أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - معًا أو تحت أعواد المشانق















المزيد.....

معًا أو تحت أعواد المشانق


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4889 - 2015 / 8 / 6 - 01:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد تصير جريمة حرق عائلة دوابشة في قرية دوما الفلسطينية، علامة فارقة على بساط السياسة الإسرائيلية ومنعطفًا نحو الأفضل، وهي، في جميع الأحوال، وصمة سوداء جديدة تضاف على سجّل جرائم الاحتلال الذي مكّن أنيابه السامة في جسد الدولة، حتى غدت هذه أسيرة تخضع لما يمليه جلاوزة المستعمرين ومن نبتوا على مستنقعاته الآسنة.

لن أضيف شيئًا على ما كُتب عندنا وفي كل مكان تسري في عروق ناسه دماء ومن محاجرهم ينفر ملح أسود، فمن لا يبكي طفلًا يُشوى في فراشه بنار قدح أوارها عبدة الشيطان، ليس أهلًا بأن يدعى إنسانًا ولا جديرًا بالحياة.

علينا، وسأعود لاحقًا لنون جماعتي هذه، أن نحسن قراءة المشهد، كما يتجلى في دهاليز ساحاتنا ومنعرجات منطقتنا، ونحاول، بعيدًا عن قراءتنا التصويرية، أن نموضعه في سيرورة ما يتشكٰ-;-ل حولنا من محاور وقوى سياسية تسعى، بشكل ممنهج وحازم، نحو توطيد سيطرتها على جميع مفاصل الحكم في إسرائيل.

في الماضي شكّلت قلة المستعمرين "طلائع" غرزها حزب العمل الإسرائيلي وحلفاؤه من يساريين صهاينة كدبابيس مشاغبة، خُطّط لها أن تصير أسافين للمساومة والتفاوض، في حالة أدّت معادلات المنطقة السياسية إلى إجبار إسرائيل على الدخول في عملية مفاوضات مع الفلسطينيين، وبالتالي، كان حضور المستعمرات وما يخلّفه سكّانها من قاذورات وموبقات بعيدًا عن مركز الحدث الإسرائيلي ولا يؤثر، بشكل مباشر، في تشاكيل الحياة العامة واليومية.

كانوا، كما درجت الأكثرية على تسميتهم، عبارةً عن مجموعات من "الأعشاب الضارة" البعيدة عن تل أبيب وحيفا وصفد، ولذلك لم يسترعوا إهتمامًا رسميًا ولا قلقًا شعبيًا واسع الأطراف، وحتى عندما باشروا بتشكيل بدايات لعصابات إرهابية حاولت في الثمانينيات، قتل العديد من قادة فلسطين، واعتدت على أصحاب البلاد والأرض، بقوا أشباحًا لا تسبح في سماوات دولة غرقت بعسل احتلال وما يؤمنه من حاجات وريوع يدرها على جيش يملك دولةً.

قلة من الإسرائيلين تنبهت لما ينتظر دولتهم من مخاطر وأمراض عضال ستفتك بهم، وحذّرت من مغبة الآتي، فمَن يبني بيوته في وسط مستنقع، هكذا صرخ أنبياء الغضب، لن يرث إلاّ العذابات والموت، ومن ينصب رحى إيمانه على رقاب شعب آخر، لن يطحن إلّا الجريمة ولن يجني إلّا دماء الأطفال والأبرياء.

ومع مرور السنين تمرد الوحش على باريه، ومن كان معدًا ليلعب دور عربيد الحارة، صار جيشًا من العرابيد والأبابيد والخفافيش، ومن كان طرحًا ملقيًّا على فوّهات المغاور وأبواب مدائن العرب، صار قطعانًا من "سوائب الهضاب" الوارثين لجينات يوشع ورب نوح الذي تنسّم رائحة الرضا عندما "بنى نوح مذبحًا وأخذ من البهائم ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقاته على المذبح" لينتشي الرب على رائحة شوائها بعد أن أنقذها من لعنة طوفانه.

