أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لحسن لحمادي - الدين والزمان















المزيد.....


الدين والزمان


لحسن لحمادي

الحوار المتمدن-العدد: 4814 - 2015 / 5 / 22 - 01:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تميز خطاب المسلمين بعدما حصل انتهاء في مفهوم الأمة بالشدة البلاغية، والبلاغة لا تبرر إلا أن العصر الحالي لدى المسلمين وخصوصا الإسلاميين عصر شعارات بامتياز وكل شعار يرفع اليوم لا يحوي إلا الآمال والطموحات وهذه الطموحات تقتدي نفسها فتعزز طمأنتها المسلم وتجنب عليه الشعور الحاسم بالانتهاء الحاسم للإسلام. الحقيقة المتبقاة من الإسلام اليوم هو هيكل بنائنا العظيم والذي يوشك على الانهيار كذلك إن استمر توغل الارتداد الغير واع عن الدين. نحن ربما من آخر الأجيال الموحدة التي قد ينجيها توحيدها من نار جهنم.
لماذا أشعر أني وحدي هذه المرة؟ لما يلحق بي هذا العذاب؟ لماذا يحب الإنسان الاستمرار في قراءة المزيد من هذه الرواية المدمرة للأرواح؟ لماذا أرى بوضوح خلفيات كل شيء؟ لماذا كل التحاليل وكل التقيمات وكل التصورات والاستنتاجات لا تنفك عني نوما واستيقاظا؟
أي مجد هذا الذي يدفع بأهل للحاضر للمطالبة بالماضي؟ هل حكمة الشيوخ المفروضة هي الحاسمة؟ هل معاناة السنين الجافة والماطرة هي الحكم في سياقنا؟ ومتى سيذهب المفكر مجسدا لرحيل العقل؛ ليبقى الجنون رغم كل موقف؟ هل هذا البناء الدنيوي العظيم أهل لهذه المعاناة وهل الحق حقيقي في الدنيا؟ ما مدى ارتباط السياسة والسيطرة بالبشر بكل الطرق وبمختلف الكيفيات؟ هل نموت من أجل فكرة؟
هي نهاية تحتم علينا ونحن ننظر لانهيار روحنا التي علقت بأمل دولة الرحمة والمحبة والسلام والتضامن، تحتم علينا الصمود كيفما كان الحال، تنهار كياناتنا ومفاهيمنا ووجبت النهاية وحطمت أحلام الإيمان بدولة الدنيا والدين، لكن رغم الألم فلم يتم ذكر مشروع الدولة المسلمة ذات المقومات المحددة عند البعض في القرآن الكريم، والدارس جيدا سيجد أن تأسيس دولة في المدينة جاء كتقليد لما سلف واقتدته الظروف المحيطة حينها بالمسلمين الجدد من مهاجرين وأنصار، لقد تم تعاقد معين بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين اليهود وبين النصارى وبعض القبائل المحسوبة على المدينة دار الإسلام، ليستمر بعد ذلك توسع إسلامنا وكان الرهان المعمول به وقتها هو انتشار التوحيد، لقد ضعف التوحيد اليوم ولخص الدين في دولة ومعروف عبر تجارب الماضي المسجلة في كل تاريخ أن الدول تنشأ قوية وتضعف لتنتهي وتستبدل بأخرى، لكن الأمر الذي كان يحدث في وضعنا هو أنه تستبدل دولة بدولة أسوأ منها حتى وصلنا اليوم لحال اللادولة، تغير الدول في الإسلام كان يعني بشكل مطلق استبدال اتجاه فقهي واتجاه عقدي بآخر كما حدث مع الدولة الفاطمية الشيعية حين حكمت سنة البلاد العربية، وكما حدث في حالة المرابطين المالكية حين استبدلوا بالموحدين الذين تبنوا مذهب الثمرتية وعمق هذا الاستبدال فقهي بحث وعقدي كذلك، ساد لزمن طويل جدا وعي أن الإسلام رهين برقعته وشساعة أراضيه طولا وعرضا، وتناسى في كثير من الأحيان أن القلم الذي تمت الإشارة إلى قدره وحسمه في أول آية أنزلت من القرآن الكريم في سورة سميت بالعلق، قال تعالى: . كان ليحسم القلم وحده معارك حددت بالسيف دوما وحتى أيامنا هذه، إن سراب السلطة يستهوي الناس عموما، فالعلم قد يحقق من الفتوحات ما لم تحققه السيوف والرماح والنبال، لقد كان الحديث في القرآن جليا ومباشرا لنهضة بالجانب العقلي واللبي للإنسان ولا يكون السيف إلا للدفاع عن هذا العلم وهذا التوحيد وهذه الروح الطيبة التي لا تشرك بالله أحدا، إن السلطة تفسد صفاء التوحيد إلا من شكل الظاهرة واتقى أن الحكم لله وهو ما يحكم إلا تطوعا لا تجبرا يمنح الحكمة ويستند للشورى والنصيحة، إنه الحاكم المخلص لما في سورة الإخلاص.
والصورة قاتلة، فمن يا ترى يريد استمرار هذا الإحساس المستمر بالتوحيد، ونحن آخر الموحدين نطوف لوجه الله ونملأ المساجد لوجه الله، ونصوم لوجه الله ونتزوج لوجه الله ونوحد الله لوجهه، ولكن من من بيننا يتوسل بهذا ليس لذاك؟ فهل الرهان قبل كل كلام هو التزام خلق السالفين وصفائهم التوحيدي؟ لماذا يفضل مفهوم الدين كدولة عن مفهوم الدين كحياة سلوكية فاضلة وعقلية؟ لماذا يفضل سابقا المنجنيق مع بعض العباسيين في الحرب الداخلية؛ ولماذا تفضل اليوم راجمة الصواريخ مع بعض السلفيين في الحرب الداخلية؟ لماذا تزامن شعوري بنهاية الإسلام مع تحالف العرب والغرب على تدمير آخر ما تبقى من المسلمين الأصيلين؟ لماذا هي معركة محسومة لصالح التحالف الدولي؟ لماذا يجيء الزمن مفسدا للمستقبل؟ هل شعر أخر المسلمين الحقيقيين بالنهاية لذلك سارعوا في إقامة دولة مسلمة بالمعايير السالفة؟ هل معركتهم إما ربح وإما ذبح؟
لقد أشار لنا الله إلى أهمية التوحيد وأنه هو محور هذا الاعتقاد وكنهه والفيصل فيه وأن التوحيد ولو جرد الزمن وفساده الذي يأتي به الجديد من الزمن فعلى المسلم من كل شيء يعاني منه أن يبقى محافظا عليه ومكتنزا له، فالله واحد أحد وهذا صميم الإخلاص ففي سورة الإخلاص قال الله تعالى: . لقد خصصت سورة لجعل هذه الحكمة وهذا الأمر وهذه النصيحة الجليلة بارزة وبوسع الجميع حفظها واستيعابها فأغلب المسلمين في صدرهم مكتوبة صورة الإخلاص السورة الحاسمة والتي ستبقى مع آخر ما يتبقى من الموحدين.

هل نكون وحدنا عندما نكون مع سكان العالم الراهن؟ لماذا يخاف الناس من التفكير في ما حدث وقد انتهى الإسلام ولم يتبقى إلا التوحيد؟ هل تحولي لفقيه رهين بمقاومة الحملة الكونية على ما تبقى من التوحيد؟ هل السؤال كفيل بالمقاومة؟ هل نحن باعتبارنا ما تبقى من الموحدين؛ هل ننتهي؟ هل حدث أن لكل مقام مقامه ولكل حدث حدثه؟ هل نحن أمام المرآة أم أمام ضلنا؛ هل نحن أمام سراب الغرب أم أمام حقيقة النهاية العقلية المنطقية؟ هل نحن هم أريسيوا الإسلام الموحدون؟ هل تعنيف أنفسنا رحمة بأرواحنا؟ كيف يكون الإنسان إنسانا؟ كيف نكون صادقين مع توحيدنا إذا كنا نكذب عليه؟ هل نحن عقلاء وأهل بصيرة أم نحن أهل ارتجال وانفعالية؟ هل يكفي سلاح العالم لقتل بعضنا البعض؟ هل حبات رصاص العالم بقدر حبات قمحه؟ هل نموت أم نعيش؟ هل نحن أهل حق في الحاضر أم أهل باطل؟.

لقد نظرت طويلا قبل إغماض عيوني، قبل إدراك أنني على حدود العلاقة بالأمة التي كنت أنتمي لها، وقد تجلى أن كل ما يربطني بهذه الأمة قد زال، أنا وحدي مع التوحيد، وقد توزع مفهوم الأمة لمفاهيم كثيرة؛ حتى تحللت وضاعت كليا بين الأحداث التاريخية التي حدثت في القرن التاسع عشر والعشرين وما اكتمل به التحلل هو ما حدث في القرن الواحد والعشرين ميلادي، فحتى التاريخ الهجري ضاع في هذا الزخم المميت، فقدت صبري وأنا أكذب على نفسي وأوهم بصيرتي بالهواجس وما ترغب فيه اعتقاداتي. صبر لطالما أرقني، وهذه لحظة وضع نهاية لكل ما يؤثر في ولم يعد له وجود في الدنيا.
أتت لحظات وقفت فيها عند جوانب هذا الإدراك ولكن اليوم أنا في ذات هذا الإدراك، تبددت علاقتي بأمتي قبل تبددها هي كذلك تدريجيا وعبر مراحل رسمت لها، لقد ماتت فكرة الأمة ومات معها كل رجال الأمل وكتاب الطموح الإسلامي المنتظر؛ ماتت الرغبات وظهر أن الزمان كان أكثر حكمة وحقيقة، لقد تبددت الأحلام واختلفت الموازين ولم تبقى أي سلطة خفية للعقيدة على الأرض، قيل لقرون أنه ليس للإسلام أرض فكل الأرض أرضه، ولكن اليوم وبشكل صعب الإدراك لقد انتهى الإسلام وانتهت الأمة وانتهت الأرض لقد غلبت الروم وغلبت الديمقراطية، لقد فازت برامج غزو الفضاء، والصواريخ الذكية.
أنا بحثت في الوهم الذي يستمر، أرى أن هذا الذي نسميه أمل هو السبب في تكريس ما يحدث وحدث، أخاف أن يستمر الأمل والحلم مغمضا لعيوننا عن ماحدث، لقد فات الأوان والتاريخ أو الماضي اختفى كليا، فهذه النتيجة التي توصلت لها ليس لهذا الزمان وإنما هي لزمن آخر غير هذا لذلك سيصعب إدراكها أو احتمالها، إنه أمر يعجز الخيال والإدراك هذا الذي حدث إن الكل غائب عنه هذا، لهذا تحملت مسؤولية التعبير عنه ونشر مضمونه الكبير رغم أنني أعرف أن الناس لن يصدقوني، ولا أحد حتى الساعة يصدقني؛ الكل يكذب أنه حدث إنهاء حقيقي لمنابع الإسلام وسبب قيام الحضارة، الموت هو عنوان اللحظة ونلبسه بالأمل والأحلام...كل تلك المفاهيم الفاسدة، حدثت النهاية ولا سبيل لفعل أي شيء مخالف لهذا فقوة الزمن أقوى من قوة القادة والفاعلين الجوهريين. والله أنهى أمره وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[الرعد:11]. الله تركنا بعد مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم، تركنا لما كسبت أيدينا وموعدنا معه هو يوم القيامة.
وكل مغرور من مغرورينا العطشى للنجاح غير المستحق أو الواهمين به يتشبت بأن للأمة عودة، أي عودة للأمة ومفاهيمها والزمن إطار كل هذه المخلوقات، إن قانون التغير لم يكن سابقا في صالحنا ولن يكون كذلك في الحاضر والمستقبل، وجاء الإسلام واستمر لأن الله شاء ذلك والله يفعل ما يشاء وإذا قال للشيء كن فيكون، إن المستقبل يخبرني بمزيد من التعرية لبنية الشعوب المسلمة مهما كانت متشابهة المقومات، فقديما على الأقل كانت الأمة تتشابه في سوائها بالجوع والعطش والمعاناة التي تعالج بالصلوات المفروضة واستمرت قوة أمتنا لقرون بسبب هذا الدعم الروحي الذي أرسله لنا الله لنتقوى به ونواجه الطبيعة، فكنا خير أمة أخرجت للناس.
