موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4874 - 2015 / 7 / 22 - 19:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
طفل صغير , يشعر بألم , فيبكي , فيأتي أحدهم ليعالج الأمر . يبكي الطفل مجددا , و يأتي أحدهم ليعالج الأمر مجددا . يبكي الطفل , لكن هذه المرة يبكي لمجرد الترف , ليأتي أحدهم . الطفل عرف خاصية ما , و مع مرور الزمن , أي مع تقدمه بالعمر , حيث يدرك شيئا من التجريد , تدرك الخاصية معه فيه شيئا من التجريد . هذه الخاصية هي القوة .
و لنبسط أكثر بالتجزيء المتسلسل للقوة :
1) فعل أو سلوك , غير مقصود , بلا وعي .
2) فعل أو سلوك , مقصود , بلا وعي .
3) فعل أو سلوك , مقصود , بوعي .
4) التجريد .
تتسم القوة بطابعين مميزين قبل أن تدرك شيئا من التجريد في التسلسل , هو في كونها واقع تملّك (تماثل واقع تفرّد) , و في كونها حادث توتر أو إضطراب أو تذبذب , بمعنى آخر أنها حادثة فاعلة متفاعلة .
لكن ما أن نطال التجريد , حتى نقع في وحل التعميم , فلا يكاد شيء أو لا شيء إلا و يكتسب قوة . لكن شرط الإتسام بطابعيّ القوة : (( التملّك )) و (( التفاعل )) . لكن في التجريد , لا تكون القوة من طبع الأشياء أو اللا أشياء , إنما تنال القوة من خلالنا نحن ! . فنحن نتملّك الأشياء أو اللا أشياء , و نتفاعل بها . و إن العلاقة بين (( التملّك )) و (( التفاعل )) علاقة طردية , فكلما زاد تملّكنا زاد تفاعلنا , و كذلك كلما زاد تفاعلنا زاد تملّكنا . و الجدير بالإنتباه , هو في كون هذا الشيء أو اللا شيء يبدو و كأنه يتملّكنا نحن و يتفاعل بنا نحن ! .
لك أن تناظر فتجد أشياء و لا أشياء تمثل قوة لأصحابها , حتى و إن بدت لك مجرد هراء : هذه تجد القوة في حصولها على ماركات بعينها , و أخرى في تملك سيارة من طراز معين , و ثالث في ممارسة رفع الأثقال , و رابع في أن يكون دودة كتب , و خامس في تبنّي العلموية , و سادس يجدها في الله , و هلم جرا . لو جلسنا لنعدد هذه الأشياء و اللا أشياء التي نالت قوة من خلالنا , لما كفانا الدهر كله جلوسا و تعدادا , فبجانب كون العقل البشري لا حدود لإبداعاته (و كيف لا ؟! و قد تبنى المطلق و هو لا يدركه و لا يستطيع إدراكه ! , بل و ينظر إلى ما هو أبعد من المطلق !) , يحايث موقعه ضمن الكل و حركته , بل أيضا بجانب الكل و حركة أجزائه .
هذا مدعاة للإحباط , فهذا يقودنا إلى تأييد الزعم بإستحالة القبض على الواقع و منطقه . لكن لا , فالواقع يحتوي التجريد و يبقيه خاضعا لمنطقه , فحتى إن تمترس المرء بالتجريد في سماء المطلق , بكل ما تحويه جنات السماء , تكسره قطعة من خبز الواقع . و في أقصى ما قد يذهب فيه المرء في مقاومة الواقع بالتجريد , لا يقدر أن يكسب الواقع , إلا بالإلتفاف على الواقع بالإحتفال بنصر تم تأجيله , أو الإحتفال بنصر ذاتي وهمي .
و لمزيد من التفاؤل , فهذا الواقع ليس فقط واقع مادي , إنما واقع إجتماعي . فإذا كان للوجود المادي قوانينه التي تتيح لنا القبض عليه (أو جزء منه فيه) , فللوجود الإجتماعي قوانينه أيضا . فالوجود الإجتماعي يحدد القوة , بل و يحد منها و يلغي بعضها .
