أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رعد تغوج - الرحلة إلى غوانتنامو














المزيد.....

الرحلة إلى غوانتنامو


رعد تغوج

الحوار المتمدن-العدد: 4807 - 2015 / 5 / 15 - 19:32
المحور: الادب والفن
    


أولُ ما يلفتُ النظرَ في روايةِ يُوسف زيدان الجديدة "غوانتنامو" هو الانشغالُ الموسيقي على مستوى الفونتيك ، فمنذ المقدمة الأولى التي جاءت كعتبة أو تكأة للولوج في العمل السردي، ينطقُ الملفوظ الموسيقي ويُعبر عن نفسه في أصوات متقاربة مُترادفة من ذوات مخارج مُتشابهة أو صفاتٍ مُتجانسة، ليستلهمَ بذلك الكاتب خطابَ اللغةَ الصوفية أو حتى التراث العربي في شقٍ واسعٍ من سردياته الكُبرى.
بدأت العتبة بجملة "وكأنَّ كلَّ ما كانَ، ما كانَ" ، وخُتمتْ الرواية في أسطرها الأخيرة بهذه الجُملةِ مَضموناً وشكلاً، ثم تترادف العناوين في فصول الرواية بنفس الإيقاع الموسيقي، وهذا ما شكلَ نصاً موازياً ضمن نصوصُ أخرى تتقاطع في تجاويف العمل ككل، ومن هذه العناوين – النصوص – "مِحَنْ المحو" و "صُبْحُ الصَّحْوِ" و"شُجونُ المَسجُون" و"جُحورُ الرحمة" ، وتستمر إستراتيجية التسمية على ما هي عليه إلا في عنوان "الفاجعة" وهو عنوان يدل على مضمون هذا الفصل الذي تغير فيه الحدث الروائي بفجائعَ ومِحن تخص الشخصيات، لكن لماذا كسر يوسف زيدان القاعدة التي بناها بنفسه حول التسميات بهذا الفصل بالذات؟
نجد الإجابة في التوازي السردي على مستوى الحدث ، فالإيقاع تغيرَ وتطلبَ ذلك تغيير القاعدة للفت الانتباه، وبذلك تتأسس قاعدة جديدة هي:" كلما كُسرت اللغة تغيرتْ معه الأحداث"، وهذا أسلوب قرآني وتراثي بليغ، فقد كسرَ القرآن الكريم الإعراب في آيات عديدة ، مثل قوله تعالى: "إن هذان لساحران" وكلمة "الصابئين" التي وردت بالياء مرة وبالواو مرة أخرى، مما جعل الخروج عن أصل الوضع لأغراضٍ بلاغية وبيانية وأسلوبية جلبها المقام.
وسنجد هذا التوازي والتقاطع في الفصل الأخير من الرواية، حيث تتسارع الأحداث وتتحول اللغة إلى "لغة صحفية" ، لكن لماذا كسر يوسف زيدان وغيّرَ من لغته في الخاتمة؟ الحقيقة أن الكاتب وقع بما أسماه ابن رشيق القيرواني ب"إساءة حُسن التخلص" ودليلنا على ذلك عدة أمور منها أن التناص القرآني يمتد عبر الرواية كلها وبكثرة أبدع الكاتب في توظيفها ، سواءٌ على مستوى الاقتباس كما فعل في سورة الرحمن وغيرها من السور، أو بالتضمين والإذابة داخل بنية السرد واللغة نفسها، وارتفع مستوى التناص بشكليه إلى مئات المرات التي يصعب رصدها في كل فصول الرواية، بعكس الخاتمة التي تمثل مفارقة سردية narrative paradox حسب تعبير نورثروب فراي، فلم يستخدم فيها الكاتب أي تناص أو تضمين لآيات القرآن الكريم.
كما أن الحديث عن الجوانية وهمسات البطل – السجين رقم 676- مع نفسه والمنولوج الداخلي كلها تكسرت في الخاتمة، فلم تعد اللغة لغة مواجيد وعرفاء تركز على الباطن والآنا وتستلهم التفسير الصوفي للعالم كما فعل في اسم غوانتنامو نفسه ، عندما قال عنه أنه" يجمع بين الجوانية والنوم".
ودلالة الحيرة الصوفية ظاهرة في الرواية على مستوى اللغة وعلى مستوى الحدث السردي نفسه، فقد كثرت رؤى البطل ورؤيته في تضاعيف الرواية وهو يُحدث شيخه عبر الحلم، يقول السجين أبو بلال – 676 – عندما أراد الانتقام من مُشرس الكلاب وقتله :
"سمعتُ صوتاً أعرفه يأتي من داخلي هامساً بوضوح وحكمة: يا ولدي، اعرض عن هذا ،واستغفر ربك إنه هو الغفور الودود، يا ولدي ، الكراهية تظلم القلب وتحرق الروح فلا تكن من الخاسرين، واصفح الصفح الجميل، يا ولدي لا تبكِ".
ويقول في لغة عرفانية خالصة : "ناداني من خلف الحجاب صوتٌ قاهرُ النبرةِ، من شانهِ أن يدكَ الأركان، قال لي: اخلع نعليك. قلتُ: أين شيخي؟ قال: لا رضاعَ بعد الحولين. همتُ في المعنى وتحيَرتُ حتى فهمتُ أنَ نعليَ هما البدنُ والروح، فأحرقتُ بدني بنيران روحي ولما خمد اللهيبُ تركني في لبسً من الخلقِ الجديد.. نُوديتُ : أقبل، فاقتربتُ. اسجدْ، فجثوتُ. استقمْ، فتناثرتُ. تعالَ، فعلوتُ. ورأيتُ الدنيا كرة تدورُ في راحة يدي".
تنبني رواية "غوانتنامو" في جزءٍ كبيرٍ منها على ضمائر المتكلم مما أضفى بعداً روحياً ذاتياً على تضاريس الحبكة الفنية واللغة الإشراقية، وجعل من هذا العمل الفني هوية أنطيولوجية قائمة بذاتها تعكس ريشة يوسف زيدان الذي أبدع في رسم لوحته ونحت لغة صوفية عرفانية متعالية (ترنستندالية) مما يذكرنا بقول الجرجاني الذي قال عن حدُ الجزالة بأنه الذي تعرفه العامة ولا تستطيع الإتيان بمثله.



#رعد_تغوج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتباس الحراري ومأزق الطبيعة
- هكذا تكلمت فكتوريا - اللامتوقع في رواية كنوت هامسون


المزيد.....




- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رعد تغوج - الرحلة إلى غوانتنامو