أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مشعل يسار - محاربة الستالينية جزء أساسي من حملة مكافحة الشيوعية















المزيد.....


محاربة الستالينية جزء أساسي من حملة مكافحة الشيوعية


مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)


الحوار المتمدن-العدد: 4898 - 2015 / 8 / 16 - 22:29
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يدعو البرجوازيون اليوم سواء في الدول المنبثقة عن تفكيك الاتحاد السوفياتي حيث احتل الأثرياء الجدد مقاليد السلطة، أو في بلدان "الأثرياء العتاق" في أوروبا (القارة القديمة) وغيرها إلى «حظر الإيديولوجية الشيوعية والقضاء على رموز الأنظمة الشمولية (التوتاليتارية) والشيوعية».

وحجة هؤلاء يمكن تلخيصها مثلا في هذا التعريف الصادر عن بعض نواب البرلمان الأوكراني اليمينيين من ضمن مشروع طرحوه لحظر نشاط الشيوعيين هناك حتى منذ ما قبل الأحداث الأخيرة التي أتت بالفاشيين إلى السلطة: «الفكر الشيوعي هو نظام من التصورات والأفكار والآراء حول الحياة السياسية، قائمة على تعصب طبقة اجتماعية ضد أخرى، وعلى اللاإنسانية والشمولية، يتوخى تطوير الأفكار حول تفوق وهيمنة طبقة اجتماعية على أخرى، وسيادة طبقة واحدة وسيادة الدولة على الفرد، وحرمان الشعوب والأمم من حقها في تقرير مصيرها، وإنكار الحق في التملك الفردي لوسائل الإنتاج، واستخدام القوة والعنف لإقامة ديكتاتورية طبقة واحدة، والعدوانية تجاه طبقة اجتماعية أخرى، والتعصب حيال الأفكار المغايرة، وإنشاء أنظمة تحكم الحزب الواحد. ويفهم بالأيديولوجية الشيوعية أشكالها وتفسيراتها وتأويلاتها المختلفة في عرض ممثليها الرئيسيين: فلاديمير لينين ويوسف ستالين وماوتسي تونغ وكارل ماركس».

لنلاحظ أن مقولة "تفوق طبقة اجتماعية على أخرى، وسيادة طبقة واحدة وسيادة الدولة على الفرد" تعكس أساسا الأوضاع الراهنة في مجتمعات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والدعاية البرجوازية المناهضة للشيوعية، في التحليل النهائي، ما هي إلا مظهر من مظاهر الصراع الأيديولوجي من أجل السيطرة على سلطة الدولة والهيمنة على المواطنين.

إن المعارضة من داخل النظام كالحزب الشيوعي بزعامة زوغانوف في روسيا (أو الحزب الشيوعي بزعامة سيموننكو في أوكرانيا ما قبل الانقلاب الأخير) راضية تماما بالدور المريح، دور الشريك الأصغر لحزب السلطة، وهي لا تسعى إلى السلطة منذ عهد يلتسين ومبايعته الرئاسة في انتخابات عام 1996 الرئاسية في روسيا، (أو منذ عهد كوتشما وانتخابات 1999 الرئاسية في أوكرانيا). وهذان الحزبان وأمثالهما من حيث مضمونهما الإيديولوجي استأثرا بالحق في استخدام "الشيوعية" حصرياً في الدعاية الانتخابية كرمز سوفييتي قديم اعتاده الناس وما زال يجتذب الكثيرين منهم.

ومع ذلك، لا تزال مرتفعة نبرة الخطاب المناهض للشيوعية في مجتمعات ما بعد انقلاب 1991 الذي يفصلنا عن العهد السوفياتي وتقوى مع استشراء الأزمة والتضخم المالي مؤخرا الذي أطاح بالقيمة الفعلية للأجور. فالمثقفون اليمينيون غير المبالين بالتفاصيل المهمة للحياة المعاصرة مثل البطالة، وهجرة العمال، وانهيار الصناعة والفقر بين فئات الشعب يفضلون فضح فعال الماضي "المرتكبة في ظل النظام الشيوعي". وهم لا يضخمون وحسب ما يرونه من "جرائمه"، ولكنهم يدينونه أيضا على تلك الإنجازات والخدمات الاجتماعية التي كان قدمها مثل الرعاية الصحية المجانية، والتعليم، والتنوير الثقافي لكل أفراد الشعب والحيوية الاجتماعية والنزوع إلى المساواة بين الناس. وقد اتخذ تصوير "الماضي السوفيتي" بوصفه عملاً من رجس الشيطان طابع الشمول. وهم بدلا من محاولة التحليل الموضوعي لتاريخ الاتحاد السوفياتي بهبواته وكبواته يفرضون تصوراً دعائياً يتسم بازدواجية المعايير لحقبة "الشر المطلق" الذي تبدو باهتة إذا ما قورنت به كل مشاكل وتعاسات عصر "ما بعد التوتاليتارية".

ولكن في هذا يكمن جوهر ومغزى الدعاية المناهضة للشيوعية. فهي، إذ ترتد إلى الماضي، تصبح في الحقيقة سلاحاً في الكفاح من أجل المستقبل، من أجل مستقبل يؤاتي مصالح القائمين بهذه الدعاية. فالخطاب المناهض للشيوعية ليس موجها ضد شبح الحقبة السوفيتية الماضية. انه يسعى لتشويه سمعة اليسار عمدا وأي مشروع يساري لتحويل المجتمع يكون بديلا لمملكة السوق البرجوازية الحالية. وفي الوقت نفسه للتخفيف من وطأة الآثار الكارثية الواضحة وضوح عين الشمس للسنوات الخمس والعشرين التي مضت من هيمنة البرجوازية على المجال السوفياتي السابق في أذهان الناس.

ومن المفارقات، أن البرجوازية، باسترسالها في وصف "جرائم" العهد السوفياتي، حقيقية كانت أو وهمية، تحاول تبرير جرائمها هي في عصر السوق، أي عصر الردة الرأسمالية. ولمن السخف شن مثل هذه الحملة الدعائية ضد متهمين بأعمال القمع باتوا منذ زمن طويل في عالم الآخرة، ليس فقط لأنه ينتهك أحكام القانون الذي يحظر محاكمة الموتى، بل لأنه يبدو فعل مجون على خلفية تلكؤ السلطات عن فعل شيء ما لحماية الشعب من طغمة هي قلة قليلة تعيش الآن بالذات وتزدهر جيوبها، قلة تبرز جرائمها واضحة للملايين من المواطنين. وهذا التلكؤ والإغفال يدل - على خلفية التباهي بمحاكمة ومقارعة أناس توفوا منذ أمد طويل - على أننا أمام موقف مطلوب اجتماعياً من دولة طبقية متمثل في إلقاء اللوم على الماضي واتهامه لتبرير جرائم الحاضر وتبرئة ساحته.

وهم إذ يتحدثون عن قمع وعن مجاعة في أوكرانيا مر عليهما ردح من الدهر، يحاولون ابعاد اللوم عنهم على اختفاء مئات آلاف القرى والبلدات من الخارطة في السنوات الأخيرة، وتناقص عدد السكان تناقصاً كارثياً منذ مطلع التسعينيات.

وإذ يتناولون في الحديث الستار الحديدي الذي كان قائماً، فهم يريدون من وراء ذلك تبرير هجرة الملايين من العمال من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق الأقل غنى على وجه الخصوص، وجميع الناس من خارج شريحة الفئات الوسطى، الذين لم يتسنّ لهم أن يسافروا يوماً على متن طائرة مثلا، ونسوا ماذا تعني كلمة "استجمام" خلال العطلة السنوية.
وحين يتحدثون عن إرهاب الاستخبارات في عهد ستالين، فإنهم يريدون للناس أن تنسى اللوردات والإقطاعيين الجدد وأصحاب سيارات الدفع الرباعي الفخمة الذين يقتلون الناس "الصغار" على الطرقات من دون عقاب.
وأخيرا، يتحدثون عن ديكتاتورية الحزب الشيوعي لأجل أن يغمض الناس أعينهم عن حقيقة أن النخبة الحالية عزلت نفسها كلياً في برجها العاجي عن "المواطنين العاديين»، إذ ليس لأي فتى من أبناء الريف أن يترقى إلى مرتبة كبير القوم أو رئيس البلاد، ما داموا قد احتكروا لأنفسهم وأبنائهم المراكز والركائز، والوزارة والنيابة.
فما أصدق ما وصف به ونستون تشرتشل بسخرية الديموقراطية البرجوازية على أنها "أسوأ شكل من أشكال الحكم إذا ما استثنينا كل الباقي".

زد على ذلك أن البرجوازية تتذاكى في اتهام تركة الحقبة السوفيتية بأنها السبب الرئيسي للبؤس الحاضر. فالجيل الجديد من الناخبين الذين لا يمكنهم والحق يقال أن يتصوروا كيف يمكن للمرء أن يحصل على شقة مثلا في العاصمة من الدولة مجاناً (مثلما كان الوضع عليه في العهد السوفياتي، حتى بعد سنوات عديدة من الاصطبار على قائمة الانتظار)، قد يصدّق مع ذلك أن حظائر الأبقار وزرائب الخنازير المتروكة والمهملة في جميع انحاء البلاد المترامية لا تزال في هذه الهيئة على الأقل منذ حقبة تحويلها إلى مزارع جماعية في عهد ستالين. هذا الجيل الضئيل المعرفة الضعيف التعليم والذي تربى على كليشيهات اليمين الدعائية، وتشويهه صورة الحقبة السوفياتية أيما تشويه، لا يفهم الفكر اليساري إلا كونه "جرائم" ارتكبت في الحقبة الستالينية. وأي محاولة لتحليل تلك الحقبة التحليل الموضوعي وخارج حدود معاداة الشيوعية، تجعل صاحبها عرضة لأن يوصم بالعار من قبل المجتمع.

وإلى جانب الأيديولوجية القومية المتعصبة التي أوصلت أوكرانيا وغيرها من الجمهوريات السابقة إلى ما وصلت إليه من درك، تعتبر معاداة الشيوعية من أهم أدوات ضبط المجتمع على وقع مصالح الطبقة البرجوازية الجديدة الحاكمة. فالبرجوازية تنجح في تغيير وجهة السخط الاجتماعي لدى الجماهير من خلال تخويفها بفزاعة "الإرث الجنائي للنظام الشيوعي".

ويمكن لعواقب هذه الحرب الطبقية الوقائية على الفكر اليساري أن تكون ذات أهمية خاصة اليوم، في زمن الأزمة الاقتصادية والسياسية التي أفقدت الديمقراطية البرجوازية مصداقيتها بين الملايين من الناس الذين تعبوا من الفقر والفاقة وانعدام الحقوق.

إن العداء للشيوعية يحرم بلدان الكتلة السوفييتية السابقة الأمل في بديل لليبرالية الجديدة المتوحشة إنساني النزعة، اشتراكي. ولا بد لمجتمع المؤسسات الفاسدة ذات الديمقراطية الزائفة، والذي يسيطر فيه المزاج اليميني بفعل الدعاية المغرضة، من اختيار طريق التسلط والاستبداد عاجلا أم آجلا - في لحظة انفجار الصراع الاجتماعي في نهاية المطاف. والأوليغارشية – وأوكرانيا خير مثال - تراهن ضمنا في هذه الحالة على نظام التسلط اليميني لأجل أن تستعبد تحت قناعه الجماهير المخدوعة مرة أخرى – وبأيدي الجماهير نفسها، حين ترحب هذه بفوهرر جديد.

أزمة عدم وجود بديل يساري إيجابي باتت تتراءى اليوم من خلال ضباب الأيديولوجية الرجعية. فالديمقراطيون القوميون والوطنيون الأحرار وقد أصابتهم فجأة خيبة أمل حيال من كانوا أصنامهم ومعبوديهم بالأمس، باتوا يحلمون بـ"اليد الحديدية"، ويراهنون على السعي إلى البرلمان من جانب المتعصبين القوميين المصابين بعمى الكره لكل ما هو غريب أو الحاملين راية مشاريع جنونية حول ضرورة "التطهير العرقي والسياسي"، معتبرين أن سبب كل العلل هو في الشيوعيين القابعين في حنايا السلطة. وهؤلاء هم من حملة المطارق يحطمون بها نصب لينين وغيره من قادة الماضي السوفياتي تحت أعين البيروقراطيين والبرجوازيين الذين ينهبون هؤلاء المجانين أنفسهم ليل نهار.
إن الدعاية المناهضة للشيوعية، والتي، جنبا إلى جنب مع نزعة التعصب القومي، أصبحت بالضرورة أيديولوجية البرجوازية الناشئة، لتجعل الناس العاديين يصارعون أشباحاً بدلا من أعدائهم الاجتماعيين الحقيقيين، ضامنين بهذا سلطة هؤلاء على البلاد والعباد. ولئن كانوا غير قادرين على تحديد الأسباب الاقتصادية الحقيقية للكارثة التي حلت بهم، فهم يعلنونها حرباً شعواء على الماضي. وهو ما يتحول صراعاً أعمى ضد مستقبلهم هم لأجل مصالح طبقية ليست هي مصالحهم.
في ظل هذه الظروف، من المهم عدم الاستسلام وتجنبِ الاحتكاك بالجماهير، حيث كلمة أو كلمتان عن الاشتراكية قد تجعلك عرضة للاتهام بأنك شريك في ارتكاب عمليات القتل الجماعي. وإن مهمة اليسار المعاصر لهي، على العكس من ذلك، النضال ضد جعل الفكر الاشتراكي فكراً هامشياً.. فهذا الفكر المشهَّر به بواسطة الدعاية اليمينية الغالبة من خلال وسائل الإعلام الواقعة في معظمها تحت سيطرة البرجوازية، وكذلك بفضل السياسيين الذين يسمون أنفسهم زوراً يساريين فيما هم يسايرون هذه الدعاية ويجرون مجراها، هو الإمكانية الوحيدة للخلاص من "الفوضى البناءة" التي بفضلها تسيطر الليبرالية الجديدة ومن "النظام العالمي الجديد" الذي يرسخ أقدام دكتاتورية يمينية. وإن تعزيز وتطوير المنظمات العمالية، وإنشاء حركة ديمقراطية ضد الفاشية والتعصب وكره الأجانب، والكفاح من أجل تحليل نقدي موضوعي للماضي، هي ما يلزم اليوم لمعارضة القوانين "الجزويتية" الجائرة بحق الشيوعية ماضياً وحاضراً، والبرامج التلفزيونية التضليلية والمطارق الهادمة لتماثيل من لا ناقة لهم ولا جمل في ما آلت إليه أوضاع الجماهير من بؤس وضياع بعد الانهيار الكبير على أيدي العابثين والديماغوجيين ممن لهم اليد الطولى في ما هو الآن.
محاربة الستالينية جزء أساسي من حملة مكافحة الشيوعية؟

يدعو البرجوازيون اليوم سواء في الدول المنبثقة عن تفكيك الاتحاد السوفياتي حيث احتل الأثرياء الجدد مقاليد السلطة، أو في بلدان "الأثرياء العتاق" في أوروبا (القارة القديمة) وغيرها إلى «حظر الإيديولوجية الشيوعية والقضاء على رموز الأنظمة الشمولية (التوتاليتارية) والشيوعية».

وحجة هؤلاء يمكن تلخيصها مثلا في هذا التعريف الصادر عن بعض نواب البرلمان الأوكراني اليمينيين من ضمن مشروع طرحوه لحظر نشاط الشيوعيين هناك حتى منذ ما قبل الأحداث الأخيرة التي أتت بالفاشيين إلى السلطة: «الفكر الشيوعي هو نظام من التصورات والأفكار والآراء حول الحياة السياسية، قائمة على تعصب طبقة اجتماعية ضد أخرى، وعلى اللاإنسانية والشمولية، يتوخى تطوير الأفكار حول تفوق وهيمنة طبقة اجتماعية على أخرى، وسيادة طبقة واحدة وسيادة الدولة على الفرد، وحرمان الشعوب والأمم من حقها في تقرير مصيرها، وإنكار الحق في التملك الفردي لوسائل الإنتاج، واستخدام القوة والعنف لإقامة ديكتاتورية طبقة واحدة، والعدوانية تجاه طبقة اجتماعية أخرى، والتعصب حيال الأفكار المغايرة، وإنشاء أنظمة تحكم الحزب الواحد. ويفهم بالأيديولوجية الشيوعية أشكالها وتفسيراتها وتأويلاتها المختلفة في عرض ممثليها الرئيسيين: فلاديمير لينين ويوسف ستالين وماوتسي تونغ وكارل ماركس».

لنلاحظ أن مقولة "تفوق طبقة اجتماعية على أخرى، وسيادة طبقة واحدة وسيادة الدولة على الفرد" تعكس أساسا الأوضاع الراهنة في مجتمعات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والدعاية البرجوازية المناهضة للشيوعية، في التحليل النهائي، ما هي إلا مظهر من مظاهر الصراع الأيديولوجي من أجل السيطرة على سلطة الدولة والهيمنة على المواطنين.

إن المعارضة من داخل النظام كالحزب الشيوعي بزعامة زوغانوف في روسيا (أو الحزب الشيوعي بزعامة سيموننكو في أوكرانيا ما قبل الانقلاب الأخير) راضية تماما بالدور المريح، دور الشريك الأصغر لحزب السلطة، وهي لا تسعى إلى السلطة منذ عهد يلتسين ومبايعته الرئاسة في انتخابات عام 1996 الرئاسية في روسيا، (أو منذ عهد كوتشما وانتخابات 1999 الرئاسية في أوكرانيا). وهذان الحزبان وأمثالهما من حيث مضمونهما الإيديولوجي استأثرا بالحق في استخدام "الشيوعية" حصرياً في الدعاية الانتخابية كرمز سوفييتي قديم اعتاده الناس وما زال يجتذب الكثيرين منهم.

ومع ذلك، لا تزال مرتفعة نبرة الخطاب المناهض للشيوعية في مجتمعات ما بعد انقلاب 1991 الذي يفصلنا عن العهد السوفياتي وتقوى مع استشراء الأزمة والتضخم المالي مؤخرا الذي أطاح بالقيمة الفعلية للأجور. فالمثقفون اليمينيون غير المبالين بالتفاصيل المهمة للحياة المعاصرة مثل البطالة، وهجرة العمال، وانهيار الصناعة والفقر بين فئات الشعب يفضلون فضح فعال الماضي "المرتكبة في ظل النظام الشيوعي". وهم لا يضخمون وحسب ما يرونه من "جرائمه"، ولكنهم يدينونه أيضا على تلك الإنجازات والخدمات الاجتماعية التي كان قدمها مثل الرعاية الصحية المجانية، والتعليم، والتنوير الثقافي لكل أفراد الشعب والحيوية الاجتماعية والنزوع إلى المساواة بين الناس. وقد اتخذ تصوير "الماضي السوفيتي" بوصفه عملاً من رجس الشيطان طابع الشمول. وهم بدلا من محاولة التحليل الموضوعي لتاريخ الاتحاد السوفياتي بهبواته وكبواته يفرضون تصوراً دعائياً يتسم بازدواجية المعايير لحقبة "الشر المطلق" الذي تبدو باهتة إذا ما قورنت به كل مشاكل وتعاسات عصر "ما بعد التوتاليتارية".

ولكن في هذا يكمن جوهر ومغزى الدعاية المناهضة للشيوعية. فهي، إذ ترتد إلى الماضي، تصبح في الحقيقة سلاحاً في الكفاح من أجل المستقبل، من أجل مستقبل يؤاتي مصالح القائمين بهذه الدعاية. فالخطاب المناهض للشيوعية ليس موجها ضد شبح الحقبة السوفيتية الماضية. انه يسعى لتشويه سمعة اليسار عمدا وأي مشروع يساري لتحويل المجتمع يكون بديلا لمملكة السوق البرجوازية الحالية. وفي الوقت نفسه للتخفيف من وطأة الآثار الكارثية الواضحة وضوح عين الشمس للسنوات الخمس والعشرين التي مضت من هيمنة البرجوازية على المجال السوفياتي السابق في أذهان الناس.

ومن المفارقات، أن البرجوازية، باسترسالها في وصف "جرائم" العهد السوفياتي، حقيقية كانت أو وهمية، تحاول تبرير جرائمها هي في عصر السوق، أي عصر الردة الرأسمالية. ولمن السخف شن مثل هذه الحملة الدعائية ضد متهمين بأعمال القمع باتوا منذ زمن طويل في عالم الآخرة، ليس فقط لأنه ينتهك أحكام القانون الذي يحظر محاكمة الموتى، بل لأنه يبدو فعل مجون على خلفية تلكؤ السلطات عن فعل شيء ما لحماية الشعب من طغمة هي قلة قليلة تعيش الآن بالذات وتزدهر جيوبها، قلة تبرز جرائمها واضحة للملايين من المواطنين. وهذا التلكؤ والإغفال يدل - على خلفية التباهي بمحاكمة ومقارعة أناس توفوا منذ أمد طويل - على أننا أمام موقف مطلوب اجتماعياً من دولة طبقية متمثل في إلقاء اللوم على الماضي واتهامه لتبرير جرائم الحاضر وتبرئة ساحته.

وهم إذ يتحدثون عن قمع وعن مجاعة في أوكرانيا مر عليهما ردح من الدهر، يحاولون ابعاد اللوم عنهم على اختفاء مئات آلاف القرى والبلدات من الخارطة في السنوات الأخيرة، وتناقص عدد السكان تناقصاً كارثياً منذ مطلع التسعينيات.

وإذ يتناولون في الحديث الستار الحديدي الذي كان قائماً، فهم يريدون من وراء ذلك تبرير هجرة الملايين من العمال من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق الأقل غنى على وجه الخصوص، وجميع الناس من خارج شريحة الفئات الوسطى، الذين لم يتسنّ لهم أن يسافروا يوماً على متن طائرة مثلا، ونسوا ماذا تعني كلمة "استجمام" خلال العطلة السنوية.
وحين يتحدثون عن إرهاب الاستخبارات في عهد ستالين، فإنهم يريدون للناس أن تنسى اللوردات والإقطاعيين الجدد وأصحاب سيارات الدفع الرباعي الفخمة الذين يقتلون الناس "الصغار" على الطرقات من دون عقاب.
وأخيرا، يتحدثون عن ديكتاتورية الحزب الشيوعي لأجل أن يغمض الناس أعينهم عن حقيقة أن النخبة الحالية عزلت نفسها كلياً في برجها العاجي عن "المواطنين العاديين»، إذ ليس لأي فتى من أبناء الريف أن يترقى إلى مرتبة كبير القوم أو رئيس البلاد، ما داموا قد احتكروا لأنفسهم وأبنائهم المراكز والركائز، والوزارة والنيابة.
فما أصدق ما وصف به ونستون تشرتشل بسخرية الديموقراطية البرجوازية على أنها "أسوأ شكل من أشكال الحكم إذا ما استثنينا كل الباقي".

زد على ذلك أن البرجوازية تتذاكى في اتهام تركة الحقبة السوفيتية بأنها السبب الرئيسي للبؤس الحاضر. فالجيل الجديد من الناخبين الذين لا يمكنهم والحق يقال أن يتصوروا كيف يمكن للمرء أن يحصل على شقة مثلا في العاصمة من الدولة مجاناً (مثلما كان الوضع عليه في العهد السوفياتي، حتى بعد سنوات عديدة من الاصطبار على قائمة الانتظار)، قد يصدّق مع ذلك أن حظائر الأبقار وزرائب الخنازير المتروكة والمهملة في جميع انحاء البلاد المترامية لا تزال في هذه الهيئة على الأقل منذ حقبة تحويلها إلى مزارع جماعية في عهد ستالين. هذا الجيل الضئيل المعرفة الضعيف التعليم والذي تربى على كليشيهات اليمين الدعائية، وتشويهه صورة الحقبة السوفياتية أيما تشويه، لا يفهم الفكر اليساري إلا كونه "جرائم" ارتكبت في الحقبة الستالينية. وأي محاولة لتحليل تلك الحقبة التحليل الموضوعي وخارج حدود معاداة الشيوعية، تجعل صاحبها عرضة لأن يوصم بالعار من قبل المجتمع.

وإلى جانب الأيديولوجية القومية المتعصبة التي أوصلت أوكرانيا وغيرها من الجمهوريات السابقة إلى ما وصلت إليه من درك، تعتبر معاداة الشيوعية من أهم أدوات ضبط المجتمع على وقع مصالح الطبقة البرجوازية الجديدة الحاكمة. فالبرجوازية تنجح في تغيير وجهة السخط الاجتماعي لدى الجماهير من خلال تخويفها بفزاعة "الإرث الجنائي للنظام الشيوعي".

ويمكن لعواقب هذه الحرب الطبقية الوقائية على الفكر اليساري أن تكون ذات أهمية خاصة اليوم، في زمن الأزمة الاقتصادية والسياسية التي أفقدت الديمقراطية البرجوازية مصداقيتها بين الملايين من الناس الذين تعبوا من الفقر والفاقة وانعدام الحقوق.

إن العداء للشيوعية يحرم بلدان الكتلة السوفييتية السابقة الأمل في بديل لليبرالية الجديدة المتوحشة إنساني النزعة، اشتراكي. ولا بد لمجتمع المؤسسات الفاسدة ذات الديمقراطية الزائفة، والذي يسيطر فيه المزاج اليميني بفعل الدعاية المغرضة، من اختيار طريق التسلط والاستبداد عاجلا أم آجلا - في لحظة انفجار الصراع الاجتماعي في نهاية المطاف. والأوليغارشية – وأوكرانيا خير مثال - تراهن ضمنا في هذه الحالة على نظام التسلط اليميني لأجل أن تستعبد تحت قناعه الجماهير المخدوعة مرة أخرى – وبأيدي الجماهير نفسها، حين ترحب هذه بفوهرر جديد.

أزمة عدم وجود بديل يساري إيجابي باتت تتراءى اليوم من خلال ضباب الأيديولوجية الرجعية. فالديمقراطيون القوميون والوطنيون الأحرار وقد أصابتهم فجأة خيبة أمل حيال من كانوا أصنامهم ومعبوديهم بالأمس، باتوا يحلمون بـ"اليد الحديدية"، ويراهنون على السعي إلى البرلمان من جانب المتعصبين القوميين المصابين بعمى الكره لكل ما هو غريب أو الحاملين راية مشاريع جنونية حول ضرورة "التطهير العرقي والسياسي"، معتبرين أن سبب كل العلل هو في الشيوعيين القابعين في حنايا السلطة. وهؤلاء هم من حملة المطارق يحطمون بها نصب لينين وغيره من قادة الماضي السوفياتي تحت أعين البيروقراطيين والبرجوازيين الذين ينهبون هؤلاء المجانين أنفسهم ليل نهار.
إن الدعاية المناهضة للشيوعية، والتي، جنبا إلى جنب مع نزعة التعصب القومي، أصبحت بالضرورة أيديولوجية البرجوازية الناشئة، لتجعل الناس العاديين يصارعون أشباحاً بدلا من أعدائهم الاجتماعيين الحقيقيين، ضامنين بهذا سلطة هؤلاء على البلاد والعباد. ولئن كانوا غير قادرين على تحديد الأسباب الاقتصادية الحقيقية للكارثة التي حلت بهم، فهم يعلنونها حرباً شعواء على الماضي. وهو ما يتحول صراعاً أعمى ضد مستقبلهم هم لأجل مصالح طبقية ليست هي مصالحهم.
في ظل هذه الظروف، من المهم عدم الاستسلام وتجنبِ الاحتكاك بالجماهير، حيث كلمة أو كلمتان عن الاشتراكية قد تجعلك عرضة للاتهام بأنك شريك في ارتكاب عمليات القتل الجماعي. وإن مهمة اليسار المعاصر لهي، على العكس من ذلك، النضال ضد جعل الفكر الاشتراكي فكراً هامشياً.. فهذا الفكر المشهَّر به بواسطة الدعاية اليمينية الغالبة من خلال وسائل الإعلام الواقعة في معظمها تحت سيطرة البرجوازية، وكذلك بفضل السياسيين الذين يسمون أنفسهم زوراً يساريين فيما هم يسايرون هذه الدعاية ويجرون مجراها، هو الإمكانية الوحيدة للخلاص من "الفوضى البناءة" التي بفضلها تسيطر الليبرالية الجديدة ومن "النظام العالمي الجديد" الذي يرسخ أقدام دكتاتورية يمينية. وإن تعزيز وتطوير المنظمات العمالية، وإنشاء حركة ديمقراطية ضد الفاشية والتعصب وكره الأجانب، والكفاح من أجل تحليل نقدي موضوعي للماضي، هي ما يلزم اليوم لمعارضة القوانين "الجزويتية" الجائرة بحق الشيوعية ماضياً وحاضراً، والبرامج التلفزيونية التضليلية والمطارق الهادمة لتماثيل من لا ناقة لهم ولا جمل في ما آلت إليه أوضاع الجماهير من بؤس وضياع بعد الانهيار الكبير على أيدي العابثين والديماغوجيين ممن لهم اليد الطولى في ما هو الآن.



#مشعل_يسار (هاشتاغ)       M.yammine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعاً عن النظرة التاريخية
- نضال النساء التركيات تحت راية الحزب الشيوعي
- الفاشية وليدة شرعية ل-الديمقراطية الغربية- في عصر الأزمة
- في الدكتاتورية والديموقراطية


المزيد.....




- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مشعل يسار - محاربة الستالينية جزء أساسي من حملة مكافحة الشيوعية