أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت















المزيد.....

قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4831 - 2015 / 6 / 8 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


ينفرد الشاعر فاضل عبّاس هادي بتجربة إبداعية مميزة لا تقتصر على الشعر وحده وإن كان واسطة العِقد فيها، فهو يترجم ويصوِّر ويحاور ويكتب القصة والمقالة والنص المفتوح. لا شك في أنه واحد من أقطاب الجيل الستيني الذي هزّ الثوابت، وخلخل القناعات القديمة، وارتبط بعض منجزاته بتيّار الحداثة، وبعضها الآخر بموجة ما بعد الحداثة، حتى صار كتاب "مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة" أشبه بالمانيفستو الذي يضم بين دفتيه غالبية الأجناس الأدبية!
وعلى الرغم من أنّ فاضلاً، الذي يُكنّى بفاضل الشاعر، لا يميل إلى التصنيف ورسم الحدود الفاصلة بين جنس أدبي وآخر إلاّ أن كتابهُ الجديد "قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت" الصادر عن دار الجمل 2015 قد دُمغ بكلمة "شعر" بينما يشير واقع الحال إلى تجاور أجناس أدبية متعددة بين دفّتيه.
يحتل لقب "الشاعر" مكانة خاصة عند فاضل لكنه لا يرجِّحه على لقب الناثر أو المترجم أو الصحفي أو المصور الفوتوغرافي، لأن الإبداع يقتضي التمثّل والتأمل وإطالة النظر. كما أنه يستهدف المشاعر والأحاسيس الداخلية للإنسان وينأى بنفسه عن المجال "العقلاني" الذي يمجّ الخيال ويرفض التحليق في فضاءاته الفنتازية.
يحتوي هذا الكتاب على 58 مادة أدبية كتبها فاضل على مدى خمسين عامًا، أي بمعدل مادة واحدة أو أزيد قليلاً في كل عام. وهذا يعني، من بين ما يعنيه، أنّ الشاعر لا يذهب إلى قصيدته وإنما هي التي تأتي إليه بعد أن تختمر طويلاً في مخيلته الشعرية وحافظته الأمينة التي لا تفرّط بأية صورة شعرية تهبط إليه لتنطبع في أقراص ذاكرته المدمجة!
لم يُغيّر فاضل في نصوصه الشعرية إلاّ لماما، وإذا دفعتهُ الضرورة فإن التغيير قد يطال كلمة هنا أو أخرى هناك مُعدِّلاً ما يقتضيه المنطق اللغوي الذي يفضُّ عذرية النص في نسخته الأصلية.
تستحوذ كل القصائد التي كتبها فاضل على اهتمام القرّاء وذلك لخلوها من الأصفاد التي تقيّد أجنحة النص الشعري الذي يبدو حرًا طليقًا ومحلقًا. وفضلاً عن هذا التحرر من الأبحر الخليلية فإن قصائده تحتفي بالصور الغريبة التي لم نألفها من قبل في النصوص الشعرية مثل "باقة من الكرفس الاصطناعي" التي يحملها كل فرد من الملائكة أو "شربت الرمّان" وما إلى ذلك من إحالات يومية كثيرة. وعلى الرغم من البُعد الذاتي في قصيدة "قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت" التي تلامس شغاف الكائن البشري إلاّ أنها تظل مثل جوهرة مصقولة تشع وتتلألأ في وسط العِقد الفريد التي انتظمت فيه هذه القصائد البعيدة عن الصنعة والاشتغالات اليومية التي تُحيلنا إلى الأرض، وتُبعِدنا عن مصادر الوحي والإلهام.
لا بد من الإشارة إلى أهمية قصيدة "أوروبا" لأكثر من سبب، فهي موجهة إلى "الآخر" الذي تعلّق فيه بعد أن أغوته منظومة القيم الثقافية في محيطه الأوروبي. كما أن هذه القصيدة تحديدًا، وسواها من القصائد، تكشف عن الهواجس الثقافية لكاتب النص ومبدعه الذي انغمس في الثقافة الأوروبية وكرّس نفسه لها ولعل بعض الأسماء التي ترد في هذه القصيدة المبنية على أسس فنية وثقافية مثل أوغست ماكة، فرانز مارك، بول كلي، وديلاكروا، جياكوميتي، بيكيت، بايرون، همنغواي، نابوكوف الخ. . . هؤلاء جميعًا وربما غيرهم كان فاضل الشاعر قد تعرّف إلى بعض نتاجاتهم وهو لما يزل طالبًا في المرحلة الإعدادية، ثم تعمقت معرفته بالثقافة الأوروبية حينما درس اللغة الإنكليزية وآدابها في بغداد.
إنّ كل الصور الشعرية المستوحاة من الفن التشكيلي مردّها إلى الكتب والإصدارات الإنكليزية التي قرأها فاضل الشاعر في مدينتي الناصرية وبغداد حيث تعرّف على جماعتي الجسر والفارس الأزرق الألمانيتين إضافة إلى بعض الفنانين الفرنسيين الذين أحبّ منجزهم الفني فتسربت بعض أطيافه إلى صوره الشعرية ذات الأصول التشكيلية التعبيرية والفنتازية على حد سواء.
