أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - أنا لستُ موجوداً لأنَّني اُفَكِّر!














المزيد.....

أنا لستُ موجوداً لأنَّني اُفَكِّر!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4814 - 2015 / 5 / 22 - 23:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



"أنا أُفكِّر، فأنا موجود (فالله، في استنتاج لا بدَّ منه مثالياً، موجود". قالها ديكارت، رينيه ديكارت، الفيلسوف والرياضي والفيزيائي الفرنسي، ولَقَبُه "أبو الفلسفة الحديثة".
إنَّ أحداً من العقلاء لا يشكِّك، ولا يمكنه أنْ يشكِّك، في عظمة صاحب هذا القول الشهير؛ لكن هذا القول، وعلى عَظَمَة قائله، ليس فيها من العَظَمَة شيئاً. ومع كل محاولة يبذلها مثقَّفون فلسفيون لتَحميل هذا القول الديكارتي مزيداً من المعاني "العظيمة" يرتفع أكثر منسوب السخف في القول نفسه.
بدايةً، وبعيداً عن التَّعقيد الفلسفي المتعمَّد في شرح هذا القول، والذي هو خاصية لغوية لأتباع الفلسفة المثالية، بأنواعها، نقول إنَّ عبارة "أنا أُفَكِّر، فأنا موجود" تعني فحسب أنَّ التفكير هو الفاعلية التي بها يستدل المرء على وجوده، ويتأكَّد له وجوده؛ فلو سُئِلْتَ: "هل أنتَ موجود؟"، تجيب قائلاً: "نعم أنا موجود؛ لأنني أُفَكِّر؛ فتفكيري هو خير وأقوى دليل على أنِّي موجود".
إنَّ الوجود من عدمه كان، وما زال، قضية تشغل أذهان كثير من الناس، وأذهان كثير من الفلاسفة على وجه الخصوص؛ ولقد تطرَّف بعض الفلاسفة المثاليين (والمنتمين منهم إلى "المثالية الذاتية" على وجه الخصوص) في نفي كل وجود للعالَم المادي في خارج الذهن، وفي استقلال عنه؛ فالتُّفاحة التي أَهُمُّ بأكلها لا تُوْجَد، على ما يزعمون، في خارج ذهني، وفي استقلال عنه؛ لأنَّها لا تَعْدو كونها "إحساسات"؛ وهذه "الإحساسات" ليست بـ "مادة"، ولا وجود لها في خارج ذهني (أو وعيي) وفي استقلال عنه؛ وفي النهاية المنطقية لهذا التَّصَوُّر يقول المرء: "لا وجود إلاَّ لذهني أنا (فالكون كله إنَّما هو "إحساساتي" التي لا يمكن أن تنفصل عن ذهني)".
ديكارت، وهو فيلسوف مثالي؛ لكن ليس من "المثاليين الذاتيين"، شَكَّ في وجود الوجود؛ وظلَّ الشَّكُّ يستبدُّ بعقله إلى أنْ وَصَل إلى ما اعتده "يقيناً"؛ فقال وكأنَّه يلخَّص تجربته في الشَّك: "ما دُمْتُ أُفكِّر (والشَّكُّ تفكير) فأنا موجود".
هيجل، إمام الفلسفة المثالية الموضوعية الجدلية، فَهِمَ "الإنسان (الناطق العاقِل)"، على أنَّه الكائن الذي فيه، وبه، وَعَت الفكرة المُطْلَقَة (الله في الأديان) ذاتها؛ فـ "الطبيعة"، قبل وجود هذا الإنسان، والتي هي تجسيد للفكرة المُطْلَقَة، في إحدى مراحل تطوُّرها، ما كان في مقدورها أنْ تكون الكائن الذي فيه، وبه، تعي الفكرة المُطْلَقَة ذاتها. ولو كان هيجل "مادياً" لقال: في الإنسان، وبه، وَعَت المادة ذاتها.
هل أنا موجود لأنِّي أُفَكِّر؟
كلاَّ؛ فأنا أُفَكِّر لأنِّي موجود.
قد أَكُفُّ عن التفكير؛ ومع ذلك أظلُّ موجوداً؛ لكن يكفي أنْ أَكُفَّ عن الوجود حتى أَكُفَّ عن التفكير؛ وهذا الإنسان الذي مات الآن كَفَّ عن التفكير مع أنَّه ما زال موجوداً بمعنى ما.
إنَّنا لا نُفسِّر "المادي" بـ "المثالي"؛ بل نُفسِّر "المثالي" بـ "المادي"؛ وفي مثال بسيط أقول: أُنْظُرْ إلى شجرة التُّفاح التي في حديقتك. أَمْعِن وأَدِم النَّظَر فيها؛ ثمَّ أَغمض عينيك، فـ "ترى" في ذهنك، أو ذاكرتك، "صورة" شجرة التُّفاح. إنَّها "صورة ذهنية (مثالية)" لشجرة التُّفاح الواقعية؛ فإنَّ "الأصل الواقعي" لهذه "الصورة الذهنية" موجود في خارج ذهنك، وفي استقلال عنه؛ إنَّه موجود في حديقتك.
إذا أَغْمَضتَّ عينيكَ و"رأيتَ"، في ذهنك، شجرة التُّفاح؛ فهل هذا يعني أنَّ شجرة التُّفاح نفسها موجودة في ذهنك (في وعيك)؟!
هل هذا يعني أنَّ شجرة التُّفاح الواقعية يمكن أنْ تتغيَّر إذا ما أنتَ غَيَّرتَ، بالخيال، صورتها الذهنية؟!
جَرِّب أنْ تغيِّر، بالخيال، صورتها الذهنية، كأنْ تتخيَّل شجرة تُفاح من ذَهَب؛ فهل تتأثَّر شجرة التُّفاح الواقعية، كأنْ تغدو، في الواقع، شجرة تفاح من ذهب؟!
إنَّ كل "فكرة" في رأسك لا تَعْدو كونها "صورة ذهنية"، لها، ويجب أنْ يكون لها، أصل في الواقع (الموضوعي). وإذا لم تكن "نسخة ذهنية" من "أصلها الواقعي"، فلا بدَّ لها من أنْ تكون "صورة ذهنية مُركَّبة"، أيْ رَكَّبَها الخيال إذْ أنشأ لصلة (خيالية ما) بين عناصر ومُكوِّنات واقعية، كصورة "شجرة تفاح من ذهب".



