شاهو علي غائب
الحوار المتمدن-العدد: 4840 - 2015 / 6 / 17 - 00:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بالكردية / طاهر رحيم
ترجمة و تنقيح / شاهو علي
إحدى مشاكل مجتمعاتنا بالأخص الإسلام-سياسية منها ، هي عدم فهم العلمانية و المعنى الحقيقي لنظامهِ الـ(سكولارزمي) و طرق إدارته للدولة ، و الإتيان بمفهوم خاطئ على أساس إن الـ(سكولارزمية) هي فصل السياسة عن الدين في حين إن المفهوم الحقيقي المتعارف عليه هو فصل الدين عن الدولة و ليس عن السياسة ..!
و هناك مغالطة كبيرة في عدم الفصل بين (السكولارية السياسية) و (السكولارية الفلسفية) و الخلط بينهما ، فالسياسية منها لا تعادي الأديان بل في ذات الوقت تسانده ، إذ تقوم بالأخذ بيد الأديان و تضعهم في المكان المناسب الحقيقي لتأدية ما لهم و عليهم من واجبات ، لذا (السكولارية السياسية) ليست "لا تعادي" الأديان فحسب بل تقوم أيضا بإنقاذهِ من أيادي أشخاص و مجاميع سياسية من الذين يستخدمونه في سبيل مكاسب سياسية ، في ذات الوقت تحميهِ من نوايا رجال الدين أنفسهم من الذين ينوون السياسة من خلالهِ .
السكولارية السياسية لا تقاطع مشاركة الدين في سياسة الدولة ، بل هي فقط لفصل الدين عن الدولة ، بمعنى عدم السماح بتدخل الدين في مؤسسات الدولة و شؤونها كالتربية و التعليم و المحاكم و الإدارة ..الخ ، وهذا لا يعني بأن يهمش الدين و يجرد من أي واجبات و تأثير لتأديتهِ في النظام السكولاري ، بالعكس فعندما يأخذ الدين و يوضع في مقامهِ الحقيقي حينئذ يصب في خدمة المجتمع و الإنسانية ،فعلى سبيل المثال يمكنه أن يكون عونا كبيرا للحكومة و القطاع الخاص في بناء المستشفيات ، دور الأيتام ، دور العجزة ، تأمين المسكن و المأكل للفقراء و المشردين ، كما يمكنه أن يكون مشاركا و عونا كبيرا للدولة في أثناء الكوارث الطبيعية و الحروب من خلال جمع التبرعات و المعونات للنازحين المنكوبين ، و يكون أيضا عنصرا مهما عندما تطرح الدولة مشاريع لتوعية الشباب بمخاطر المخدرات أو السجائر مثلا و ...الخ من الامور الإنسانية البحتة .
هنا نستطيع أن نتخذ من أوروبا كمثال حي ، إذ بسبب التدفق الكبير للاجئين إليها من باقي أنحاء العالم و تردي الأوضاع المعيشية لهؤلاء اللاجئين أحيانا (إلى أن يتحدد وجودهم القانوني) ،فتحت العديد من الكنائس أبوابها بوجوههم لإيوائهم و إطعامهم و أكسائهم على الرغم من إن اغلبهم من الديانة الإسلامية و لا يتقبلون المسيحية و يتعارضون في الكثير ! ، في نفس الوقت الدين في أوروبا لا يمكنه أن يفرض إيديولوجياته على الدولة أو الناس مثلما لا يجوز أن يكون للدولة إيديولوجيات لفرضهِ على المجتمع .
في كوردستان العراق بعد الأحداث الأخيرة في المنطقة ، نزح إليها أكثر من مليون و نصف المليون شخص وهم يعيشون ظروف صعبة في الحر و البرد ، في حين يوجد أكثر من 6000 جامع للمسلمين في الإقليم لكن بدون أن يستطيع نازح واحد و لو ليلة واحدة أن يمكث أو يُبيتَ فيهم ..! مع العلم إن أكثر النازحين من المسلمين و من نفس المذهب الذي تتبعه هذه الجوامع و دور العبادة ! فعندما لا تكون بيوت الله لإيواء الفقراء و المنكوبين .. فما الضرورة الإنسانية الأسمى لوجودها ...!؟ لذا السكولارية السياسية هي التي جعلت الدين يقوم بواجباتهِ الحقيقية في أوروبا ، ولو كانت لدينا تلك السكولارية لكنا لا نعاني اليوم مثلا إلى هذا الحد لإيواء النازحين بسبب كثرة الجوامع و المساحات التي تشغلها ..!