انتمى فاضل إلى اليسار العراقي لكنه وجد في دستويفسكي وتشيكوف وغوغول ضالته المنشودة فترك الحزب وانغمس في الأدب والفن. وحينما فُصل من "بغداد أوبزرفر" الإنكليزية لأنه أثنى على موهبة فاضل العزاوي انتقل إلى وكالة الأنباء العراقية كمترجم من العربية إلى الإنكليزية. ثم أتيحت له سانحة الحظ بالسفر إلى بيروت فغادر العراق من دون أن يفكر بالعودة إلى البلد الذي أحبّه حدّ العِشق والوله.
يعاني فاضل من حُبسة في الكلام قد تعيقه في قراءة نص شعري أو إجراء حوار أدبي معمق لذلك لاذ بالتصوير الفوتوغرافي الذي يعفيه من التواصل اللغوي مع الآخرين. ومنذ عام 1986 وحتى الوقت الراهن انقطع فاضل إلى التصوير الفوتوغرافي وكانت حصيلته 14 ألف صورة فوتوغرافية وكتاب متخصص عن التصوير بواقع 1120 صفحة من القطع الكبير سنتوقف عنده في تغطية لاحقة.
فاضل الشاعر قارئ من نوع خاص حينما قرأ أشعار رامبو أول مرة "أخذ يرتجف كالورقة" لذلك أعاد قراءته غير مرة وكتب "استطرادات رامبوية عن رامبو" أثنى فيها على الشاعر الشاب، المقلّ، الذي يمكن أن يكون قد توصل إلى لا جدوى الإبداع!
يكشف هذا الكتاب عن النَفَس النقدي لفاضل الذي يرى في مجموعة "زقاق الفئران" لنزار عباس مجموعة قصصية جيدة لكنها ضعيفة التركيب، لكنه ينجح في القصص التي تعتمد على المونولوج في شكله البسيط. يرى فاضل في مجموعة درويش الجديدة "محاولة رقم 7" هيمنة التكرار أكثر من الابتكار. وأنها لا تشبع عطش القارئ الأبدي للشعر الجيد.
يرسم فاضل صورة مُتوقدة للمثقف نجيب المانع الذي وصفه بـ "ذلك العابر الكبير" وهي نفس العبارة التي وصف بها ملارميه الشاعر الخالد رامبو، فقد كان المانع الأكثر توقدًا وتألقًا من الجميع.
لم يكن فاضل الشاعر نفّاجاً، كما تذهب الناقدة فاطمة المحسن، فهو لا يدعي بما ليس عنده، لكنه يحب الحرية، ويجوب الآفاق بحثًا عن الحلم الذي ركض وراءه مذ كان كاتبًا يافعًا لم يشبّ عن الطوق بعد.
يمتلك فاضل الشاعر القدرة على الرصد والالتقاط فجان دمّو، الشاعر الشريد، الذي تنقّل بين بغداد وبيروت وعمّان ليموت في سدني كان يلهج بكتابة أكثر من رواية لم ترَ النور من بينها "حذاء في الجبهة" و "يوميات صعلوك في إنطاكية" ولعل أجمل ما في هذا المقال سرعة إنجاز معاملة جان دمّو في لمح البصر فلقد ختموا جوازه في لحظة عابرة مثل البرق الخلّب لكن الشكوك بدأت تتسرب إلى فاضل الشاعر الذي طلب من جان أن يريه الجواز ولقد عقدت لسانه الدهشة حينما رأى الختم الذي يقول بمغادرة لبنان خلال 24 ساعة لا غير بينما كان جان قد دسّ الجواز في جيب بنطاله الخلفي من دون أن يكلف نفسه عناء النظر إلى هذا الختم المفصلي في حياته الملفعة بالضباب الأبدي.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن فاضل الشاعر يمحض الثقافة البريطانية حباً من نوع خاص لكنه لا يتورع من وصفها بالثقافة العنصرية وسوف يعرّيها في كتبه القادمة التي يطبعها على نفقته الشخصية على الرغم من ضيق ذات اليد وقلّة المردود المادي مما يطبعه فاضل الشاعر من نتاجات أدبية كلفته خمسة عقود في أقل تقدير.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توثيق شامل للأفلام الروائية الطويلة في العراق
- تحت ظلال السنديان الإيطالي لموسى الخميسي
- اغتصاب الطفولة في -جراح الروح والجسد- لمليكة مستظرف
- شاهندة . . . أول رواية إماراتية
- الواقعية في السينما المصرية (2- 2)
- الواقعية الإيطالية الجديدة وموجاتها الثلاث (1 - 2)
- التعويل على الحوار في فيلم سُبات شتوي لنوري بيلكَه جيلان
- الشاعر السعودي حيدر العبدالله يتأهل للمرحلة الثالثة في مسابق ...
- القسوة والبشاعة وتقطيع الأوصال في أفلام أنتوني بيرنز
- الميتا سردية والبطولة المضادة في تل الصنم
- الرقص في الصحراء بعيداً عن أعين الباسيج
- النص الروائي المهجّن
- المزج بين الحقيقة الدامغة والخيال المجنّح في فيلم مدغشقر جزي ...
- الإسلاموفوبيا . . تنميط المسلمين وتحنيط الثقافة الإسلامية
- حدود الرقابة على السينما (2 - 2)
- حدود الرقابة على السينما العربية (1 -2 )
- حضور الهولوكوست في السينما البولندية بعد خمسين عاما
- التناص الروائي مع الأحداث التاريخية
- الهاوية . . رواية لا تحتمل الترهل والتطويل
- مذكرات كلب عراقي


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت