جمال أبو ألنسب
الحوار المتمدن-العدد: 4884 - 2015 / 8 / 1 - 09:48
المحور:
الادب والفن
هالها ما رأتهُ , سارَعَت بَأزاحت نَظَرِها عنه , أَغمَضَت عينيها كي لا تَراه , لَم تَفلَح فَراحَت تُمعِن ألنَظَر أِليه , حَاوَلَت جَاهِدَه تَحريك ساقَها ,, لَكِنَهُا تَسَمَرَت حِيثُ هي تَوَقَفت فَجأةَ ,, سَقَطَت حَقيبَتِها مِن كِتفَها عَلى الأِرض , وَهيَ غَير مُباليه , دَنَت مِنه ,, أَمَالَت بِرَأسِها يُمينَاً وَيَسارَاً وَهيَ تُحدق بِوَجهِه , صَمَتَ كُلَ شَيء مِن حَولِها , لَم تَعُد تَسمَع شيئاً, سوىَ دَقاتِ قَلبِها ألخَافِق بِقوة , وَبَدَأت تَفقِد ألسِيطَرَة عَلىَ جَسدها ألراجِفَ , بِألكَاد تَمَكَنت مِن دَعكِ جِفنَيها بِكِلتا يدَيها , لِتُزِيحَ عَنهُما سَهَرَ أللَيالي وَسِنينَ الأنتِظار , أَبتَلَعَت شَهقَتِها قَبلَمَا تَفلَت مِن بَينَ شَفَتيها , أستَجمَعَت كُلَ مَاتَبَقى لَها مِن لَحَضَاتِ صَحوٍ , نَفَضَت ذهوِلَها جانباَ , لِتسألهُ بِصَوتٍ مُتَعَلثِمٍ وَكَلِماتِ مُبَعَثرَة , هَل أَنتَ فُلاَن أَم أني مُخطِئَة !!!
لَم يَجِبها عَلى سؤالِها , أَستَرَدَت أَنفَاسِها أَلمُتَلاحِقَه , , لتُهَدِئ مِن تَسارِع نَبَضاتِ قُلبِها ألرَاجِف , وَضَعَت كِلتَا يَديها عَلى صَدرِها, ثُمَ بَلَعَت رِيقُها ألمُتَيبس , فَلَم تَجِد سِوى جَوفِ فَمِ جَافٍ , يَرقُد بِوَسَطِهِ لِسَانٌ مُتَخَشِب , وَشَفَتَينِ رَاجِفَتينِ تَأبيانِ الأقفَال , عَلى فًمٍ فَاغِرٍ وَفَكٍ مَشدوه , أَعَادَت أَلمُحَاوَلَة بِأخرَاجِ سؤالِها , هَذِهِ ألمَرَةِ بِشيءٍ مِنَ ألتَمَاسِكُ ألظَاهِرِ , لَعَلَها تُفلِح بِأخفاءِ مَا هيٌ عَليهِ مِن , خَوف وفَزَع وغَضَب وكَرَاهية وحِقد وقَرَف وأنتِقام , أستَرَدٌت بَعضُ أنفاسِها , ألَتي شَرَدَت مِنها حينَ رَأتهُ , فَكَرَرَت عَليهِ ألسؤال , هَل أَنتَ فُلاَن أَم أِني مُخطِئَة !!!
لمَ يُجِبها عَلى سؤالِها , بَل لَم يَكتِرث كُلياً بِها وَبِسؤالِها , ليزدَها غَضَبً عَلى غَضَبِها , وَليتَوَجَ خَوفِها وَفَزَعِها وَحَقدِها وَرَغبَتِها بِالأِنتِقَام , بِأن تَبصِق بِوَجهِهِ ألشَاحِب , ألًذي كَان يخفيه خَلفَ نَظاراتِهِ ألسَوداءِ , ذَاتِ ألعَدساتِ ألسَميكَة , جَاهَدة هَذِهِ ألمَرَةِ أَن تَمِدَ يَدِها لِتِصفَعَهُ , وَهيَ تُرَدِد عَلَيهِ ذاتِ ألسؤال , لَعَلها تَغنَمَ بِرَدٍ يؤكدَ حَدسِها , أو يَزيحَ ألواحِدُ بألمِئَةِ ألٌذي في داخِلِها , بِأنَهُ رُبَما يَكون لَيسَ هُوَ ألشَخَص ألمَقصود بِسؤالِها , وَألًذي أَمضَت سِنِينَ طِوال مِن عُمرِها ,, وَهيَ تَبحَث عَنهَ وَتَتَمَنى لِقَائِه , كَي تُشفي بَعضَاً مِن غَليلِها مِنهُ , لِذا أعادَت سؤالِها لَهُ , هَل أَنتَ فُلاَن أَم أِني مُخطِئَة !!!
