أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكريا كردي - في العنف كتاب (حنّه آرندت) - فهم ومراجعة















المزيد.....

في العنف كتاب (حنّه آرندت) - فهم ومراجعة


زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)


الحوار المتمدن-العدد: 4797 - 2015 / 5 / 5 - 22:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(قد يكون العنف مقتلة السلطة لكن بالتأكيد لن يستطيع أن يكون هو السلطة)
لاشك أن العنف ظاهرة قديمة، ارتبط وجودها بوجود الكائنات الحية ومنها الإنسان. لكن الحديث عن هذه الظاهرة يتوارى ويخبو أو يظهر ويشتد بين الحين والآخر، بحسب درجة تفاقمها في المجتمعات الإنسانية..
وأخال أن هذه الظاهرة التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال آسيا، في معدلات قصوى تكاد تطبع كل أوجه الحياة اليومية للإنسان الذي يعيش حالات عنف غير مسبوقة.. تطرح على كل ذي لب ، اسئلة حول ماهية العنف، وهل هو نتيجة أم سبب، وحول مدى علاقته بالسلطة ، وهل هو وسيلة ناجعة في إسقاط النظام والسلطة ، ثم هل حقاً يأتي العنف بالحرية.. ؟ كونها السلم الأوحد للإبداع والارتقاء بالمجتمع..
وبالرغم من الجزم أن مثل هذه الأسئلة تحتاج إلى مجلدات ومحاضرات كثيرة جدا للإجابة عنها أو عن بعضها ..إلا أنني لا أجد مانعاً، أن يفكر المرء بصوت مكتوب، حول العنف واستجلاء بعضاً من حقيقته.
وقد ورد في لسان العرب لأبن منظور تعريفاً للعنف على أنه الخرق بالأمر وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق، وأُعنف الشيء: أي أخذه بشده والتعنيف هو التقريع واللوم..
يعتقد بعض المفكرين، أن جذور العنف تعود حين أوجد الإنسان ما يسمى السلطة ، كأداة قسر في المجتمع، يحق لها أن تستخدم ما تراه مناسباً، من وسائل الضغط والإكراه، لوقف الخرق بالأمر، في حدود ما يسمى العنف القانوني المشروع، ضد أفراد أو جماعات تشكل خطرا على العقد الاجتماعي، أو لتدفع العدوان عنه أو تخفيف العنف بين أفراد المجتمع، ورغم التعارض بين السلطة والعنف من حيث الماهية، إلا أن العنف ظل مقترناً دائما بالسلطة ومتداخلا معها بالتناقض، وأي صدام يحصل بينهما – العنف والسلطة - يكون النصر دائماً من نصيب الأول..
وأغلب الظن أن المبالغة في قسر السلطة يسمى طغيان واستبداد وجور وعسف، أما العنف الجماعي الصادر عن أغلبية أفراد المجتمع يسمى ثورة، وهي في ظاهرها ردّ لظلم أو إحقاق لحقوق منتهكة بفظاظة.. الخ ولكن هذا الصراع بين تنامي مستويات العنف الاجتماعي و ردٌّ السلطة عليه كان دائماً مثاراً للأحكام الأخلاقية والقانونية.. والتي جعلت الكثير من المفكرين يتسألون عن النبأ العظيم في جدوى الثورات ومدى حتميتها، وخصوصاً تلك التي تستخدم العنف في إحقاق حقها .. ولكن هل حقاً العنف أمر حتمي كي تتقدم المجتمعات لكونها تقوم في جوهر وجودها على الصراع.؟ ثم إذا كان حقاً العنف العدواني الغريزي- كما بين لنا الفيلسوف هوبز- يشكلُ سبباً أساسياً في تكوين المجتمع أصلاً، ومنه أي العنف الغريزي، ظهرت ضرورة وجود السلطة، هل يعني هذا أن دائرة العنف لن تتوقف بين عدوانية أفراد المجتمع وعنف ضوابط السلطة عليهم.؟ وماذا عن أولئك الذين يقولون أن العنف الاجتماعي ما هو إلا نتيجة لعنف السلطة ، وأن العنف هو بالأساس نقيض السلطة ، ولابد من السعي المستمر لإسقاطها كي يتقدم الإنسان بحريته ويحقق وجوده المبدع.؟ إذن لابدّ من الثورة، دون أن يتنظروا أو يتفكروا في الإجابة على التساؤل الأهم : ماذا بعد إسقاط السلطة ..؟