من الطبيعي أن تنتهي حركة الإسلام في العالم وسبق النهاية عدة مؤشرات أهمها:
1ـ أنه انتهى الإسلام كدولة مع استبدال الخلافة الإسلامية في العالم الإسلامي ـ عالم البرين والبحرين ـ بالنظام العلماني، من هنا دشنت البداية الحقيقية لغياب فكرة أن الإسلام دين ودولة.
2ـ أصبح الدين هو المسجد وهذا الأخير ينعت بأنه "بيت الله"، ولما أدخل الله في مكعب إسمنتي يقفل باستمرار أدخلت شريعة الله وعدله وحكمه وكلامه كذلك في هذا الإطار الرمزي.
3ـ أصبحت الدعوة للعودة للإسلام من طرف آخر ما تبقى من الجماعات المتمسكة بالدين المرتبط بالممارسة المدنية؛ دعوة شادة مآلها هو السجن والتصفية الجسدية.
4ـ خروج هذه الجماعات لحمل السلاح ضد الأنظمة العلمانية مهما أنكرت أنها علمانية أدى لتحول الحرب ضد الراغبين في عودة الإسلام والأمة من حرب مع الأنظمة إلى حرب مع العالم كله، لذلك نجد أن عشرات الدول المختلفة الجنسيات من العالم كله تجتمع لوضع نهاية للحركات التي تقاتل من أجل عودة الإسلام والأمة، وهي اجتماعات تشبه تلك التي أنهت الحركات العنصرية في أوربا وأقصى شرق آسيا في الحرب العالمية الثانية.
5ـ سوف تستمر هذه الأنظمة العلمانية مهما أنكرت أنها علمانية في الاستعانة بالأنظمة العظمى لاجتثاث ما تبقى من حاملي فكر النبي صلى الله عليه وسلم الداعي لإسلام الدين والدولة.
6ـ ستتخلى الشعوب تدريجيا عن ما تحول لتقليد في الإسلام مثل الصوم والحج والصلاة والقرآن وبهذا الأخير سينعدم المتكلمون باللغة العربية ليظهر أناس يدرسون ويتكلمون بلغات تفرض نفسها هي ما يسمى باللغات النظرية والعملية، وستصبح كل لغة نظرية فقط محصورة لأن العالم متجه نحو تطبيقيات محضة، فحتى أهم الدراسات المكتوبة من طرف عرب تكتب بلغات أخرى وهذا خير دليل.
7ـ ستدرس الأجيال المقبلة في المقررات الدراسية أنه كان فيما مضى شيء يسمى الإسلام وغالبا سيقولون عنه واضعو هذه المقررات أنه عصر ظلمات شهدته الشعوب العربية والفارسية والأمازيغية والتركية والكردية...
8ـ سوف تظهر دراسات أركيلوجية تتحدث عن تاريخ العبودية الإسلامية وعن تاريخ معين لله.
9ـ سيتم الاختلاف في مجالس الشعب والبرلمانات عن هل تزال المساجد وتستغل أماكنها في مشاريع حدائق وأسواق تجارية أم تحول لمتاحف وما شابه ذلك؟
10ـ بهذا نكون في مرحلة مغرقة بالتقدم التقني المادي بكل أوجهه، سيكون الأفراد فردانيون بشكل مريع ففي الوقت الذي كنا نجد فيه أسرة واسعة تعيش مجتمعة سننتقل في هذه المرحلة التي لا أريد تعينها مكانيا وزمنيا وهي التي سيدرس فيها البشر أنهم في أفضل الأوضاع الإنسانية عبر التاريخ، سنجد فيها بدل العائلة الفرد وحده سواء كان أنثى أو ذكر، وستكون حياته في سياق هذه الفردية حرة فحاجته الجنسية سيحققها دون أي تعاقد رسمي، وسيكون دور الدولة حينها هو مساعدة الأمهات على تربية أبنائهم، أو التكفل بهم في ما سيسمونه مدن الحضانة والإيواء العامة.
في هذه النقط العشرة جانب حقيقي حدث أضفت له جانبا له كل المؤشرات ليحدث، فلا أمل قد أعقده على شيء هو غير موجود، مفهوم الأمة صار من ماضينا، لا أريد إغراق نفسي في الأحلام والآمال الزائفة التي يستيقظ عليها البعض وينامون عليها، والعاقل هو من يكن صريحا ويحاول مساعدة نفسه وأصدقائه وأهله ويقل لهم حقيقة ما حدث وأن التاريخ الذي مضى أخد ما أخده من الإسلام وواقعه المزدهر الذي فنى وصار ذكريات جامدة، والعاقل هو من يساعد نفسه على اتخاذ قرار نابع من ذاته بخصوص هذا الأمر لأنه لم يبقى لدينا أي خيار سوى تقرير مصيرنا فلا شيء اليوم يحدد وجودنا مثلنا مثل المتشرد الذي لا منزل رسمي له، فقداننا للأمة أو أمنا جعلنا تائهين بلا هدف كل من وجد فينا أمله يتأمل بنا ويخدرنا بمزيد من الاعتقادات الضالة نفسها عن أي حق.
ليست هذه نهاية محضة للمفاهيم التي صمدت لعدة قرون وإنما هي تعرضت لتهجين مستمر أفقدها كل خصوصياتها، والأمر الذي أخشاه على نفسي حاليا هو أن الواقع الحالي يؤدي توحيدي ويعذبه والرهان هو أن أموت كآخر الموحدين والمتمسكين بدين الله، هكذا مكتوف اليدين إلا على كتابة هذه الكلمات، أرى كل ما ذكرته سابقا يحدث كل يوم، لا قدرة لي اليوم إلا تنبيه نفسي ومن يريد، فلا قدرة لي اليوم ولغيري بعد التهديم الذي حدث في عالمنا الإسلامي والتهويد الذي شمل كل بنياتنا، لا قدرة لنا على إصلاح ما حدث لأن ما حدث في القرنين السابقين أصاب ما هو أصيل في حضارتنا ومرور الزمن لا يزيد إلى فرضا للحقيقة المطلقة التي تقول: لا يمكن تصحيح الماضي ولابد من الاستمرار في الواقع المستقبلي. فالمستقبل في حدوثه يخترق كل المساعي لفعل ما يجاوز ما حدث في الخلف أو في الزمن الماضي.
حتى الساعة أجد أن للتعبير عن الفكرة التي خلصت لها مازال علي قراءة أمور شتى، رغم أنني عبرت في هذه الكلمات عن هذه المسالة بارتجالية وسرعة إلا أنني وضعت أسس مشروع نقدي يحصي مخلفات العاصفة، أنا أمام اكتشاف لا تقدر لا الأحلام ولا الآمال ستره أو إخفاءه، قبل كتابة هذه الكلمات بكيت طويلا طويلا، وكتبتها وأنا مجروح لأن حضارتنا التي كنت حتى الامس أتباها بها وأدافع عنها لم تبقى، كنت أشاهد برامج التنمية البشرية الإسلامية وأشعر بالفرح وأقول غدا رجوع مجدنا وروجوع روحنا لجسدنا. لكن أجد أنني بقيت وحدي مع التوحيد فقط، أو الأحرى أنه أصبح كل فرد يحتضن ما يحتضن من التوحيد الأخير، لقد فقد كل شيء في هويتي معناه الأصيل ولن نجتهد إلا في اغراق أنفسنا في مزيد من الوهم الجميل، هذا الأمر الذي خلصت له عبرت عنه بشكل ضيق هنا في هذه الكلمات وسيكون هدفي هو إشهار هذه الحقيقة عبر كتاب سأشرح فيه معالم هذا النظر وأجزم أني سأكتب حروفه بدموعي ودمي، صعب شرح هذه المصيبة التي تجدرت في كياننا وصعب توضيحها وتفسيرها واستقراءها إلا باستعداد تام، لقد وجدت سببا سيكون من أسباب موتي لأنني مصدوم بعد هذا الامر الذي كان مخفيا عني لزمن طويل، سأموت كما مات الإسلام تدريجيا هذا ما حدث وهذا ما سيحدث.
المسألة التي أعبر عنها ترتبط بشكل متسلسل مع غيرها من الأمور التي شكلت واقعنا، لعل الاستراتيجية التي نجحت لأعداء الدين والأديان هي أنهم صمموا على تطبيق استراتيجية تنسف الاسلام كتلك التي نسفت المسيحية وغيرها من الاعتقادات وهذه الاستراتيجية إن لم تنجح مع غيرنا فقد نجحت وتنجح اليوم في انهائنا، ونحن دون هوية نقلب أكفنا، أنحن من ننتهي أنحن من نقلب أكفنا ونحن ضعفاء ضعفاء. فإذا كان الموت هاجسا غير مرغوب فيه لأغلب الناس واغلب الشعوب فالهاجس الغير مرغوب فيه اليوم هو الزمن لقد هدم الزمن حضارة الإسلام دون عودة ودون رجعة دون أي بصيص أمل، هكذا ننتهي وكل محاولة نرفض إزاءها تقبل هذا الأمر تزيد من طمرنا وموتنا في الزمن السلبي، على الأقل وجب القبول بالحقيقة والصمود كآخر الموحدين في العالم والانتهاء بشرف داخل الزمن الإيجابي وهو الزمن الذي يجسد الصمود الفردي أو الجماعي وانتظار الموت في الزمن وانتظار القيامة بعد الموت، وهو الموت الذي لحق بالأريسيين با عتنبارهم آخر الموحدين في الدين المسيحي، فرغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حاول نجدتهم حين قال:"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم جميع الأريسين.× قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ× ورغم ذلك فقد صد هرقل عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم وثم إبادة الأريسيين كآخر الموحدين في الدين المسيحي.
تموت القيم كونها هي كل هذه الدعوة، ثم إن الأسى والأسف لم يعد يجدي أمام كل هذا الذي حدث، حتى الحزن لم يعد يجدي، فالعيش خارج الحق يعني العيش في هامش الضلال، لذلك كتب الغزالي المنقذ من الضلال ولكن الضلال اكتسح التوحيد ونحن ربما آخر الموحدين الذين يعيشون في العالم، وكتب قطب معالم في الطريق، معالم الطريق فقدت وسبيل العودة لا يتيحه الزمن والعقل والعلم والمنطق، فكتمان حقيقة أن الإسلام انتهى تنقلنا من العيش في التاريخ إلى العيش خارج التاريخ. والعيش خارج التاريخ عيش المجانين. هذه أطروحتي.
قضية الإلحاد كنهاية معينة وضمنية لانتهاء الإسلام:
والالحاد تعبير عالي على الغضب الفردي من غياب الشريعة وانتهاء الاسلام من العالم، وإلحاد المسلم يفرزه الهوان وغياب التكوين الديني من الطفولة إلى ما بعدها، إلى حدود الساعة لا نجد في المغرب حتى وسيلة إعلامية ناجعة ومؤثرة تصل لمختلف الفئات الشعبية، والإعلام السائد والذي ينخرط فيه العموم هو أن الواقع يسود فيه وهم أن الكل خطر عني، أن الآخر هو مصدر الشر لذلك نعبر عن قوتنا المادية أو الرمزية على الأقل بكلام قاسي، يتضمن الكلام القاسي السب والشتم وإهانة الآخر وتمرير المعاني بالضحك والجد للآخر، هذا هو أهم إعلام سائد اليوم زد عليه النكت التافهةالتي يتداولها الأصدقاء والعائلات بينهم والتي تفرض قيمتها انطلاقا من الرغبة في الترفيه على النفس لأن الدنيا تشعر انها مهمومة دون من يجيب على أسئلتها وسؤالها الروحي. ينحدر المسلم البسيط اليوم للإلحاد دون شعور وقد فقد في المجتمع المعنى؛ غياب روح