أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطيب عبد السلام - لماذا ارتد الأتراك ؟؟















المزيد.....

لماذا ارتد الأتراك ؟؟


الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)


الحوار المتمدن-العدد: 4827 - 2015 / 6 / 4 - 15:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعتبر النموذج العلماني الاتاتوركي الثوري احد هم ملامح تجليات العقل النقدي في الحياة السياسية و بالتالي الحياة المجتمعية.
فأتاتورك الذي حول تركيا من "الخلافة العثمانية" الى جمهورية ،اي بمعني سياسي تحويل نمط حكم تقليدي الى نمط جمهوري حداثي تستمد فيه التشريعات من دستور انساني علموي،نجح في وقت بكير في الانتباه الى أن النمط الديني في الحكم هو نمط بئيس بالي لا فائدة ترجى منه و عبر بتركيا من مصير شبيه في الشرق الاوسط الى مستقبل مستنير مع الدول الاوروبية.

هذه الرؤية السباقة لعصره و للعصور التي بعده في جعل وطنه من "رجل مريض" يرعى اغناماً مزاجية الطباع شديدة البؤس و الفاقة، الى جمهورية علمانية حديثة تنافس جمهوريات اوروبا جميعاً لما سقطت الأن بين يدي ذئاب الاسلام السياسي و كهنته؟؟
لنفهم ذلك علينا العودة السريعة للنبش في التاريخ الاوروبي خلال العشرين قرنا التي تلت ميلاد المسيح لأن مصيراً شبيهاً نمرُ به نحن اليوم بعد خمسة عشر قرناً من الهجرة المحمدية.

في قرنيها الاولين قوبلت المسيحية بالرفض في مستويين، هما مستوى اليهودية الذي ولدت فيه و حاولت النهوض و الخروج بالنص اليهودي التوراتي من القلق الذي يعتريه تجاه طباع "يهوه" متقلب المزاج الذي يسخط تارة و يحزنُ تارةً و يصارعُ يعقوب تارةً حتى الصباح ليحوذ منه يعقوب اعترافاً بنبوته.
جاءت المسيحية لتضرب مثلاً يوتوبياً تجريدياً سماوياً للأه، و تخلصهُ من تشويش النص التوراتي و استجابة للنبؤة التوراتية حول ظهور المسيا "المخلص" الذي سيقودهم و ينتصر بهم على بقية الامم.
رفض كهنة اليهود نبؤتهُ و اتهموهُ بالتجديف و قدموهُ في البواكير الى السلطة الرومانية التي صلبته
بناءً على طلب الكهنة اليهود.

صودمت المسيحية في قرنها الثاني على يد علماء و فلاسفة و فناني و موسيقيو المدن اليونانية القديمة او كما تسميهم الاسفار المسيحية "بالوثنيين"، نكل بهم و عذبوا عذاباً شديداً على ايديهم الى أن جاء الربع الاول من القرن الثالث و تحول قسطنطين بناء على تأثيرِ والدتهِ الى المسيحية و بالتالي تحول كامل الجمهورية الرومانية الى المسيحية و انقلاب ماكينة القمع تجاه الفلاسفة و المفكرين و الموسيقين و الرياضين لتتوج بمقتل العالمة هيباتيا و تغط اوروبا في قرون ظلامها.
و بعد هجعةِ الف عام تدخل اوروبا عصر الاستكشافات الجديدة في قرنها الخامس عشر و تطلق عنان سفنها لاكتشاف العالم بحثاً عن طرق تجارية و عن موارد، واكب ذلك ظهور المذهب البروتستانتي الذي حرر النص من احادية التاؤيل و فتحهُ على القراءات المتعددة و تحريره من القداسة.

هذه المرحلة التي دشنها مارتن لوثر في فتح المسيحية على عقلانيةٍ جديدة او ما اسميه "لبرلة الدين" هي المرحلة الاهم التي انطلقت منها اوروبا صوبَ العقل النقدي الا معترف بسلطة النص.
هذه المرحلة الاصلاحية التي جعلت من الدين اخفَ ثقلاً و اقلَ معاداة للعقل البشري و مصادرةً لحرياته و قراراته هي في ظني الارضية الاهم التي جعلت قدمي اوربا تثبتان على الارض قبل تحليقها المهيب نحو العلمانية و العقلانية.
و هذا هو عينه ما لم يفعلهُ اتاتورك الذي حلقَ مباشرة صوبَ العقلانيةِ و العلمانية من دون المرور باي اصلاح ديني او تفكيك للاجابات الدينية المترسخة في النفوس منذ الازال و استبدلها مباشرةً بنصوص علموية هي في حالة قطيعة كلية مع النصوص القديمة و لا يوجد اي جسرٍ يصلهما.