لَم يُجِبها عَلى سؤالِها , فَأُسقِطَ بَينَ يَديها كُلِ ماتَملِكَهُ , مِن رِباطَ جَأشٍ أَو هِدوء أو تَرَوي , لِتتأكد مَن أَنَهُ هُو ألشَخص أَلمَقصود , لِذا هذِهِ أَلمَرَةِ صَرَخَت بِوَجهِهِ , وَهيَ تِوَجهُ لَهُ ذَاتِ أَلسؤالِ , لَكِنَ زَادت عَلى ذَلِكَ , برَفَعَها كَفَها عالياً لِتَصفَعَهُ , وَقَبلَ مَا أَن تَهوِي بِهِ عَلى وَجهِهِ أَلمُصفَرِ , أَمسَكَ بكَفِها رَجُلاَ مُسِنٍ ,كَانَ مُنذُ أَلبِدايةِ بِقُربِهِ , يُرَاقِبُ أَلمِشهَدِ بِكامِلِهِ , وهو جَالِس عَلى كُرسيه ألخَشَبي ألقَدِيم , لِذا هَمَ مُسرِعَاَ بِمَسكِ كَفِهِا , قَبلَما أَن يُلاَمِس وَجَههُ , فَأَحدَثَ أَلكُرسي صَوتاً تَقشَعِرُ مِنهَ أَلأَبدان , تَجَمَد أَلدَمُ في عِروقِها , عِندَها تَنَبَهَت لِما هي عَليهِ , فَما كانَ مَنها سِوى , أَن تُزَمجِر بِوَجهِهِ قائلةً , ما شَأنُكُ أَنتَ فَأنا تَوَجَهتُ أِليهِ بِألسوألِ , فَدَعني وَشَأني , لِأني لَن أَدَعهُ , مَالَم يُجبني عَلى سؤالي , هَل أنتَ فُلَان أَم أِني مُخِطئَة !!!
لَم يُجِبها عَلى سؤالِها , وَجاءَها أَلرَدِ أَلًذي جَعَلَها تَدورُ حَولَ نَفسِها , حَتى كَادَ أَن يُغمى عَليها , لِيداهِمُا أِحساس كَمَن أَصبحَ يَدور وَيَدور , وَجَميع ما حَولَهُا قَد كَفَ عَن الحَرَكَة , وَخِشيةَ أَن تَتَهاوى عَلى أَلأرضِ , أِتَكَأت عَلى ذَلك أَلكُرسي , مُلقيةً بِكُلِ ثُقلِها عَليهِ , لِيصدَرَ جَسَدِها وَأَلكُرسِيِ مَعَاً , زَعيقاً كَأنَما بُكاءُ رَضِيعاً , بَلَغَ حَنينَهِ وَعَطَشَهُ لِصَدرِ أُمِهِ حَد أَلصُرَاخِ , لِذا رِاحِ يَزعَقُ في أَلفَرَاغِ , أَجَابَها ذَلِكَ أِلرَجُلَ أَلمُسِنِ , بِمَا لَم تَتَوَقَعُ أو تَتَمَنى سَمَاعَه ُ, أَو لَم يَخطُر لَها عَلى بَال , نَعم بُنَيَتي , هَوَ نَفسَهُ مَن قَصَدتِيهِ بِسؤالِكِ , لَكِنَهُ يَعجَزُ عَنِ أَلرَدِ عَلى أَلسؤال , لأِنَهُ مُنذُ سِنينَ مَضَت , كَانَ في أَلمَكَانِ أَلخَطَأ وأَلزَمَانِ أَلخَطَأ , لِتَسقُطَ بِقُربِهِ قَذِيفَةَ بِأَلخَطَأ , لِأَنَها مَا كَانَت تَقصُدَهُ هَوَ ذَاتِهِ , لَكِنَ هَذا لَم يَحُوَلَ بِينَهُ وَبَينَ , مَا أَحدَثَهُ قُوَة أِنفِجَارِها , وِشِدًة عصفِها , فَرفَعَ جَسَدِهِ مُثلُ قَشَةِ ألى عَنانِ أَلسَمَاءِ , ثُمَ هَوَى عَلى أمِ رَأسِهِ , وَمُنذُ ذَلِكَ أَلحِينِ وَهوَعَلى حالِهِ أَلًذي تَرَينَهُ , لاَ يُبصِر وَلَا يَسمَع وَلاَ يَقوَى عَلى أَلنُطق , وَبَاتَ يَقتَاتُ مِما تَجودُ بِهِ نُفُوسَ أَلمُحسِنينَ , فَعَجزِهِ جَعَلَ أَلتَسَوِلَ مَصدَر رِزقِهِ أَلوَحِيد , بُنَيَتي دَعِيهِ وَشَأنِهِ , لِأَن أَلنَيًلَ مِنَ أَلعاجزينَ عَجزُ , حَتَى وَأِن كَانَ بَينِكِ وَبَينَهَ , مَا تَأبينَ عَن قَولَهُ لِاَحَد , فَأللهُ قَد أِقتَصَ مِنهُ , لَكِ وَلِغَيرَكِ خُيرُأَلقَصَاصِ , فأقبلي بِحُكمِ رَبكِ لَكِ وَلَه , وَكُفي عَن تَرديدَ ذّلِكَ أَلسؤالِ , هَل أَنتَ فُلاَن أَم أِني مُخطِئَة !!!
