي بدأ ونما من منتصف القرن الماضي وماصاحبة من تزايد في استخدام وتوليد الطاقة من مصادرها الأحفورية شديدة الأنتاج لغاز ثاني أكسيد الكربون قد ساهم بشكل كبير في تفاقم حدة وأثر ظاهرة الأحتباس الحراري العالمية والتي بدورها أدت إلى تزايد معدل درجة حرارة الأرض وما ترتب عليها من ذوبان الجليد القطبي وأرتفاع مستوى البحار وغرق المناطق الساحلية الضحلة وتناقص معدلات سقوط الامطار وتغير اتجاهات الرياح وتنامي ظواهر الاعاصير والفيضانات والجفاف والتصحر، مما أدي الي القضاء على العديد من الموارد البيئية والطبيعية وإلى تشريد مئات الألأف من مواطني هذه الدول الفقيرة، وبالتالي ضياع كل جهود التنمية في هذه المناطق الموبؤة والبدء من . إن الأثر السلبي لمثل هذه الظواهر المناخية الغير مواتية على التنمية البشرية والاقتصادية هو الأكثر ملاحظة في الدول الفقيرة، ولعل أدل الأماكن على ذلك هو مجموعة دول الصحراء الكبري وشمال وشرق افريقيا وبعض مناطق جنوب اسيا كالفلبين. ومن المثير للشفقة والجدل العالمي أن هذه الدول لم تساهم من بعيد أو قريب في ظاهرة الاحتباس الحراري، فدولة مثل مصر، مجموع ما تساهم به في ظاهرة الاحتباس الحراري لا يزيد عن 0.5 في المائة بينما تساهم دولاتان مثل الولايات المتحدة الامريكية والصين بما يقارب من نصف حجم غازات الاحتباس الحراري المولدة عالمياً.

مما لاشك فيه أن التغيرات المناخية بصفة عامة وظاهرة الاحتباس الحراري بصفة خاصة كان لهما تأثير سلبي وإن كان بدرجات متفاوتة وغير مؤكدة في بعض الاحيان علي قدرة الدول على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. أن الاحتباس الحراري بمعدلاته الحالية قد يفاقم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، لا سيما لتلك المجتمعات التي تعتمد على الموارد التي تعتبر حساسة للتغيرات المناخية.
لقد أصبح من المؤكد أن التغيرات المناخية العالمية ومعدلات الاحتباس الحراري الحالية تؤثر على التنمية البشرية وخاصة في دول الجنوب النامية، وأنه في ظل استمرار وتفاقم حدة هذه التغيرات المناخية مستقبلاً سوف تتعرقل جهود التنمية.

وسوف نتناول في سلسلة من ستة مقالات متتالية بخلاف هذا المقال التأثيرات الحالية والمستقبلية للتغيرات المناخية والاحتباس الحراري على مساعي الدول وخاصة الدول النامية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تأثيرتها على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وهي:

1. التغيرات المناخية العالمية والقضاء علي الفقر والجوع.
2. التغيرات المناخية العالمية وتعميم التعليم الاساسي.
3. التغيرات المناخية العالمية وتعزيز المساواة بين الجنسين.
4. التغيرات المناخية العالمية والصحة ووفيات الأطفال.
5. التغيرات المناخية العالمية والاستدامة البيئية.
6. التغيرات المناخية العالمية وسبل المعيشة المستدامة.

#خالد_السيد_حسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات