صادق الازررقي
الحوار المتمدن-العدد: 4893 - 2015 / 8 / 11 - 14:40
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لم يتسن للشعب العراقي ان يعبر عن نفسه طيلة الاثنتي عشرة سنة الماضية، بسبب عدة عوامل من ابرزها هيمنة الدين السياسي على الساحة الذي افرزه النظام الطائفي، الذي حاولت تكريسه عملية المحاصصة البغيضة، التي نجم عنها محاولة قوى سياسية ارتدت ثوب الدين الطائفي ترسيخ ذلك التوجه، الذي يضمن مصالح قادة احزابها في حين لم تدرك اغلبية الشعب في بداية المطاف ان ذلك سيكون وبالاً عليها وعلى البلد، الا بعد ان تحققت المخاوف الفعلية على صعيد الواقع؛ فتحول النضال السياسي من كفاح متحضر لتنفيذ برامج سياسية الى التشبث ببطون التاريخ للعزف على وتر خلافات نشأت قبل اكثر من الف عام يعاد انتاج تمثلاتها من جديد في كل حين لاسيما قبيل الانتخابات، لأن ذلك من مصلحة بعض الزعماء الدينيين وقادة الاحزاب والائتلافات التي بنيت على اسس طائفية.
لقد جرى في ظل ذلك اهمال مصالح الجماهير الواسعة؛ وبرغم ان فئات واعية قليلة من الشعب ادركت ذلك منذ افتضاح امره، فان الفئات الاوسع من الجماهير اخذت تدرك شيئا فشيئاً ان الوضع الجديد الذي بناه السياسيون الجدد هو بالضد من تطلعاتها وآمالها ببناء حياة سعيدة، وبرغم ذلك فإنها لم تفعل شيئا لإيقافه ووضع حد للتدهور، بسبب الخديعة الكبرى التي تمظهرت في عدة اوجه منها، ان كثيرا من السياسيين الطائفيين يظهرون قبيل الانتخابات وكأنهم المدافعون عن طائفتهم وعما يقولون انه ضمان لمصالحها، فيطلقون لأنفسهم العنان في ان ينبشوا بطون الكتب مرة اخرى، ليشيروا الى حدث في الغابر من الزمان في محاولة لإحياء الاختلافات الطائفية، بأمل ان يصوت لهم ممثلو طائفتهم، وتفعل الجهة المقابلة الامر ذاته لتكسب اصوات طائفتها ومثل ذلك ايضا تمارسه جهات تعبر عن مصالح قومية ودينية.
ان ذلك الامر هو مكمن الخطورة في العملية السياسية العراقية الذي سن على اساسه الدستور، وجرى في ظله تعطيل اقرار قانون عصري للأحزاب و جرى اللجوء الى بناء نظام انتخابي مزيف ولكنه مؤثر، يسمح لمن لم يحصل على الاصوات المطلوبة بشغل مقعد في مجلس النواب بحسب قواعد رياضية معقدة لا تتناسب والوضع العراقي، ولكنهم مرروها على الناس في وقت كان الناس بحاجة قصوى الى السلام والاستقرار بعد سنوات من الحروب والويلات، مثلما مرروا باسترخاء و بهدوء رواتبهم الهائلة ومخصصاتهم وامتيازاتهم الكبيرة في وقت تصاعدت معاناة الجماهير الكادحة وذوي الدخل المحدود طيلة السنوات الماضية، بعد ان وصلت الى مديات لا تطاق فسكت الشعب حينها بتأثير الدعاية الطائفية والتخويف من الآخر، وجرت اكبر عمليات لنهب الاموال والاستيلاء على الاملاك والاراضي الخاصة والعامة ومنحها هبة لزعماء دينيين وسياسيين، كما ترافق ذلك بالضرورة مع استفحال الفساد المالي والاداري بصورة مرعبة، السكوت عنها يعني الانتحار الجماعي للشعب، وهو ما تمثل كمرحلة اولى في هجوم "داعش" وهزيمة القيادات السياسية والعسكرية واستيلائه على ثلث مساحة العراق.