بانعدامِ هذا الجسر من "اللاهوت" كان من السهل الرجوع و النكوص الى الوراء متى ما زالت السلطة الجبرية الاتاتوركية القامعة و التي قتلت جبل الجليد المسمى بالدين من دون ان تنسفه من الداخل عبر اصلاحه و اعادة بنيانه وفق القيم العصرية و الحداثية التي لا شك انه ببنيته القديمة يتقاطعُ معها.
لذا ظلت التساؤلات في عقلِ المواطنِ التركي قائمة، و اصبح ينظر الاجابات المقدمة اليه في مناهج التعليم على انها اجابات جبرية بيدٍ قابضة لا تدخل له في التفكيرِ في اجابتها،و بزوالِ تلك السلطة كان من الطبيعي ان ينكص ادراجه باتجاه الدين و يستثمر ذلك النكوص الاسلاميون بقيادة اردوغان
و يصعدوا عبر هذا النكوص الى السلطة.

السبب الثاني هو أنه مهما بلغت استنارة العسكر و حداثيتهم فأنهم لن يكونوا مثل الحكومةِ المدنية المكونة من التكنوقراط و المثقفين و ليس الضباط و المدججين.
نمط العمل في الجيش يختلف تماماً عن نمط ادارة مؤسسة مدنية كالحكومة لاسباب معروفة اهمها دوغمائية العسكر و انسدادهم الذهني عن التفكير خارج صندوق "الاوامر" و "علم و ينفذ".

اضف الى ذلك الفساد الذي تسلل الى المؤسسة الحاكمة من النخبة العسكرية و انعدام وجود جهة ضغط رقابية تستطيع الاحاطة بالمؤسسات الخدمية و الانتاجية، و استثمر الضباط و العسكر هذا الامر تذرعاً بحماية العلمانية التركية من قوى الظلام السياسي، بهذه الذريعة قتلوا و نكلوا بالمعارضين ايما تنكيل،لأن عقلية العسكر تنظر الى اي فعل اختلاف على انه انشقاق و تمرد عسكري يجب قصفه بالمدافع و مسحه عن ظهرِ البسيطة، بعدمِ ادراكهم لمعطيات العصر سقطوا و سلموها للاسلاميين بعد ان حولوا تركيا الى فاشية عسكرية قابضة، و لم يعوا أن عليهم يقعُ عبْ المسير في المشوار الاتاتوركي و ايصال الشعب الى نضجٍ معرفي يحصنهُ من تسليمِ السلطة الى احزاب تستغلُ مشاعرهُ الدينية او انتماءتهُ العرقية.

سقط المشروع الاتاتوركي على يد اردوغان و هو يزيح صورتهُ عن القصر ليضع مكانه محمد الفاتح امعاناً في النكوص لايام الخلافةِ العثمانية الاستعمارية البائدة.
سقطت صورةُ اتاتورك بعد أن احدثت نقلة جوهرية في الحياة التركية لن يستطيع احقد الظلاميين و الرجعيين مهما حاول تحطيمها او الارتداد بها الى الوراء.
سقطت الاتاتوركية بعد ان انارت عقول الشعب رغماً عنه و جعلتهُ مواطناَ اصيلاً في القارةِ الاوروبيةِ المستنيرة و فرداً معولماً في كافة جوانب حياتهِ، فرداً تركياً في المقام الاول يعتز بتركيته و حداثتهِ و علمنته و نقول ختاماً :
ارتدَ الاتراك..و لن ترتدَ تركيا



#الطيب_عبد_السلام (هاشتاغ)       Altaib_Abdsalam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرات جديدة في الميتافيزيقيا
- لاهوت العقل التجريبي
- لا بد ان تبقى و لا بد ان تتمدد
- خمس دقائق في عالم الواقع...مقال في العزلة الجديدة
- الهوية القلقلة
- تثوير الليبرالية
- المرأة و عبودية المنزل
- ليبرالية العقل و ليبرالية النقل
- الاطروحة الحضارية للتقنية
- عيد العمال و ليس عيد الشيوعين
- هتلر الصحراء
- محاولة النفاذ من عنق النص
- على من اُنزلتِ الديموقراطية ؟؟؟
- على من ازلت الديموقراطية ؟؟؟
- في نقد الليبرالية
- مقاربة بين الالحأد و التصوف...
- فض الاشتباك بين الدين و الاحلاق
- مافيا ام مسلمون ؟؟؟
- في التخفيف عن هبرماس
- الاسلام و اليهودية....التوائم الاعداء


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطيب عبد السلام - لماذا ارتد الأتراك ؟؟