في كتابها المميّز ( في العنف ) ترجمة الأستاذ ابراهيم العريس تخبرنا الباحثة الاجتماعية الألمانية البارزة حنا آرندت .. ان السلطة ليست البتة خاصية فردية، بل تنتمي الى المجموعة ، وتستمر موجودة حتى في ظل الانقسام والتنازع، ولكنها تضعف وتنقص عندما يحتل العنف الساحة وتقتصر على العلاقة القائمة بين الأمر والطاعة أينما كانت.. ورأت *آرندت ان السلطة توجد عندما يفعل الناس معاً، وانها تتلاشى عندما يتشتتون، لأن السلطة الشرعية هي دائما ثمرة فعل مشترك وأن الفعل المشترك لا يدوم الا باستمرارية التفاهم والتعاون بين الأفراد التي تتشكل منها الجماعة السياسية وأن ظهور بذور الشقاق والتنازع كفيل بأن يفسد كل شيء ويفقد السلطة مشروعيتها ويتهدم الكيان السياسي.
ولذلك حين تتفتت السلطة، تصبح الثورة ممكنة ، ولكن ليس بالضرورة. إذ تعلمنا الأحداث دروساً حول أنظمة قمعية سُمح لها أن تظل قائمة لفترات طويلة من الزمن - إما بسبب عدم وجود طرف يرغب في أن يختبر قدرته، ويكشف ضعفها، وأمّا لأنها كانت من حسن الحظ بما يكفيها لعدم خوض الحرب ومعاناة الهزيمة - كما أن التفتت في السلطة لا يظهر واضحاً إلا من خلال المجابهة المباشرة، وحتى هنا ، حين تكون السلطة قد أصبحت بالفعل، في الشارع ، يكون الامر بحاجة إلى جماعة من الرجال معدين لمثل هذا الإحتمال، لالتقاط السلطة وتحمل المسؤولية.. وإلا دخل المجتمع في الفوضى والضياع.
لم يحدث أبداً لحكومة وطّدت سلطتها على أساس أدوات العنف وحدها، أن وجدت، فحتى الحاكم الشمولي (التوليتاري) ، الذي يعتمد على ممارسة التعذيب كوسيلة أساسية للحكم ، يحتاج إلى أسس للسلطة - البوليس السري وشبكة المخبرين الملحقين به - ولو بحثنا في المفاهيم لوجدنا أن السلطة تكمن حقاً ، في جوهر كل حكومة، لكن العنف لايمكن أن يكون الجوهرفي أي شيء.. فالعنف ، بطبيعته ، أدواتي ، وهو ككل وسيلة، بظل على الدوام بحاجة إلى توجيه وتبرير في طريقه الى الهدف الذي يتبعه . ويحتاج إلى تبرير يأتيه من طرف آخر ..كما أن إحلال العنف محل السلطة قد يحقق النصر، لكن الثمن يكون مرتفعاً جداً.. لأن من يدفعه لا يكون المهزوم وحده، بل قد يدفعه كذلك الطرف المنتصر، وعلى حساب سلطته الخاصة.
إن خطر العنف ، حتى ولو تحرك بشكل واعٍ ضمن إطار غير متطرف يطال أهداف المدى القصير ، سيكمن على الدوام في واقع أن الوسيلة تغلب الغاية.. فإن لم تتحقق الغايات بشكل سريع لن تكون النتيجة فقط إلحاق الهزيمة بالتحرك السياسي كله، بل كذلك إدخال ممارسة العنف في صلب الجسم السياسي ككل.. إن الفعل أمر لا نكوص عنه، أما العودة إلى الوضعية السابقة في حال الهزيمة، فأمر غير مرجح على الدوام.. وأن ممارسة العنف، مثل كل فعل آخر ، من شأنها أن تغير العالم ، لكن التبدل الأكثر رجحاناً سيكون تبدلاً في اتجاه عالم أكثر عنفاً.. والحقيقة أن العنف، وعلى عكس مايحاول أنبياؤه أن يقولوه لنا، يمكن إعتباره سلاح إصلاح أكثر مما هو سلاح ثورة.
بكلمات أخيرة : ان العنف هو استثمار هذه الهشاشة الاجتماعية بواسطة مشروع أداتي يخدم مصلحة فئة ضد مصلحة الجميع، وان الحرية الحقيقية تنبع من مقاومة الشمولية ومواجهة تلك الهشاشة وتحدى القدر في عدم السقوط في فخ قتل السلطة والدخول في عماء الفوضى المدمرة.
قد يتمكن العنف من تدمير السلطة، لكنه في الوقت نفسه عاجز بالضرورة على خلقها. “ وقد يكون العنف مقتلة السلطة، لكن بالتأكيد لن يستطيع أن يكون هو السلطة .. كما يمكن للعنف أن يحقق الانتصار، لكن الثمن سيكون مرتفعًا للغاية.. وكثيراً ما يكون ارتفاع المرء بأحلامه السبب المميت لقوة الصدمة التي سيهوي بها حين يستقبل واقعه على الأرض..





#زكريا_كردي (هاشتاغ)       Zakaria_Kurdi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قناصو الوهم ..!
- التملق مركب الحقيقة الأفضل
- يعيشون بين ظهرانينا..!
- المسلمون يواجهون ...أزمة نص لا أزمة شخص..


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكريا كردي - في العنف كتاب (حنّه آرندت) - فهم ومراجعة