المعنى من الإسلام، وبمجرد ما تنتفى المعنويات من الدين ودين الشخص يصبح قادرا على انتقاد هذا النظام الروحي الذي حل مشاكلا عبر التاريخ وهذب الناس لقرون عدة وحد من الحروب والمعاناة وتجدرها، الإيمان نعمة وتزول هذه النعمة بزوال التفكير فيها، فكثيرا ما يسود اليوم الرغبة في إبداء الرأي في الدين بجهل وهذا الرأي يتمخض عليه سب الدين وممثلي الدين من فقهاء وعلماء لذلك يسب الجهلاء الله والدين والفقيه...ذلك أن المعنى الذي فقد كان سببا في هذا الحال، لا يعلن الإلحاد علانية إلا مفكر كبير ولكن جميعنا نعرف تماما أن هناك ملاحدة صامتون ليست لهم القدرة للتعبير على إلحادهم، سبب انتشار الإلحاد وعدم احترام العقيدة راجع لضعف الإسلام وغياب دولة إسلامية حقيقية وغياب إعلام ذا تأثير ثأثير متوزع في صمائم المجتمع كلها، يسب الدين والمتدينون في الجامعات والمدارس دوما ولا أحد يحمل نفسه مسؤولية الحد من هذه الممارسات، المجتمع الإسلامي صار ضعيفا عندما ضعف الإسلام كتطبيقات وتحول لنظريات طالها الإهمال، زد عليه أن الدول تدعم كل اتجاه ديني ذا ضلال عقدي وفقهي لكي تتجنب المرور لمنبع الإسلام الأصيل الذي يدعوا مثلا لمواجهة الإستضعاف والإحتقار والأذلى الذي يطال المسلم والإسلام بالجهاد، يتحاشى الجميع إعلان الحرب على أمريكا مثلا وهي من تقود بشكل مريع الحرب على الإسلام والمسلمين وتدعم كل اتجاه يهدم الصحوة ويهدم العودة وقلب التاريخ، التاريخ يفرض اليوم نسقا من الأحداث والأفكار والأراء من يخرج عليها يخرج للمعتقلات والسجون، فرغم أن الاسلام يكاد ينتهي ونحن آخر الموحدين إلا أنهم يخافون من ما تبقى من هذا النبض الأخير. إن انتهاء الإسلام والأمة سبقه غياب دولة الخلافة وظهور الدويلات المتوزعة بين الانتماء للروس والصينين وبين الإنتماء لأوربا وأمريكا. لا أخاف الإلحاد وإنما أخاف أن أفقد قدرتي على توحيد الله وعم الشرك به أحدا.



#لحسن_لحمادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسيات المقارنة
- قراءة في كتاب -فلسفة العلم، الصلة بين الفلسفة والعلم- لمؤلفه ...
- قراءة في كتاب -فلسفة العلم، مقدمة معاصرة- لمؤلفه أليكس روزنب ...
- التراجيديا من منظور نيتشه


المزيد.....




- شاهد..قرية تبتلعها الرمال بعد أن -تخلى- عنها سكانها في سلطنة ...
- الأمن الروسي يعتقل 143 متورطا في تصنيع الأسلحة والاتجار بها ...
- وزارة الخارجية الروسية تصر على تحميل أوكرانيا مسؤولية هجوم م ...
- الحرب على غزة| وضع صحي كارثي في غزة وأيرلندا تنظم إلى دعوى ا ...
- ضغوط برلمانية على الحكومة البريطانية لحظر بيع الأسلحة لإسرائ ...
- استمرار الغارات على غزة وتبادل للقصف على الحدود بين لبنان وإ ...
- تسونامي سياسي يجتاح السنغال!!
- سيمونيان لمراسل غربي: ببساطة.. نحن لسنا أنتم ولا نكن لكم قدر ...
- قائد الجيش اللبناني يعزّي السفير الروسي بضحايا هجوم -كروكوس- ...
- مصر تعلن موعد تشغيل المفاعلات النووية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لحسن لحمادي - الدين والزمان