لقد ادركت جماهير الشعب بغريزتها ومن دون ان يوجهها احد، المخاطر المهلكة من استمرار الوضع كما هو عليه، وبرغم ان بوادر التحرك الجماهيري ظهرت قبل ذلك حين لم يذهب اكثر من55% من السكان الى صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة السابقة في نيسان 2014 بحسب الاستبيانات الموضوعية، الا ان الجماهير لم تتعرف على اهمية الحركة المطلبية والسياسية في الشارع الا بعد ان رأت النتائج الباهرة لذلك التحرك في دول عدة وبخاصة مصر التي عرف شعبها كيف يخلص ابناءه ومستقبله من المخاطر المحدقة؛ فلم يكتف بإسقاط نظام حسني مبارك المتهرئ، بل نزل الى الشارع في تحرك جماهيري كبير لإسقاط النظام الديني الذي اراد الاخوان المسلمون بناءه في مصر، ولقد فعل المصريون ذلك برغم انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية، لأن الشعب ادرك مخاطر الوضع الجديد بمجرد تماسه معه لمدة قصيرة حين قرر مرسي اغلاق محال الباعة واسواق القاهرة في الساعة العاشرة مساء حرصا على الطاقة الكهربائية! بحسب المسوغات التي نشروها في ذلك الوقت وفي ظل اعمال القتل التي طالت بعض الافراد لمجرد الاختلاف في الرأي او المذهب مثلما حدث في جريمة قتل حسن شحاتة واشقائه ومريديه ومهاجمة كنائس وقتل مسيحيين؛ فاستشعر المصريون بالخطر الهائل المقبل وسرعان ما ادركوا الخطأ الذي جرى فنزلوا الى الشارع لإسقاط مرسي، اذ ما نفع الانتخابات والديمقراطية اذا لم توقف مسلسل الدم والهوان وتبني حياة مسالمة.
لقد انبثقت الاحتجاجات العراقية الاخيرة والمرشحة للتصاعد بعد تفاقم المعاناة بسبب العملية السياسية البائسة التي بنيت على انقاض النظام الدكتاتوري السابق؛ وفي حين لم تأت تلك العملية ببديل افضل فإنها واصلت المعاناة التي عاشها الناس في ظل ذلك النظام وزادت عليه كثيرا بإفقار الاغلبية الساحقة وتكريس الفساد واستمرار دوامة الموت والخراب وتخوين الآخر وتكفيره.
الملاحظ بجلاء ان اغلبية المشاركين في الانتفاضة العراقية الحالية هم من الشباب بأعمار صغيرة وذلك دليل على صدق تحركهم وعنفوانه؛ وتبين ذلك من الشعارات الواعية التي رفعت في التظاهرات وحملت افكاراً مدنية متحضرة؛ كما انه يعكس مقدار الخوف الذي يستشعره الجيل الحالي على حاضره ومستقبله من الطبقة السياسية المنتفعة الحاكمة، وكي لا يتكرر حرمانهم وموتهم مثلما جرى لآبائهم واجدادهم.
باعتقادي ان الاحتجاجات مرشحة للتصاعد الى حد لا يعرف كنهه احد، اذا لم تجر عملية فورية وعاجلة لتصحيح الوضع السياسي بالكامل، وأرى ان امور من قبيل حل البرلمان واقالة الحكومة والغاء القوانين المضرة بالشعب التي سنت في غفلة من الناس وكذلك العمل على تغيير الدستور ونظام الانتخابات وغيرها من القضايا الضرورية التي يجب ان يدرسها مختصون مستقلون، وتنفيذ كل ذلك في مدة قصيرة كفيل بتهدئة النفوس ومعالجة وحسم مجمل الاوضاع التي يعاني منها البلد بما في ذلك ملف الامن والارهاب.
#صادق_الازررقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