هاجر الفاتحي
الحوار المتمدن-العدد: 4876 - 2015 / 7 / 24 - 00:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
إذا كانت الدول التي تعرف احتداما قويا للصراع لا زالت قائمة فذلك لا يرجع فقط لكون هذه الأخيرة تكبح و بقبضة من حديد نضالات الجماهير بل لأنها و إلى جانب امتلاكها للأدوات السياسية التي تمكنها من فرض سيطرتها على المهمشين فهي تتحكم أيضا بشكل مباشر أو غير مباشر في ثقافة الجماهير لدرجة يصبح فيها المضطهد (بفتح الهاء) يتبنى ثقافة المضطهد (بكسر الهاء) بل و يدافع عنها في بعض الأحيان دون أن يكون له أي وعي بذلك, تكمن هذه الهيمنة الثقافية في مجموع القيم و السلوكيات التي يتم نشرها و تمريرها داخل مجتمع ما من طرف الدولة, فلا يمكن اختزال سلطة هذه الأخيرة في مؤسساتها السياسية فقط, الى جانب الحكومة و البرلمان و المؤسسة العسكرية تتحكم الدولة و بشكل ملموس في أغلب مكونات المجتمع المدني ومجموع المؤسسات الثقافية ( الجامعة, المنابر الإعلامية, الفن..) والدينية (الزوايا و المساجد) باعتبارها وسائل تضمن إعادة إنتاج فكر يكون في غالب الأحيان بل دائما ضد الجماهير و معاديا لمصالحها فتتشبع هذه الأخيرة بقيم و مظاهر الخضوع و تقبل الذل و الفهم الزائف لمفهومي القضاء والقدر و غيرها من المفاهيم فتصبح حينها قرارات و سياسات الدولة مبررة و مؤيدة من طرف غالبية المواطنين بدون أي اعتراض و احتجاج.
سنحاول في مقالنا هذا التحدث عن أهم مظاهر هذه الهيمنة الثقافية فيما يتعلق بالمجتمع المغربي و كيف تسخر الدولة مجموعة من المؤسسات لتوجيه وعي الشعب المغربي وقولبته حتى يتماشى مع مصالحها.
المؤسسات الدينية :
تعتبر المساجد و الزوايا أحد منابع شرعية الدولة المغربية, و هي من الأدوات التي تلجأ إليها الدولة لضمان ديمومة انتاج ثقافة دينية مغلوطة و مزيفة عند عموم المغاربة تتأسس على عدم الخروج عن طاعة الوالي (رئيس الدولة) وجعله فوق أية محاسبة و بالتالي عدم معارضة أي قرار يصدر عنه لما يمثله ذلك من خروج عن الإسلام وكذلك تبرير الفقر و الاضطهاد واعتباره قضاء و قدر ومحاولة إقناع الكادحين بأن فقرهم هذا سيمكنهم من الدخول الى الجنة و "أن غنى الاخرة أبقى من غنى الدنيا" و هذا كله بالطبع يتناقض مع جوهر الاسلام المتمثل أساسا في إشاعة قيم العدالة الاجتماعية و المساواة فنشأة الاسلام في حد ذاتها جاءت بمثابة ثورة على مجتمع قريش و ما كان يعرفه هذا الاخير من تفاقم لمظاهر العبودية و الاستغلال كما أنه يمكن أن يلعب دورا هاما في قضية تحرر الشعوب من قبضة الرأسمالية و ممثليها في بلدان العالم الثالث.
التعليم :
يقول سعيد اسماعيل علي في مقال بعنوان "كيف يُنتج التعليم ثقافة مقهورين؟" أن "التعليم يمكن أن يكون وسيلة لتعلُّم ممارسة الحرية، ويمكن أيضا أن يكون وسيلة للتدريب على تقبل القهر والرضا بالظلم وتعوُّد الإستكانة" ولا شك أن التعليم في المغرب و خاصة التعليم قبل-الجامعي أحد أهم الاسلحة التي تلجأ إليها الدولة لضمان استمراريتها و ما كمية المغالطات التي تمررها عبر مناهجها التعليمية إلا خير مثال على ذلك فالمقررات التعليمية المغربية ليست إلا انعكاس و تدعيم لتوجهات الدولة السياسية و الفكرية و الاقتصادية والثقافية و خاصة مقررات التاريخ و الجغرافيا و التربية الوطنية و الفلسفة فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما تم الاعلان سنة 2010 على برنامج الجهوية الموسعة في المغرب تم ادراج تعريف هذا البرنامج في المقررات المدرسية و تضخيم ما جاء به و جعله يبدو كحل سحري لمعالجة معضلة العدالة الاجتماعية بين الجهات في المغرب وكذلك مقررات التاريخ التي تركز على دراسة تاريخ نشأة الدولة العلوية على حساب باقي الدول التي عرفها تاريخ بلادنا و كأن المغرب لم يكن موجودا قبل ظهور العلويين و كذلك على مستوى التربية الوطنية حيت يتم تلقين التلميذ أن أي تشكيك في احدى "مرتكزات" الدولة ( وخاصة قضية الصحراء) هو خيانة للوطن واصطفاف الى جانب أعدائه فينتج عن كل هذا التدجين خلق جيل مستكين ذو وعي مستلب و مزيف مبني على حقائق و وقائع وهمية.
الاعلام :
يلعب الاعلام الدور الاكبر في تشكيل الوعي المجتمعي لدى المغاربة و توجيه أرائهم لما يتماشى مع مصلحة الدولة فقد تعددت المواقف و المحطات التي لاحظنا فيها بالملموس خضوعه لإملاءات الدولة و لعل أحد أهم تلك المواقف, المواكبة الاعلامية لبدايات الحراك الاجتماعي في المغرب حيت حاول الاعلام المغربي بمختلف أنواعه تشويهه و تضليل الرأي العام لا سيما حول مطالب حركة 20 فبراير و الجهات الداعمة لها و جعلها تبدو كحركة دخيلة عن المغاربة لا تعبر عنهم بل تخدم أجندات سياسية معينة بهدف "زعزعة الاستقرار و الأمن الذي ينعم به المغرب".
إن أي تغيير حقيقي لطبيعة المجتمع لا يمكن أن يتم دون أن يكون هناك تغيير على مستوى القيم و المظاهر الثقافية, فالمرحلة الراهنة تتطلب منا أكثر من أي وقت مضى التركيز على الجانب التثقيفي في صراعنا ضد المخزن و ضرورة خلق و تثبيت ثقافة بديلة شعبية تنهض بمستوى وعي الشعب المغربي و تستجيب لمتطلباته و مطامحه, فلا بديل عن ثورة ثقافية حقيقية تعصف بالمفاهيم الخاطئة التي تعيق مسيرة تحرر شعبنا.
#هاجر_الفاتحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