الله , المطلق , ما لم يُملك (يُتفرد به) و يُتفاعل به , يفقد كل معنى . فالله , معناه و قيمته لا تتحدد حيث يكون , بل حيث نكون نحن , على هذه الأرض الواقعية . و حتى الله ذاته , يبقى أسيرا لقوانين الوجود الإجتماعي , فماذا ينفع الله إن لم يكن حكرا , إن لم يحدث تفاعل به ؟! . الله مع الجميع , هي نفسها : الله ليس مع أحد , و كلاهما تماثل : الله غير موجود ! . و لا ننسى العلاقة الطردية بين التملّك و التفاعل , فالله حين لا يتفاعل به من قِبَل الفرد في المجتمع , يفقد الفرد تملّك الله كقوة , لهذا نجد أمثال هذا الفرد , رغم إيمانه (الهش) , يسعى لتملّك أصناف أخرى من القوة . و يحضرني قول نيتشه : ( إن الإنسان يفضل أن تكون له إرادة العدم على أن لا تكون له إرادة بالمرة ) , إذ يستحق التدبر .
الوجود الإجتماعي إذا يحدد القوة , و يحد منها , و يلغي بعضها , وفقا لقوانينه . في الرأسمالية , كما هو معروف , يتمثل التناقض بين العمل المُختزن (الرأسمال) و العمل المباشر . مهلا , يستوجب توضيح أمر لا بد منه , إن التناقض في حقيقته هو بين [ قوة ] العمل المُختزن (الرأسمال) و [ قوة ] العمل المباشر . فكما تقدم بنا , طابعي القوة هما : (( التملّك )) و (( التفاعل )) . فكيف تنتقل ملكية قوة العمل المباشر ؟ في تجسدها المادي الملموس , تجسدها في موضوع العمل _موضوع قوة العمل_ .
و قد أشار كارل ماركس إلى أنه يعني بالعمل : قوة العمل , تماشيا مع السائد حينها . لكن بشكل عام , كي يتجنب المرء الوقوع في مغالطات الفهم , خصوصا فهم الراهن المعاصر , يُفضّل تأكيد الفرق بين العمل و قوة العمل . و من المشروع أن يتساءل المرء متعجبا من هذا الزعم بالتفريق الذي يبدو تعسفيا بين قوة العمل و العمل .
كما تقدم بنا , فإن قوة العمل لتنتقل كملكية , إنما هي تتجسد في موضوع قوة العمل , تجسدا ماديا ملموسا . فإن كان (كمثال) موضوع قوة العمل هي الأحذية , في زمن قدره 6 ساعات , فإن هذه ال6 ساعات هي ساعات العمل لا قوة العمل . فالعامل (أ) يعمل 6 ساعات يوميا , منتجا لي ما يماثل ضعف ما ينتجه لي العامل (ب) في نفس الوقت . بالتالي لا أملك إلا ثلاث خيارات : إستبدال العامل (ب) بعامل آخر , أو جعل العامل (ب) يعمل 12 ساعات , أو التحلي بالصبر و الكرم و أبقيه عاملا عندي على حاله . طبعا هذه الخيارات ضمن إطار وضع التنافس مع الآخرين , و أيضا في وضع التنافس مع الأتمتة أو مكننة الإنتاج .
يمكننا تلمس الفرق في مقارنة مع خارج إطار الإنتاج السلعي نفسه , أعني ما يسمى الخدمات . و نستعين بمثال , لدينا العامل (أ) , و موضوعه الأحذية , في زمن قدره 6 ساعات , في المقابل لدينا المُدرس (ب) , و موضوعه التعليم , في زمن قدره 6 ساعات . في حين تتجسد قوة عمل (أ) في الأحذية , لا تتجسد لنا قوة عمل (ب) في التدريس . الإشكال ليس في قوة العمل بينهما _على غرار المثال السابق_ , و لا إختلاف بين قوة عمل (أ) و قوة عمل (ب) كطبيعة , إنما الإشكال هو نفسه الذي فرّق بينهما , ألا و هو [ موضوع قوة العمل ] . ففي حين موضوع (أ) يُمكّن (أ) من أن يجسد فيها قوة عمله , لا يُمكّن موضوع (ب) ل (ب) أن يجسد قوة عمله . بالتالي ينشأ الفرق بينهما بحكم الإختلاف في موضوع قوة العمل , فيكون (أ) للإنتاج السلعي , و يكون (ب) للإستهلاك المباشر أو بعبارة أخرى خدماتي .
و بقدر ما هذا الإختلاف كائن : (التناقض) , سيكون التناقض أوسع من مجرد الحصر بين (أ) و (ب) , تناقض على مستوى طبقي . و لا يستغرب أن يسعى كل طرف أو طبقة , لإستظهار التفوق و العلو [ القوة ] في مواجهة الآخر المُناقض . بالتالي نكون أمام مفاضلة ما بين : (( من تتجسد قوة عمله في الموضوع , و من لا تتجسد قوة عمله في الموضوع ؟ . بين من قوة عمله للإنتاج , و بين من قوة عمله للإستهلاك ؟ ))
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