لم تكن جريمة المستوطنين في دوما أول جرائمهم، وعلى الأغلب لن تكون الأخيرة، فسيناريوهات كثيرة متوقعة، أقربها إلى واقع الفلسطينيين الدامي، أن يأتي رد"مقاوم"، عرضي أو مخطط، ويترك وراءه بعض جثث اليهود ومن بينها قد تكون لطفل أو طفلة، ستتصدر صورهم، بطبيعة الحال، نشرات أخبار العالم، وتسوّغ بعدها للمرائين والمرابين والعشّارين، أن يستعيدوا لغة قواميسهم الجاهزة حتى يعود الفلسطينيون فيها، كما كانوا قبل دوما وما سبقها من دومات، إرهابيين وقتلة أطفال. والأهم سيكون استئناف جوقات الغربان نعيقها والذئاب عواءاتها، ليؤكدوا، كل من على هضبته، بأنهم كانوا دائمًا على حق، فالعرب لا تفهم إلا لغة الحرق والبطش والاقتلاع.

لست بعرّاف ولا بقارىء أكف، ولكن من يتتبع سيل مواقف قادة وأعضاء الأحزاب الإسرائيلية لن يستصعب التمييز بين مواقف هؤلاء وما تخبّئه الكلمات ولغات أجسادهم التي تحركت كالحراب والخناجر، ففي حين برز، مرّةً أخرى، رؤوفين ريفلن، رئيس الدولة، بموقف حازم حاسم وخال من أي نبرة تبريرية ومن دون مقارنة جريمة دوما مع أي حادثة فلسطينية سابقة ضد اليهود، سمعنا شجب نتياهو مغلفًا بلهجة تبريرية تؤكد، وعلى الرغم من إرهابية الجريمة المندد بها، أن اليهود ما زالوا سادة الأخلاق والرحمة والإنسانية، بينما يبقى، بنظره، الفلسطينيون جناة وإرهابيون، هذا في حين أكّد كثيرون من قادة المستعمرين وممثليهم في الكنيست وحلفائهم، أن الجريمة في دوما هي حدث استثنائي عابر، لا يمكن تعميمه على جميع سكان تلك المستعمرات، وأهابوا بالعالم أن لا ينسى أن الفلسطينيين، على الرغم من دم علي الطفل وفظاعة الجريمة، يبقون إرهابيين.

لم يكن صوت ريفلين جديدًا، فمنذ انتخابه رئيسًا للدولة اختار أن يشارك في إحياء ذكرى مذبحة كفر قاسم، وفيها تكلم بلغة جديدة واضحة بحق العرب الفلسطينيين مواطني إسرائيل، فاستفز ذلك الخطاب قوى اليمين التي بدأت تهاجمه بشكل مباشر وبدون هوادة، وقاموا بتعميم صوره، كما فعلوا بعد خطابه إثر جريمة دوما، وهو يلبس العقال والكوفية، ووصفوه، كما يصفونه اليوم، بالخائن والعربي القذر، وينصحونه بالهجرة إلى غزة ويتوعدونه بمصير يشبه مصير رابين وشارون.

ولم يكن صوت ريفلين وحيدًا، فهناك الآلاف من الإسرائيليين قد استنفروا وخرجوا للتظاهر في ميادين المدن المركزية، وبينهم لوحظت رياح جديدة، فمثل ريفلين بدأوا يستشعرون جروح خناجر المستعمرين عميقةً في أكبادهم، وكانوا قد غضّوا أبصارهم عمّا أراقته هذه الخناجر، من دماء عربية في نابلس والخليل وأقمارها.

لم يلجأ ريفلين ولا بعض "الصهاينة الجدد" إلى أي تبريرية في مواجهاتهم مع غلاة اليمينيين وليس المستعمرين منهم فقط، ولم يواربوا فجميعهم بدأوا يشيرون إلى سببية واضحة بين عقيدة هؤلاء المتطرفين وبين انزلاق المجتمع الإسرائيلي نحو هاوية سحيقة، مشيرين إلى أنه إذا لم تتصدى للفاشيين جميع القوى الخيّرة سينجحون ببسط عتمتهم في سماواتنا.

لقد بدأت أوساط إسرائيلية نخبوية واسعة تستشعر أن ما افترض أن يبقى "دبابيس مشاغبة" وأسهمًا للمقامرة في بورصات السياسة، تحوّلوا إلى جيش من "الدي-ناينات" الهاجمة على كل معقل للديمقراطية في عقر الدولة التي فرّختهم وحمتهم، وإلى مناجيق تدكّ كل حصن حتى لو كان يسكنه ابن ليكوديّ عريقٍ أو حفيد جابوتينسكيّ محسّن!

هنالك أكثر من إسرائيل، وفي إسرائيل الأخرى بدأوا يخشون أن الوقت، ربما، قد فات أو يكاد، ويستوعبون تلك العلاقة بين ما يفرزه الاحتلال من فيروسات تهاجر من مواكيرها وتستوطن مدن إسرائيل وتتفشى فتلد فصائل مهجنة جديدة مقاومة لكل مناعات الدولة التي بدأت تخر تحت هجمات جيوش تلك المستوطنات، وتفقد الدولة مؤسساتها وأعضاءها عضوًا تلو عضو.

لم يقتل علي لذنب اقترفه، ولن تكون منزلته في النار؛ وقد يعتقد البعض أنه ذاهب، كطفل، إلى عدم وكطفل لن يدخل الجنة؛ لكنني، وكي لا يكون موته عدمًا، أعتقد أنه علينا، أن نفيق من حلم الماضي وأضغاثه، وأن نبحلق في حاضرنا بعيون جديدة ونقف، ونون جماعتي هنا، هي نون كل من هو على استعداد أن يقف في وجه هذا السيل الزاحف الغاشم، وأن نتيقن أنه وإن صمت الفاشيون اليوم أمام صراخ الدم المشوي في دوما، إلّا أنهم سيأتونا قريبًا وسيكونون وبالًا علينا وأكثر بطشًا وايذاءًا وقتلًا.

لن يغفر الدمُ المسفوك في دوما والقدس وشفاعمرو لقيادة لن تفتّش على حلفائنا، ولن تسعى لجلبهم إلينا ومعنا لبناء جبهة نضالية عريضة تقف في وجه التنين وتنقذنا، ربما، من أعواد المشانق!



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أور سليم أو سليم الضو
- عندما ضاعت ساحة البلد
- خضر عدنان ليس أسطورة!
- ريفلين عدو أم صديق؟
- داعش هناك داعس هنا
- مقاوم برقة الماس وصلابته
- نركب البحر ونخشى من الغرق
- حديث انتخابات قادمة
- من ينقذ الفن في بلادي؟
- حين سألت طمرة : من منكم بلا خطيئة؟
- في بيتنا شريف
- عندما يصحو القضاة
- قديستان عاشقتان من فلسطين
- هل كل المضطهدين أخوة؟
- وطن يحن إلى وتر
- مطبخ المشتركة
- الحر كريم يونس
- في يوم البشارة
- بين يوم الأرض و - هاتكفا-
- من كان بحاجة لاعتذار؟


المزيد.....




- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..مقتدى الصدر يشيد بالانفتا ...
- الكشف عن بعض أسرار ألمع انفجار كوني على الإطلاق
- مصر.. الحكومة تبحث قرارا جديدا بعد وفاة فتاة تدخل السيسي لإن ...
- الأردن يستدعي السفير الإيراني بعد تصريح -الهدف التالي-
- شاهد: إعادة تشغيل مخبز في شمال غزة لأول مرة منذ بداية الحرب ...
- شولتس في الصين لبحث -تحقيق سلام عادل- في أوكرانيا
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (1).. القدرات العسكرية لإسرائيل ...
- -امتنعوا عن الرجوع!-.. الطائرات الإسرائيلية تحذر سكان وسط غ ...
- الـFBI يفتح تحقيقا جنائيا في انهيار جسر -فرانسيس سكوت كي- في ...
- هل تؤثر المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على الطيران العالمي؟ ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - معًا أو تحت أعواد المشانق