أِنتَفَضَت كَمَن آَفاقَ مِن كَابوسٍ , فَرَاحَت تَتلَمس أَكتافها , فَأدرَكَت أن حَقيبَتِها لَيسَت مُعَلقَه عَلى أَيٍ مِنهُما , جَالت بِنَظَرِها لِتَتَفَحَصَ أَلمَكَان , فَوَجَدَتها مَازَلت بِمَكَانها , حُيثُ هَوَت مِنها عَلى الأَرضِ , فأحنت قَمَتِها لِتَلتَقِطها بيدها ألراجفة مِن عِنِ الَأرضِ , فَأنزَلَقَت حَافِظَة نُقودِها أَلصَغيرةُ مَنَ أَلحَقيبَةِ , بَعدَمَا حَمَلَتَهنَ , أِستَقَامت بِوقفَتِها وَهَذَبَت مِن هِندامِها , راحَت تَمسَح بِكُمِ ثَوبِها , أَلدُموعِ أَلمُنهَمِرةِ مَن مُقلَتَيها , قَبلَما أَن تَتدَحرج مِن عَلى وَجنَتيها أَلى الأَرضِ , نَفَثَت غِلًها وَأبتَلَعَت أَنتِقامِها مُشفقةً عَليهِ أَم عَلى نَفسِها , لاَ تَعرِف وَلاَ تُريدَ أَن تَعرِف , لِذا فَتَحَتَ حَافِظَةِ نُقودِها أَلصَغيرةِ , مُخرِجةً مَبلغً مِنَ أَلمالِ , لَم تَعُدَهُ لِتَعرِفَ مِقدارَهُ , دَسَته عَلى حَياءٍ بيدِهِ أَلمُمتَدَةِ , مَن دُونَ أَن تَلمَسهُ , وَأَقفَلَت حَقيبَتُها وَقَلبِها مَعَاً , لِتُكمِلَ مَسيرُها في هَذِهِ أَلحَياة , وِذَاكَ أَلرَجُلِ أَلمُسِنِ لَم يَزَل , يُلاَحِقُها بِصَوتِهِ أَلأَجَشِ وَأَلمُتعَبِ , بُنَيًتي لِما كُنتِ تَسأَليهِ , هَل أَنتَ فُلاَن أَم أِني مُخطِئَة ...
لَكِنَها مَضَت دون أن تَلتفت أليهِما مَعَاً , وَلَم تَرُدَ عَلَيهِ , كأنها لَم تَسمَعهُ لِيَضَل سوألِها مُبهَمَاَ , مَاذا كَانَ يُمَثِلَ لَها هَذا أَلرَجُلُ , رُبَما كَانَ في يَومٍ مَا , زَوجاَ, قريباَ , بَعيداً , جَاراَ , صَديقاَ , زَميلاً , غريماً , أَو رُبَما حَبيب !!! ... تَابَعَت سَيرِها بِخُطى واثقة , لَكِنها عَجَزَت عَن أِخراسِ ذَلِكَ أَلصَوتِ أَلمُزَمجِر بِداخِلِها , لَيتَني لَم أَلقاهُ , لِيتَني لَم أَراهَ , لَيتَني لَم أَعرِفَهُ , وَياليتَني لَم أَسأَلَهَ , هَل أَنتَ فُلاَن أَم أَني مُخطِئة ...
#جمال_أبو_ألنسب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