" السكولارية السياسية تحمي الأفكار و الإيديولوجيات ، منها الإيديولوجيات الدينية ، المؤرخ و المفكر الفرنسي أليكس دوتوكفيل (1805-1859) يعتقد بأنه لو فُصل الدين عن الدولة ، يمكن أن يخسر الدين بعضاً من مكتسباته ، لكنه يفوز بالإرادة و القوة الواقعية للمجتمع "
اضمحلال و زوال الأديان .. مخاوف خيالية يولدها رجال الدين أنفسهم لدا أتباعهم و المؤمنين ، و هم من الذين يتاجرون بأديانهم أو يستخدمونه لأغراضٍ سياسية لمكاسب ، الكاتب الكوردي (مريوان وريا قانع) يقول في كتابه (الدين و الدنيا) " علمنة الدين لا يعني إزالته و إذابته في الحداثة ، بال يعني تحوله إلى ارضي إنساني ديمقراطي "
إحدى الخصائص السكولارية .. إشاعة ثقافة السماحة ، وفي أي مكان عمت هذه الروحية تظهر و تنتشر فيها المحبة ،كما إن الدولة السكولارزمية تؤمن حرية الفكر و الرأي و الاحترام و الأمن اللازم لهما .
التي تحارب الدين و تسعى إلى اضمحلاله و زواله ليست الدولة أو السياسة السكولارزمية بل هي "الفلسفة السكولارزمية" عن طريق النقد الدنيوي "العلمي الواقعي" للحقائق السمائية التي تدعي بها الأديان ، الفلسفة السكولارزمية ليست مُشاركة في الحكم أي بمعنى إنها لا تمتلك سلطة و جيوشا أو اسلحة الشيء الوحيد التي تملك هي "الفكر" ، لذا كيفما هي تقوم بنقد الدين بواسطة الفكر ، يستطيع الدين بأن يجيبه و ينتقده بالفكر أيضاً ، لذا الشخص المتدين يستطيع أن يتبع "السكولارية السياسية" ، لكنه إذا اقتنع و اتبع "السكولارية الفلسفية" عندئذ سيخرج من إطار التدين الربوبي .
لتخليص مجتمعاتنا من هذا الخوف و التوجس من العلمانية ، يجب أن نسعى لنشر الحقائق الثقافية الواقعية و التطبيقات المهمة للسكولارزمية السياسية وبيان ما وصلت إليه الدول المطبقة لها من تطور و ازدهار ثقافي و اقتصادي ، و مجتمعنا في إقليم كوردستان في خطواته الأولى نحو العلمنة لذا يجب الحديث عن نبذ هذا التوجس من السكولارزمية قبل كل شيء .
الإسلام- سياسيين يجب أن يفهموا و يعوا بأن السكولارزمية ليست فكرة إيديولوجية ، بل هي مذهب و "ميتود" مدني أوجدته العقول البشرية من خلال تجاربها التاريخية المريرة و تقدمها العلمي و الثقافي الإنساني لإدارة الدولة ..
"في النظام السكولاري ليست الدولة فقط ، بل أي فكرة و دين لا يمكنه فرض نفسهِ على المجتمع بصوت و صورة و واحدة وحيدة"
نظام السكولارية ، تؤمن الأرضية لظهور الأفكار بتنوعها و تؤمن لها الفضاء الحر للانتشار ما دام لا يتعارض مع مبادئ الحرية و المساواة الإنسانية ، بعكس من يتبلا عليها من الإسلاميين وما يفتون بهِ من أكاذيب في إقليم كوردستان و باقي الأماكن ، من إن السكولارزمية هي منع التيارات و الأحزاب الإسلامية السياسة و حظر الدين !!! في حين انه (زيادة على ما أسلفنا) تأسس لقوانين و تشريعات ديمقراطية تُفرض على كل الأطراف في حال تسلمها مقاليد الحكم كي لا تسعى لأستغلال السلطة و التغيير في صالح الذات أو جهة معينة و يجب أن يكونوا مستعدين لتسليم الحكم إلى الآخرين بالطرق الديمقراطية ، المثال الحقيقي الذي يجب أن يحتذى بها هي أوروبا (مرة أخرى)فألمانيا مثلا الحزب الحاكم الآن لـ "انجلينا ميركل" هو (ديمقراطي مسيحي)! ولم يسعوا قط لفرض القوانين الدينية المسيحية ..! و الأمثلة الأخرى على عكس هذا هي النماذج العديدة المستبدة و الدكتاتورية بالأيديولوجيات الدينية و القومية الحاكمة في الشرق الأوسط كتركيا و حزب اردوغان ، و مصر أبان حكم مرسي الذين سعوا منذ البداية للمساس بالقوانين الديمقراطية في بلدانهم عند تسلمهم مقاليد الحكم ..!
مـصـادر :
*بالكردية: عادل باخوان – ئاين چييه؟ / ما هو الدين ؟ .
بالكردية: مريوان وريا قانع – الدين و الدنيا ص170 .*
#شاهو_علي_غائب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