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الانتحال-.. كيف يمارسه ويبرِّره -عبد الله الراوي-!
- التاريخ لا يعيد نفسه!
- في -يوم العُمَّال-!
- أفكار منهجية في نظرية التطور
- -الحركة الطبيعية-.. من وجهة نظر جدلية!
- ما معنى الاتفاقية النووية بين طهران وواشنطن؟
- ولادة توازن إقليمي جديد!
- كيف يُساء فَهْم -السفر في الزمن-!
- لهذه الأسباب يَفْشَل المؤوِّلون في إثبات كروية الأرض في القر ...
- جَدَل -الحقيقة-
- بأيِّ معنى يتوقَّف الزمن؟
- الدكتور النجار يَعْثُر على نظرية -النسبية- في القرآن!
- لعبة -الأَسْلَمَة-.. أما حان لها أنْ تنتهي؟!
- رِبا إسلامي يسمَّى -المرابَحَة-!
- مصطفى محمود في حواره المُبْتَذَل مع صديقه الملحد!
- كيف غرسوا فكرة -فناء المادة- في تربة الفيزياء!
- لو أُغْلِق المسار التفاوضي بين واشنطن وطهران!
- موطن الاستعصاء في -المفاوضات النووية- بين طهران وواشنطن!
- -السياسة- بين -المثالي- و-الواقعي-
- -الآلة- من وجهة نظر سوسيولوجية


المزيد.....




- -إنهم على الأبواب!؟-.. كيليان مبابي يطلق صرخة رعب ويوجه تحذي ...
- تقرير عبري: كارثة المدرعات الإسرائيلية منذ بداية الحرب في غز ...
- نقطة حوار - عيد الأضحى: كيف يستقبل أهل غزة والسودان العيد هذ ...
- وفاة 19 شخصا من الأردن وإيران خلال أداء مناسك الحج
- -كوميميوت- تعود إلى إسرائيل (صورة)
- وثائق تأسيس الولايات المتحدة تعرض للبيع في مزاد بـ 8 ملايين ...
- -إنهم على الأبواب!؟-.. كيليان مبابي يطلق صرخة رعب ويوجه تحذي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جنديين آخرين لترتفع حصيلة قتلاه إ ...
- برلماني ألماني يقترح طريقة غريبة لدعم نظام كييف في التعبئة! ...
- مسلسل -هاوس أوف ذو دراغن- : متى تعلن الحرب بين الملكتين تارغ ...


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - أنا لستُ موجوداً لأنَّني اُفَكِّر!